كاتب الموضوع :
اواخر شتاء
المنتدى :
الارشيف
البارت الثالث
سارت في طريقها الى ذلك المطعم الجميل والذي احبه قلبها ولها فيه ذكريات جميلة لاتستطيع نسيانها ، دخلت اليه بحنين بالغ ومنذ ان وضعت قدمها الى بابه بدا عليها الالم والحسرة لتلك الليالي والايام السعيدة والتي تلاشت كالضباب فلا اثر لها ولا بقاء الا تلك الاماني والوعود التي مازالت تحفر بأعماقها .. كان نغم الموسيقى الهادئة بذلك المطعم قد حرك خفايا بواطنها واسترسلت في اعماق ذكرياتها ، جرّت خطواتها ببطء وحقيبتها الصغيرة بيدها وهي تحدث نفسها : ــ سأعود لك منذ اليوم ، ولن احرم نفسي ايام الثراء .. حتى وان قلّ مالي لن اهجر هذا المكان ولو دفعت جميع مااملك للمجيء اليه ..
ذهبت الى الهاتف وضغطت بأزراره واتصلت بحياة .. ثم ذهبت لتجلس وهي تتأمل ذلك المكان المفروش بالرخام الوردي المنير بالثريا الفخمة . وقد تناثرت عليه تلك الطاولات الدائرية الفوشية المرتبة تزينها الكراسي الفخمة حولها وتلك الشموع المضيئة الهادئة وتلك الروائح بعطر الورد تفوح من احد الفواحات المتناثرة في كل مكان وزاوية .. استنشقت بقوة وهي تسحب انفاسها لتلك الروائح التي عطرت ذكراها الخفية وداعبت اوتار قلبها ..
جلست امام الطاولة تتأمل الى متغيرات المكان الذي تركته منذ عام وسبعة اشهر .. هذا هو تماما كما كان لم يتغير منه شيء ، وقعت عيناها على تلك الطاولة المقابلة ولاح لها طيف بعيد يجلس معها يوما ما .. مازالت تراه بعين قلبها .. جاء النادل بكوب العصير .. نظرت الى الساعة تنتظر حياة .. لكنها غرقت من جديد في رحلة تفكيرها الطويل .. قاطعها صوت حياة :
ــ مساء الخير ..
ــ اهلا حياة .. تفضلي ..
جلست حياة باستغراب من وجودها هنا في هذا المكان الخاص بماضي حياتها وذكرياتها .. جاءت لتسألها لكنها سكتت خوفا من
حزنها ان ينفجر من جديد ..
تكلمت لمى ــ لقد .. (ثم سكتت )
ــ مالامر .. لماذا وجهك شاحب هكذا .. مابك ؟؟؟
ــ لقد اهداني ايمن سيااارة جديدة ..
تفاجأت حياة وقد اسعدها الخبر وصفقت بقوة ـ الحمدلله
التفت الناس بأنظارهم حول طاولة الفتاتين احمر وجه لمى وهي تهمس لها ـــ لماذا فعلتي ذلك يا مجنونه ..
ضحكت حياة بقوة ــ لقد وقع يالمى وقع .. وقع في شباااااكك
ابتسمت الحسناء بحياء ــ كفى يامجنونة .. انها عربون عمل .. مكافئة من الشركة
ــ تكلمي ماذا ايضا ؟؟ ماذا اعطاك ايضا ؟؟
انقطعت ابتسامة لمى هنا وهي تقول ــحياة مابك تتكلمين هكذا وكأنك لاتعرفينني؟؟
ــ اسفه يالمى لكنك يجب ان تتخلصي من هذا المنظار الاسود فالحياة جميلة انظري اليها بايجاب كغيرك
ـــ لو نظرت اليها ببياض سيكسوها السواد من جديد مثل كل مرة
حست حياة ان النظرة الحزينه عادت الى تلك العينان الحسنوات حاولت تلطيف جوها وهي تسألها ــ هل له اولاد ؟؟
ــ ولدين
ونت لمى ــ اه ياحياة قال انه لم يعرف ظروفي الا الآن ... بالتأكيد انها صدقة ماله
ــ لماذا تقولي هكذا يالمى ؟؟ انت فتاة نشيطة تستحقين المكافأة .. لاتستحقين الصدقة كما تقولين .. كفي عن هذا الكلام المخبول .. وانتبهي لمشاعره جيدا
نبض قلب لمى بسرعه عند عبارة حياة الاخيرة ولكنها تداركت نفسها وكأنها لم تسمع شيء انزلت عيناها للاسف وهي تستنشق الهواء ــمااجمل المكان هنا انه ذو سحر خاص
تنهدت ثم قالت : ــ اتعرفين انني خرجت بالمفاتيح ولم ارى السيارة بعد ؟؟
ابتسمت حياة ــ بالتأكيد ستكون جميلة .. كيف سيعطي لمـــــــى سيارة ليست جميلة ؟؟؟
ثم ضحكت ( وهي تعرف حزن لمى ) ــ اليس كذلك يالمى ..
