كاتب الموضوع :
جمره لم تحترق
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
هزت كتفيها, مبتعدة عنه :
- كل هذا معاً.. كما أعتقد .. ودون شك أنت معتاد على نساء أكثر
حنكة .
- دون شك.. ومغازلة أمينة مكتبة تجربة جديدة لي . أنت لا تتناسبين
مع صورة العانس الكبيرة في السن بإصبع تضعه بصرامة على شفتيها .
وضحك بصوت منخفض سبب لها سعادة غريبة .. وأكمل :
- وهكذا أفضل .. فهاتين الشفتين لا تصلحان للاختباء وراء إصبع .
رفعت شعرها إلى الوراء متجاهلة ملاحظته :
- أنت إذن لم تزر مكتبة منذ زمن طويل . إذا كنت تظن أن أمينة المكتبة
ليس لها عمل سوى التجوال و طلب الصمت من الجميع .
أمسك خصلة حمراء شاردة , وهو يقول :
- هذه غلطتي .. لم أكن أعرف ماذا يفوتني .
واشتدت يده عل شعرها ترجع لها رأسها إلى الوراء , ونظر للحظات
في عينيها الأمر الذي أثار اضطرابها مجدداً.. أخيراً تركها فحاولت إعادة
السيطرة على مشاعرها وسألت :
- ما الـــذي حدث للمعاهدة ؟
رفع حاجباً متسائلاً :
- لا أعتقد أن شيئاً حصل لها .
- لقد أخليت بها لحظة عانقتني .
- لم نتفق على عدم العناق .. لقد وعدت فقط ألا أقتلك .
- لقد وعدت ألا تفعل أي شيء شيطاني .
نظر أليها مفكراً :
- أرجو أن تستمر العاصفة طويلاً .. أظن أنني سأحتاج إلى وقت طويل
لأقرر .
وقف ليسير في الغرفة :
- ثمة أعمال كثيرة على مكتبي يجب أن أقوم بها, وكتب كثيرة في الخزانة
إذا كنت تهتمين بالقراءة .
فتح حقيبة أوراق وأخرج قلماً ثم بدأ في تقليبها .
ساد الصمت حوالي الخمس دقائق لا يقطعه سوى طقطقة قلمه ..
وانشغلت كاندرة في التفكير بملاحظته الغامضة إلى أن أخذ الفضول منها كل
مأخذ وسألت :
- تتخذ قراراً بخصوص ماذا ؟
قطب ريكس في وجهها , واتضح أن أفكاره كانت مركزة على الأوراق
أمامــه : ماذا ؟
- قلت إنك بحاجة إلى وقت طويل لتتخذ قراراً.. بخصوص ماذا ؟
التوت زاوية واحدة من فمه .
- كنت أتساءل كم سيمضي من وقت قبل أن تسألي .
- حــسناً .
مال إلى الخلف وراح يتفحصها بعينين زرقاوين باردتين وهو يربت على
شفته بقلمــه :
- بخصوص الطريقة.. الطريقة للخلاص من أمينة مكتبة , جامدة ,
سيئة الطبــــــاع , حمراء الشعر .
- للخــ ... للخلاص منها ؟
همس بشكل دراماتيكي : القتل كريــه !
قالت بارتياب قلق : أنت تمزح .
- حقـــاً .
لن تسمح لمخيلتها بأن تتغلب على تعقلها .. بالطبع هو يمازحها ..
وتقدمت متصلبة تفتش عن مجموعة الكتب الحديثة المنتقاة إلى أن وجدت كتاباً
قديمــاً مفضلاً لديها , فتكورت في المقعد الكبير في الـزاوية .. لكنها ظلت
تتجه بانتباهها من حين لآخر إلى الرجل الغامض الجالس قبالتها عبر
الغرفة .. يدل رفضه العنيد للكشف عن اسمه الحقيقي على أنه رجل لديه ما
يخفيه .. لكنها كانت تعي أنه أنقذ حياتها بمعاملته لها ليلة أمس , ولم يبدُ لها
صاحب النفوذ.. ما الذي يجعلها تظنه هكذا ؟ لم يقل هذا أبداً . في الواقع لم
يقل سوى القليل عن نفسه.. وأعجبتها فكرة مفاجئة : لو أنه حقاً يُعتبر
واحداً من أشهر عازبي كولورادو , فبعض النساء قد يعتبرون احتجاز الثلج
لهن معه فرصة ثمينة ولن يتأثرن بإغفاله لهن وانشغاله بأوراقه , وهذا ما
يقنعها بأنه ليس مهووساً جنسياً أو قاتلاً مجنوناً .. إنه فقط يحاول إزعاجها
بمزاحه.. وهي حتماً تتخيل تلك الأفكار المخيفة نظراً لإدمانها على قراءة
القصص الغامضة إذ بسببها يبدأ المرء بابتداع معانٍ شريرة من أبسط حركة
بريئة .
