كاتب الموضوع :
سلافه الشرقاوي
المنتدى :
سلاسل روائع عبق الرومانسية
رد: 18- رواية امير ليلى بقلم Solafa El Sharqawey .. الفصل التاسع عشر .. مميزة جداً
واقفة تنظر باتجاه البحر وهي تبتسم، تستمتع بأشعة الشمس الدافئة وجو البحر الرائع.
رغم أنها لم تكن تريد أن تأتي تلك الرحلة، ولكن سلمى ألحت عليها بشدة أن تأتي، ووالدتها أيضاً دفعتها للمجيء. فهي منذ أن غادرت ليلى وهي تقضي معظم أوقاتها بالبيت، حتى الجاليري أغلقته ولا تذهب إليه إلا نادراً.
تنهدت بقوة وأغمضت عيناها لتنتبه إلى صوت قريب منها يقول بدفء: ما أجملك.
التفتت في حدة لتجده ذلك الشخص الغريب، يبتسم بشقاوة دخلت إلى قلبها ودفعتها إلى الابتسام بهدوء وهي تتذكر شقاوة الآخر.
جزت على أسنانها وتمتمت بداخلها "عليك اللعنة وليد لم لا تنفك تداهم عقلي بتلك الطريقة "
لتنظر إليه مرة أخرى وتتساءل بداخلها: ولماذا اشعر انك تشبهه بتلك الطريقة؟
قال بهدوء وهو يقترب منها: أرى في عينيك تساؤلات كثيرة.
رفعت حاجبيها باندهاش لتقول: في الحقيقة نعم وأولها لماذا أراك في كل مكان اذهب إليه؟
وضع يداه في جيوب بنطاله القصير واقترب منها وقال بنغمة جذابة: أنا اتبعك.
نظرت له بتعجب فاتبع بنبرة دافئة: معجب.
جمد وجهها وقالت بعملية: تشرفت برؤيتك يا سيد.
همت بالانصراف ليقف أمامها وهو يحاوطها بذراعيه ويقول بتعجب: انتظري لماذا أنت غاضبة؟
رفعت حاجبيها وقالت بأمر: ابتعد عن طريقي.
رفع كفيه لأعلى وقال: حسناً، اهدئي، أنا لم اقصد أن أضايقك.
نظرت له بقوة فاتبع بأسف: أعتذر إذا تكلمت معك بعفوية.
زفرت بقوة فقال: اكرر اعتذاري.
قالت بهدوء: لا عليك.
اتبعت وهي تتحرك: بعد إذنك.
وقف أمامها مرة أخرى: انتظري.
نظرت له باستفهام، فأكمل: أنا اعتذرت عن أسلوبي ولكني لم اعتذر عن ما قلته.
عقدت حاجبيها فاتبع: أنا بالفعل معجب بك.
توترت في وقفتها وتحاشت النظر إليه فهمس: ياسمين، أنا انتظر ردك.
تنفست بعمق وحسمت أمرها: للأسف أنا مرتبطة.
احمرت أذناه بقوة ورفع رأسه لينظر إلى البحر ورائها وابتسم بسخرية:حقا؟!
همت بالرد عليه لتتسع عيناها بقوة وهي تنظر إلى الآتي نحوها.
ينزل من سيارته وهو يبتسم بسعادة منذ أن أكدت عليه سلمى أنها أتت معهم. آثر أن يأتي بمفرده وبعد وقت من وصولهم حتى لا تفر منه هاربة عندما تراه وهم بالقاهرة، وحتى يكون بجوار أمير كما وعده. تنفس بقوة وهواء البحر يملأ رئتيه - يشعر بقلق فعلي على أمير ولا يدري ماذا يفعل معه. ليته يخبره عن تلك التي ملكت قلبه وسيجن ليطمئن عليها وحينها سيفعل له كل ما يريد إلى أن يخرج، ولكنه عنيد جداً وكتوم جداً جداً، نفض رأسه وزفر بهدوء مرات متتالية. يحتاج إلى ترتيب أفكاره وحديثه الذي سيقوله لها.
