كاتب الموضوع :
بياض الصبح
المنتدى :
القصص المكتمله
اللذة الرابعة و الثلاثين
على عتبات باب منزله .. حين أغلقه خلفه بهدوء
و يدّه الأولى تضَع على الطاولة
الطعام السريع
الذي أحضره معه
استدار لحيث نوى أن يذهب ..
لترتطم عيناه بجسَدها الذي وقف بوضعيّة مائلة لدى
الباب ..
ابتسامة حنونة رُسمت على شفتيه وهو يقول بنبرة هامسة
../ تعالي .. جبت العشا . .أكيد إنك جيعانة الحين
لم تُعّقب على ما قال بشيء ..
و لم يَرى أي اختلاجة من ملامحها ..
اقترب منها أكثر رفع رأسها و أزاح خصلات شعرها
المُنسدَلة على جانبي وجهها ..
../ وش فيـــه ؟
صوته القلق .. أحرق ما تبقّى من شعور داخلها
عزمها على الصراخ تبدد عند نبرته تلك
لكَن البقايا القليلة أستمطرت دموعها
و دموعها فقط ..
تعاظْم القلق في نفسه وخوف جديد يتسلل إلى نفسه خشية أن يصيبها انهيار مماثل لسابقه .. و هي التي لم يمضي على خروجها من المشفى ساعات
../ هديل .. لا تخّوفيني ... وش فيك تصيحين ؟
شعور مشابه لوخز الإبر ينال من حلقها
المُمتلئ بغصَة كبيرة ترفضَ الإنزياح
يزيد عذابها بشعورها واقفة بين ذراعيه
ذُل ..لا يستحقه إلا منهم أمثالها
يعذّبها بطريقة مُختلفة .. يُشفق عليها
و هي التي مارست الحرمان لكي لا يفعل
قاومته بضَعف مُتفشّي
وهي تهمس بنبرة كسيرة
../ لا تنافق .. طلقّني خلاص ..
أبعدها وهو ينظَر لملامحها بإستغراب كبير ..
صوته المُستفهم .. سألها بتعجّب كبير
../ أنااافق .. ؟ وأطّلقك ؟ .. و ش فيه ؟
تراجعت للوراء و جرعات غضبَها تتزايد
صوتها عاد أقوى من ذي قبل وهي تقول
../ تسّوي نفسك ما تدري .. وإنت إلي قلت إنك تبي تطلقني .. تركي ... إنت تزوجتني و إنت عارف إنّي كنت وكنت .. و عارف إني خارجة من السجن .. و إنسانة مو ممكن تكون أم أو حتى زوجة .. و مع ذلك أصريت .. أنا ما أقدر أرفض قرار أخذوه هم ... لكَن إنت ليييييش وافقت ؟
شهقّت بشَدة وهي تتابع
../ ماعاد يهمني شيء بعد ماقالوا أول حشرة و اتزوجت الحين بيقولوا حشرة و اتطلقت أنا ماتفرق معاي .. وإلي يبغى يتكلم يتكلم و يقول إلي يبغى .. أنا كلام الناس ماعاد يهمني في شيء كفاية إلي شفته منهم
إلتفتت وهي تضغط على راسها بقوة .. و بيديها
تجذب شعرها للأعلى
../ آآآآآآآآآآآآآآه .. ياربي ريحيني من الدنيا ذي تعبت أنااااااااااااا تعبت
التقطَها بين ذراعيه
و روحه العاشقَة تجاوزت
سيل كلماتها لخوفه من انهيارها
أخذها حيث يجب أن تهدئ و تسكُن روحها
العرق الذي بدا مواسياً لدموعها راح يتصبب من جبينها ..
تكّلم بهدوء و روّية
../ مين قال إني حطّلقك ..
كانت ترتجف بشَدة نطقت بعدّة جمل مٌفككة لا معنى لها
أبعدها قليلاً ثم أمسك بكتفيها وهو يهمس
../ قومي .. توضي وصّلي و هدّي نفسك .. ثم فهميني السالفة
مازالت كفيّها تعبث بمسارات دموعها .. و لا تود
أن تزيحها عن وجهها حتى لا يرى ملامحها المُحمرة
أمسك بيديها ثم شعر بها تزيد تصَلُبا ً
تابع
../ أنا بقعد برا .. أهدي ... ثم تعالي.. ولو ما قدرتي
إرسلي إلي تبين تقولينه لي كرسالة
لم تستعد أنفاسها إلا حينما أصبح الأوكسجين
أكثر حريّة من حولها ..
