نظرت مورينا إلى أبعد من أرغون....فرأت من بعيد بضعة سراطين تجوب الرمال وأسراباً من الطيور تدور فى السماء بحثاً الطعام.كانت الشمس فوق رأسيهما ترسل أشعتها الحادة مع ذلك أرتجفت مورينا !
كان أرغون ينظر عابساً عبوساً أسود فترددت مورينا "ترى أمازالت كارمن تريده؟"لكن كيف لأى شخص إلا كارمن أن يجيب عن هذا السؤال ؟وهل لأحد سواها الحق فى القول لـ أرغون أن يغرب عن وجهها ؟ لم تهتم مورينا يوماً بأمر أرغون غارسيا لكنها كانت تفكر أحيانا فى أن مادوك قسا عليه وعلى حبه لـ كارمن كثيراً غير أن كارمن فى الثلاثين من عمرها وهذا يعنى إنها قادرة على معرفة ما تريد كما أن أرغون لا يخلو من الحسنات لكن أن كانت قد وقعت فعلا غرام مورى روسيل فقد لا ترغب فى رؤية أرغون ثانية وبسبب الماضى لم تكن مورينا تظن أن كارمن تريد رؤيته بل قد يكون وقع الصدمة عليها سيئاً
أخيراً قالت بهدوء:
-لا أعدك بأن أعلمها
-إذن يجب أن أراها بنفسى
-لا!
لا تستطيع مورينا أن تتحمل هذه المسؤولية ! فماذا قد تكون ردة فعل كارمن إن رأته من غير سابق إنذار؟ سألته مرتجفة:
-أرغون لم لا تكون صبوراً حتى تعود؟لا أدرى ماذا سأقول لها لكنى أعدك أننى سأحاول أن أكتشف ما إذا كانت مهتمة بك
نظر أرغون إليها بريبة وهو يفكر فى الأمر :
-عليك مقابلتى إذن لاحقاً لتخبرينى بما يحصل....لكنى لا أستطيع الوثوق بك
أيجب ان يشك الجميع بأمانتها؟نظرت إليه بمرارة :
-هذه مخاطرة عليك القبول بها على ما أخشى....لكن حذار إن كانت كارمن مريضة جداً وما تزال أصيبت بجروح بالغة فى حادث السيارة الذى هربت منه ولم تشف بعد تماماً لذا توقع ألا يعجبك الرد الذى ستقوله...أسمع لن استطيع منعك من الأقتراب منها بنفسك.فلماذا أكذب عليك؟
-عدينى بتمهيد الطريق
-لم أقل إننى سأمهده لك بل قلت إننى سأخبرها بعودتك .
منتديات ليلاس
ربما لأن كارمن فى الوقت الحاضر غائبة ولان لا فكرة لديه عن المكان الذى قد يجدها فيه فقد وافق على مضض وقال:
-أراك بعد أسبوع وفى هذا الوقت يتسنى لك محادثتها سأنتظر بعد اسبوع على الطريق خارج المزرعة فكونى هناك فى الموعد حاملة لى أخباراً جيدة
أحست مورينا بـ غاريت يرميها بنظرات قلقة حين عادت لتناول الشاى معه لكن بالها أكثر من مشغول فعودة أرغون صدمتها وأرعبتها فى آن معاً أحست إنها بحاجة ملحة إلى من تلجأ إليه مع إنها تعلم أن لا أحد يستطيع فعل شئ لها وستكون حمقاء وأنانية إن أقلقت غاريت بمشكلة لا تستطيع فعل أى شئ إزالتها
لم تقل لـ أرغون إن وزر الحادثة وقع على كاهلها ولو فعلت لوضعت فى يده سلاحاً يستخدمه ضدها وهو سلاح سيستخدمه مبتزاً إياها إذا ما أصيب بالإحباط لكن ما تخشأه أن يعلم مادوك بإتصالها به فهو إن علم بالأمر إزداد احتقاراً لها
عندما خرج مادوك تلك الليلة إلى العشاء أحست مورينا بالسرور وحين سمعته يخرج تنفست الصعداء وكأنها ترفع عن كاهلها دنباً فلو جلست معه وجهاً لوجه لأستخرج الحقيقة منها.لكنها أملت مع الصباح أن تكون قد أستردت شجاعتها فمهما حدث يجب إلا يشك أنها شاهدت أرغون
تناولت العشاء مع انجيس التى راحت تقص على مسامعها
قصص طفولة مادوك .قالت أنجيس بابتسامة :
-نزعة القيادة متجذرة فيه من الصغر كان يعرف ما يريد بالضبط حتى قبل أن يتمكن من المشى لم يكن والده يدير شئؤون العمل بحكمة ولولا وجود مادوك لألت الأمور إلى الأسوأ مما هى عليه الآن .لديك زوج طيب يا طفلتى الكثير من النساء كن يرغبن فى الزواج به لكننى كنت أعرف أنه ينتظر الفتاة التى يستطيع أن يحبها لم تكن السنتان الماضيتان التان قضاهما فى بريطنيا بالسهولة التى تتصورينها إذ كان هناك ما يتآكله ولا أدرى ما هو ولكننى واثقة الآن أنه فى غاية السعادة
لم تشأ مورينا أن تكشف لـ أنجيس عن خطأ ظنها وكانت تفكر فى أن مادوك غير سعيد حين فاجأتها بالقول إنها ستعود قريباً إلى بريطانيا ,فصاحت مورينا وهى متأكدة إنها ستفتقدها :
-أوهـ...لماذا؟!