حمل حقيبته الرياضية واتجه ناحية الشاطئ، أدار نظره ليجد سلمى تشير إليه بيدها، ابتسم وهز رأسه وتحرك نحوهم.
صافح مصطفى بقوة وابتسم لسلمى وهز رأسه بالتحية لها. سأل عن أحوالهما وأدار نظره مرة أخرى باحثاً عنها وانتبه على صوت سلمى تقول بمرح: أنها هناك واقفة تنظر إلى البحر.
ابتسم ونظر لها بمرح: من؟
نظرت له وقالت بشقاوة: ياسمين.
هز رأسه وهو يضحك بخفة لتتبع وهي تغمز بعينها: لا تنسى أن تقص لي مشاجراتكم الأخوية.
شحب وجهه وهو يدرك معنى كلامها المبطن لينغزها مصطفى وهو يقول: اتركيه بحاله.
نظر لهما وقال: لا افهم.
ضحك تلك المرة صديقه بقوة: لا تشغل رأسك بنا، واذهب لما أتيت من اجله، الله معك.
ابتسم ليلف وينظر مرة أخرى باتجاه البحر ويبحث عنها لتضييق عيناه ويجز على أسنانه بقوة وهو يتمتم: وائل.
أسرع بخطواته ناحيتهما وهو يشعر بالغضب يدفعه بقوة إليهما.
تأملته ملياً وهو يأتي إليها بخطوات سريعة وشعرت بأن شوقها إليه ازداد عندما رأته. أدارت عيناها عليه يرتدي بنطالاً قصيراً كريمي اللون وتي شيرت ابيض يلتصق بعضلات صدره النافرة ويُظهر اسمرار بشرته اللامعة ويزيده جاذبية، شعره قصير إلى حد ما تتطاير خصلاته بفعل الهواء، ذقنه حليق ماعدا المنطقة المحيطة حول شفتيه وذقنه، محددة بعناية وتظهر شفتيه المزموتين، لم تستطع النظر إلى عينيه بسبب تلك النظارة الغبية التي تقع فوق انفه.
منعت نفسها بالقوة ألا تبتسم إليه وتحكمت بمشاعرها وقلبها جيداً حتى ترد له بعض صنائعه معها.
وقف أمامهما ليقول بصوت غاضب إلى حد ما: صباح الخير.
لف الآخر له بحدة ونظر له بتحدي وأجاب بسخرية ظاهرة: صباح النور، كيف حالك يا نجمنا العزيز؟
عقدت حاجبيها وهي تنقل نظرها بينهما الاثنين ليرد وليد بصوت قوي متحدي: أنا بخير حال.
نظر لها وقال بصوت حاول أن يخرج هادئا: ياسمين، من فضلك تعالي.
رفعت حاجبيها بدهشة وهمت بالرفض لتشعر بشيء غريب بداخلها يخبرها أن تستمتع إليه. انتبهت إلى صوت وائل يقول بطريقة فظة: أنا أتحدث معها.
زمجر وليد: وأنا لا أريدها أن تتحدث معك.
هزت رأسها في تعجب: ماذا يحدث هنا؟ هل تعرفان بعضكما؟
نظرا إلى بعضيهما في تحدي وشعرت هي بالتنافر بينهما لتزداد عقدة حاجبيها وهي تنظر بينهما بتساؤل، رد وائل بسخرية لاذعة: أكثر مما تظنين !
ازدادت عقدة حاجبيها، زفر الآخر بضيق وقال: هيا ياسمين.
نظرت إلى وائل بابتسامته الساخرة وتحركت في صمت وهي لا تفهم ماذا يحدث حولها، تحرك بجانبها ليبتعدا بمسافة عن وقوف وائل.
