كاتب الموضوع :
روفـــي
المنتدى :
روايات ألحان
الفصل الأول
الفصل الاول
لاحظت باتريشيا رولاند عيباً بسيطاً في الصلصال لما احست بعدم مقدرتها على تجاهله بللت اصابعها في طبق به ماء ومررتها برفق على تمثال كبير موضوع على قاعدة في وسط الاتيليه ثم تراجعت خطوة الى الوراء وابتسمت وهي مقتنعة بالنتيجة التي حصلت عليها . يظهر هذا التمثال الحالة السحرية والرقيقة لامراة تنحني أمام البحر الذي يداعب مؤخرة قدميها برقة متناهية .
إن باتريشيا خيرُ ناقدة لنفسها ولا ترضى الا بأفضل الأعمال أتاح لها هذا التمثال ان تشفي نفسها من فترة المراهقة الفوضوية بإضفاء جو من الصفاء على نفسها المعذبة , تنعكس موهبتها ومثابرتها في العمل الآن على مجموعة التماثيل المدهشة التي اعدتها من خلال سنة . يوجد في الاتيليه عشرات من التماثيل , لا يهم - بالنسبة لها الزرقة الموجودة حول عينيها الخضراوين وشعرها القصير غير الممشط جيداً وملابسها التي اصبحت فضفاضة , لم تحمل باتريسيا نفسها مشقة ان تبرر لنفسها انها لم تتناول بعض الوجبات , او لم تنم الا عندما شعرت بالاجهاد .
فأهم شيئ ان تجهز للمعرض الذي سيخصص لها بالكامل .
أدارت باتريشيا للمرة الاخيرة قاعدة التمثال وانهت فحصها وهي تجفف أصابعها بالـ تي شرت الخاص بها , ثم تمددت وهي تطلق تنهيدة طويلة امتزجت مع النسمة الرقيقة التي جعلت اشجار النخيل في منتزه الضيعة الفسيحة لسان توماس تتمايل . شعرت باتريشيا انه يمكنها الفخر بأعمالها مهما كانت آراء النقاد , فكل تمثال يمنحها احساساً باالرضى العميق عن نفسها ويعرب لها في نفس الوقت عن موهبتها التي قدرها المجتمع الفني الدولي من اجل ابتكاراتها الجريئة .
اخرجها رنين الهاتف من حالة التركيز التي كانت عليها وتوترت عندما تعرفت على صوت والدها ثم سألت بخجل :
- صباح الخير يا أبي كيف الحال ؟
- بخير , بخير
شعرت باتريشيا ببعض التوتر في صوت الناطق بلسان الرئاسة كيروس رولاند
- أيوجد ما يقلقك يا أبي ؟
- لماذا تسألين هذا السؤال !
- لأنك نادراً ما تتصل بي .
- هل هذا عتاب يا باتريشيا ؟
- لا , ولكن بهدف الاطمئنان فقط
- اتذكرين ميكا هولبروك ؟ ..... ردت عليه وهي مضطربة :
- بالتأكيد , كيف يمكنني ان انساه
لا بد ان المراة الشابة تريد الاعتراف في قرارة نفسها بانها تقارن الرجال دائماً ب ميكا ولم تجد واحداً منهم يصل لمستواه الجسماني والعقلاني والجمالي
- حسنا ... لقد دخل المستشفى في واشنطن .
أغمضت باتريشيا عينيها وكانك صاعقة حارقة اصابت قلبها
- وهل سيخرج منها ؟
- لم يصرح الاطباء بأي شيئ في هذا الشأن
- ماذا حدث له ؟
- ليس لدي الوقت للدخول في التفاصيل الآن يا باتريشيا ....
- يقولون : أن الاشياء لا تتغير ابداً ... ميكا لا يتذكرني بالتأكيد ولكن ابلغه تمنياتي له بالشفاء العاجل .
- لقد ارسلته الى سان توماس .
تشبثت باتريشيا بالتلفون .
- ولكن لماذا هذا ؟
- إنه في احتياج الى مثل هذا الجو , فهذا يساعد من سرعة شفائه .
- ولكن يا أبي لم يتبق أمامي الا أقل من شهر على معرضي القادم
- أدرك هذا تماماً , ولكن أؤكد لك ان كل شيئ سبق الاعداد له
سألت باتريشيا نفسها : كيف استطاع هذا الآب الغائب دائماً أن يعرف تفاصيل حياتها ؟ قالت معترفة :
- لقد انهيت في التو آخر تمثال .
- ميكا ساعدك عندما احتجت له واعتقد انه حان دورك الآن لكي تساعديه .
- ولكن كان هذا منذ فترة طويلة .... منذ أكثر من سبعة عشر عاماً يا أبي .
- لقد انقذ حياتك , أقل ما ينبغي لك ان تفعليه هو ان تستضيفيه , انت تعرفين أكثر من أي شخص آخر أنه يعاني في هذا الوقت .
جالت صورة الانفجار الذي دمر شارعاً بأكمله في لندن في مخيلتها رغماً عنها .... لقد جرح اناس كثيرون أو ماتو نتيجة ذلك الانفجار المروع . كانت باتريشيا في ذلك اليوم محاصرة تحت حطام محل ملابس ولكن انقذها ضابط اميركي شاب في العشرين من عمره وحملها الى الاسعاف وحملها بعيداص عن الخطر .
