المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
فريق تصميم الروايات فريق كتابة الروايات الرومانسية |
|
مدونتي |
|
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
كاتب الموضوع :
جمره لم تحترق
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
8- عروس ... ولكن !
8- عروس ... ولكن !
كانت جو ترسم في غرفتها , سعيدة للمرة الأولى بلوحة أديل , عندما
أتت أديل تبحث عنها لتبلغها بأن غافن يود رؤيتها إن لم تكن منشغلة .
تفاجأت جو قليلاً كونه لم يأتِ بنفسه بحثاً عنها . لم تره منذ الليلة
السابقة فتصورت أنه على الأرجح تناول فطروه باكراً وخرج , وهذا
أيضاً فاجأها بعد ما حصل بينهما الليلة الفائتة . ولكن أدي قالت إن
أحداً لم يُصب في الحريق وإن كان الكوخ قد تهدم كلياً , فافترضت جو
أنه لا يزال منشغلاً بنتائج الحريق .
أضافت السيدة هاربر : (( هو في مرآب الجز . لقد اتصل منذ قليل )) .
نهضت جو قائلة : (( آه , هذا يفسر الأمر )) .
توقفت ونظرت إلى مدبرة المنزل التي كانت تبدو مرتبكة بدورها .
فتحت السيدة هاربر فمها ثم أطبقته ثانية . وقالت بعدئذٍ : (( الطقس
ليس جميلاً . تظنين أنه فصل الصيف وإذا بالشتاء يطل متسللاً )) .
سمعت جو النصيحة وارتدت معطفها وهي تتساءل لما استدعاها
غافن إلى المرآب في هذا اليوم المكفهر .
كانت الغيوم الداكنة تغطي السماء والهواء يتــلاعب بأوراق
الأشجار , وكانت جو محمرة الخدين وشعرها الذهبي مشعثاً وهي توافيه
إلى المرآب .
لم يكن هناك سواه , وعندما رأته متجهماً , سألته بقلق : (( هل من
خطــب ؟ )) .
ترك المقص من يده واستدار نحوها بينما كانت تحاول تهدئة لهاثها
وتسوية شعرها : (( غافن ؟ )).
ـ جو ؟ علينا اتخاذ قرار . راوغنا بما فيه الكفاية .
ـ راوغنا ؟ نحن نتكلم عن ما تبقى من حياتنا هنا !
ـ أجل ولكننا لن نصل إلى أي مكان هكذا .
وفرك ذقنه بنفاذ صبر, فذكرها بذلك الرجل القاسي الذي اختطفها
رغم أنه كان يرتدي بنطلوناً نظيفاً وكنزة من الصوف العالي الجودة .
سألته أخيراً : (( ماذا ... ما ... هل حصل شيء لا أعرفه؟ )).
قال لها : (( الليلة الماضية , لم أكن على علم بنية والدتي بالزواج ثانية )).
ـ وما علاقة هذا ... ؟ آه ! طبعاً , هناك روزي .
ـ نعم روزي . وإذا كانت تظن بأنني سأوكل أمر ابنتي لرجل لم ألتقه
يوماً وقد يكون صائد ثروات , فهي مخطئة تماماً .
وتذكرت جو فجأة ارتباك السيدة هاربر , فاستنتجت أن مدبرة المنزل
سمعت على الأرجح شيئاً من الحديث الذي دار بين غافن ووالدته.
ولكن ردة فعلها التالية كانت عدم التصديق : (( أنت حتماً لا تظن
بأن والدتك ستقع في شرك صائد ثروات ! ألا تعتقد بأن عليك على
الأقل أن تصدقها في ... )) .
نظر إليها شزراً : (( ماذا ؟ أتعرفين أين تعرفت إليه ؟ على متن باخرة .
وهل لديك فكرة عما تؤمنه الرحلات البحرية بوجه خــاص ؟ أرامل
ثريات مستوحدات ... )) .
أمرته جو بحدة : (( مهلك لحظة يا غافن , لا يحق لك أن تشك هكذا
بوالدتك )) .منتديات ليلاس
هتف بانفعال : (( على العكس . أنا أحب والدتي كثيراً ولكنني واقعي
في الوقت نفسه , لهذا السبب أشعر بالقلق )).
أخذت جو نفساً مهدئاً , ولكنه تابع قبل أن تتمكن من الكلام :
ـ حتى ولو تزوجته وبرهن عن حسن نيته , يستحيل أن أدع روزي
معهما .