نهرت نفسها بقوة على طاعتها له، فرفعت حاجبيها باستياء ووقفت لتقول بصوت حاد: ماذا تريد؟
شعر بوقوفها ليندهش من صوتها الحاد، نظر إليها وأبتسم بخفة رفع نظارته عن عينيه ليمتع نظره بها، لم يرها جيدا فوائل استحوذ على تفكيره فلم ينظر لها من الأساس. أدار عيناه عليها مرة أخرى وهو يتأملها بفستانها الصيفي القصير يصل إلى ركبتيها مكشوف الصدر بفتحته المربعة الشكل، كميه قصيرين يكادان يغطيان كتفيها، لونه الأخضر الفاتح أعطاه إحساساً بالدفء. شعرها تناثر حول وجهها بفعل هواء البحر فأنعشه وهو يشم رائحة اليود محملة برائحتها هي التي يحفظها جيداً، ترتدي نظارة شمسية اخفت عينيها عنه ولكن شفتيها المحكمتين أخبرتاه بأنها غاضبة وليست راضية عن إطاعتها له.
تنهد بقوة وقال برقة: شعرك ازداد طولاً، لم ألحظ ذلك عندما رأيتك في المعرض.
اتبع بهمس: كم تبدين جميلة.
نظرت له في دهشة ليزداد غضبها من نفسها وهي تشعر بأن غضبها منه تبخر بسبب حديثه الدافئ لها. همسته دفعت الدم إلى وجهها لتحمر خجلاً فشعرت بأنها ستصفعه لتمحو تلك النظرة الحالمة التي ينظر إليها بها، شهقت عندما رفع يده وسحب نظارتها الشمسية عن وجهها.
قالت بغضب سطع في عينيها: كف عن ذلك.
نظر لها في دهشة: عن ماذا؟
أشاحت بنظرها بعيداً عنه وقالت وهي تضم كفيها: ماذا تريد وليد؟
ابتسم واقترب منها وقال بنبرة جديدة عليها لأول مرة تستمع إليها بصوته: أين ذهبت ديدو؟
شعرت بخدر يسري في عمودها الفقري وهي تشعر بأنها نبرة خاصة موجهة إليها، فهي لم تسمعه يتكلم بها من قبل. ذلك القرب وذلك الدفء الذي تشعر به في قربه، مشاعرها تدفقت في قلبها، فارتعش كفاها رغماً عنها. دوى عقلها بجرس إنذار، واتسعت عيناها رعباً لتلعن نفسها على استجابة قلبها له. لفت في حدة وقالت: إياك أن تجرؤ وتحدثني بتلك الطريقة.
أجفل منها ومن رد فعلها الغاضب، فهو شعر بها واخبره قلبه أنها ترتجف شوقاً إليه، ولكنه لم يشأ أن يكون وقحاً فقال بهدوء: أية طريقة ياسمين؟
أشاحت بيدها في حدة: تلك.
اتبعت بنبرة نارية وهي تقف متحدية: تلك التي تحدث بها فتياتك.
قال بصرامة بدت جديدة عليه: لم تكوني ولن تكوني إحدى فتياتي ياسمين وأنت تعلمين ذلك.
ضحكت هازئة فاتبع بهمس مشتعل: أنت حبيبتي.
احتقن وجهها خجلاً واتسعت عيناها مستنكرة مكذبة إياه، فابتسم بحب التمع بعينيه: ألا تصدقيني؟!
اتبع وهو يقترب منها أكثر ويهمس: أنا احبك ياسمين.
لمعت السخرية على شفتيها وقالت باستهزاء: تحبني؟ نعم لذلك قضيت نصف عمرك بجانبي وأنت تصادق أخريات غيري، تمنحهن مشاعرك وكلماتك وأنا بجانبك.
دمعت عيناها وهي تتابع: تغازلهن أمامي وتخبرني عن صفاتهن وعيناك تشتعل وتلمع بسبب حديثك عنهن.
