كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
الا أن شيئا واحدا ظل يشغل بالها إلا وهو التهديدات التي لوّح بها والت في حال تخلّفها عن إيصال حقيبته اليه في الموعد المحدد ، وهذه الليلة بالذات ، وقد طغى قلقها هذا على كافة الإنشغالات اخرى التي طالما حيّرتها وأربكتها ، بدءا بقلقها على سيارتها المهددة بالغوص في وحول المستنقع وإنتهاء بقلقها من أن يتركها شريدان وحدها في هذه المنطقة ويذهب دون رجعة.
بعد قليل إقترب شريدان منها وراح يلاطفها ويتحسس بيده كاحلها المرضوض ويقول:
" كيف تشعرين الآن ، احسن ، أليس كذلك؟".
ثم نصحها بأن تخلع حذاءها وتمدد ساقيها.
"نعم ، احسن بكثير ، شكرا لك يا براد".
وإبتسمت له ملء شدقيها ، ثم أضافت بلهجة تدل على شعورها بالضجر:
" الى متى تظن ستبقى في هذا المكان ؟ إنني لا اطيق البقاء هنا طويلا يا براد".
" وهل من خيار آخر ، يا كيت ؟مهما يكن ، سنبقى هنا حتى بزوغ الفجر".
" هذا مستحيل يا براد ، مستحيل ، إذ عليّ أن .....".
فقاطعها قائلا:
" اعرف ذلك ، يا كيت ، ولكن ليس باليد حيلة".
" هناك واجبات عليّ ان أقوم بها".
" ومنها تسليم والت حقيبته ، أليس كذلك؟".
وصمت يتاملها وهي واجمة ، تشهق وتتنهد بعمق ، ثم أضافت :
" صارحيني الحقيقة يا كيت ، إذ لم يعد امامك مجال لإخفاء الحقيقة بعد أن فات الأوان وهرب والت الى غير رجعة".
" أنا لست في وارد التظاهر بالجهل أو التهرب من الواقع".
صمت تتأمله قليلا ثم تابعت تقول:
" ومن قال لك بان هذه الحقيبة حقيبة والت ؟ هل يمكنك إثبات ذلك؟".
" هيا يا كيت ، وكفاك ضحكا على الذقون ، لتعلمي أنني أعرف بالتفصيل كل ما تحتويه هذه الحقيبة التي تجلسين عليها".
كان يحدّق فيها بنظرات فاحصة ، ثم اضاف:
" نصيحتي اليك ان لا تعاندي أكثر من اللزوم لئلا ترغميني على إثبات القول بالفعل".
" لا ، لا ، إنك لن تفعل شيئا كهذا ! انت انبل من أن تكون بهذه الخسة".
إنتصبت في جلستها وهي تحاول تغطية أطراف الحقيبة بيديها ، وأضافت:
" هذه حقيبتي أنا".
" اجل ، إنها حقيبتك في الوقت الحاضر".
حدّق فيها بطرف عينه كمن يتحفّز للمبارزة ، واضاف:
" هل تظنين أنك قادرة على منعي من أخذ الحقيبة وفتحها لأثبت هوية صاحبها أمامك؟".
" جرب يا براد ، وسترى....".
فقاطعها ليقول:
" لا حاجة لأن أجرب ، يا كيت ! لقد فات الأوان".
" فات الأوان ! ماذا تعني؟".
وبدأت تعرق كمن أصابته رعشة باردة فجأة واضافت:
" ما دمت إعترفت بأن الأوان قد فات ، لماذا رافقتني لتتحمل كل هذه المشقات؟".
" لأسباب محض شخصية".
" متأسفة يا براد ، لست أفهم ماذا تقصد أن تقول".
قالت ذلك بصوت هامس وهي ترطب شفتيها الناشفتين بلسانها وتحدق في وجهه ، رد عليها قائلا:
" يجوز انك تقولين الحقيقة لأنك جئت الى ماهور متأخرة لتعرفي حقيقة الأمور".
هبّ واقفا ثم مشى ببطء بعيدا عنها حتى لم تعد تراه بسبب الظلام الدامس ، وهي تتساءل بهلع : ( ترى من كان يقصد بحديثه ! أيظن ان والدي متورط في المخالفات التي يرتكبها والت ، أم أنه يقصدني أنا شخصيا ولا يريد ان يتهمني صراحة بالتورط معهما بطريقة من الطرق؟) .
ما أشبه السكون الذي يعقب العاصفة بالسكون الذي يسبقها ، هكذا بدا الجو بعد هدوء العاصفة ليعيد الى كيت بعض الشعور بالأرتياح وإن لم يكن هناك ما يجعلها تشعر بذلك سوى الوحدة والوحشة ، خاصة بعد غياب شريدان المفاجىء ، وظهوره المفاجىء ليباغتها وهي تحاول عبثا فتح حقيبة والت ، ويقول لها:
" إذا كان فعلا يهمك معرفة محتويات حقيبتك ، أنا مستعد لمساعدتك في تحقيق رغبتك هذه".
فهزّت راسها بالنفي وهي ترد عليه قائلة:
" لقد فات الأوان يا براد ، الحق معك"
وصمتت تتأمله وهو يحدق فيها بنظرات أثبتت لها مدى رجولته وشهامته وإهتمامه بها في الظروف العصيبة التي يمران بها ، ثم أضافت:
" علينا ان نرحل من هنا بعد ان يتوقف المطر ويطلع القمر ".
