كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
" انت تهددني ! ؟".
" كلا ، وإنما حذّرتك وأنذرتك من مغبة التعاطي معي كانني أبله!".
هنا أيقنت كيت بحدسها انها تواجه موقفا غاية غاية في الحرج والخطورة ، نظراته ، نبراته ، ملامحه ، وكل حركاته كانت تنبىء بأنه مصمم على النيل من كرامتها بطريقة أو باخرى وليس امامها سوى طريقة واحدة للإفلات من المصيدة التي دبّرها بإحكام للإيقاع بها ، لكن ، كيف تهرب منه وقد صدّ بوجهها جميع منافذ الهرب؟ أزاء هذا الموقف المتأزم والمحرج للغاية فكرت بأن لا مناص لها إلا أن تلاطفه وتوهمه بلياقة بانها ستكون وفية ومخلصة له من الان وصاعدا ، ثم بادرت الى لعب دورها بقولها له وهي تمد يدها مداعبة ظنا منها بانه كان يعاملها بقسوة تحت تأثير الإنفعال، وعن غير قصد :
" إغفر لي تصرفاتي الشاذة وكلماتي القاسية .........أرجوك أن تسامحني لأنني كنت خائفة وقلقة ، دعنا نؤجل مناقشة موضوعنا الى وقت آخر ..... هيا اعدني الى البيت فالوقت أصبح متاخرا جدا ولا بد من ان يكون والدي ينتظر عودتي بقلق بالغ".
أجابها بسخرية من نوع مختلف حوّلت إحمرار وجهها الى إصفرار ، خاصة عندما كرر إسم والدها بأحتقار مشفوعا بضحكة صفراوية:
" من حسن حظك يا كيت ، غنني كنت كتوما عندما كنت صغير السن".
" ماذا تقصد؟".
وضعت يدها على فمها من فرط الحيرة وتابعت:
" ما معنى كل هذا الحديث؟".
"كفى ، يا كيت ، كفاك التصرف معي كأنني أبله ! آن الأوان كي تكفي عن التظاهر بالجهل".
" صدقني يا والت إنني احترمك واقدر رجاحة عقلك ، ورحابة صدرك".
هنا إنفرجت أساريره ، وغابت مسحة الغضب والكآبة عن وجهه فأيقنت كيت أن لا بد من وجود علاقة بين تصرفات والت الآنية نحوها وملامح الحيرة الظاهرة بصورة دائمة على وجه والدها ، وكان ذلك كافيا لها لمتابعة الحوار من زاوية مختلفة ن فسألته بهدوء:
" هل لك يا والت ان تخبرني عن حقيقة الدوافع التي جعلتك توجه اليّ كل تلك التلميحات المحرجة والجارحة ؟".
" أجل ، كنت اقصد ان والدك مسؤول عن وفاة خالتي ، يعني زوجة والدي الثانية".
ساد على الأثر صمت رهيب ، وصارت كيت تنتفض من شدة الصدمة التي اصابتها من غرابة وغموض العلاقة القائمة بين والدها والحادث الذي حل بخالته ، وتساءلت : ( لماذا يا ترى يظل الناس يذكرون ليلي كلما خطرت ببالهم ذكراها على أنها ليلي دنتون بدلا من السيدة مارلو؟ ثم علّقت على إتهام والدها بذلك الحادث المشؤوم قائلة:
" لا شك انك جننت ، يا والت !".
" هل هذا كل ما يمكنك قوله بهذا الشان؟".
وإقترب منها حتى كاد وجهه يلامس وجهها ، ثم صرخ بوجهها قائلا:
" تلك هي الحقيقة ولا شيء إلا الحقيقة ، وكل الأصابع تشير الى والدك بالاتهام".
" أنا لا اصدق...... لا يمكنني تصديق ذلك.....".
راقبته يائسة فيما كان يهز راسه إستخفافا ، ثم أردفت تقول بلهجة حادة:
" لكن كيف ولماذا فعل ذلك بها..... ولماذا لم توجه اليه اية تهمة في حينه؟ ولماذا لم تجر أية تحقيقات ؟ ؟ نعم ، لماذا لم تقم العدالة بالتحقيقات اللازمة لجلاء الحادث..... غريب ! شيء غريب لا يصدق".
تلعثمت في الكلام ، فصمتت قليلا ثم عادت الى القول :
" أنا لا أصدق ولا أفهم كيف تجرؤ على قول أمور خطيرة كهذه !".
" اجرؤ على الكلام لأنني ملم بجميع الأمور".
" انت؟ أنت سمعت وعرفت كل شيء ؟ كيف ؟ وما الذي سمعته؟".
" خالتي كانت مولعة بوالدك الى حد الجنون، ولم تتزوج والدي إلا هربا من الحياة التعيسة التي تعيشها ، ثم تعرفت على والدك الذي كان سريع الإستجابة لشتى الأهواء والرغبات ، لم يخطر ببالها يوما ان احدا يعرف شيئا عن علاقتهما ، ولكنني عرفت كل شيء".
قال ذلك وصمت يفكر بينما بدت كيت مضطربة وهي تشهق وتتنهد بصعوبة ، لا تدري كيف تدافع عن والدها ، الى أن هدأت اعصابها قليلا فحاولت الرد على اقواله ، لكن والت كان اسرع منها في الكلام وتابع يقول:
" كانا يلتقيان عند البحيرة الطبيعية القريبة من الشاطىء ، هناك كان ملتقاهما ون كانا يلتقيان في غير مكان ، ذات مرة زعمت أنها ذاهبة لزيارة عائلة ماديسون ، لكنها ذهبت لملاقاته في قطاع كالونغ ، عرفت ذلك لأنني تبعت أثرها حتى ادركتها ، فماذا كانت النتيجة ؟ كانت النتيجة ان قررا الهرب معا".
كل ذلك وكيت تهز راسها غير مصدقة وتتمنى لو كان بوسعها محو كل هذه القوال من ذاكرتها ، وكلها أقوال تسيء الى سمعة وكرامة والدها العزيز جدا على قلبها ، كان بودها ان تقول شيئا لو إستطاعت الى ذلك سبيلا ، لكنها بقيت عاجزة عن الكلام بعد كل ذلك الإحراج ن فإكتفت بتمتمة بضع كلمات مبهمة ، بينما تابع والت حديثه قائلا:
" الحقيقة انا اصدق بأنك تجهلين كل تلك الأمور التي فاجاتك بالإطلاع عليها ، يقينا مني بأن ليس هناك من يخبرك عنها ، حتى والدي كان آخر من سيحدثك عن الموضوع وآخر من يسيء الظن بنوايا وتصرفات أقرب المقربين اليه من اصدقائه ، علما بانه كان يشتبه بوجود رجل آخر في حياة ليلي ، أما والدك الذي تعبدين فما كنت اتصور يوما أنه سيبوح لك بالسر ، طالما أنه لم يملك الجرأة للذهاب الى ليلي التي إنتظرته لمدة يومين دون فائدة ومعها بطاقتا سفر في حقيبتها إستعدادا لرحيلهما سويا ، لم يخنه الحظ وإنما الجرأة هي التي خانته ، ولما إنتظرت على غير طائل وبدون ان ترى له اثرا ، لم يعد بوسعها أن تتراجع بسبب البلبلة والقيل والقال فقررت وضع حد لحياتها بالطريقة المأساوية التي كثر الحديث عنها ولا يزال ، اجل ، ألا يكفي كل هذا لإلصاق التهمة بوالدك؟ بلى ، يكفي ، هو وحده المسؤول عما حدث".
|