أتى صوتها مخنوقاً: بل كنت تستشيرني في كل شيء يخصك معهم.
نظرت إلى عينيه وقالت: تحبني وليد؟ لا أصدقك.
أكملت بصوت قوي ناقم: لم تتحرك إلا بعد أن أخبرتك بخطبتي، اكتشفت انك تحبني عندما رأيتني سأذهب لأحد آخر غيرك. فانا كنت بالنسبة إليك حقيقة واقعة متواجدة دائماً إلى جوارك وبزواجي سأختفي من حياتك وأنت لست مستعداً لذلك.
اتبعت بمرارة: اكتشفت انك ستفقدني فقررت أن تمتلكني بطريقة أخرى.
نظرت إليه بقوة: لست ملكاً لك وليد ولا أريدك بحياتي.
همت بالانصراف ليقف أمامها: أنت تعلمين أن كل هذا خطأ وأنت تتهميني بشيء ليس حقيقي.
نظرت إليه ليقول بندم أطل من عينيه: نعم اعترف أنني كنت جباناً واندم كل يوم على عمري الذي أمضيته بجوارك وأنت لست معي ولكن لي أسبابي.
اتبع بصدق: لم استطع أن أخبرك بحبي، حتى لا تفرين هرباً مني. ولأنني اشعر بأنني لا استحقك، أمضيت حياتي بجانبك وأنا أقول لنفسي كل يوم أنك اكبر من اكبر أحلامي، رغم انك كنت الحلم الوحيد المتبقي لي بعد أن ذهبت أحلامي الباقية أدراج الرياح ولكنهم لم يعودوا بتلك الأهمية.
نظر إليها بوله: فأنت أصبحت أهم من حياتي نفسها.
تنهد بقوة: كنت أعيش بجانبك لأشعر بأنني حي ياسمين، فبدونك أنا جسد ميت يمشي على قدمين.
لمس كفها برقة: أنت روحي ياسمين، بدونك أنا لا شيء.
نظرت إليه بصدمة لتتلاقي أعينهم فتشعر بمدى صدقه، صدقه الذي انتقل إليها لتشعر بأنه بلسم هدأ غضبها ودقات قلبها المتألم، شعرت بوجعها منه يذهب بعيداً لترق نظراتها وهو يخبرها مجدداً بحبه لها.
نظر لها بعينيه وهو يبثها حبه وشوقه إليها خلال الفترة الماضية، كم كان يحلم بها ليلاً ويراها في عقله نهاراً.
أخفضت نظرها خجلاً وهي تشعر بأن عينيه ستقولان ما لم تستطع أن تسمعه.
تنهد وقال: ذقت العذاب ألواناً ياسمين وأنت بعيده عني.
همت بالرد عليه ليسمعا صوتاً من خلفهما: وليد، لا اصدق عيناي.
سحبت يدها من يده سريعاً ليلتفتا إلى مصدر الصوت فتجد إحدى صديقاته القدامى تتجه إليه سريعاً وهي تبتسم بمرح وسعادة.
ابتسمت بسخرية وهي تنظر إلى الأخرى التي تقدمت إليه فاتحة ذراعيها لتعانقه، ابتعدت عنه لتنصرف فشدها من يدها بجانبه ثم فرد ذراعه الأخرى أمامه ليوقف الأخرى ويقول بهدوء: مرحباً كيف حالك؟
نقلت الأخرى عينيها بينهما لتبتسم وتقول: مرحباً ياسمين.
ابتسمت ياسمين وهزت رأسها محية وهي تتمتم بكلمات الترحيب لتتبع الأخرى: المعذرة لم أشأ أن اقطع حواركما، أعتذر مرة أخرى ولكني لم اصدق عيناي انك هنا، سعدت بمقابلتك، بعد إذنكم.
تابعت انصرافها بعينيها لتنتبه له يقول بلهجة قوية: لا تتركيني وتذهبي بعد ذلك، ولا تنظري إلي بتلك النظرات المتهمة، فأنا قطعت علاقتي بهن جميعاً.