ـ حسناً , أجل . لقد فكرت في هذا .
ـ وهل كنت على علم بالموضوع ؟
أومأت قائلة : (( لقد أخبرتني البارحة أثناء جلسة الرسم )) .
ـ إذاً ؟
توقفت جو عن تسريح شعرها بأصابعها ودسته وراء أذنيها . ثم
قالت بتكابر : (( إذاً ... ماذا ؟ )) .
ـ آه يا جو . لا تراوغي ! ما الذي توصل إليه تفكيرك المطول ؟
اعترضت بانفعال : (( ولكنك أنت من اقترح أن آخذ بعض الوقت
للتفكير ! )) .
ـ ولكن كما قلت لك البارحة , ليس بهذا الجو من الصمت
والتكتم .
اكتشفت جو عندئذٍ أنه يمكن للمرء أن يحب شخصاً ويكرهه في
الوقت نفسه . ربما هو منزعج بسبب الصدمة التي تلقاها جراء أمه . من
الواضح أنه يحب أمه كثيراً وأصبح لديها الآن فكرة عن الثروة التي يمكن
أن تجعل من الأرملة فريسة سهلة لرجل استغلالي .
إلا أن ردة فعله كانت غير محتملة , حتى في هذه الظروف .
فقالت له بسخرية واضحة : (( ما توصل إليه تفكيري المطول هو أن
مربية يمكن أن تحل لك كل مشاكلك )) .
ـ آه , حقاً ؟ وكيف تفسرين أننا يكفي أن ننظر إلى بعضنا لكي تشتعل
المشاعر داخلنا ؟ هل تفضلين أن تصلي إلى حافة القبر وأنت تفكرين في
أمرنا يا جو ؟ هل ستبقين طيلة حياتك تتجنبين المخاطرة ؟ أتعلمين ؟ لم
أظن أنك جبانة , لا سيما بعد أن تعارفنا بذلك الشكل .
ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة وشعرت بالدوار لشدة الانفعالات التي
تملكتها عندما حدقت في عينيه . شيء ما في داخلها صرخ مؤنباً : لا يجب
أن تحصل الأمور هكذا ! ليس وهو غاضب بهذا الشكل , لكن ... هل
هو محق ؟ وهل هي محقة بأخذ احتياطاتها ؟
رطبت شفتيها وأجلت حنجرتها وقالت : (( لقد اتخذت قراري يا
غافن . أظن أنك ستكون زوجاً مناسباً لي )) .
ضاقت عيناه وهم بأن يقول شيئاً ولكنها قالت قبله : (( دعني أشرح .
أظن أن المصلحة من هذا الزواج متبادلة . أنت تحتاج إلى أم لـ روزي وهذا
يناسبني . أظن أن علاقتي بها مميزة , ربما لأنها يتيمة الأم وأنا أعرف
معنى ذلك )) .
ـ تابعي .
لم يكن سهلاً عليها أن تعرف من صوته ما الذي يفكر فيه .
ـ لطالما أردت منزلاً خاصاً بي , بعد كل السنوات التي أمضيتها
أتنقل من منزل إلى آخر . وهذا سبب إضافي . وبصراحة , سأكون بأمان
من الناحية المادية لأرسم ما أشاء . وهناك مشاهد كثيرة تعجبني هنا :
الأولاد . الحيوانات , المناظر الطبيعية .... حتى ذلك المرآب القديم .
بقيت نظراته شاخصة عليها , بينما تابعت :
ـ لم أنوِ يوماً تمضية حياتي المهنية أرسم لوحات تُفرض علي . رأيت في
ذلك طريقة لأكون اسماً لي , وعندما أحقق ذلك أطلق العنان لرغباتي
الفنية . وإذا تزوجت بك , قد أتمكن من القيام بما أرغب أبكر مما كنت
أتوقع . إذا توافقنا على ذلك , يبقى شرط واحد .
ـ ما هو .
وهذه المرة , لاحظت القساوة في صوته .
ابتلعت ريقها وأخذت لحظة لتتمالك نفسها وقالت : شرطي هو أن
نعتبر الماضي من الماضي ولا ندعي بأن هذا أكثر من مجرد زواج مصلحة .
أعرف لماذا زواج الحب غير وارد بالنسبة لك , وأنت تعرف أنني مستقلة
ويصعب علي التغيير , ولكن كلانا سيستفيد من هذا الزواج .