قال كيروس بإلحاح :
- هل تفهمينني ؟
- أعرف أنه انقذ حياتي .
- والآن هو في أشد الحاجة اليك
- ولماذا يحتاج الى مساعدتي ؟ هنالك بالتأكيد أماكن اخرى افضل من سان توماس .. لابد ان يعتني الاطباء هناك بحالته و ......
- إنني حزين من اجله يا باتريشيا , يمكنهم ان يعالجو جسده ولكن تبقى روحه .... العملية التي اجروها له ليعيدو اليه بصره ما زالت في اطار التجربة , ميكا يعرف ان نجاحها يقترب من نسبة السبعين في المئة وهو ساخط لذلك ويشعر بالخوف وهذا واضح عليه
همست ...
- مثل أمي .
- نعم مثل أمك
- وعائلته ؟ الا يفضل ان يعتني به اناس يحبونه ويثق بهم ؟
- إنه يرفض الاتصال بهم , ان صحة والده غير مستقرة
- أيمكنك أن تقول لي كيف حدث هذا ؟
بات صوتها الىن حازماً , رد عليها كيروس في النهاية :
- في اثناء انفجار مبنى الهيئة السياسية بأميركا الجنوبية في الشهر الماضي .
- هل كان احد الرجال الذين اخرجوك من السيارة المشتعلة لإنقاذك ؟
تذكرت باتريشيا مقالات الصحافة التي تحدثت عن الانفجار الذي كاد والدها يدفع حياته ثمناً له
- نعم
قالت له وهي تلومه :
- لماذا لم تتصل بي بعدها ؟ الا تعتقد أنني كنت احب ان اعرف إذا كانت حالتك الصحية جيدة .
- يسودني انطباع أنني استمع الى والدتك
- أمي ماتت منذ زمن طويل ... ولدي همومي الخاصة يا ابي وانا متعبة , هذا المعرض مهم بالنسبة لي منذ سنة وانا أعد له لا أعرف إذا ما كنت سأفيد ميكا وخاصة في مثل حالته
قال بصوت واضح
- باتريشيا أرجوكي افعلي هذا من اجلي نحن .. انا وانت مدينان له بالتأكيد
كانت كلمة أرجوك سبباص في صمتها . إنها لا تذكر انه نطق بمثل هذه الكلمة قبل ذلك . لقد اعتاد والدها مثل كل السياسيين على أن تكون لهجته في صيغة الامر ويفرض الشيئ ولا يطلبه . كان يتحدث بلسان الرؤساء ويضاهي الدكتاتوريين ويعيدهم الى صوابهم ويوقع على معاهدات ويضع نهاية للحروب . منذ ان انجب ابنته وهو يعطيها الاحساس بأنها تتعبه ... حتى ذلك اليوم الذي تعلمت فيه الا تطلب رأيه أو تنال رضاه .
- هل راحته مهمة جداً بالنسبة لك ؟
- نعم . انك قوية ويمكنك العناية به . إنني اثق بحدسك و رجاحة عقلك
- مفهوم با أبي
- شكراً . لقد اتخذت كل الترتيبات الضرورية , سيصل معه مجموعة من خدمي وطاقم الىمن , يعرف الجميع مكان الضيعة عدا ميكا .
سألته وهي تذكر طاقم الآمن :
- هل هو في خطر ؟
لما كانت باتريشيا معتادة على اجراءات الامن التي يحاط بها الاشخاص من ذوي المراكز المرموقة مثل ابيها فإنها لم تشعر مع ذلك بالراحة في ظل وجود رجال يتسكعون في انحاء الضيعة وهم متأهبون دائماً لاطلاق الرصاص . لم يأتي والدها منذ سنتين الى سان توماس والمرة الاخيرة التي طلب منها استقبال شخصية ذات اهمية قابلت فيها شخصاً بغيضاً يسعى للعيش في ملذات الحياة , وبناء على ذلك لم تفضل ان تقابله ابداً بعد تلك الفترة .
رد عليها كيروس
- لا نعرف . انني فقط أحب أن أكون حذراً لقد قضى ميكا فترة كبيرة بحكم مهنته في اوساط التجسس لحساب البحرية , لقد نفذ العديد من المهام السرية والمهمة , اتعرفين عنه الآن القدر الكافي ؟
- بالتأكيد ... أكثر من القدر الكافي , إنه احد اصدقائك اليس كذلك ؟ وليس شخصاً يعمل لديك
انفجر الآب ضاحكاً
- حاولي الا تحملي له اي ضغينة يا باتريشيا
لم تضحك البنت من كلام ابيها لحزنها عندما شعرت بأنه يشعر بالراحة مع اصدقاء العمل أكثر من اسرته .
- متى يجب أن يصل ؟
- بعد ظهر اليوم .
ودعت باتريشيا أباها و وضعت سماعة الهاتف , غير معقول بعد ظهر اليوم , رغبت في أن تطلق صيحة ولكن بدل من أن تفعل ذلك أدارت انتباهها نحو التمثال الموجود وسط الاتيليه وشعرت بعدها بصفاء داخلي . كان يلزمها هذا لكي تواجه ميكا هولبروك بعد كل هذه السنين
|