كاتب الموضوع :
جمره لم تحترق
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
7- زوجــة مناسبة
رسمت جو بعض الخطوط الطويلة وأخرى أكثر دقة وسألت أديل :
(( هل يخشى من أن يكون الرجل صائد ثروات ؟ )) .
ـ بالضبط . يعتقد معظم الرجال بأنني طريدة جيدة .
تمتمت جو قائلة : (( روزي تحب هذا المكان )) .
غاصت كتفا أديل : (( أعرف )) .
بدت أديل للحظة حزينة بشكل لا يوصف : (( أتمنى من كل قلبي أن
يجد غافن زوجة له ووالدة لـ روزي . لديه الكثير ليقدمه لأي فتاة )) .
ـ شرط أن تتمكن من أخذ موقف حــاسم .منتديات ليلاس
وانفجرت المرأتان بالضحك .
ولكن جو لم تنتبه للنظرة التي رمقتها بها أديل .
قالت والدة غافن : (( ما زلت أحاول . الأشخاص الذين دعوتهم
الليلة على العشاء لديهم ابنة رائعة . كانت خارج البلاد لفترة . غافن
يعرفها ولكنه قد يجدها تغيرت .. من يدري ؟ )) .
تجمدت أصابع جو الرشيقٌــة ونظرت إلى أديل : (( أتحاولين أن تدبري
له عروســـــاً ؟ )) .
ـ طبعاً . لِمَ لا ؟ قد تكون (( سارا نايتلي )) المرأة التي ستجذبه أخيراً .
طرقت جو بعينيها ثم أخفضت بصــرها .
فكرت أديل هاستينغ في سرها بأن ذلك سيضيع الأمور في نصابها . لمَ
يظن الشبان أن المرء يصاب بالعمى وبالصمم عندما يبلغ عمراً معيناً ؟
أنا فعلاً أحاول تدبير عروس يا جو , ولكن أنتِ هي من أريد لـ غافن !
فكرت جو جدياً بالاعتذار عن حضور العشاء . في الواقع لم تكن
لديها أي رغبة في رؤية من تراها والدته زوجة مناسبة . قد تظن بأنها
مغرمة بـ غافن ولكنها مصممة على عدم السماح له بفعل ما يريد دائماً .
قررت أخيراً الحضور لأن صوتاً في داخلها حثها التفكير في أنها
لم تره من قبل برفقة من قد تكون زوجة مناسبة له , وربما عليها ذلك .
بحثت في ثيابها عن شــيء مميز ترتديه الليلة وجعلها ذلك تشعر
بالانزعاج , مع أنها لم تعرف السبب .
خلال العشاء , تعرفت جو إلى سارا نايتلي ووالديها , وكانت قد
ارتدت سروالاً ضيقاً وقميصاً من الكتان العاجي اللون . كما أنها كانت
قد استحمت وأسدلت شعرها الذي تدلى على وجهها كسحابة من الحرير
الذهــــــبي .
نادراً ما كانت جو تتبرج ولكنها تلك الليلة وضعت بعض الظلال
فوق عينيها وأحمر الشفاه على شفتيها .
أول ردة فعل لها عند رؤية سارا نايتلي كانت مُحبطة , فهي فتاة ناعمة
جداً جعلتها تشعر بأنها عجوز أمامها .
وهذا ليس كل شيء فسارا ليست جذابة فحسب إنما ناضجة أيضاً ,
فقد أمضت سنواتها في الخارج تدرس إدارة المياه في البيئات المتعرضة
للفيضانات والجفاف ... وهذا آخر ما كانت جو تتوقعه منها . وكان
من الواضح أن والديها , وهما أيضاً منتجا أصواف , فخوران جداً
بابنتهما .
بينما كانت الأطباق اللذيذة تتوالى , من الحساء إلى اللحم ثم
الحلويات , كانت جو تفكر كم أن سارا يمكن أن تفيد غافن هاستينغ
وكين كان .
يمكنها فعلاً أن يناقشا بالتفصيل موضوع الآبار الارتوازية
وإدارتها , أو كيفية الاستفادة من مياه الأمطار . ومن المؤكد أن سارا
يمكن أن تتكيف في أي مجتمع كان , نظراً لمظهرها وذكائها . ماذا يبقى
لكي يتم النصيب ؟
وفكرت فجأة في روزي . كان لا بد من أن تعترف بأن الفتاة الصغيرة
تسيطر على أفكارها . صحيح أنها أمضت معها وقتاً كثيراً , ولكن هل
حرمانها هي من والدتها هو وراء هذه العلاقة مع روزي هاستينغ ونمو
تلك العاطفة نحوها ؟
ـ أين أنت شاردة ؟
استدارت جو لتجد غافن إلى جانبها , يناولها كوباً من القهوة .
وكانوا قد انتقلوا إلى الغرفة الخضراء لتناول القهوة .
أخذت منه الكوب وقالت ببطء : (( كنت أفكر بأن سارا يمكن أن
تكون زوجة مناسبة لك )) .
كانت سارا في الخارج تشاهد الحديقة والحوض مع والديها و أديل .
كانت نظرته باردة وهو يتأملها : (( هل نحن متخاصمان يا جو ؟ )) .
ـ أنت بدأت .
ـ لا , بل أنت وتخفين ذلك بصمتك . هذه لم تكن نيتي .
حدقت جو به .
ـ عليك أن تقري بأنك كنت تتجنبينني , يا جو .
هل كانت تفعل ذلك ؟ ربما ولكنها كانت تقصد من ذلك تجنب
تأثيره علـــيها .
ـ أنا ...