ـ هل هذا يكفي بالنسبة لك لكي تكوني زوجتي ؟
فتحت فمها ولكنه قال عوضاً عنها : (( تبدين وكأنك تتكلمين عن ثمن
البيض وليس عن مسألة زواج )) .
ـ غافن , منذ اللحظة التي وقعت عيناك علي هذا الصباح وأنت
غاضب ولا تنفك تهينني . من حسن حظك أنني لم أصفعك بعد على
وجهك .
كان الشرر ينبعث من عينيها . وشعرت بأن ما من شيء سيشعرها
بالرضى أكثر من صفعه فعلاً , ولكنه عندما رأى يدها ترفع صوبه ,
أمسك بمعصمها قائلاً برقة : (( هل فكرت في أن كلينا يتعرض لكثير من
الضغط وأنه بدلاً من التشاجر , علينا أن نتقارب أكثر )) .
كانت أكثر غضباً من أن تجاريه عندما جذبها نحوه . قال لها : (( هذا
يذكرنني عندما كنت بين ذراعي وظننت أنك تكرهين ذلك . هناك في
الكوخ )) .
ـ كنت فعلاً أكره ذلك . والآن أيضاً .
ـ إذاً , دعيني أرى كيف يمكنني أن أعوض . هلا تزوجت بي يا جو
لوكاس , ليس فقط بسبب ما يمكننا أن نفعله الواحد للآخر , إنما لكي
نتشارك مع بعضنا حياة واحدة وسريراً واحداً ؟
حدقت به مذهولة , فأضاف : (( سيكون قبولك شرفاً لي )) .
بحثت في عينيه , فلم تجد فيهما سوى الاستفهام .
ـ هل تقبل بما قلت ؟
هز كتفيه : (( إذا كان هذا ما تريدينه . لكنني أفضل أن أعتقد بأننا نهتم
لأمر بعضنا . أعرف أن هذا شعوري على الأقل , ولا أظن أن الأمر
سينجح في حال العكس )) .
تبدد غضبها , وحل مكانه فراغ ثقيل بينهما . هما شخصان جارت
الحياة عليهما ولكن المصيبة كافية لتجمعهما إلى الأبد ؟
بدا لها ذلك غير مهم إذ كانت تهتم لأمره كثيراً . فوضعت يدها على
خده وقالت : (( حسناً )) .
أطلق تنهيدة ارتياح ودفن رأسه في شعرها .
* * *
بعد أسبوعين , قالت أديل لجو : (( تبدين جميلة جداً عزيزتي )).
نظرت جو إلى فستان عرسها العاجي الطويل المصنوع من الحرير ,
وإلى باقة الورود الصفراء الموضوعة على السرير .
كان شعرها مرفوعاً ومثبتاً بوشاح أبيض جميل . وكانت أديل قد
ألبستها عقداً من اللآلئ الثمينة كهدية زفافها .
أما روزي التي كان من المخطط أن تسير أمام العروسين , فقد
ساعدتها عمتها شارون في ارتداء ثيابها في الغرفة في منزل غافن الكائن
على الشاطئ الذهبــي .
كان غافن وجو و روزي قد وصلوا من كين كان هذا الصباح وكانت
شارون في استقبالهم برفقة روجيه وزوجها وإشبين غافن ...
كان المنزل شاسعاً مهيباً بحدائقه المطلة على نهر (( كوميرا )) حيث تكثر
اليخوت والسفن . وكان للمنزل يخته الخاص .
تبعاً للتقليد والعادة , لم نرَ جو غافن منذ ما قبل البارحــــة .
وربما لهذا السبب جلست فجأة على السرير وقد بدا الشحوب على
وجهها . كان من المفترض أن يبدأ الاحتفال خلال نصف ساعة .
واعترفت لأديل قائلة :
ـ أشعر بالارتباك . لقد أردت الأمور أكثر بساطة .
وحدقت بخاتم الماس في إصبعها .
سحبت أديل كرسياً وجلست قربا : (( لماذا؟ )).
حدقت جو بها ثم أشاحت بنظرها : (( لست أدري . ربما لأنه الزواج
الثاني لـ غافن )).
ـ جو , أنت لست نادمة , أليس كذلك ؟
ترددت جو , فقالت لها أديل : (( اسمعي ... أعرف أن كل شيء
حدث بسرعة , ولكنني سعيدة جداً بهذا الزواج . أظنك ممتازة لـ غافن
و ... أياً تكن تحفظاتك حول هذا الزفاف الثاني , أعتقد أن كل شـــيء
سيكون بخير إذا كنت تحبينه كما أظنك تفعلين )) .