-يجب أن أتفقد شؤونى لا أظن الآن ان هناك فائدة من البقاء لأجل كارمن
مالت إلى الأمام وكأنها تفضى بسر :
-إنها تحب مورى روسيل وربما من الأفضل ان يتزوجا وبما إنها تحب العيش فى أنكلترا فقد تتمكن من تقرير أمر مستقبلها بذهن صاف
حين عاد مادوك تظاهرت مورينا بأنها نائمة كان الوقت يقارب الفجر وقد وصل متأخراً ربما لأن المسافة من سان خوان للمزرعة بعيدة هذا إذا كان ذهب إلى هناك أغمضت عينيها بشدة لكنها ظلت ترأه مع كارينا لم يتوقف قرب سريرها ولو فعل لشاهد الدموع الصامتة وهى تشق طريقها بين أهدابها المغمضة بشدة لكنه دخل مباشرة الغرفة المجاورة مغلقاً الباب المشترك
حاولت ساعة محادثته بهدوء لكنها لم تكن تدرك أن الدوائر حول عينيها واضحة وأن الحزن والتجهم مرسوم رسماًى قالت له أن أنجيس تفكر فى السفر:
-تعتقد أن من المستحسن المغادرة لكننى لا أظن أن كارمن توافق
رد موافقاً وأن بنفاذ صبر
-سأتصل بكارمن....ليتك أخبرتينى هذا الخبر يوم أمس فلو أخبرتنى به لأصطحبتها معى.
سألته بحذر:
-وكيف كانت؟
رد بلا مبالاة ونظرته تتركز على وجهها الشاحب :
-جيدة جداً.....وكيف كان غاريت بالأمس؟
-وكيف عرفت أننى زرته؟
-أخبرتنى السيدة بونيس
-كان بصحة جيدة
أحست بالذعر بسبب تضرج وجنتيها الذى كان بسبب مقابلتها لـ أرغون .عندما نظر إليها لم تدهش كثيراً
-تبدين كمن أرتكب ذنباً....لماذا؟
ردت بصدق يشوبه أحساسها بالذنب لإخفائها خبر لقائها بـ أرغون
-لا....ليس كذلك
-طلبت منك عدم التنزه وحيدة على الشاطئ
-كنت بحاجة لتريض
-لا تكررى ذلك ثانية
نظرت مورينا إلى غطاء الطاولة صامتة متسائلة عما إذا كان من الممكن أن تحس أنها اكثر بؤساً مما هى الآن وقف شامخاً أمامها مديد القامة عريض المنكبين حتى أحست إنها قزمة أمامه مع ذلك لم تستطيع إلا ان تحس برجولته التى تشعل قلبها.قال ببرود وكأنها غريبة:
-أراك فيما بعد
أتصل بـ كارمن التى هرعت على الفور إلى المنزل لتوديع عمتها ولكنها حين عادت كان معها مورى الذى أعلن خطوبتهما عندها سافرت أنجيس والفرح يغمرها
لكن مورى لم يستطيع البقاء سوى ليلة واحدة بسبب ضغط العمل فكان ان بقيت كارمن فى المنزل وشرعت فى تحضير لائحة المدعوين لعرسها أمضت مورينا يومها معذبة حائرة كيف تخبرها
كانت كارمن تتجنبها ولكن بعد ظهر اليوم التالى قررت مورينا أن تخبرها وتنتهى فتوجهت إلى غرفة الجلوس كان من المقرر أن تقابل أرغون فى اليوم التالى وأن حدث وتخلفت لحضر هو إلى المزرعة وإذا حدث هذا فلن تسامحها كارمن على عدم تحذيرها منه كانت قد أرتأت أن تمتنع عن إخبار كارمن على أن تذهب لمقابلة أرغون لإطلاعه على خبر الخطوبة متوسلة حتى يبتعد لئلا يثير المتاعب لكن يكف لها أن تتأكد أنه سيقبل الخبر؟ فقد يزيحها جانباً ويهرع إلى المزرعة ليواجه كارمن بنفسه