نظرت حولها في المنزل الكبير.. ألواح خشبية ضخمة , جدران من
ألواح ناعمة , مدفأة حجرية كبيرة.. الكثير من المقاعد الكبيرة وصوفا
متسعة.. فوق رف المدفأة لوحة كلب بلون الصدأ ينظر بتشوق إلى سرب من
الإوز البري على شكل رأس رمح.. وكان الكلب يشبه براوني كثيراً
فتقدمت كاندرة لتتفحص اللوحة .
قال ريكس :
- هذا (( رستي )) هو وجدي كانا أفضل صيادي الطيور في المنطقة.. هذا
حسب قول جدي .
- وهل تصطاد أنت ؟منتديات ليلاس
- لا .. لم أهتم يوماً لهذا .. أفضل صيد السمك, فهو وهذا ( الكابين ))
ملجآن للهروب من العالم الخـــارجي .
- الهروب ... ! يا لها من كلمة معبرة . لو أنك تعرف كم مرة تشوقت
للهروب من وضعــي الممل .
- إلى قصر في إسبانيا ؟
- أو إلى كوخ برمودا .. الريتز في باريس وفي الربيع إلى جزيرة
استوائية .. بما أن الهروب من أي شيء مستحيل , فلماذا لا تحلم بمكان
غريب جداَ ؟ أتعرف .. هذا أول مرة أبتعد فيها عن الكو .. عن المنزل , منذ
سنوات .. لابد أنه رائع أن يبتعد المرء عن بقية العالم .
- رائع .. لكنه مستحيل تقريبـــاً .
- أعتقد أن هذا تذكير لي بأنني متطفلة ؟
ضحك ريكس :
- أبداً .. لقد عنيت فقط أن مسؤولياتي نادراً ما تسمح لي بالسفر بعيداً .
في الواقع أحس بالارتياح لوجودك معـــي .
سألت متعمدة :
- كيف تتمكن من الهروب إلى هنا دون أن تلحق بك قطعان النساء
المهووسات بالزواج ؟
- أنت مصممة على جعلي أبدو أبلهاً مغروراً لمجرد أنني استنتجت خطأ
كيفية وصولك إلى هنــا .. أليس كذلك ؟
ردت بسرعــة :
- لا أستطيع جعلك تبدو أبلهاً مغروراً .. فأنت الذي ادعيت أن
ملاحقة النساء لك سجنك في دارك .
- لا أظن أنني ادعيت هذا حقاً .. على أي حال سأرد على سؤالك
بخصوص (( الكابين )) لحسن الحظ فشلت المجلة في اكتشاف وجوده.. لدى
العائلة منزل كبير قرب (( استس بارك )) تملكه منذ سنوات .. ولا أزال أذهب
إليه أحياناً .. لكنني أعطيته لأختي حين اشتريت هذا المكان منذ سنتين ولا
يعرف بمكانه سوى عدد صغير جداً من الأصدقاء المقربين .. صدقي أو لا
تصدقي أنت أول امرأة تدخله خارج محيط العائلة .
أمسكت كاندرة الجينز الذي ترتديه :
- وماذا عمن تملك هذا ؟
- إنه لأختي .. نسيته حين كانت هنا مع زوجها الشهر الفائت .
- أخبرني المزيد عن عائلتك.. واضح أنك مولود بملعقة فضة في
فمك .
- لا تكوني لاذعة هكذا .. كان هناك طقم طعام كامل من الفضة إنما
لاثني عشر شخصاً .
- أوه .. فهمت .. لابد أن اسم عائلتك روكفلر أو مورغان , أو .. ؟
اللمعان المتسلي في عينيه اعتراف بأنه فهم محاولتها كسب المعلومات ..
- في الواقع, كان جدي الأكبر مهاجراً فقيراً مع زوجة وطفل , سمع
كلمة (( ذهب )) فاتجه غرباً ليجني ثروته .
- ومن الواضح أنه نجح .