شتمت نفسها لضعفها .. و تركت جسَدها يسترخي
تلقائياً على
وضعيتها
مّرت الدقائق بطيئَة تجُر إحداهُما الأخرى ..
حتّى مرت ساعة .. تلتها أخرى بذات البُطء
لم يقطع صوت دقات العقارب إلا أنفاسها
التي أخذت طريقها للهدوء
بينما أستعاد عقلها صفائه
تود أن تنهض و تحادثه لكَنها تخشى
أن تنهار من جديد .. عُذبت طويلاً في غياهب السجن
لكَن كُل عذابها كان جُزءاً بسيطاً من
ألمها الداخليّ .. ندمها ... وخوفها
ماضيها الأسود يُشكَل كابوساً يؤرقها
جُزء مٌعتم من كُل صورة جميلَة تتأملها
إستفاضت بها أفكارها فجعَلتها تصَل
لتلك النقطَـة .. حيث وقفت خلفه
وهي تدعو أن لا يلتفت و ينظر إليها
عيناه تجبرها على البكاء فما تحويه من حنان
حُرمت منه طويلاً
هكذا نحن .. عندما نُحرم من أي شيء نبحث عنه
حتى في غياهب ما لا ينبغي .. فقط لنتذوقه
وحينما نقف داخله نرفض العودة للوراء
أمّا هي فتمارس حق العودة قسراً
فقد
بدآ جلياً أنه من الصعب عليها أن تنطَق بعد كُل هذا
بما تُريد
لكّنها قالت بصوت جاهدت لكّي يخرج طبيعياً واضحاً
.../ أنا سمعتهم في المُستشفى يقولون إنك تبي تط
خفضت بصرها إلى الأرض وحشرت الكلمة ولم تخرج .. لأن صوتها بدأ
يتهدّج .. مُجرد تذكُرها أنها ستعود منسّية
في " غُرفة الخدم " فكرة تؤرقها
و أن يبقى هو صامتاً حيال شعورها تزيدها أرقاً
رفعت عينيها لملامحه و صمته حيال كلاماتها و مشاعرها يؤرقها
تابعت متجاوزة ما مضى
../ ف ما يحتاج تعذبني معاك .. لو سمــحت
لم ينطِق بشيء .. وكأنه يُريد منها إتمام حديث
مُنتهي أصلاً
../ خلصتي ؟
أخفضَت رأسها بشَدة و تراجعت حتى الحائط
الموازي للباب ..
و على بُعد ... نهضَ هو و إلتفت لها
اقترب خطوتين وهو يقول
../طّيب .. خلينا نتجاوز الموضوع هذا اللحين ... و أبيك تتجهّزيـن بعد ربع ساعة بيجونّ ضيوف .. وبعدها أوعدك إننا نتفاهم
تعانقت أصابعها وهي تشّدها بقّوة لبعضَها
تلتمس ثباتاً زائفاً ..
لم يُعلّق أكثر مما نطَق .. وبقي صامتاً
تُجزم أنه الآن يتأملها من رأسها حتى أخمص قدميها
نظَرت لثيابها .. والآن فقد بدأت تُدرك
أنها ترتدي ثوباً مُهلهلاً .. باهت اللون
لا يشبه ثوب عروس
إطلاقاً ..
تود أن ترفع رأسها و تنظر إلى ما يُدقق النظَر فيه
لكنها تذكَرت قضيتها الأساسيّة
فنحّت كُل مشاعرها الخرقاء جانباً
والتفتت لتخرج من الباب القريب منها لتجد صوته يوقفها
../ هديل .. أنا أحبــك
تصَلبت رقبتها لحيث تنظَر نحو الممر
تشعر أن كُل شيء تجمّد حولها حتّى الهواء
وأنفاسها .. لا شيء سوى قلبها الذي يخفق بقّوة
و يوشك على القفز خارجاً
وأخيراً خطواتها التي أسرعت لخارج المكان
ثم أوصَدت الباب وهي تلتقط أنفاسها بشَدة
و كأنما كانت في سباق مع نبضاتها
أمسكَت بموضع قلبها وهي تقول
../ ياربي .. وش يصير فيني .. بسم الله
هو قال شيء ولا أنا أتخيل
*
أستغفر الله العظيم
*
أدارت قُفل الباب .. وهي تتنفس بصعوبة
ألقت بجسدها على السرير وهي تهمهم
بجمل مُختلفـة
../ " ليش ما صرخت عليه وقلت كذاااب " .. ليش هربت لييييش .. وش أسوي ؟ وش لازم أســـــوي
و أشياء أخرى مُتشابهه
تذكَرت ما قاله عن ضيوف .. هي لا تعرف سوى أهلها فلا تظَن انه سيستضيف أخرين
لا تعلم بأي ملامح ستقابله مُجدداً ..
