كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
وتساءلت بينها وبين نفسها عما إذا وجد فرصة لمقابلة والدها والتباحث معه في الموضوع الذي أشار اليه عندما حضر الى البيت ولم يجده ، لو أن اللقاء بينهما حصل لكانت سمعت عنه ، اللهم إلا إذا كانا إلتقيا خفية عنها وقررا الإلتزام بالصمت ، كل شيء جائز ، هنا راودتها الرغبة لسؤاله عما إذا كان قد إلتقى بوالدها وإستدراجه ، في غمرة النشوة التي يشعر بها الان وهويراقصها ، للبوح لها عن موضوع ذلك اللقاء ، ولو لماما ، لكنها عدلت عن رايها ، مؤجلة ذلك الى فرصة اخرى اكثر مناسبة ، ثم بدأت تقص عليه الأعمال التي قامت بها خلال الأسبوع الماضي والتي شغلتها عن السعي لمقابلته ، في محاولة منها لرد التهمة التي لوّح بها قبل لحظات من أنها تتجنّب اللقاء معه.
قالت له في سياق دفاعها عن النفس:
" ليكن معلوما لديك أننا ذهبنا لزيارة السيد ماديسون وزوجته يوم الثلاثاء ، ويوم الأربعاء زارتنا السيدة فاي وظلت عندنا لتناول العشاء ، اما يوم الجمعة فكان حافلا بالحركة والنشاط إذ نزلت الى السوق للتبضع بينما ذهب والدي لقضاء بعض الوقت في بيت قديم قرب الشاطىء برفقة السيد والت ، ولم نخرج من البيت إطلاقا يوم السبت ، وهكذا ترى أن فكرة تجنبي الإلتقاء معك غير واردة إطلاقا ، فما رايك يا براد!".
لكنه تجاهل التعليق على الإلحاح الناعم الذي أسبغته على نبرتها في ختام الحديث عن مشاغلها التي حالت بينها وبين اللقاء معه ، وسألها:
" هل لك أن تخبريني ، يا كيت ، كم من مرة يذهب والدك الى ذاك المكان ؟".
" لا يذهب كثيرا إلا عندما يدفعه الشوق لممارسة هواية صيد السمك ، لماذا تسال يا براد؟".
" لا ابدا ، ولكن أردت معرفة اين يقع ذلك البيت القديم".
تاملته مليّا وقد إستبدت بها الحيرة والدهشة الان ، ثم أجابته :
" صدقني ، إنني لا اعرف ولم اذهب ولومرة واحدة ، كل ما في الأمر أنه حصل عليه منذ سنتين خلتا تقريبا".
" إنه يقع بالقرب من الشاطىء ، أليس كذلك؟".
" ليس تماما ......اغلب الظن أنه يقع خلف تيلوك بعيدا عن الطريق العام".
وصمتت تفكر تحسبا للرد على اسئلة جديدة يطرحها عليها ، لكنه لم يفعل ، وبدلا من ذلك راح يحدّق فيها كأنه يحاول تفسير الغموض الساطع من عينيها ، ثم وجّه خطواتها نحو الباب الذي يفتح على الشرفة / حيث كانت الموسيقى تصل خافتة ، والمصابيح تعكس أنوارها الباهتة على الساحة الخارجية ، والحرارة تلفح الوجوه وتصفعها بضراوة ، وطنين الحشرات والذباب يمل الأجواء ويطغى على أصداء الأنغام الموسيقية التي كانت تتردد في الخارج.
بدت كيت الآن غير مبالية كثيرا بما كان ينعش قلبها وهي تمشي الهوينا بجانبه بقدر ما بدت تتوخى الحذر من عاقبة ما قد تقع فيه إن هي أعطته الفرصة للتصرف معها كما تصرف خلال العطلة الماضية ،وهكذا إستجمعت قواها العقلية لمواجهة كافة الإحتمالات والتعامل معه بطريقة لا تتورط معها باية مغامرات عاطفية جديدة ، دون ان يكلّفها ذلك إفساد علاقتها معه أوالإساءة الى كرامته ، كانت تعرف أن عليها أن تتصرف نحوه بمنتهى البراعة والذكاء في سبيل المحافظة على هذه المعادلة الغريبة من نوعها.
وهكذا خطت الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل عندما تملصت من الطوق الذي ضربه حولها وهي تمازحه ، وراحت تدور حول الزهور النامية في حديقة المنزل ، وتدعوه للتفرج عليها ، فلبى النداء بلا تردد ويتظاهر بمشاركتها هذه الفرحة ، ولم يطل بها المقام حتى إفتضح أمرها من خلال القشعريرة التي عكسها إنفعالها على ذراعيها ن فإنتهزها فرصة ليسالها مداعبا وهو يشير بأصبعه الى ذراعها:
" هل تشعرين بالبرد؟".