اومئت لمى بالموافقة
شردت لمى قليلا وهي تنظر الى تلك الزاوية بنظرة رجاء غامرة كأنها تقول اين صاحبك ؟؟ ؟؟ .. احست بها حياة فهي تعرف كل حياتها وتفهم نظراتها وايماءاتها .. تناولت كأس العصير لتشرب منه علها تشد انتباهها فتكف عن استرجاع ذلك الشريط المحزن ولكن دون فائدة حدثتها حياة ــ لمى حدثيني عن ايمن ..
تنهدت ثم قالت : ــ شاب ثري ثري . . جميل المظهر.. لطيف ونبيل لكنه احيانا غريب النظرات يذكرني بتصرفات ..
( ثم صمتت )
ــ اعرف بمن تفكرين .. اعرف جيدا .. انتبهي يالمى واطوي صفحة الماضي .. اعملي بهذه النصيحة ياصديقتي
اومئت بالموافقة ــ حسنا .. اتعرفين ياحياة اني لاأنام بالليل من شدة التفكير ..؟
ــ الفرصة امامك بالجامعة وبكل مكان
ــ لم اعد اهتم بشيء ....
ــ اعرف ذلك وارى عدم مبالاتك فأنت لم تعودي كما مضى ..
ــ انت تعرفين كل شيء ياحياة كيف لي ان اعود ؟؟ ولماذا ؟؟
ــ عزيزتي يجب ان تهتمي من جديد خصوصا امام ايمن ..
صرخت لمى ــ ماذا ؟؟ ايمن ..؟ وهل تريدين ان تتكرر غلطة حاتم مرة اخرى ؟؟
ــ ايمن ليس كحاتم وانت تعرفين ذلك جيدا .. يجب ان يلتفت اليك فأنت لا يستحقك أي شاب
ــ لا لا لا .. الا ايمن .. لن افكر به ابدا
ــ غبية .. حمقاء ان لم تفكري به فهو اهداك سيارة كعربون محبة وليس عربون عمل يامغفلة
ــ لاياحياة انت لم تفهميني بعد ؟؟
ــ افهمك يالمى افهمك . انتبهي لايمن وفكري جيدا
ــ كل شي استطيع التفكير به الا ايمن .. مستحيل
ــ ستحبيه يالمى وسيحبك ولن ترضي ولن يرضى الا بك ..
ــ لكنه متزوج ؟؟
ـــ وماالعيب في ذلك .؟
تنهدت لمى وهي تحاول استيعاب فكرة حياة لكنها تألمت وهي تقول : ـــ اخاف ان يتكرر حاتم بوجه اخر ؟؟
ــ انت لاتخافين من ذلك .. انت تنتظرين خالد اليس كذلك ؟؟
ــ انا مازلت احبه ياحياة
ــ وهو مازال يحبك ويبحث عنك ..
ــ لا لقد نسيني وسأحاول نسيانه فهو حب الماضي ..
ــ اذن فكري بأيمن .. انت بحاجة الى رجل .. الى متى ستظلين هكذا هاربة يتيمة شاردة ..
ــ ليس لي طريق على ايمن
ــ الطريق سهل فهو امامك لايحتاج جهد ..