تبدو خائفة من كلمة قالها وهي التي تمنت سماعها من كُل شخص تقع عيناها عليه ..
لم هي ترتجف بشَدة ؟ .. أصبحت واهنة بما يكفي
شيء ما بدآ كنور مختلف .. مصباح يشبه ما يُنير على رأس الأذكياء أنار في عقلها
وفكرة .. بدأت تُلملم شتاتها حالاً .. لتصَلح ما أفسَدته
وها هي تٌلقي باللوم على نفسها أيضاً .. لحياتها التافهة في نظرها .. لأنها بدأت تؤذي الأخرين
*
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
*
فُستان " فوشي " من الحرير ينسدل على جانبي خصرها بتناسق عجيب .. ليُبرز تفاصيل أخفتها دائماً لسنة وشهور
شعرها الطويل و الذي تركته يجف طبيعياً ليبدو هادئاً على جانبيّ وجهها
بينما تٌمسك شريطة صغيرة ب " قذلتها " من الأمام ..
رغُم بساطَة منظرها .. إلا أنها راحت تتأمل نفسها بذهول .. وكأنها تراها لأول مرة
ذهول لا يخالطَه سوى حُزن على ماضي أسرفته بالمعصيّة فلا تحِن له أبداً
إنخفضَ بصرها لقدميها المكشوفتين .. وجُزء من ساقيها
علامات مُنتشرة على كُل منهما .. بعضَها محفور ة متمسكْ بشَدة .. و البعض الأخر مُجرد خطوط باهته
هذا ما تركه لها ذلك الماضي .. صوت جَرس تنبض له جدران الشُقة كُلها
جعلها تقفز من تأملاتها لحقيبتها بحث عن جورب لحمي يُغطي عاهتها
وجدته أخيراً ..
صوت ضحكات مُختلطَة بترحيب .. لـ إمراءة ..
هذا ما أستطاعات تخمينه وهي تقف لدى الباب
فتحت ببطء وخشيت الخروج .. لكَن جسَد ما برز في وجهها
جعلها تشهَق بسعادة .. وهي تقول
../ خدوووووووووج .. يا هلا والله .. وحشــتيني يا دُبــــة
أحاطَت الأخرى بذراعيها رقبتها وهي تقُول بسعادة لا مثيل لها
../ و أنتي أكثثثثثثثثثثثثثثثثثر .. من تزوجتي ما سألتي ولا دورتي كأنك أستغنيتي عنّي
عقدت حاجبيها .. فكما يبدو " خديجة " لا تدري بأمر دخولها للمشفَى
و ليتأكد شكّها جاءها سؤال خديجة
../ و كيــف شهر العســـل إن شاء الله انبسطوا ؟
../ آآآ .. إيـــوة مّرة
../ هديييييييييييييييييييييييييييييل .. يا بعديّ
ضحكت بخفة وهي تقول بذات السعادة
../ هههههههههههه .. يا الله إنك تحيّييها ..
إحتضنتها بشِدة و الأخرى تهمس بفرح
../ وآآآآآآآآآآآآآو و الله طالعة عروســة .. و حلوووة بعد .. لفي لفي كذا .. وآآآآآآآآآي الفستان روعة .. بالله وش رايك ف ذوقي خدوج مو يهبّل ..
../ لا بالله إن هي إلي تهبّل و محليّه الفستان بعد
احمرت وجنتيها وهي تحّر كفّها أمامهنّ
../ هي هي .. إنت وهي صدقتوا أنفسكُم .. تعالوا نجلس
كانت تتحاشى النظَر لوجهه الذي راح يتأملها عن بُعد .. و لكّنها تُقسم يقيناً أنه يبتسم
طُرق الباب من جديد
و سمعت صوته .. يحادث رجُل ما .. إخترق إذنها صوت خديجة التي قالت
../ تنتظرون أحد إنتم ؟
حّركت رأسها بالنفي و هي تقف و تقرب من الباب فتحته ببطء و خرجت
لتلقط عيناها " تُركي " الخارج من الصالة إلى الممر حيث تقف في آخره
يُحادث شخص ما بالداخل
../ كثر منها ههههههههههههههههههههههههههه
إنتبه لوجودها .. ف توقفت شفتيها هي عند إنفراجها .. شيء ما جعلها تتوقف عن المُتابعة
عيناه و تلك النظرة التي تحملها ..