رفعت جو ناظريها ناحية أديل : (( أنت تعرفين أنه شعور من طرف
واحد ؟ )) .
ابتسمت أديل : (( حقاً ؟ يبدو لــي أنه لا يستطيع الانتظار حتى يرافقك
إلى المذبح . تصرفــي على طبيعتك يا جو , فأنت رائعة )) .
ابتسمت جو قليلاً ثم وقفت وأخذت نفساً عميقاً : (( شكراً لك . أنا
جاهزة الآن )) .
كان الزفاف رائعاً ... وكذلك العروس , ولم يكن من شك بأن
العريس يخطف الأنفاس هو أيضاً ببذلته السوداء وقميصه الأبيض ,
أنفاس العروس على الأقل .
وكانت روزي مذهلة بثوبها الطويل الأصفر وتلك الورود في
شعرها . كما أنها كادت تطير من الفرح للحظ الذي حالفها : لقد
حظيت بوالدة ! وليس أي والدة , بل امرأة تحبها كثيراً .
أمـا أديل من جهتها , فكانت بالغة الأناقة في ثوبها الليلكـي , وكذلك
شقيقة العريس .
وقد أخذت عن شارون هاستينغ بريتشارد فكرة متشابهة لتلك التي
كونتها عن أخيها المتسلط بعض الشيء , ولكنها لم تشك البتة في العاطفة
التي تكنها لـ غافن .
كان في حفل الزفاف حوالـي ثلاثين شخصاً , من بينهم كايز والسيدة
هاربر وصديقة جو وزميلتها في السكن ( لين ) وبعضاً من الأصدقاء
فضلاً عن معلمة الفنون الجميلة .
أما من جهة غافن فحضر الأنسباء والأقارب والبعض من أصدقائه
المتزوجين الذين قال لهم ضاحكاً : (( الحمد الله , انتهيت من المواعيد
الغرامية التي كنتم تدبرونها لي )) .
كما أن أديل كانت قد دعت إليزابيت مورغان وزوجها إلى الزفاف
أيضاً . ولاحظت جو شيئاً من المفاجأة لدى كل من عرفها غافن إليهم .
لم تنكر بأن الزواج حصل على عجل , وأن معظم الحاضرين لم يسمعوا
بها قبل تلقيهم الدعوات .
اثنان من عماته تفحصتا جو بوقاحة , ثم أخذتا تتهامسان . وسأل
أحد أعمامه جو إن كانت من منطقة جبل مريام . وقبل أن تتمكن من
إجابته بالنفس , راح يهنئ غافن بهذه الزيجة الموفقة . عندئذٍ همس غافن في
أذنها : (( سوف تعتادين على عائلتـي . نحن زمرة غريبة الأطوار )).
فسألته هامسة أيضاً : (( أين الأهمية في الزواج من سكان جبل
مريام ؟ )) .
ـ إنهم أثرياء .
ـ أنا آسفة ! حذرتك بأنك تستطيع إيجاد امرأة مناسبة أكثر .
قالت ذلك والضحكة تلوح في عينيها .
ـ جو ...
ولكن أحد المدعوين قاطعه فلم يكمل ما كان ينوي قوله .
فكرت جو أن سكان جبل مريام ربما أثرياء ولكن آل هاستينغ لا
ينقصهم شيء . وقد رأت جزءاً من الإمبراطورية التي ورثها غافن ,
ولاحظت للمرة الأولى أن قاسماً مشتركاً يجمع بين أفراد آل هاستينغ
كلهم وهو : الثقة بالنفس الناتجة عن المال .
انتهى كل شيء . وبدلاً من أن تغادر هي و غافن , غادر المدعوون
جميعاً , حتى روزي ذهبت مع أولاد عمتها لعدة أيام . لم تغير جو
ثوبها حتى بعد أن رحل الجميع وبقيت هي و غافن بمفردهما بينما كان
بعض العمال ينظفون الموائد بكل هدوء .
قادها غافن إلى شرفة تطل على النهر: (( أخبريني . هل تشعرين بأنك
متزوجة فعلاً الآن ؟ )).
نظرت جو حولها , إلى أشجار السرو والأزهار في أحواضها الخشبية
وإلى نافورة المياه المضاءة كالسماء بالنجوم .