ــ هل تتذكرين حاتم ؟؟ لقد كنت بظروف كهذه وان..
قاطعتها حياة ــ لكن ايمن ليس كحاتم وانت وانا والجميع يعرف ذلك
ثم اردفت قائلة ــ جميع المؤسسات الخيرية يدعمها ايمن وجميع اعمال الخير يتبناها هو وهو دائما يكون الداعم الرسمي لاي عمل خير انه شاب نبيل ذو ايادي بيضاء ليس كحاتم السكير زير النساء ..
قاطعتها لمى ــ كفى ياحياة لقد مات .. اذكرو محاسن موتاكم ..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،
لم تنم تلك الليلة من التفكير بحياتها واحتياجها من جديد لرجل يحميها ويطرد وحشتها المخيفة .. تنهدت بضيق ــ لماذا عادت حياة الي من جديد ؟؟ لقد كانت من الماضي مثل خالد وحاتم .. تسألت ــ هل ستخبر خالد عني ؟؟ وسرعان مااجابت نفسها .. ــ لا لا فحياة صديقتي ومكان اسراري وانا من اتصلت بها لاني بحاجتها .. ليت جميع الناس مثلك ياحياة .. اعرف انهم حينها لن يخذلوني ..
اغمضت عيناها المتعبتان بعد جهد كبير وغطت في سبااااااااات عميق ,,,,,,
جاء الغد وذهبت مثل كل يوم الى مقر عملها ذلك المبنى الكبير وهي تتمتم بداخلها : ــ اتمنى ان لايحضر هذا اليوم وان حضر فلن احدثه بشأن هديته حتى يتحدث هو
جلست كعادتها امام شاشة الحاسوب تفتش بين اوراقها
،،،،،،،،،،،،،،،،
كان ايمن يجلس بمكتبه يمضي بتواقيعه على احد المشاريع وبعد ان انتهى توجه الى تلك المرآة الممتدة امتارا على احد الجدران بمكتبه ورتب شعره وهندامه ثم نظر الى تلك المزهرية الكبيرة التي بجوار الكنب الفاخر وقد فاح من احد الفواحات حولها رائحة الطيب الزكية ثم نظر الى تلك الورود الطبيعية بالجهة الاخرى والتي تجددها مديرة مكتبه كل يوم ثم وقف يتأمل منظر مكتبه جيدا .. مشي خطوتين الى الامام وامسك زجاجة لدهن عود فاخر من اجود انواع العود العربي ..فتحها ووضع بكفيه مسحتين ثم اغلقها واعادها وسرعان مافاح منه ريح العود الزكي.. عاد يتأمل نفسه بالمرآة
ــ انا مازلت شابا وسيما وسألتفت لنفسي قبل ان يلوح الشيب في رأسي .. فأنا مازلت ابن 31 عاما وهناك من هم في سني ولم يتزوجوا بعد
فتح باب مكتبه والتفت الى مديرة مكتبه ــ اريد لمى موسى من قسم شؤون الموظفين
ثم ذهب الى كرسيه وامسك بيده اوراقا وارتدى نظارته على غير عادته ليوهمها انه مشغول جدا بالعمل ..
قام وهو يبعد النظارة من عينيه ــ اهلا يالمى تفضلي
القت عليه التحية .رد عليها وهو يتقدم بخطواته اليها . اشار بيده
الى الجلسة الجانبية بمكتبه والتي تبعد امتارا عن طاولة مكتبه
ــ تفضلي بالجلوس ..
مشى بخفه الى طاولته من جديد وهو يضغط بالزر ــ فنجانين من القهوة احضريها لمكتبي الان .