أخفضَت بصَرها عندما دوى صوت خافت" غلاية الماء " لتقترب هي من المطَبخ
قبل أن يُصبح هُناك قبلها .. يده التي ارتفعت في الهواء أمامها تمنعها من المُتابعة
يهمس
../ أرجعي عندي ضيف .. و نادي لي خديجة ..
مازالت تلك تصَرخ هل من أحد لأطفاء النار المُتقدة تحتها ؟
نظَرت هي لكُل شيء عبثاً و أشارت نحوها .. ودّت أن تقول " طيّب .. بسّوي الشاي أنا ؟ "
لكَن الكلمات ماتت كغيرها في حلقها
وهو يقترب لها أكثر ويقول
../ خلاآص روحي إنتي بس .. أنا بسّويـه
تراجعت سريعاً وهي تلتقط أنفاسها .. و صَلت إليهَن فتهادى إليها صوت " ريم " تقول بمُداعبة
../ يا ويلي .. شوفي وجهها وش لووووونه ..هههههه .. أعترفي وش رحتي سويتي هاااا
../ يا حبيله أخوي الرومنسي
قاطعتهن بنبرة مُتجهّمة خجلا
../ أقول جب إنتي وهي .. و خدوج قومي كلمّي أخوك
ذهبت خديجة و طال غيابها ..
تنّوعت الأحاديث .. لكَن ريم بدآ جلياً أنها تتهرب من ذكر شيء ما لذا
لمَست " هديل " السؤال الصائب حين قالت
../ و أسيــــــل وش وضعها ؟
بقليل من الإرتباك
../ في وش ؟
../ يعني متى زواجها ..؟ يوم شفتها بالمُستشفى حسيت إن ما ودها تقول شيء .. شكلها كان مضايق حيل .. وأنا مارضيت أزيدها
بتهّرب واضَح
../ خير خير .. أظَن بيجلسون أكثر ..؟ ولا مدري عنهم كيف مرتبين أمورهم
عقدت الأخرى يديها أمام صدرها وهي تقول بنبرة هادئة
../ فيه شيء صح ؟ ..
زفرت الأخرى و هي تقترب منها .. و عيناها تتعلّق على الباب بقلق
../ إيه ...
صمتت لتتركها تتابع .. فقالت الأخرى بهمس خافت
../ أظن إنهم بيطّلقوا .. بصراحة مدري وش السبب بس تدرين إنها مالكَة عليه من رجعت من كندا .. على أساس إنه يروح معها .. ف الملكة كانت صغيرة مرة لأنها كانت ذيك الأيام حزينة لفقدكم .. بس والله من وقتها وأنا حاسه إنها مو راضية عليه و ما تبيه .. و الحيـن من رجعتي قالت لهم إنها تبيه يطّلقها .. و أمه و خواته معذبينها بالكلام والدق .. و هي تعبت وتبي تفتك من هالموال كله
تجمدت ملامحها للحظة وهي تقول
../ يدقونها بالكلام .. إيه .. أنا سمعتهم بالمستشفى يتكلمون عن شيء له علاقة بالطلاق .. بس كان إلي يتكلم أم تركي .. و أخوات " سعود " يعني قصدهم على أسيل ؟
إتكئت الأخرى وهي تنظَر للفراغ أمامها وتضيف بحُزن
../ أكيـــد .. لأن هالخبر أنتشر .. و صار كُل مين يأذيها .. بس من تحت لتحت .. ليش إنها سكتت كُل المدة ذي و الحين جاية تقول ما ابا .. هه على أساس أصلاً كانت تقابله .. وحتى لما قابلته ما كانت تعامله في المرات إلي يتقابلوا فيها بشكَل جيّد .. أبداً
لم تستمع لمجمل الحوار .. فقط الجملة الأولى كانت تكفي
الآن عادت ذاكرتها للوراء
الآن فسرت هروب أختها .. و الآن فسرت ملامحها .. و الآن فهمت كُل شيء
عدا أن تُركي لن يُطلقَها
الأمر الأخير بدآ بحاجَة لكّي تصَرخ بسعادة حقيقية لتصَدقُه .. إبتسمت رغُماً عنها .. لتسقط على إبتسامتها عيني " ريم " وهي تقول بصوت مستغرب
../ قلت شيء يضّحك .. ؟
../ لاآآآآآ .. بس تذكرت شيء ..