" إنك تمزح كعادتك ، ولكنك هذه المرة تسال عن الشيء وعكسه في آن واحد".
وكان ذلك حافزا له لمعاودة الحديث معها حول موضوعه المفضل ، سالها:
" هل أنت مشغولة غدا؟".
" لا أستطيع التأكيد بالضبط ، ربما ذهبت في نزهة بالقارب الى عرض البحر".
" برفقة والدك!".
" إذا كان يريد وإلا فالأمر يتوقف على الظروف".
" ما رايك أن نخرج لتمضية النهار معا؟".
" النهار بطوله!".
" طبعا ، لن ليس عندي ما افعله غدا ، انا حر طيلة النهار ,وسوف نتمتع به كيفما إتفق".
"موافقة".
قالتها مشغوفة بإبتسامة عريضة.
" حسنا ننطلق بعض الفطور مباشرة".
" لست أدري متى تفطر !".
" مهما يكن ، كوني جاهزة الساعة الثامنة تماما".
" حاضر ، أمرا وطاعة ". ومشيا معا في طريق عودتهما الى داخل القاعة حيث كانت الحفلة تشرف على النهاية ، وبدأ المدعوون يغادرون المكان عائدين الى بيوتهم.
وما ان ودّعها شريدان وغادر القاعة حتى عادت كيت وإنضمت الى والدها ليفاجئها ويحيّرها بالقول ان السيد والت عرض القيام بزيارتهما وقضاء النهار عندهما غدا ، وانه وعده خيرا ، إلا أن الآنسة كيت لم تعلّق بشيء على هذه المفاجأة غير السارة ، ولم تبح له بالوعد الذي أعطته للسيد شريدان ، وهي تفكر بتأجيل البحث معه في موضوع الزيارة التي عرض السيد والت القيام بها نهار غد ، الى أن يصلا الى البيت ، وغني عن القول أن كيت كانت لا تتوقع من والدها أن يعترض على خروجها مع شريدان إذ سبق له وشجّعها مرارا على ضرورة التمتع بعطلتها الطويلة الى أقصى الحدود ، وتلبية جميع الدعوات التي تراها مناسبة.
وهكذا لم تخطر ببالها قط أن والدها سيتضايق أو أنه سيلوح بأدنى قدر من المعارضة على خروجها مع شريدان ، بعد أن بلغته الخبر ، ودار بينهما عتاب طويل وشاق ، بعنف تارة ويخبو تارة اخرى ، لدرجة أن كيت ذهبت الى حد إلغاء الموعد إرضاء لخاطره.
والحقيقة أن والدها لم يعترض على خروجها برفقة شريدان لمجرد التلويح بالمعارضة ، وإنما بسبب الإحراج الذي وجد نفسه يتخبّط فيه بعد أن وافق على الزيارة على طلب السيد والت أن يقوم بها وتزامنها مع خروج غبنته مع شريدان ، وبقدر ما ضايقه الخبر فقد اقلقه معرفة أن إبنته التي سبق وعبرت له عن عدم إرتياحها لمصادقة ومعاشرة شخص كالسيد شريدان ، باتت تواقة الآن الى الخروج برفقته لدى أول إشارة تبدر منه ، وقد افهمها بكل صراحة أن ضيقه ومعارضته المبدئية على الخروج مع أي كان نابعان من حرصه على كرامتها وسمعتها بين الناس.
ويبدو أن كيت كانت حريصة على سمعتها بقدر ما كان والدها حريصا عليها وعلى سمعة العائلة ، إذا ابدت رغبتها في إلغاء الموعد المذكور ، والبقاء في المنزل للإشتراك في إستقبال السيد والت وتكريمه أثناء زيارته لهما ، لكن والدها رفض ذلك وألح عليها للخروج مع السيد شريدان حسبما وعدته ، وهو سيتولى معالجة الزيارة التي سيقوم بها السيد والت نهار غد ، ووعدها بعدم البوح له بأنها كانت على علم بزيارته ، فيصيب إذ ذاك عصفورين بحجر واحد.
ثم تأملها وهو يتثاءب ويتنهد بعد ان داهمه النعاس ، فنهض من كرسيه ، وقبل ان يتركها ويأوي الى غرفة نومه ، إقترب منها وإحتضنها بحرارته الأبوية:
" طابت ليلتك ، يا كيت ! وأرجو لك رحلة ممتعة".
" شكرا يا أبتاه ، وتصبح على خير".
وسار كل في طريقه الى غرفة نومه.
|