- ليس من حقول الذهب الذي كان التنقيب عنه عملاً متعباً , وسرعان
ما أدرك أن زوجته كانت تجني مالاً أكثر منه في البلدة من صنع الخبز وقص
الشعر .. فعاد إلى البلدة وأسس متجراً عاماً صغيراً يمون الباحثين عن
الذهب لقاء نسبة مئوية من أرباحهم .. وكان قراراً حكيماً مريحاً .. وأنا
الآن ممتن جــداً له .
- وهل ورثت مالك ؟
- لا داعي للاستهجان هكذا .. الواقع أنني ورثت عملاً .. حين اضطر
والدي للتقاعد باكراً لأسباب صحية , توليت إدارة أعماله .
قالت ساخـــرة :
- رائع جداً أن يبدأ المرء من القمة !
ضحك :
- ليس من القمة بالضبط .. فقد علمني والدي كيفية إدارة العمل منذ
كنت صغيراً.. لقد ابتدأت كحاجب وغضبت لهذا لأنني كنت أريد بيع
الألعاب .
اتسعت بسمته :
- كنت في السابعة من عمري , وكان والدي يدفع لي خمسة وعشرين سنتاً
في الساعة.. كان يقول إنه ابتدأ هكذا.. وكان جدي لا زال حياً يومها
وأذكر أنه تذمر قائلاً إن والدي كان مرتبه كبيراً هكذا .
ضحكت معه قبل أن تقــول :
- حتى ولو بدأت من الأسفل , فأنت كنت تعرف دائماً أن المتجر
سيصبح لك في يوم ما .. ولا بد أنك أحسست دائماً بأنك .. أوه .. لست
أدري .. مؤمَّن ..
- أنت تبالغين في تقدير قيمة المال .
- هذا إحساس طبيعي لرجل اعترف لتوه أنه لم يحتج يوماً لشيء
- ماذا تشترين لو كان لديك المال الذي تريدينه ؟
كانت يداه مطبقتين خلف رأسه وساقاه ممددتين أمامه .. وأجابته :
- هذا سهل .. سأشتري لـ كاتيا كل الثياب التي ترغب فيها وأتركها
تصفف شعرها وتقصه في ( صالون ) فخم . أما أدجر , فسأشتري له سيارة
سبور بدلاً من تلك المهترئة التي يصلحها سنة بعد سنة .. أما لي , فأثاث
جديد وورق جدران ليس في التصفية ..
ابتسمت مرتبكـــة :
- يبدو وكأنني أمضيت وقتاً طويلاً وأنا أفكر بهذا, ولكنني في الواقع لم
أفعل. فإمكانية حصولنا على مثل هذا المال بعيدة جداً,, مع أنني أحياناً
أشعر أنني قد أفعل أي شيء لأجل المــال .
- لا تقولي لي إنك ساذجة بما يكفي لتصدقي أن المال يشتري السعادة ؟
- لا .. ليس حقاً.. إنما بوجود المال سيكون لدي مشاكل أقل .. كان
يمكنني مثلاً أن أدفع أجرة من يأتي لدهان المطبخ ولصق ورق الجدران ,
فيحررني بذلك من تلك الأعمال ويمكُنني من الذهاب إلى آسبن مع أدجر .
- لكنك حاولت الهرب إلى آسبن .
- هذا صحيح , وانظر إلى الورطة التي أوقعت نفسي فيها. (( مجرد
قصاص )) كمــا كانت ستقول جدتي لي .
- أنا لست واثقاً من أنني أحب أن أقارن بالآيس كريم .
- ولا حتى بالشوكولا مع الكريما المخفوقة ؟
غاص قلب كاندرة بشكل خطير , فطريقة ريكس في الضحك والمزاح
فاتنة مثل ابتسامة . أحست بتحرك مشاعر غير مألوفة لها , فتطلعت بسرعة
من النافذة حـيث كانت هبات ريح تضرب زجاجها بينما تحجب ستارة
بيضاء الأرض عن النظــر .. و قالت دون وعي :
- متى سيتوقف كل هذا ؟
- إن تخمين ذلك صعب .. أنا لا أتذمر .. (( كابين )) خشبي دافئ , الكثير
من الطعام, وحمراء شعر جميلة تدفئني .. ماذا يتمنى الرجل أكــثر من هذا ؟
نظر إليها باهتمام قبل أن يضيف بصوت مرح :
- أنت تحمرين مجدداً .
لحسن حظ كاندرة وتوازنها , نبح براوني مطالباً بالخروج في وقت
مناسب ومرحـــب به .
(( نهــاية الفصل الثـاني )) ..
|