استدارت نحوه وقالت بعد لحظة تردد : (( طبعاً أشعر بأنني متزوجة
بك أمام الناس )) .
ـ جيد , هذا ما كنت أود إنجازه .
رفعت جو حاجبها : (( لماذا ؟ )) .
أخذ يتفحصها ويتأمل فستانها الأبيض وشعرها الذهبي وبشرتها
الناصعة ولون عينيها الرماديتين , بالإضافة إلى النبض الخافق في أسفل
عنقها وقال : (( لكي تعرفي أنت والآخرون أن الأمر حقيقي )) .
ـ وهل ظننت أنه قد يكون هناك أي شك ؟
ـ ليس من جهتي .
وأخذ يتأملها مجدداً : (( هل لي أن أقدم اقتراحاً ؟ ما رأيك لو نغير
ثيابنا ونستريح قليلاً ؟ )) .
ابتسم له : (( فكرة جيدة )) .
ثم نظرت إلى نفسها ووضعت يدها على العقد وقالت : (( لم أقدم لك
هديتك بعد , سأحضرها معي )) .
لاحظت جو أن أغراضها نُقلت إلى غرفة النوم الرئيسية ,
فاستغربت وهي تقفل الباب وتنظر حولها .
يبدو أن أديل قصدت سوق البلدة واشترت جهازاً كاملاً للعروسين
من ملاءات بيضاء للسرير ووسائد حريرية جميلة .
لفت انتباهها خلف السرير ساتر خشبي رُسمت عليه الأزهار
الجميلة .
في الجهة الأخرى من الغرفة , وُضع كرسيان منجدان حول طاولة
صغيرة وفيل خشبي رائع يرفع خرطومه . توجهت نحوه وربتت على أذنيه
العريضتين : (( جامبو , جامبو ! أنت تعجبني كثيراً ! )) .
كان الجهاز الذي أصرت أديل على إهدائها إياه ينم عن ذوق رفيع .
ومن ضمنه كان هناك سروال حريري فضفاض وقميص متناسق بلون
المشمش . فاختارت جو ارتداءهما بعد أن ألقت نظرة أخيرة على ثوب
الزفاف الذي تلبسه . فكت الشرائط من شعرها وسرحته . أبقت العقد
حول عنقها وراحت تبحث عن هديتها لـ غافن .
كانت بجوار السرير , مغلفة بعناية وذوق . تناولت الهدية وضمتها إلى
صدرها وهي تأخذ نفساَ عميقاً مهدئاً .
كان الوقت يقترب وبسرعة . وقد يكون عليها أن تشرح أمراً لا
يعرفه غافن عنها .....
كان بانتظارها . لم يغير ثيابه ولكنه كان قد خلع سترته وربطة عنقه
ورفع كمي قميصه وفتح أزرارها العلوية .
قال لها وهو ينظر إلى الطعام : (( لم تأكلي كثيراً , أنت أيضاً )) .
تساءلت جو ما عساه يقول لو أخبرته بأن التوتر يمنعها من الابتلاع ,
ثم تذكرت الهدية التي تحملها تحت إبطها . فقالت بشيء من الارتباك :
(( هذه لك , آمل أن تعجبك )) .
وناولته إياها .
ـ شكراً .
فك الشريطة الذهبية وفتح الهدية ثم بقي جامداً مكانه لحظة طويلة .
كانت عبارة عن إطار يحوي رسماً لـ روزي وهي تنظر إلى الخلف بكل ما
ينضح منها من حيوية .
نظر إليها أخيراً : (( آه جو ! إنها رائعة )) .
ـ عرفتُ أنك ستحبها .
ـ شكراً .
وضع الرسم جانباً واقترب منها , آخذاً وجهها بين يديه :
ـ هل اشتقت إلي ؟
ـ أنا ... لماذا ؟
ـ تبدين متوترة جداً . ففكرت إن كان لغيابي عنك البارحة علاقة
بذلك .
ـ لقد عرفت بضع لحظات من الارتباك والخوف .
ضاقت عيناه : (( حقاً ؟ )).
ـ لكن أمك بددت مخاوفي .
ـ نصحتني بأن أتصرف على طبيعتي .
عبس ثم هز كتفيه قائلاً : (( وأنا أيضاً كنت خائفاً )) .