" المحاولة لن تفيد قبل إنقشاع الظلام وطلوع النهار".
لبث ينتظر جوابها ، ولما بقيت صامتة ، أضاف قائلا:
" كيت ، يجب ان تبقي هنا ريثما أذهب وأعود ، إنني ذاهب للبحث عن وسيلة نرحل بواسطتها من هنا الى أي مكان آخر".
"وهل تظن انك ستجد غير عربات الخيل في هذه الديار؟".
" سيكون من حسن حظي إذا وجدت عربة خيل".
" لا ارجوك ، لا تتعب نفسك إذن يا براد".
منتديات ليلاس
لكنه ذهب وتركها لأحلامها وقد بدأت تتذكر السيارات والمسابح ، والمنازل الهادئة وغرف النوم الدافئة ، وتفكر بالصدمة التي ستصيب والدها العائد غدا عندما يسمع بأن والت هرب ، وبما يقوم به شريدان من تحريات ومطاردات ناشطة لمعرفة حقيقة العلاقة الحميمة القائمة بينه وبين والت مارلو ، فضلا عما تقوم به هي من محاولات يائسة لتفادي الكارثة ، أو بالأحرى لتاخيرها ، والدهشة التي ستغمر والدتها حينما تكتشف ان ظنونها لم تكن من نسج خيالها وغنما كانت حقيقية ، دون أن تنسى المعرض وحفلة الإفتتاح الليلة القادمة.
وكم لامت والدها على تردده في توضيح أسباب وحقيقة العلاقة القائمة بينه وبين والت ، والاسباب الكامنة وراء صمته المطبق رغم محاولات الإبتزاز والتهديد التي يمارسها بحقه وهو راض وقانع ، لا يقول كلمة سوء ضده ، وتساءلت : ( ماذا كان يضره يا ترى لو فعل؟ لو انه اوضح لي بعض الجوانب المحيطة بالعلاقة القائمة بينهما ، ربما كان يتصور انني أحاول التدخل في ما لا يعنيني ويجهل أنني إنما كنت احاول ذلك بدافع غيرتي على مستقبله وعلى سعادته وسعادة والدتي ) .
كانت لا تزال غارقة في بحر تلك التصورات المقلقة لما ظهر امامها بغتة وسالها:
" أي ساعة تتوقعين وصول والديك غدا؟".
" قبل الظهر".
" حسنا ، قد يحالفنا الحظ لعودة قبل أن يصلا".
" ارجو ذلك ، إذ يجب عليّ ان استقبلهما , والسيارة ؟".
" سنذهب الى المطار بسيارتي ، سأحاول إنقاذ سيارتك أثناء النهار ، إطمئني يا كيت".
قال ذلك بلهجة ناعمة ، لطيفة ، اشاعت في نفسها الإطمئنان الى صدق ما يقول ، لم يخالجها أدنى شك في سلامة نواياه ، وكانت واثقة بأنه سيفي بوعده ، سينقذ سيارتها ، سيضع سيارته تحت تصرفها لأستقبال والديها ، وسوف يعيدها الى بيتها سالمة ، باتت متأكدة من نحقيق كل هذه الأمور ، وإنماالذي كان يقلقها هو ان كل تلك الإيجابيات لا تنسجم مع الوجه الآخر من سلبياته والطرق المخجلة التي يلجأ اليها في سياق القيام بواجباته ، لدرجة أنه لا يتورع عن مطاردة الجنس اللطيف والتودد اليهن ، لا لشيء إلا للحصول منهن على بعض المعلومات عن المهمة التي إنتدب لها ، بعد أن يثقن به ويتصورن علاقتهن معه بداية لرحلة طويلة الى الحب والزواج.
سالها:
" كيف كاحلك الآن ؟ يبدو أن لفافته نشفت ويلزمها ترطيب".
" لا حاجة لذلك , لا تتعب نفسك".
" لا تعب مطلقا".
" أرجوك ، لا تتعب نفسك ".
وهنا ، إحتدم النقاش بينهما ، كان يتهمها بالعناد والمشاكسة دون أي مبرر ، وعدم ثقتها به بعد كل بوارد الإطمئنان التي كشف عنها في مناسبات مختلفة ، وكانت هي ترد عليه محمّلة إياه مسؤولية كل ما كان يجري بينهما من مماحكات ومشاحنات ،ومواجهات صاخبة احيانا ، بسبب التصرفات التي يمارسها نحوها ، الى أن إنتهت الى إتهامه بزعزعة ثقتها به وعدم توفير عناصر الإطمئنان الى صدق نواياه ما دام لا يكف عن مطاردتها ، ناسيا ان الحب شعور متبادل بين شخصين لا يتكامل وينمو في قلبيهما بدون الثقة المتبادلة والأحترام المتبادل ، والمودة والألفة ، إن الحب ليس سلعة ، وإنما هو شعور له قدسيته وحرمته.
تأملها شريدان ، ولكن بنظرات مختلفة الآن ،وهو يعرق ويلهث ويبتسم كأنه خارج من معركة ضارية ، كأنه إنتصر على ذاته الأنانية بفضل ذكائها وجرأتها وصراحتها ، وإبتعادها عن التفكير باللهو العابر ، خاطبها قائلا:
" هنيئا لك هذا الإنتصار ، يا كيت".
وإستدار وذهب في طريقه.
|