جلست لمى في هذه الاثناء على احد تلك الكنبات الفاخرة الجانبية والتي خصصها ايمن لفترات استراحته ولاصدقاءه الخاصين وهي تنظر الى الطاولة المستديرة الصغيرة التي مقابل لتلك الجلسة وقد كان فوقها باقة من الورد وضعها له نائبه ووضع بها كرت تهنئة على نجاح الصفقة الاخيرة
سمعت صوت خطواته وقد سبقته رائحة عطرة الزكية من دهن العود العربي التي اختلطت بروائح فواحة الورد
تنفست بقوة وكأن بركان يسري بجسدها عندما جلس بجانبها التفتت اليه والتقت عيناها بتلك العينين العسليتين الناعسه والتي تبوح بشي غريب وهو يبتسم لها وسرعان ماانزلت رأسها .. ساد الصمت قليلا وهي لاتعرف مايريد ولم تستطع رفع عينيها او نطق كلمة لتبادره السؤال عما اراد ولماذا اجلسها هنا ؟؟ لماذا هنا بعيدا عن الباب ؟؟ لكن طرقات الباب قطعت ذلك الصمت رد بصوته ــ تفضلي
سمعت صوت خطوات تقترب الى مكان جلوسهما ........
لم ترفع لمى رأسها لكن رائحة القهوة العربية وصلت الى انفها وسرعان ماسمعت صوت اغلاق الباب وعاد لها الخوف من جديد
رفع فنجان القهوة وهو يحدثها ــ تفضلي
مدت يدها المرتعشة لتأخذ الفنجان من يده ووضعته على الطاولة الصغيرة بسرعة وهي تحمد الله انه لم يقع من يدها
لاحظ توترها سألها بهدء ــ لماذا لم تأخذيها ؟؟
مازالت صامته ..ومازال هاديء وهي يحدثها بصوت اقرب الى الهمس ــ لقد اخبرتني حسناء انك لم تريها ولم تسألي عنها
تكلمت وهي مازالت تنظر للاسفل ــ لكني لااحتاجها
تنهد بقوة ــ صدقيني اعتدت على مكافأة موظفيني الكفء وانت من بينهم .
ــ لكني كما قات لا ..
قاطعها ــ اسمعي يالمى ..( رفع اصابعه وهو يؤشر بكل اصبع مع كل اسم ) يوسف وايمان وسامي ونبيل وسوسن و... اسماء كثر يالمى اخذوا سيارات من الشركة لانهم كفء وانت معهم وتستحقين
ذلك
ابتعد عنها بعد ان لاحظ شدة خجلها وجلس مقابلا لها عله يطرد ذلك الارتباك وتلك الرعشة عنها ــ لاتخذليني واقبليها يالمى
اومئت بالموافقة
ساد الصمت من جديد وهو يقبض بكفيه والحيرة قد بانت على هيئته لا يعرف كيف سيسألها وهل ستجيبه ام ستصمت كحالها الان
لكنها وقفت وهي تطلب الاذن منه ــ اسمح بالذهاب فلدي عمل كثير.
مازال جالسا ينظر اليها ثم ابتسم وهو يقول ــ والقهوة
بان عليها الاحراج وقد عاد وجهها يصطبغ باللون الاحمر من جديد
اشر اليها بالجلوس ــ لم ينته الحديث بعد تناولي قهوتك ..
جلست ــ اكمل حديثك انا اسمعك
لايعرف كيف يحدثها وقد بدا عليه الارتباك وهو يهز قدمه اليمنى ويعض على شفته السفلى لكنه تشجع وقال : انا
وتنهد وهو يكمل حديثه ــ اريد صداقتك ..
صعقت لمى ــ صداقــــــتي ؟؟
اشار بيده بالنفي بسرررعه : ــ لا لا لا يالمى ليس كما ظننتي ..
اريد ان اسمع منك قصتك كصديق وليس كمدير عمل
بان الهدوء على لمى ــ لم افهم
ـــ المعذرة يالمى على الفضول .. لكن الدكتور محمد اخبرني انك يتيمة ومررتي بظروف حرجة و..
قاطعته : ــ لكنني تجاوزتها واصبحت اقوى بكثير
ــ اعرف وارى ذلك لكني فقط اردت معرفة قصتك ان اردتي
ــ استا
قاطعها ــ اعرف انه فضول مني لكني وددت التعرف على لمى الانسانة وليست لمى الموظفة
ــ لاارى ان بقصتي غرابة حتى تتعرف عليها .. ثم بماذا تهمك قصتي ؟؟
ــ ستهمني يوما ما صدقيني ..
