كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
5- رحلة ليست للنسيان
عندما وصلت الآنسة كيت الى المنزل وجدت رسالتين بإنتظارها ، واحدة من السيدة فانهان ضمنتها رقم هاتفها ،وأملها بأن تتصل بها في المساء ، والثانية من السيد والت يخبرها بأنه قد يتأخر عن الموعد المضروب لبضع دقائق ، ولكنه سيكون هناك قبل الساعة الثامنة بكل تأكيد.
تناولت رسالة السيد والت فكرمشتها بيدها ثم ألقتها في سلة المهملات وهي تقول لنفسها : ( لو يتاخر بضعة ايام اوأسابيع لكان يعفيني من مشقة الخروج معه الليلة ن ليته يفعل ، ولكن كلمة يا ليت لا تصح مع هذا الإنسان ، على ما يبدو ، ثم فكرت بالإتصال بالسيدة فانهان حتى إذا ردت كان به ، وإلا عادت وإتصلت بها عند المساء كما طلبت منها ، مجرد محاولة قد تنفع ولا تضر.
نجحت المحاولة ، وكانت السيدة فانهان هي التي ردت عليها شخصيا بلهجة بشوشة ، خاصة بعد أن عرّفتها بنفسها وبعد أن تبادلتا كلمات الترحيب والمجاملة ، اعطتها السيدة فانهان لمحة مختصرة جدا عن المشروع الذي تنوي تنفيذه ، على أمل أن تبحثه معها بالتفصيل عندما تلتقي بها ، ويبدو ان كيت احبتها بمجرد ان سمعت صوتها عبر الهاتف ، إذ تجاوبت معها دون تردد ووعدتها بالتعاون معها في إقامة معرض الأزياء الشرقية والغربية على السواء ، أخيرا تواعدتا على اللقاء في صباح اليوم التالي ، على أن تبقى كيت عندها لتناول الغداء.
منتديات ليلاس
ما أن أعادت كيت السماعة الى مكانها حتى بدأت الأفكار تتدافع في خيالها كأنها تشعر نفسها مكلفة بإجراء الإستعدادات لإقامة العرض المذكور ، وهي مأخوذة بما عبرت لها السيدة فانهان من كلمات الترحيب والتشجيع والتقدير ردا على موقفها الإيجابي للتعاون معها في شتى المجالات ، وعلى مختلف المستويات ، وكان من الطبيعي ان يثير ذلك الحماس والبهجة في نفسها بعد فترة من الركود والجمود أحدثت فراغا رهيبا في حياتها ، واشاعت موجة عارمة من الضجر والكآبة في نفسها ، وباتت تعتبر أن هذه الفرصة ، فرصة إنهماكها في تنظيم وإقامة المعرض ، سيكون من شانها ان تسد ذلك الفراغ الكبير في حياتها ، وأن تنسيها مرارة الآلآم والأحزان الغارقة فيها حتى الأذنين.
وسرعان ما إندفعت الى العمل بحماس منقطع النظير ، فإنزوت في غرفتها لتضع على الورق الخطوط العريضة لبعض الأفكار التي بدات تراودها قبل أن تطير من خيالها ، تمهيدا لمناقشتها مع السيدة فانهان وإعتماد ما يتفق منها مع البرنامج المبدئي للمشروع ، وهكذا امضت وقتا طويلا وهي مشغولة بغربلة أفكارها وبلورتها دون أن تشعر بمرور الوقت وكانها بدات العمل منذ دقائق ، ولا عجب من ذلك إذ أن الزمن يتسارع بالنسبة الى حجم العمل ووفرته ، ولو لم يدركها والدها بعد طول إنتظار لكانت واصلت لعمل حتى الفجر من حيث لا تشعر ولا تدري.
سألها وهو يرفع حاجبيه مداعبا وباسما:
"ها ، ها! كل جديد له طنة ورنة ! يبدو انها اقنعتك بسرعة وسهولة ".
" نعم ، يا والدي العزيز ، اقنعتني لن في نفسي حنينا الى عمل أي شيء ينسيني الضجر الذي يكاد يقتلني".
" عظيم ، عظيم ، يا كيتي! مبروك مع تمنياتي بالنجاح".
وبعد ذلك ، حدّثته عما جرى بينها وبين السيدة فانهان من حديث أثناء المخابرة الهاتفية التي أجرتها معها ، ثم إستأذنت بالذهاب كي تستحم وتغير ثيابها إستعدادا للسهرة مع السيد والت تلك الليلة.
ذهبت الى الحمام وهي تشعر بالقلق على والدها من جراء ملامح التعب والإرهاق البادية بوضوح على محياه ، وتمنت بحرارة ولهفة لو أنه يرضى أن يصارحها بمكنون صدره من مخاوف ومتاعب ، لكان بإستطاعتها ان تمده بالعون الكافي للوقوف بوجه مناورات السيد والت وصد محاولات الإبتزاز التي يمارسها نحوه ، والتعاون معه في مواجهة الصعوبات التي يحاول السيد شريدان أن يثيرها بوجهه ، ولسان حالها يقول:
" كل شيء يهون في سبيل راحتك وسعادتك ، يا والدي الحبيب ، ويا اعز من نور عيني ..... انا ادرك تماما أنك تتحمل كل هذا العذاب وتطوي آلامك بين الضلوع وبدافع حبك لوالدتي وحرصك الشديد على توفير الهناء والراحة لها".
كانت لا تزال غارقة في افكارها ، عندما وصل السيد والت ، قبل الثامنة ببضع دقائق ، وقد اثار منظره الإشمئزاز والقرف في نفسها ، خاصة بعد ان ترجل من السيارة وسار نحو الباب بغرور وغطرسة كانه سلطان زمانه، يتصور نفسه ماشيا على الرض وسط هالة وهمية من العظمة والابهة، فلو كان يدري مقدار كرهها له وتاففها من إنشاء أي نوع من العلاقة الشخصية أو الصداقة بينها وبينه ، لكان توارى عن الأنظار خجلا ، لكن ما حيلة الآنسة كيت وهي التي كتب عليها ان تعاشر امثاله ، لا لشيء إلا بدافع إبعاد الكاس المرةعن شفتي والدها.
بعد لحظات ركبا السيارة ، وإنطلقت بهما الى حيث يريد قضاء السهرة ، على انغام الموسيقى التي يبثها راديو السيارة ، والبرودة الصادرة من مكيف الهواء.
كان والت فرحا للغاية وهو يقود السيارة وعيناه شاخصتان الى الأمام ، دون ان يمنعه ذلك من الميل نحوها ليلامس وجهها كلما إهتزت السيارة ، وإرتفعت وهبطت اثناء سيرها ، وصلت السيارة الى مشارف ضواحي المدينة فقال لها:
" ما رأيك ان نذهب ونسهر في مكان آخر غير النادي ! لقد سئمت من رؤية تلك الوجوه ذاتها كل ليلة وبودي التعرف على بعض الوجوه الجديدة".
وافقت على الفور وهي تشعر بالإرتياح لنها ستكون بعيدة عن أنظار السيد شريدان وإستفزازه ، إذا رآها برفقة والت في النادي , وسألته:
" الى أين تفكر ان تذهب؟".
" أحب ان نذهب الليلة الى مطعم اهشان".
" وهو كذلك ، عظيم !".
قالت ذلك بلطف وأدب ، واضافت :
" إنها فرصة ذهبية تتيح لي ان أتذوق أطباقه الشهية".
" فرصة لن تنسيها ابدا!".
|