اتبع بمرحه الذي تعشقه: ولهذا غيرت رقم هاتفي، فهو بحوزتك أنت وأصدقائي المقربين فقط.
نظرت له وقالت بنظرات حيادية: لماذا تخبرني بذلك؟
نظر لها بتشكك لتقول وهي تبتسم بغرور لمع في عينيها: ليس لي شان بك، أنت حر بما تفعله.
تحركت من أمامه في خيلاء ليبتسم وهو يدرك أنها لن ترضخ له بسرعة، تمتم لنفسه: ستتدلل عليك حتى الموت يا قلبي، ولكن هذا لا يهم فانا اعشق دلالها.
أسرع بخطواته لها ليهمس بجانب أذنها: لم تجيبي على ما سألتك إياه؟
نظرت له وهي تبتسم: عماذا تتحدث؟
رفع حاجبيه وقال: لا تشغلي رأسك، فكري بتمهل.
اتبع بجدية وهو يقول: ولابد قبل أن تعطي أي جواب أن نتحدث سوياً.
وقفت وهي تنظر إليه بجدية: عماذا؟
ابتسم بتوتر لم يخفى عليها: لا ليس هنا، غداً أو بعد غد نتقابل ونتحدث.
قالت بطريقة قاطعة: لن أقابلك وليد.
تنهد بحرقة وقال: لماذا ياسمين؟ كنا نتقابل ونحن أصدقاء، والآن لن نتقابل؟
نظرت له وقالت بتحدي: كنت أقابلك لأنك صديقي. أنت الآن ليس لديك صفة لأقابلك بها.
ابتسم بغرور وقال برقة: بل لي أهم صفة، أنا حبيبك ولن تستطيعي إخفاء مشاعرك عني بعد الآن.
أشاحت بنظرها بعيداً عنه ليهمس مجدداً بجانب أذنها: وسأصبح زوجك آن شاء الله.
قالت بغرور: إنه حلم بعيد.
نظر لها وقال بدفء: ولكنه سيتحقق.
اتبع وهو يمشي إلى جوارها ولامس كفها بأصابعه: هيا لنجلس معهم.
رفعت يدها بعيداً عنه قبل أن يحتضنها بكفه، وهي تنظر له بثبات فتنحنح: حسناً، اعتذر، هيا أمامي.
************************************
الصمت، هو كل ما يخيم عليهم منذ أن خرجا من عند الطبيب، نعم هي آثرت الصمت فهو لصالحها، فهي إلى الآن لا تعلم ولا تريد أن تعلم كيف ستكون ردة فعله ولكنها ترتجف خوفاً منه. فمظهره غير مطمئن لها، وصمته كالقبر يشعرها بأنها ستُدفن به إلى الأبد.
أخائفة هي؟! نعم، خائفة منه إلى ابعد حد ولا تستطيع تخيل ما سيفعله معها ولا تستطيع توقع إلى أي اتجاه تذهب أفكاره، فهي رأت بعينيها صدمته عندما أعلن الطبيب أنها ستُنهي شهرها الرابع عما قريب. لم يعر الأمر الآخر اهتماماً بل هذه المعلومة هي ما استرعى انتباهه. رأت في عينيه نظرة متسائلة بدهشة ولكنها لم تستطع أن تترجمها بسبب خوفها الشديد، أشاحت بنظرها بعيداً عنه وعدلت ملابسها وهي ترتجف، أكمل حديثه مع الطبيب ليصمت بعدها، وهي لم تتحدث !!
صمت وصمتت هي الأخرى وهي تحس بجسده المشدود كأوتار القيثارة. تشعر بضغط كفيه على مقود السيارة وتلمحه بطرف عينها وهو يجز على أسنانه بغضب قوي. تنفست الصعداء عندما توقفت السيارة، ابتلعت لعابها بتوتر عندما ارتجل منها سريعاً وكأن الشياطين تطارده.
