2- الشاطىء المسموم
وصلت الانسة كيت إلى نادي السباحة لتجد الشاطىء يعجّ بالمدعوين وهواة السباحة , السيد شريدان ومارلو والمطلقة فاي , وإيلين وزوجها ركس ونتون كانوا مستلقين على الرمال الناعمة بثياب السباحة و وما أن لمحوها حتى بدأ كل منهم يثرثر معها , فبادرها شريدان مداعبا:
" أهلا ,أهلا بحلوة الحلوات! أهكذا دوما تتغنجين لتخيبي الآمال لبعض الوقت لتعودي وتنعشيها بظهورك المفاجىء !".
وتبعه والت ساخرا:
" الغنج إمتياز تحتكره النساء يا رجل , ولكن قليلا من ملح الإطراء والمديح يقلب الأمور رأسا على عقب .....ولا تعجبّن من ذلك إذ ان الإطراء هو أكسير الحياة بالنسبة الى الجنس اللطيف ".
وهنا تدخلت السيدة فاي فعلقت على قول هذا الأخير وهي تضحك ضحكة صفراوية :
" الملح هو للطعام , يا..........".
فقاطعها والت ليقول لها متهكما:
" اجل ,ذكّريني به غدا كي أعطيك بعض الدروس في فن الطبخ"
كل ذلك والآنسة كيت صامتة تصغي الى كل تلك الثرثرة الساخرة واللاذعة في آن دون أن تبالي ، وكأن الأمر لا يعنيها ,وسرعان ما راودها الشعور بالندم على المجيء بعد أن كانت مصممة على الرفض.
كان الطقس رائعا ، والبحر هادئا والشاطىء في منتهى الروعة والجمال ,والأشجار الخضراء الوارفة المحيطة بكل جوانبه تزيده جمالا على جمال ,والنسيم يرطّب الأجواء وينعش النفوس بهباته الناعمة.
تنهدت الانسة كيت بإرتياح وهي تستعيد ذكريات الطفولة من خلال المشاهد الطبيعية الرائعة الباقية على حالها ,وقدزاد في إرتياحها ونشوتها رؤية أن المقصورات الجديدة المضافة الى النادي الجديد لم تؤثر على جمال الشاطىء ,وأن التضاريس الطبيعية الممتدة الى الشاطىء المقابل حيث الذكريات مجبولة بكل حبة رمل من رماله كانت لا تزال تنعم بجمالها الدائم الحضور
ولئن كانت مدعوة الى قضاء عطلة نهاية الأسبوع في هذا النادي الجديد إلا ان مشاعرها كانت ترنو الى ذاك المسبح القديم ، وتتحرق لهفة لأستعادة ذكرياتها وإنعاشها باللعب والقفز ولو للحظات يسيرة فوق رماله ,وكم كانت دهشتها وهي تتطلع اليه من بعيد عندما لمحت بناء المستوصف القديم وإحدى زوايا منزل الدكتور ليم الذي هجره بعد وفة زوجته ,وغيرهما من بقايا الأماكن والمواقع الحافلة بذكريات طفولتها البريئة , فخالتها تناديها للعودة اليها وربط خيوط ذكريات كادت تنقطع بفعل مرور الزمن , ذكريات لا أروع ولا أمتع , لا تحمل في ثناياها سوى البراءة والوداعة ,وأبعد ما تكون عما يختلج في صدور الوافدين الآن الى نادي السباحة الجديد من هواجس تدفعهم للسعي والبحث عما يشبع الأهواء والرغبات العابرة.
وما لبثت ان قطعت حبل تاملاتها والذكريات لتهتم قليلا بالحاضر وتشارك رواد النادي مرحهم وألعابهم ، وتفكر بان الوقت الان هو للراحة والإستجمام وليس لرباك النفس بأحلام الماضي أو لمضايقة موظفي الشركة الذين لبوا الدعوة للراحة والترفيه عن أنفسهم , ولا شيء يدعوها لشعارهم بما كان يجول في خاطرها من الذكريات أو لعطائهم أي إنطباع عن كونها غير مرتاحة للأختلاط بهم بصورة طبيعية ,ثم صارت تتطلّع الى المنبطحين على الشاطىء ,وتتأمل كل واحد منهم بمفرده ,قبل ان تقرر المدى الذي ستذهب اليه في تعاملها وإختلاطها مع هذا او ذاك.
فماذا كانت نتيجة تاملاتها الفاحصة تلك ؟الإنطباع المبدئي الذي تكوّن عندها عن السيدة فاي هو أنها انسانة قريبة الى القلب , جذابة ولكن مملّة ، مشهورة بتصرفاتها البريئة , ذات صوت رخيم , مولعة بهندامها والرجال , تركّز إهتمامها بحثا عن الرجل المناسب كي تتزوجه وتنعم معه بحياة هادئة , صريحة وصادقة مع نفسها والآخرين , ذكية ولكن سطحية الأفكار.
اما ايلين زوجة السيد ونتون فقد إستنتجت انها شديدة الحساسية والسلبية في تعاملها مع بنات جنسها , ذات جمال رائع ولكن من النوع الصارخ ,ميّالة الى المشاكسة والمخاصمة , قليلة الإهتمام بشؤون زوجها وإحترامه بالمقارنة مع ما تبديه من إهتمام وإحترام نحوغيره من الرجال الذين تسعى للتعرف عليهم ومصادفتهم ,مما رفع من قدر الزوج في أعين معارفهما وقلّل من قدرهم وإحترامهم لها , وسرعان ما جاءها الدليل على صحة ذلك عندما شوهد الزوجان يتخاصمان وهما يسبحان على مرأى من الجميع , لدرجة أن السيدة فاي لم تستطع لجم لسانها عن التعليق على ما كان يجري بينهما بقولها:
" من حسن حظها أنني لست زوجها وغلا كنت أعلّمها درسا لن تنساه طيلة حياتها في الخلاق والاداب ,مسكين أنت يا سيد ونتون!".
منتديات ليلاس
ولا غرو في ذلك ، فالجميع كانوا يحبون السيد ونتون ,ويحترمونه ,ويعطفون عليه ,ويتعاطفون معه ,فقد كان هادىء الطبع ، حلو المعشر ، رفيع الأخلاق ، لا يعوزه شيء البتة سوى معرفة كيف يتعامل مع هكذا زوجة ويروّضها كي تعود عن غيّها وتصرفاتها الطائشة لتصبح زوجة مطيعة ,عاقلة , ورصينة.
والغريب انه في الوقت الذي كانوا يركزون حديثهم على تصرفات إيلين الشاذة نحو زوجها ,كانت حدّة المخاصمة بين إيلين وزوجها في البحر ترتفع لدرجة جعلت فاي تهاجم ايلين بضراوة ، وتلصق بها أقبح النعوت والأوصاف ، وتعد بإعطاء زوجها جائزة على ضبط اعصابه وعدم مجاراتها في سلوكها الشائن ، ولسان حالها يقول ( يا لها من إمرأة تافهة ..... يجد ربها ان تواري نفسها خجلا وخزيا لمجرد تغاضي زوجها المسكين عن خروجها مع الشباب الغارقين في التفاهة حتى قمم رؤوسهم.