نظرت جو في عينيه وتجرأت على سؤاله: (( كنت تتساءل إن كنا نقوم
بالأمر الصائب ؟ )) .
ـ إطلاقاً . كنت خائفاً من أن يكون هذا ما تفكرين به أنت .
ابتسمت جو : (( ما النفع من التفكير بذلك الآن . لقد تزوجنا
وانقضى الأمر ...)) .
واستدارت نحو النهر لتسمع صراخاً في الماء ونيراناً تشتعل : (( ما هذا
بحق الله ... ؟ )) .
ـ يا إلهي ! إنه قارب يشتعل . ابقي هنا يا جو . سوف ....
ـ مستحيل !
فقد رأت على ضوء النيران أشخاصاً يقفزون من القارب إلى المياه .
نزعت محبسها وعقدها ووضعتهما على الطاولة , ثم ركضت خلفه .
ـ دعني أرافقك .
صعدا في قارب غافن السريع وقال لها : (( علينا أن نأخذ التيار بعين
الاعتبار )) .
ثم أشار إلى جزيرة مهجورة فــــي الجهة المقابلة :
ـ سوف يجرف التيار القارب إلى هناك , وقد يجرف أي أحد أيضاً .
يا ليتك بقيتِ في المنزل يا جو !
أدار المحرك وانطلق القارب بهما .
هتفت من فوق هدير المحرك قائلة : (( يمكنني أن أساعد الناس على
الخروج من المياه )) .
ثم أشارت إلى أحد الغرقى : (( هناك ... غافن )) .
أمضيا الساعة التالية ينقذان السابحين وغير السابحين , وكان على جو
أن تنقذ اثنين وتحملهما إلى القارب . ومن حسن الحظ أن قوارب نجاة
أخرى هبت للمساعدة أيضاً وأطفأت الحريق .
وريثما انتهت عملية الإنقاذ , كان غافن وجو قد تبللا كلياً . قدما
إفادتهما إلى خفر السواحل وعادا إلى المنزل , حيث انهارا منهكين على
المقعد الخشبي .
ألقت جو نظرة إلى نفسها : (( كيف سنستحم من دون أن نلطخ المنزل
والسجادات بالوحل ؟ )).
ـ ما من مشكلة .
وتوجه غافن إلى النافورة , أو هذا ما ظنته جو , ولكنه توقف عند
علبه الكهرباء وأخذ يضغط على بعض الأزرار , فتحول طرف الشرفة
بسحر ساحر إلى حوض للاستحمام . فقد نزلت ستائر خشبية وحجبت
الجهة المطلة إلى النهر , وانفتحت الألواح الخشبية في الأرض لتترك
مكانها حوضاً كبيراً بدأت المياه والرغوة تغمره بكبسة زر واحدة .
ثم أطفأ غافن الأضواء كلها , ما خلا تلك التي تنير النافورة .
وضعت جو كوبها جانباً وصفقت لهذا العرض بشكل عفوي : (( هل هذه
فكرة والدتك ؟ )) .
ـ أجل . لقد أتت بهذه الفكرة من حمام ياباني .
ضحكت جو : (( ولكن هذا رائع . أتحرق شوقاً لأدخل فيه
وأستحم )) .
ـ تفضلي .
وضغط على زر آخر , فانفتح باب كشف عن خزانة مليئة بأثواب
الاستحمام والمناشف والصابون ...
خلعت جو ثيابها المتسخة ودخلت الماء وهي تضحك مذهولة .
ـ هلاّ مررت لـــي لوح الصابون ؟
أعطاها إياه ثم انضم إليــــها .
ـ الحمد الله أن أحداً لم يُصب بأذى ... شكراً .
واستندت إلى الخلف متنهدة : (( كان يمكن أن يكون ... لكننا نشكل فريقاً
ممتازاً معاً .
ـ فعلاً . فكرت في ذلك من قبل , مثل طرزان وجاين .
تعالت ضحكتها مجدداً وأخذت ترغو الصابون على ذراعيها .
ـ لدي فكرة أفضل فــــي الواقع .
وأخذ لوح الصابون منها وأخذ يرغيه بنفسه على جسمها .
استسلمت وشعرت بجسمها يسترخــي والتعب يتبدد ليترك مكانه
لأحاسيس أخرى : (( هذا رائع )) .
ـ وأنت أيضـــاً .
كانت الطريقة التي ضمها بها في البداية بطيئة , مثيرة للأحاسيس .