ارتجلت هي الأخرى بهدوء واتبعته إلى الداخل لتجد والدها بوجهها، سألها: ما به خالد؟
هزت كتفيها بتوتر: لا شيء أبي.
هز رأسه بحكمة وقال بهدوء: اتبعي زوجك لتري ما به.
هزت رأسها بالإيجاب لتصعد السلم ببطيء شديد وهي تتمنى أن تزداد درجاته، أو أن تنتقل غرفتها إلى القمر. فمهما كذبت نفسها وأقنعتها بأنها ليست مخطئة فهي تعلم جيداً كم سيؤذيه معرفته المتأخرة بالأمر.
وقفت أمام باب غرفتها وتنفست بقوة. فتحت الباب بيد تهتز بتوتر وعينان زائغتان لترفع حاجبيها دهشة وهي ترى الغرفة هادئة.
توقعت أن تجده يسير في الغرفة ذهاباً وإياباً بعصبية وقوة كما يفعل دائماً عندما يغضب، ولكنها وجدت الغرفة صامتة هي الأخرى.
تقدمت ببطء إلى الداخل لتجده جالساً على كرسيها الهزاز عاقداً حاجبيه وزاماً شفتيه ووجهه يُظهر تفكيراً عميقاً لم تتبين منه شيئاً بسبب عينيه الغائمة ببحر اسود راكد في ليلة مقفرة من الرياح.
آثرت الابتعاد عنه وذهبت لتبدل ملابسها، تباطأت كثيراً وهي تنتقي ملابسها بعناية شديدة. تقف أمام المرآة وتنظر إلى نفسها كثيراً. تريد شيئاً يخفي انتفاخ بطنها، تريد لوناً ينعش وجهها ويضفي عليه سحراً.
ابتسمت بسخرية من نفسها وهي تعلم أن كل مجهوداتها ستذهب هباءً، فخالد عندما يغضب لا يرى أي شيء أخر إلا غضبه.
زفرت بقوة وهي تحاول السيطرة على نفسها، رفعت رأسها إلى الأعلى ودعت بصمت أن يمر الأمر على خير.
فتحت باب غرفة التبديل وأطلت برأسها منها لترى هل لازال موجوداً أم خرج، لتكتم أنفاسها وهي تراه لازال كما هو. مطت شفتيها وهي تفكر أن تذهب من هنا وتتركه بمفرده إلى أن يخرج من صمته. ستذهب إلى الطفلين أو إلى فاطمة، فهي لم تسألها عن أحوالها بعد جلسات المعالجة التي تتلقاها الأخرى.
تنفست بهدوء وخرجت بخطى ثابتة إلى حد ما متجهة إلى باب الغرفة لتتسمر أمامه وهي تسمعه يقول بهدوء خطر: منال.
اصفر وجهها وقبضت كفيها ولفت إليه راسمة شبح ابتسامة: نعم.
قال باقتضاب: تعالي.
التفتت وقالت بصوت حاولت ألا يكون مرتجفاً: سأذهب إلى فاطمة.
نهض واقفاً ونظر إليها في صمت أمر، فزفرت بقوة وقالت بلهجة عصبية: حسناً، نعم ماذا تريد؟
رفع حاجبه وابتسم بسخرية لمعت بعينيه قبل أن تصل إلى شفتيه، فاتبعت بغضب افتعلته: لا تضحك بتلك الطريقة، وأرجوك لا تستفزني كما أوصى الطبيب.
اتسعت عيناه بدهشة تحول إلى غضب، مط شفتيه بسخرية فأشاحت بيدها وهي تلف لتتحرك من أمامه مغادرة: عندما تتوقف عن سخريتك نتكلم.
