كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
وكان لصوت وقعتها صدى تردد في أذني شريدان فإستدار وركض مسرعا نحو الباب ليرى الخادم بيني جالسا بجانبها مذهولا يحاول ان يفعل شيئا لمساعدتها على إستعادة رشدها ، إلا ان شريدان أشار على الخادم كي يساعده في حملها ووضعها في غرفة نومها ، وهنا بدأ شريدان عملية النجدة ، إذ راح يفرك بيده يديها ، ووجهها ، وكتفيها ، دون أن ينسى أن يربت باليد الأخرى على جبينها وظهرها ، كل ذلك وهي تئن أنينا حزينا ، وتتاوه ، وتشهق بعمق ، وأمضى بضع دقائق وهو يسعفها ، وينجدها ، ويحرك يديها ورجليها صعودا ونزولا ، قبل أن يطمئن الى انها بدأت تتململ وتخفف من حدة تأوهاتها ، وتفتح عينيها ثم تغمضهما ، لتعود وتفتحهما ثم تغلقهما ، الى أن إستعادت رشدها وتمتمت بصوت خافت:
" حالتي أفضل".
منتديات ليلاس
وأغمضت عينيها لتغرق في تأملاتها ، إذ بدأت تستعيد في ذهنها صورة شريدان وهو يجادلها بعناد وثبات حول حقيبة والت ، ورنين جرس الهاتف ، وأشباح والديها اللذين سيصلان بعد لحظات ، وهي تعرف تماما صاحب الصوت الذي يلاطفها ويشجعها ، واليد التي تسعفها ، والتي إمتدت اليها الآن لتناولها فنجانا من المنعشات والمرطبات كي تنتعش وترتاح وتعود الى ذاتها بعد تلك الغيبوبة القصيرة التي خالتها بمثابة رحلة خاطفة الى الأبدية.
ناولها شريدان الفنجان وهو يقول:
" هيا إشربي هذا الشراب المنعش ، يا كيت !".
" ما هذا الشراب؟".
" إنه مزيج من الماء والسكر وماء الزهر".
كان يتأملها برقة وحنان ، وأضاف:
"هل تعرفين ماذا اصابك يا كيت؟".
" نعم ، اعرف.... لقد أغمي عليّ".
وتنهدت بعمق ، ثم رفعت رأسها قليلا عن الوسادة وإتكات على كوعها ، أضافت:
" شكرا يا براد ، أظنني صرت أحسن الآن .. غريب ، إنني أغيب عن الوعي للمرة الأولى في حياتي ، صدقني نها المرة الأولى".
" المهم الآن هو أن تفعلي حسبما اقول لك ولو لمرة واحدة في حياتك!".
تاملها ليرى رد فعلها ، ثم أضاف:
" السيدة فانهان هي التي إتصلت لك لتقول انها في طريقها اليك...".
وسدّ فمها بيده ليمنعها من الإحتجاج:
" كفاك إحتجاجا وعنادا يا كيت ، والدتك ووالدك وصلا ولقيا إستقبالا يليق بهما ، وإذا كنت حقا تنوين الإشتراك في العرض الليلة عليك ان تنشطي وتأكلي وتنامي طيلة فترة ما بعد الظهر".
" مستحيل ، لا يمكنني ان أنام.... هناك أشياء كثيرة علي القيام بها".
واشارت بيدها الى مروحة السقف وهي تقول بعصبية كان أنينها يضايقها:
" أوقفوها عن الدوران".
" انا متأكد أنك لن تصغي لنصيحتي لكن السيدة فانهان تعرف ان تتحدث معك باللغة التي تفهمينها".
وخرج.
السكون الذي ساد بعد مغادرة شريدان البيت كان مزعجا بالنسبة الى كيت إذ إنفجرت بالبكاء وهي حاضنة رأسها بيديها كأن حدسها أنبأها بأن شريدان لن يعود... لن يعود بعد اليوم ابدا.
صحيح ان لسان حال كيت تمنى ألا يعود شريدان ، لكن قلبها وعقلها كانا يريدان العكس تماما ، بعد لحظات وصلت السيدة فانهان لتعبر لها عن اسفها لما جرى لها ليلة أمس ، وتسالها عن حقيقة الأشاعات التي تحدثت عن توجهها الليلة الماضية في رحلة غامضة برفقة شريدان وعن حادث السيارة وغير ذلك من الأمور المقلقة ، فطمأنتها كيت بأن حكت لها حكاية رحلتها من أولها الى آخرها.
كم كانت دهشة كيت عندما خرجت من الحمام لترى ان السيدة فانهان انجزت خلال فترة إستحمامها القصيرة ، جميع الترتيبات اللازمة لأستقبال والديها ، فقد اعدت المائدة ووضعت بعض الزهور هنا وهناك ، ورتبت الصالون ، ونظفت المدخل ، ونفضت الغبار عن الطاولات والرفوف والكراسي بحيث كانت كل أشياء البيت تلمع.
إلا ان السيدة فانهان لم تبق للمشاركة في تناول الغداء المعد خصيصا بمناسبة عودة والدي كيت ، فقد كان ينتظرها الكثير من الأعمال لتنفيذها قبل حفلة إفتتاح المعرض الليلة ، تحادثت مع كيت حول بعض الأمور المتعلقة بالمعرض بصورة عامة وبدورها بصورة خاصة ، ثم ودعتها وغادرت المنزل وهي تعدها بالعودة مرة أخرى لمقابلة والدتها وتناول الغداء معها.
لحظة إنطلاق سيارة السيدة فانهان وصلت السيارة التي اقلت والديها من المطار ، وما أن شاهدتها كيت حتى طارت من الفرح وخرجت من البيت وهي تركض نحوها لتحتضن امها بين ذراعيها ، تقبلها ، وتشدها الى صدرها وقد إختلط العناق بدموع الفرح فيما وقف الوالد يراقب لقاءهما المؤثر ، ويتأملهما بنظرات مفعمة بالمحبة والحنان ، وفي غمرة هذا الفرح العارم فضلت كيت ألا تطلع والدها على تلك الأخبار المشؤومة الآن ، ريثما يخلو لها الجو ويصبح بإمكانها ان تراه على إنفراد.
والحقيقة أن والدها شعر بالقلق عليها من جراء الكآبة التي كانت مرتسمة على محياها فور أن رآها ، لكنه لم يسالها شيئا إلا بعد ان أنتهوا من تناول طعام الغداء ، وتحلقوا حول صينية القهوة ، سألها:
" هل حدث شيء ما اثناء غيابي , يا كيت؟".
" نعم ، تعطلت السيارة".
" ماذا تقولين؟ وكيف حدث ذلك ؟وهل اصابك سوء؟".
" لا ، والحمد لله ، تلك هي مشيئة القدر ، يا ابتاه".
|