كأن سيلا من الثلوج سقط فوق رأسها عند كلمته الاخيرة وسرعان مامر لها طيف حياة ــ ــ ستحبيه يالمى وسيحبك ولن ترضي ولن يرضى الا بك ..
ابتسمت دون ان تشعر بنفسها وهي تتذكر كلام حياة واطمئن قلب ايمن وهو يرى تلك الابتسامة ظنا منه انها اعجبت بصراحته لانها ستهمه يوما ما وسرعان مالاح لها طيف حاتم وتبدلت تلك الابتسامة بنظرات حزن عميقة
ــ انا اسف ان كنت قد ضايقت..
قاطعته ــ لا يااستاذ ايمن ليس بالامر شي يستدعي الضيق كما تظن .. لااعرف ماذا اقول عن قصتي ؟؟
ــ لاتخجلي يالمى ولاتترددي اخبريني ان اردتي وان فضلتي السكوت فأعدك انني لن اكرر السؤال لك من جديد
بان الحزن بنبرة صوتها ــ لمى فتاة فقدت ابيها منذ ان كانت ابنة ست سنوات .. وانحرمت من معنى الابوة وهي مازالت طفلة صغيرة جدا
بان الحزن على وجه ايمن ــ وكيف توفي والدك ؟؟
ــ كان من الجنود المدافعين عن هضبة ....... وقد اصابته رصاصة العدو .......... ومات شهيدا ...
انحدرت لؤلؤتان حزينتان على خدها الجميل ــ مازلت اذكر بكاء امي وحزنها حينما رأت الدماء قد ملئت زيه العسكري الذي اخترقته ومزقته رصاصة العدو .. وقد حرمت على نفسها الزواج من بعده وفاء له .. حتى تلتقي به في جنة الرحمن انشاءالله
اكملت حديثها وهي تمسح دمعها الحزين
ــ بعدها ذهبت مع امي الى قرية صغيرة كان يسكن فيها خالي .. كان رجل فقير بالسابعة والثلاثين من عمره ولم يتزوج فقد احب فتاة اسمها عبير ايام شبابه وتوفيت فأبعد عن فكرة الزواج .. لم يكن لنا سواه بعد الله
تكلم بسرعه ــ واين عمومتك واقارب والدك ..
ــ ابي كان يتيم وحيد والديه وله عم مقعد مات بمرض الخبيث
تشوق لحديثها ــ اهه .. وماذا بعد ذهابكم للقرية ؟؟
ــ عشنا مع خالي عدة سنوات بعدها ذهبنا الى قرية قريبة من قريته كان عمري عشر سنوات ذلك الحين .. ارادت امي العمل في مشغل خياطة هناك لتصرف علي لان خالي كبر وتعب من العمل .. وبالفعل ذهبنا الى تلك القرية وعملت امي واكملت دراستي الى ان انهيت المرحلة المتوسطة
تنهدت الحسناء بحزن قطع قلب ايمن ــ كبرت امي وهي همها سعادتي كانت تعمل وتستلف من اجلي .. وفي ذلك العام توفي خالي الوحيد ولم يبقى لي في هذه الحياة سوى امي ..
مازال يستمع لقصتها وكل كلمة تشد انتباهه سألها
ــ أليس لامك اخوات ؟؟
رفعت كتفيها بحزن ــ لها اخت واحدة لأبيها ذهبت مع زوجها الى روسيا منذ عشرين عاما ولانعرف لها عنوان ولاوجود
ــ وماذا حدث بعد وفاة خالك ؟؟
ــ كنت قد انهيت المرحلة المتوسطة وتعلمت الخياطة من امي وبدأت اعمل بالمشغل بدلا منها .. كانت تستلف من اجلي .. وتخيط بعض الملابس بوقت فراغها لتبيعها وتسدد الدين .. ظللنا على هذه الحال الى ان انهيت المرحلة الثانوية ثم التحقت بجامعة العاصمة ..
تقطع قلبها وهي تجر عباراتها ــ الى هنا
ثم صمتت
ــ لماذا سكتي ؟؟
ــ من هنا بدأت تعاستي ..