لم تفهم ما يحدث، بل كل ما تفهمه أنها الآن تنظر إلى عينيه الغائمة بسواد حالك وهو ينظر إليها بغضب لم تره من قبل. كفاه يقبضان على ذراعيها بقوة شعرت بأن عظامها ستتهشم تحتها، وأنفاسه ثائرة غاضبة جعلتها تكتم أنفاسها في ترقب لما سيفعله بها.
سألها بسكون: لماذا لم تخبريني؟
رمشت عيناها بسرعة وقالت في دهشة خرجت منها كاذبة: بماذا؟!!
نظر لها بغضب وقال بسكون: كنت تعلمين أليس كذلك؟
حاولت أن تهز رأسها نافية، بل جاهدت لتفعلها ولكنها لم تستطع الكذب. كان سيعلم أنها تكذب عليه ولكنها أرادت أن تهدئه، فهو غاضب جداً تلك المرة، لأول مرة تنظر إلى عينيه ولا ترى نفسها بها.
انتبهت على صوته وهو يضغط على ذراعيها بقوة: تكلمي.
رفعت رأسها بكبرياء، فهي لن تتحدث معه وكأنها ارتكبت جريمة، وسوست لها نفسها بأن تكون قوية في مواجهته فقالت بثبات: نعم كنت اعلم.
أفلتها بقوة فكادت تسقط أرضاً ولكنها وازنت نفسها، شعرت بأن عظم ذراعيها تفتت من ضغطه عليهما وانتفضت عندما صرخ: كنتي تعلمين انك حامل عندما طلبت مني أن أغادر حياتك.
لم تستطع الرد تلك المرة بل تحاشت النظر إليه. اقترب منها و شرارات الغضب تصعد من عينيه قائلاً بفحيح وهو يضغط على مرفقها بقوة جعلتها تئن ألماً: وما خطوتك القادمة؟ أن تجهضي الطفلين لأنك لا تريديني في حياتك بعد الآن؟
نظرت له بصدمة وهزت رأسها نافية. تركها وهو ينظر لها بازدراء وحاول الابتعاد عنها فحاولت هي أن تتمسك به وقالت بصوت مرعوب: لا خالد، لن افعل ذلك أبداً.
دفعها قوياً بعيداً عنه لتسقط أرضاً وهو يقول: اصمتي، لا أريد أن استمع إليك، وسأحقق لك ما تريدينه منال، لن أزعجك بعد الآن، ولا تتخيلي إنني لا أريد طفلي بل أريدهما وسأعتني بأولاد أخي أيضاً، ولكني لن أعود إلى حياتك كما طلبت مني مراراً.
نظر لها وقالها ببرود قتلها: انتهينا منال، انتهينا.
****************************
واقف ينظر إلى غروب الشمس من نافذة حجرته الجديدة، فهو اليوم انتقل إلى غرفة جديدة ولا يعلم السبب من عملية النقل تلك ولكنه استنتج أن وجيه يحاول أن يخرجه من تلك الشرنقة التي يحاوط نفسه بها. كما إصر ذلك الوجيه أن يفك له جبيرته الأخيرة رغم رفضه لهذا، ولكن وجيه تعامل معه على أساس أنه مريض لديه ولم يستمع له.
تركه ليهدأ في الصباح ليأتي إليه عصراً وأصر على القيام بدور الطبيب بأكمل وجه،
كل ذلك لا يهمه ولا يريد أن يشغل رأسه به، كل ما يشغله الآن هو ليلاه. سيفقد عقله إذا لم يطمئن عليها. ومن الواضح أن انتقاله إلى غرفة جديدة أتى بثماره فعقله أخيراً أشرق بفكرة نفذها على الفور وهو يهاتف أحد زملائه العاملين بالمطار وسأله عنها تحت دهشة الآخر. ولكنه أجابه بأنها غادرت ولم تعد إلى الآن. إذاً هي إلى الآن بلندن. تنفس بقوة وهو يفكر انه سيضطر لأن يستعين بأحد رفاقه مرة أخرى. نعم سيتصل بأحدهم ويحاول أن يصل إلى معلومات عنها، أي شيء يطمئن به.