رفعت كارمن رأسها بحيرة وقالت بنفاذ صبر:
-ما الأمر؟
عرفت مورينا أنها لن ترحب بها فتوقفت وفى عينيها القلق :
-أريد التحدث إليك كارمن
ردت بحدة خالية من الكياسة:
-أدخلى إذن ! ليتك تتوقفين عن التسلل وكأنك شبح ألا تعرفين أن مادوك سئمك؟
همست ببؤس:
-كيف تتوقعين شيئا كهذا؟
أجابتها بلؤم :
-لدى عينان...أنت صغيرة جداً بالنسبة له سمعت كارينا تقول إن من المؤسف أن يكتشف ذلك متأخراً وقد سمعتها تقول أيضاً أنه يفكر فى الطلاق لكن أى طلاق يقتضى وقتاً طويلاً
أحست مورينا بالبرودة لأنها خشيت أن تكون كاريما على حق والدلائل جميعها تشير غلى انه يريد التخلص منها وعليه ربما تحدث إلى كارينا عن موضوع الطلاق
-أفضل ألا نتطرق إلى هذا الموضوع
هزت كارمن كتفيها بلا أكتراث لكنها أبقت عينيها على وجه مورينا الشاحب فبدأ ان وجها كذلك فقد بعض لونه .قالت مترردة:
-مورينا....!
لكن مورينا لم تسمع ما فى صوتها من أثر ندم متردد.كانت تريد أن تقول ما عليها قوله وتنتهى فقاطعتها:
-شاهدت أرغون غارسيا!
شهقت كارمن التى أصبحت شفتاها خاليتين من الدم :
-من؟!
-أرغون....سمعتنى....كان يسأل عنك...قال أنه مايزال يحبك
أخذت كارمن التى بدت الصدمة ظاهرة عليها تتلفت حولها وكأنها تتوقع أن يظهر لها فى اى لحظة :
-أين هو؟
سرعان ما تلاشت ثقتاه الباردة بنفسها لكن مورينا لم تشعر بالآسى عليها .فأكملت:
-لا ادرى أين هو الآن لكنه قابلنى على الشاطئ فى اليوم الذى زرت فيه أبى
-وهل شاهده أبوك؟
-لا
أرتفع صوتها بهستريا :
-حسنا...لا أريد رؤيته ثانية...كان يحبك أنت لا أناوأن حاول أن يوهم الناس بالعكس فسأنكر أى إنكار لا أريد سماع أسم أرغون غارسيا مرة ثانية...عندما تتحرين من مادوك أذهبى إليه فلا يهمنى ما ستفعلان!
أنهارت كارمن إنهياراً حاداً وأجهشت بالبكاء ناحية فى هذا الوقت دخل مادوك الذى سارع لتهدئة شقيقته ومواستها قائلاً بغضب:
-أذهبى إلى غرفتك مورينا!
نظرت مورينا بحزن فهو كالعادة يلومها على تكدر كارمن كان وجهه مغبراً وعيناه الخضراوان تصرخان بالأتهام فتساءلت بتعاسة ماذا سيحدث لاحقاً؟ليس فى وجود امرأتين تتخاصمان حوله ما هو مسلّ وهذا يعنى أنه يتطلع إلى اليوم الذى يتخلص فيه من كلتيهما ليتزوج من كارينا
حين جاء إلى الغرفة فيما بعد تمتمت:
-أنا أسفة
خلغ قميصه المبلل بالدموع ورماه متجهاً إلى الغرفة الأخرى وهو يصيح:
-لن أتحمل المزيد من هذا....أحذرك
التفتت:
-ألم أقل لك إننى أسفة؟
لكنها عادت فاوقفت دفاعها العدائى هامسة لان الغرفة راحت تميد بها
-مادوك!
أمسكها بسرعة حالما رآها تترنح لكنه لم يكن لطيفاً ولم يحمل آثراً للعطف عندما قال:
-إذا كنت تثيرين نفسك وتثيرين الآخرين فماذا تتوقعين؟
-لم يكن الأمر هكذا....!