وقف وهو يسألها ــ هل توفيت والدتك ؟؟
ــ لا لقد بدأت دراستي بجامعة العاصمة
سألها بغرابة : ــ كيف تأتين الى العاصمة ؟؟الم تقولي بأنك تعملين وتعيشين بقرية بعيدة ؟؟
ــ نعم كنت اعيش بقرية تبعد عن هنا 50 كيلو مترا .. مايقارب النصف ساعة بالسيارة ..،، التفتت اليه لتكمل حديثها ( كان يستمع اليها بأنصات وقد اتكأ على احد اطراف الكنبة وهو يضع يده على اعلى وجهه فوق عينه اليمنى .. لمحت وسامته ونظرات عينيه الغريبة ولكنها سرعان ماتداركت نفسها ) جرت الفاظها ببطء
ــ كان ابن جارنا احمد بذلك الوقت ابن الثامنة والعشرين عاما شاب طيب خلوق وكان كأخي تماما يذهب الى عمله في الصباح ويعود بالمساء .. كنت اذهب معه اكمل دراستي بالجامعة واظل بجامعتي حتى يبدأ عملي المسائي واعود بعد الانتهاء وهكذا اقضي اغلب وقتي بالعمل والدراسة طيلة نهاري حتى والدتي لم اكن اراها الا بالليل
ــ واين كان يعمل احمد ؟؟
كأنه رماها بطلق باري تلك اللحظة تبعثرت الحروف في فمها وارتبكت وهي تنزل عينيها عضت احدى شفتيها دون وعي منها ثم صمتت
حاول تهدئتها بعد ان احس بها ــ انا ااسف .
ــ لابأس .. لقد كان يعمل بأحدى شركات خالد راشد
ابتسم ايمن بقوة ثم حدثها وهو يرفع يده الى فمه ويرسم على شفتيه ابتسامته المألوفة ــ لقد كان يعمل اذن بشركة صديقي .
ثم نظر اليها ــ وهل كنتي تعملين معه ؟؟
خافت من ابتسامته وصمتت قليلا عله يخبرها بشيء يهمها لكنه مازال ينتظر اجابتها ..
ردت بحزن : ــ وهل تعدني الا يعلم احد بحديثي ؟؟
انقطعت ابتسامته ورد بسرعة : ــ اجل اعدك ..
تنفست بعمق ـــ لقد كنت اعمل بتلك الشركة معه ..
ــ ومالمشكلة بذلك ؟؟
ارتبكت ثم نظرت اليه بصرامة ــ قلت ان خالد صديقك .. انا لااريد ان يعرف احدا بقصتي
هز رأسه ايجابا ــ وانا اعدك ان لايعلم احد ..
راحت الحسناء تسرد قصتها وهي ترى بعينيه الغموض والتلهف لمعرفة بقية مأساتها .. لكن تفسير بسيط قرأته بعينيه وتمنت ان يكون صحيحا .. حاولت ابعاد ظنونها وهي تخبره
ــ لقد تعرفت على شاب اسمه ماجد منذ الايام الاولى بعملي .. كان والده قد توفي و جاء ليأخذ مستحقات والده من العمل .. كنت ادرس ذلك الحين واعمل واتعلم الحاسب الالي بوقتي المتبقي ..كنت اعمل من اجل والدتي .. وبعدها تقدم ماجد لخطبتي .. كنت ذلك الحين ابنة الثامنة عشر سعيدة بماجد وسعيدة لنفسي .. لقد كان حبي الاول بعد ان عرفت اضواء المدينة .. كنت احلم ان اتزوج واصحب امي معي حتى ترى الحياة الجميلة التي احترمتها طوال عمرها .. كم تمنيت ان ارد بعض جميلها .. دائما اتذكر ملابسي الفخمة الجميلة واتذكر حديث زميلاتي عن جمالي وأناقتي .. كنت اقتني دولابا ملئ بالملابس الانيقة واغراضي الكثيرة وكنت ارى بيتنا المتواضع وقريتنا الصغيرة بشوارعها الضيقة جدا واحمد الله ان لي ام عظيمة لم تشعرني بالفقر .. كنت تماما كبنات الامراء بملابسي الجميلة .. غمرتني بحنانها وطيبة قلبها .. جاء يوم من الايام مازلت اتذكره جيدا .. وجاء ماجد ليقول هيا يالمى فموعد زفافنا 1/ 8 سيكون عقد قراننا بيوم زواجنا ..وستذهبين معي عروسا الى بيتنا الجديد.. طرت فرحا وشعرت بسعادة بالغة .. كان شاب خلوق طيب هادئ الاطباع يتم من ابوه بعز شبابه وكانت امه طيبة جدا ولكن ..