وفكرت لحظة : (( أنا لا أتجنب الحديث معك الآن , صحيح ؟ )) .
ألقى نظرة إلى الحوض وقطب جبينه : (( أتظنين فعلاً أن سارا موضوع
مهم للحديث ؟ أنا لا أريدها جو , ولا أريد أياً من (( الزوجات
المناسبات )) اللواتــي تستعرضهن والدتـــي أمامي )) .
سألته جو بدهشة : (( أنت تعلم ؟ )) .
ـ طبعاً أعلم . أنا لست ابن البارحة .
ـ لربما فكرت بأنني زوجة مناسبة , ولكن ما أقوله هو أنك قد تجد
امرأة مناسبة أكثـر منـــي .
قال غافن بعد لحظة طويلة : (( لقد أفقدتك ثقتك بنفسك )).
ـ هذا ما تفعله بي الفتيات الناعمات أحياناً . يجعلنني أشعر بأنني
مسترجــلة .
ـ أنا أيضاً أشعر بالانزعاج في حضورهن .
رفعت جو حاجبيها مستغربة , فابتسم قائلاً : (( لهذا السبب تعجبينني
كمــا أنت )) .
تشابكت نظراتهما وبدأت خفقات قلبها تتسارع عندما شعرت بشـــيء
دافئ يرفرف بينهمـــا .
فتحت فمها لتقول شيئاً ولكنه وضع يده على يدها : (( لاحقاً جو )) ,
ـ نعــم .
ما إن غادر آل نايتلي حتى تلقى غافن اتصالاً يبلغه بأن حريقاً قد شب
في أحد أكواخ العمال على بُعد أميال من المزرعة .
اعترضت أديل : (( لا يمكنك أن تذهب يا غافن . ذراعك ... ))
ـ بل يمكنني . علي ذلك , ولكن فقط لأدبر العمل .
ثم ابتسم مطمئناً إياها : (( أنت تعرفين أننــي بارع في ذلك )) .
سألته جو : (( هل يمكننا المساعدة ؟ أو هل يمكننـي المساعدة ؟ )) .
رقت نظرته : (( شكراً , ولكن هناك الكثير من العمال . ما يحتاجونه
هو التوجيه , وهذه مسؤوليتي . هيا اخلدن إلى النوم . أراكن في
الصباح )) .
ثم نظر إلى جو : (( جو ... )) .
ـ لا بأس .
تردد قيلاً ثم استدار مبتعداً .
وعندما أصبح بعيداً عن السمع , قالت أديل : (( إنه تماماً مثل والده .
يمكن الاعتماد عليه ! )) .
مر وقت لا بأس به قبل أن تخلد إلى النوم .
كان في داخلها إحساس يدغدغها ويذكرها بقربها من غافن
هاستينغ . وعرفت أن وقت القرار الحاسم قد حان . كما أنها عرفت أنها
ترغب كثيراً في الزواج به . صحيح أنها لا تحب طريقته المتسلطة كثيراً ,
ولكن عبء حبها له كان ...
لجمت أفكارها وتساءلت عن السبب الذي جعل هذا الحب عبئاَ
بدلاً من أن ترى فيه لذة مُسكِرة , لا سيما وأنه أول رجل يجعلها تشعر
بكل هذه الأحاسيس وأول رجل يجعلها تتوق إلى رفقته بهذا الشكل . إلى
ذلك , فقد شعرت بالانجذاب الكلـي إلى كين كان الذي أحيا فيها توقاً إلى
حياة العائلة .
وهناك أيضاً روزي , ويمكنها القول بصراحة أنهما انتقتا كثيراً . لقد
أمضتا ساعات ترسمان معاً وأصبحت جو المؤتمنة على أسرار الصغيرة .
كيف ستتمكن روزي من التكيف مع واقع انسلاخهــا عن بيئة تحبها
لتعيش فيها عطلاً قصيرة من السنة فقط ؟ وكيف ستتكيف مع واقع
مشاركة جدتها مع زوج جديد ؟
إنه فعلاً عبء ثقيل ستفرضه ابنة الست سنوات على سعاة أديل ,
مهما قالت هذه وألحت بأنها لن تفترق عن حفيدتها.
وكان هذا سبباً إضافياً لكــي يرغب غافن في الزواج بها , إلا أن شيئاً
ما كان يلجمها ... فهل هذا لأنها مغرمة جداً به بينما هو لا ؟
همست لنفسـها قائلة : (( باختصار يا جو , لقد أمضيت حياتك تفقدين
أكثر من تحبين . تذكري ما شعرتِ به عندما اكتشفت أن لديك جدة
أمضت سنوات تبحث عنك , ولكنها رحلت أيضاً . قد يحدث الأمر
نفسه مع غافن . من قال لك إنه لن يقع في حبك بجنون ؟ )) .
وإذا بفكرة تخطر لها فجأة . هل من تدبير وقائي يجدر بها اتخاذه في
زواج مصلحة مماثل ـــ فهذا ما هو الأمر بالنسبة له ؟ يمكنها مثلاً أن
تخفــي عنه حبها إلى أن يشعر نحوها بالشيء نفسه , هذا إن حصل .
وعندئذٍ لم تستطع إلا أن تفكر كيف يمكن لسياسة وقائية أن تؤثر في
علاقة ما , وكم سيكون صعباً إخفاء تأثيره عليها . سيكون عليها على
الأرجح كبت نفسها ....
وقد أظهرت أحداث اليوم التالي أن فكرة التدبير الوقائــــي كانت
ممتــــــازة .
نهاية الفصل (( السابــع )) ...
|