توارد إلى عقله العديد من الأسماء ليستقر على احدهم ويمسك هاتفه ليتصل به. أغمض عينيه وهو يجز على أسنانه عندما وجد الهاتف الآخر مغلقاً. زفر بقوة وهو يتحرك بصعوبة شديدة ليجلس. فبرغم تحذير وجيه له بألا يقف كثيراً، إلا أنه لم يستمع إليه. فهو أخيراً يشعر بأنه حر وليس مقيداً، يقف على قدميه. يشعر بقوة تسربت إلى روحه لتعيد إليه ثقته واعتزازه بنفسه.
رمى جسده بقوة على الأريكة وسحب حاسوبه ليفتحه وينظر إليه،
اتسعت عيناه بقوة وهو يرى وصول رسالة منها، وقبل أن يقرأها نظر إلى وقتها وهو يتمنى أنها بعثتها الآن حتى يستطيع محادثتها.
كاد يلقي بالحاسوب غضباً وحنقاً وهو يلعن وجيه وإصراره على تبديله لغرفته، فوقت الرسالة ينم عن وصولها عندما كان ينتقل إلى تلك الغرفة.
قبض كفيه بقوة وهو يتمتم: استغفر الله العظيم.
عاد لينظر إلى رسالتها، ابتسم وهو يشعر بروحها تفيض من تلك الكلمات الرقيقة
" عزيزي أمير؛
صباح الخير كيف حالك؟ أتمنى أن تكون بخير حال.
اعتذر بشدة لأنني لم استطع التواصل معك الفترة الماضية، ولكن لدي ظروف منعتني.
لا اعلم ولكني شعرت أنني أريد أن أتحدث معك، اليوم ضائقة كثيراً فالبارحة حدثت مشادة كلامية بيني وبين عمي لم أكن أريد حدوثها. وتشاجرت مع أخي أيضاً.
أتوقع انك عاقد حاجبيك الآن وتعيد قراءة تلك الجملة مراراً، فأنت لا تعلم عن وجود إخوة لي.
يوجد الكثير لا تعلمه أنت، عندما أعود إلى القاهرة نلتقي بإذن الله وأقص عليك كل شيء.
شعر بها تبتسم وهي تكتب بفرح طفولي: نعم أنا لازلت بمدينة الضباب وسأحاول الخروج لأتنزه اليوم برفقة أختي الصغيرة.
توقف عن العبوس بوجه الحاسوب. عندما نتحدث سأخبرك بكل المعلومات الغائبة عنك.
هيا سأذهب أنا إلى اللقاء.
اممم انتظر إذا تستطيع محادثتي حدد موعداً زمنياً ونتكلم به
سلام.
تنهد قوياً وهو يشعر بهدوء داخلي يلم بحواسه كلها.
ضحك بقوة إلى أن دمعت عيناه، ليقرأ الرسالة مرة أخرى وهو يعقد حاجبيه ويفكر " إذاً ستقص لي كل شيء عن حياتها. ستتخلى عن شرنقتها وستفتح لي عالمها، ستفتح الباب لشخص آخر يشاركها أحزانها وأفراحها، ستقترب من احد غيري وتتعلق به ومن الممكن أن يدق قلبها له".
ظهر الغضب جلياً على وجهه لتزداد عقدة حاجبيه ويضغط بكفيه على شاشة حاسوبه يريد تفريغ شعور الغضب الذي ملأه والغيرة التي ستقتله حياً.
انتبه من أفكاره على صوته الهادئ بلكنته المميزة: ما هذا يا سيادة الرائد؟ ستكسر الحاسوب إلى نصفين.
انتهي الفصل العشرون
اتمنى ان يحوز على اعجابكم
القاكم الاحد بعد القادم
باذن الرحمن
لا تحرموني من وجودكم ..ارائكم ..وتفاعلكم
اراكم على خير
في حفظ الله ورعايته
|