اختنق صوت لمى بعبرة حزينة .. بعد ذلك اليوم لم ارى ماجد لقد اختفى بحثت عنه في كل مكان .. ادخلت له ورقة من تحت عتبة بابه اذكره بموعد فرحنا .. لكن ماجد اختفى الى هذا اليوم ولم يعد الى حياتي بعدها انتظرته كل لحظه بحثت عنه بكل مكان وسألت عنه الجيران لكن لااحد يعرف عنه شئ فقد اختفى فجأة دون علمهم حاولت الاتصال به لكن دون جدوى ..
لم تكن سعادتي بماجد اكثر من سعادة امي به وسعادة اهل قريتي لي ولم يكن حزني اكثر من حزن امي لقد صرفت كل مالديها على فرحي لقد استلفت الكثير لثوب زفافي على امل سداده بعد الزواج لكن 1 / 8 جاء ولم يأتي ماجد ظللت انتظره حتى الفجر املا بعودته ولم يأتي بعد ولم اعرف ماذا حل به ..
ــ وماذا فعلتي بعد ذلك ؟؟
ــ مرضت امي من الحسرة على حالي وارتفع معها ضغط الدم وشلت وتعالجت بأكبر مستشفيات البلاد على حساب حاتم رحمه الله
ــ من حاتم ؟؟
ــ حاتم راشد اخو صاحبك خالد ..
ــ آه حاتم رحمه الله ..
ــ لقد تكفل بعلاجها بعد ان اخبره احمد ابن جارنا بقصتي ..
مر عامين بعدها مرضت امي بالوباء الكبدي وماتت وبقيت وحيدة لااعرف الى اين اذهب ولاكيف اتصرف فأنا فتاة اختلف عن الشاب الذي يستطيع حماية نفسه وغيره
تأثر ايمن بقصتها وهو يسألها ــ واي تسكنين الان ؟؟
ــ في سكن صغير بقرب سكن الدكتور محمد وصديقتي حياة فأنا لااعرف احدا سواهما بعد الله ..
ــ اليس لك صديقات ؟؟
ــ لي صديقة واحدة فقط اسمها حياة تعرفت عليها منذ 4 سنوات وانقطعت عنها وعدنا من جديد هي الوحيدة التي اثق بها ولي زميلات كثر تجمعني معهن زمالة الدراسة او العمل
ابتسم وهو يهمس بصوت خافت ــ محظوظة بك حياة ..
وصل همسه الى اذنيها وهي تبتسم على ظرافته وقد بدأت ملامح الارتياح على وجهها
وقف من مكانه واتجه اليها جلس بجوارها وقلبها يدق طبولا لاتعرف سر احساسها هل هو فرحا بقربه ام سعادة بأنه طلب صداقتها تنهد بقوه ــ ااه ..
لاتعرف سبب هذه التنهيدة الطويلة لكن فيها احساس جعلها ترتجف حياء مازال صامتا وهو يجلس بجوارها اقترب منها اكثر .. كاد ان يلتصق بها متعذرا بزر اكمامه ــ هل اغلقتي ازارير اكامي
ارتعشت يداها وهي تغلق الازارير ورائحة عطره تملأ انفاسها
مسك اطراف اصابعها ــ لماذ ترتجفين
سحبت يديها بسرعة ثم حاولت النهوض ولكن يده سحبتها لتجلسها من جديد تلعثمت وهي تقول ــ لقد سمعت قصتي
ابعد يده عنها وهو يقترب الى اذنيها ليهمس لها ــ لكني لم اسمع اجابتك بعد .. ؟؟؟
|