ولكن ما لبث أن تغير الإيقاع .
ـ جو ....
وضعت يديها على كتفه ونهضت من مكانها .
ـ ظننت أنك قلت ...
ـ أجل , يا زوجتـــي الرائعة , هيا بنا .
خرجا من الحوض ثم توجها نحو غرفة النوم , ممسكين الواحد بيد
الآخـــر .
ـ جــو ؟
ـ غــافن ؟
حدق بها عبر السرير : (( هل قلتُ لك يوماً كم أنك رائعة ؟ )) .
ـ أجل . ولكن لا أمانع بأن تقولها لي مراراً , وتكراراً . وهل قلتُ
لك كم أنك وسيم ؟
ـ أجل , قلتها لي ذات مرة .
ابتسمت له وقالت : (( سأقولها لك مرة ثانية )) .
ـ اتفقنـــــــــــــــا !
مضى وقت لا بأس به قبل أن يتكلما مجدداً . كانا ممددين على
السرير جنباً إلى جنب .
قال بنعومــة :
ـ كنت أعرف أن الأمر سيكون بهذه الروعة بيننا .
استدارت لتنظر في عينيه : (( وكيف عرفت ذلك ؟ )) .
دس شعرها خلف أذنها وقال متأملاً : (( من الطريقة التي دستِ فيها
على قدمـــي أول ما التقينا )) .
أخفت جو ابتسامتها وسألته : (( أتعرف بما أفكـــر ؟ )) .
ـ أخبرينـــي .
ـ أنت تعرف بكل شيء غافن هاستينغ .
ـ على العكس , يا جوان هاستينغ . كل ما في الأمر أننـــي أجيد الحكم
على .... الشخصيات .
ـ الشخصيـــــــــــــــات ؟
ضحكت كم كل قلبها : (( أفهم قصدك ولكن أظن أن لها اسماً آخر )) .
ـ إذاً كنتِ تشعرين منذ البداية بذلك الشـــيء ذي الاسم الآخـــر ؟
ـ نعم .
وكشرت وهي تفكر بالساعات الأولى التي قضياها معاً .
ضحك غافن وعانقها : (( ما رأيك لو نخلد للنوم الآن ؟ )) .
ـ أظنها فكرة ممتازة , فأنا منهكة . لا يحظى الجميع بسهرة كهذه فــي
ليلة زفافهم .
ـ بالفعل . هل أنت مرتاحة ؟
أجابته ناعسة : (( أجــل )).
وما هي إلا لحظات حتى غطت في نوم عميق .
راح غافن هاستينغ يتأملها لبعض الوقت , ووجد نفسه يستذكر
الدقائق التي سبقت رؤيتها للقارب المشتعل . كانت على وشك أن تقول
له شيئاً , ولكنها لم تفعل .
ربما أرادت أن تخبره بأنها لا تزال عذراء وأنها لم تعرف رجلاً
سواه .
هو لم يتوقع ذلك على الإطلاق . بدت له هادئة , واثقة من نفسها .
وحتى لو أخبرته من قبل أنها لا تحب أن يعانقها أحد , فقد افترض أنها
خرجت مع رجال عديدين لكن تجربتها معهم لم تكن جيدة .
هل تراها كـانت تتكلم بجدية عندما أتت على ذكر زواج المصلحة
ذاك ؟ فما من شيء مما حصل بينهما الليلة يدل على ذلك .
كان انجذاب الواحد منهما إلى الآخـر قوياً جداً , و إن كانت تحـاول في
الأسابيع الفائتة البقاء على مسافة منه .
تأملها على ضوء المصباح الخافت . كان شعرها الذهبي مشعثاً بعض
الشـــيء وبشرتها البيضاء دافئة .
ثم عاد بأفكاره إلى كل ما حدث هذا المساء . كانت محقة في ما قالته .
هما يشكلان فريقاً ممتازاً في الأوقات والأزمات الحرجة . ولكنه معتاد
على ذلك , أما هي فقد أظهرت شجــاعة وأعصـــاباً فولاذيــة جـــعلته
يقدرها . ولكن ....
ولكن مــــــــاذا ؟
ـ وسأل نفسه لما يخالجه شعور بأن هناك فتاة داخل هذه الفتاة قد لا
يتاح له أن يعرفها . فقرر أنه لن يهدأ له بــال إلى أن يكتشف جو لوكاس
الحقيقية .
نهاية الفصـل (( الثامن )) ...
|