كيف لها تفسر الشوق إلى ذراعيه ؟ فحبها له ليس جسدياً فحسب بل أكثر من ذلك لذا فمجرد قربها منه يدفعها إلى الأرتجاف...كانت تحسس بنظرته تكاد تمزقها وكأنه يفتش عن شئ فقالت بخشوةن:
-مادوك....أتريد الطلاق؟
قالت كارين إنه يريد الطلاق....فهل ينتظر أن تقوم بالمبادرة لئلا يشعر بالذنب؟ رفعت نظرها إليه وكررت:
-أتريد الطلاق؟
تنهد لكنه لم يرد عليها مباشرة...بل قال:
-هذا ما أراه أحيانا الحل الأمثل
أرادت أن تمنعه بجنون أرادت أن تتعلق به بقوة لئلا يستطيع الخلاص منها....لكنها تعرف أن كل تلك الوسائل غير مجدية للإمساك برجل مثله فسرعان ما ستفشل وسرعان ما ستضطر إلى تركه
فجأة ودون مقدمات جذبها إليه مقبلاً إياها لم تكن مستعدة لهذا بسبب الغضب الذى مازالت تشعر به فحاولت المقاومة لكن جوعها إليه أحرق قدرتها على السيطرة التى حاولت الإستنجاد بها.وأخذ جسدها الضعيف ينتفض ويسارع إلى التجاوب المشبوب الذى تكبحه كانت قوة رغبتهما المشتركة ترسل لهيباً حاراً على بشرتها...حين أبعدها فجأة عنه متمتماً تاركاً الغرفة كالبرق صرخت وكأن قلبها كاد يتحطم.
أهذه طريقته فى معاقبتها قبل ان يتركها ليذب لـ كارينا؟
كان ذهابها لمقابلة أرغون اسوأ مما ظنت فقد ذهب مادوك إلى مايا جونز قائلاً لسيدة بونيس إنه لا يتوقع العودة قبل المساء . وبما إنه لم يكلمها منذ ظهر اليوم السابق لم تظن أنه سيهتم بما ستفعل .
بعد الغداء تسللت خارجة . كان أرغون ينتظرها حيث وعد أن يكون كان متوقفاً قرب سيارته على حافة الطريق فيما كانت تقترب لاحظت قسماته الأسبانية السمراء ولاحظت أنه أوسم من مورى روسيل لكن لابد من أن كارمن أدركت مع الوقت أن مورى أفضل منه . قالت له وهى مقطوعة الأنفاس بسبب السرعة:
-أيجب أن تقف هنا هكذا ؟ قد يرأك أى شخص
بقى على حاله عيناه منتصبتان على وجهها المتضرج:
-لست مجرما!....حسنا؟
شوقه المثير للإشفاق لم يجعل الرد عليه سهلاً إذا كان يحب كارمن حقاً بقدر ما يقول فـ مورينا بالتأكيد تشفق عليه قالت متوسلة بلهفة:
ألا يمكن أن نجلس داخل السيارة أولاً؟
قال بنفاد صبر:
-كم تشائين
دخل السيارة وأوضح أنه لن يتنازل وقال:
-هيا الآن....أخبرينى ! أشك من تعابير وجههك أن تكون الأخبار جيدة....لكننى لن أنتظر لحظة أخرى
أحست مورينا بالرغم من قسوة صوته بالإشفاق عليه
-كارمن عادت إلى المنزل مخطوبة....وهى أسفة لكنها لا تريد رؤيتك ثانية....أظنها تشعر أن لا فائدة من اللقاء
صمت أرغون بضعة لحظات ثم سألها بقسوة:
-ومن هو الرجل الأخر ؟
-مورى روسيل...رجل يعمل فى حقل التجارة فى سان خوان.أتعرفه؟
هز رأسه:
-وهل تحبه؟
-هذا ما تقوله
-لا أصدق
نظرت إليه متوترة :
-أنا أسفة لكن صدقت أم لا سيد غارسيا لن تستطيع فعل شئ إزاء الأمر
-لا شئ؟
لم تكن تريد أن يخيفها صوته
-لا.لو كنت مكانك لنسيت أمرها
أشاحت مورينا بوجهها عنه كارهة رؤية محنته لكن سرعان ما أتسعت عيناها حين شاهدت سيارة مادوك تمر بهما ونظر مباشرة إليهما وإنما بطريقة عرضية أبلغتها أن هناك فسحة قصيرة من الوقت قبل أن يتعرف إليهما أمسكت بقبضة الباب بسرعة :
-يجب أن أذهب أرغون...كان هذا...
-لا داعى للقول من هو!
ودفعها من السيارة ليدير المحرك مردفاً:
-لا عيب يشوب نظرى وليس لدى الرغبة فى مقابلة السيد لامب !
كاد يوقعها عندما دفعها ولكنه لم يأبه بل أنطلق بسرعة تاركاً إياها وحدها لتواجه زوجها الغاضب .لكن مادوك أدار سيارته بسرعة خاطفة ليلحق به....وكان قادراً على ذلك لولا أختياره الإنقضاض عليها عوضاً عنه وما هى إلا لحظة حتى كان إلى جانبها يمسكها بشراسة وأنفاسه مضطربة وكأنه كان يركض
************