حّركت رأسها بلا مُبالاة وهي تقول بنبرة جادة
../ تحتاج وجودك بجنبها تراها ..
زفرت الأخرى وهي تهمهم بالإيجاب ..
دخَلت بعدها بدقائق خديجة وملامحها تحمل غضباً
../ إيييييييييييييييه آخر زمن .. ضيفة وأقوم أسوي الشاي و أرتب الأشياء .. صدق بنات آخر زمن
ابتسمت هديل بحرج و هي تقول
../ كنت بروح أسويه لكَن أخـ ....
قاطعتها الأخرى وهي تلقي بجسدها على الأريكة
../ ما عليك .. ما عليك .. بس ريم أنت ممنوعة من الخروج من الغُرفة ..
ضربت شفتيها بأصابعها وهي تقول بنبرة خوف مصطنعة
../ يووووووووووه قالي ما أقووولك .. نسيييييت .. هع
رفعت الأخرى إحدى حاجبيها
../ و ليه .. إن شاء الله ؟
../ لأن زوجك المصون برا .. و زواجك بعد أسبوعين في مشكلة خخخخخخ ؟
إعتدلت في جلستها سريعاً كالملدوغ
../ كذااااااااااااااااااااااااااااااااااااابة ..
بملل
../ تؤ .. والله ..
نظرت بطرف عينيها لهديل و التي بدت وكأنها لا تفهم ما يُقال أمامها ..
../ هديل
قفزت الأخرى للخلف بخوف
../ ها .. خير ..
../ فيه شيء .. أظنك تجاهلتيه بما فيه الكفاية .. ويبدو إن زوجك مستعجل عليه ...
بقلق
../ شيء ؟ .. وش فيه ؟
../ خالك برا ما ودّك تسلمي عليه
*
أستغفر الله العظيم وأتوب إليه
>
تجمدت حركتها لثانية أو يزيد
لكّنها عادت تسترخي في جلستها وهي تنطق بنبرة مُحايدة
../ لاآ .. ما أبا
عقدت ريم حاجبيها وهي تنظَر لـخديجة .. التي رفعت يديها بإستسلام
لتقول الأولى بغضب متخامد
../ هديل .. هالكلام ما يصير .. تراه خااااالك ..
بسُخريّة
../ من متى ؟ .. من تزوجك مو ؟
إرتفعت نبرة صوتها .. وهي تقول بحدة
../ لاآآآآآآ .. من زمااااان .. من قبل ما يأخذني بس إنت أيامها كُنت لاهية ولا يهمك في الدنيا إلا نفسك .. وبعدين هو إلا دور عليكم و بالقوة لقاكُم .. إنتِ وأسيل ..
بلا مُبالاة
../ و ليه أسيل ما قالت لي عنه ؟
إقتربت منها أكثر همست بصوت مختنق
../ تراه جا اللحين عشان يشوفك .. هو قالي يوم الملكة .. إنه يبي يشوفك بس إنتو رحتوا بسرعـ
قاطعتها وهي تسترخي أكثر و تنطق بتعب من كُل
أكوام المشاعر المُؤلمة الملقاة بداخلها .. فقط تود أن تسترخي الآن و تغمض عينيها
و حكاية " الخال " الأخيرة تلك توترها أكثر .. و لكّنها تتعمد التجاهل
../ إيه إيه .. فهمت عليكِ
تدخّلت خديجة
../ هديل .. ترا أخر مرة شاف فيها أسيل كان الأسبوع الماضي ... و كان مبسوط ..
لتقول هي
../ و أسيل كانت مبسوطة ...
تلعثمَت " خديجة " و أعتلى الوجوم ملامح ريم .. ليقطَع كُل هذا المشَهد
دخول تُركي ..
الذي أشار لها بسبابته ... بحزم
../ تعالي ..
*
رُبما من البلاهة أن تتحرك خلفه بطاعة مُطلقة هكذا .. وهي تعلم حقيقة ما ينتظرها ف المجلس
لكَن سُرعة البديهة أنقذتها من طيش الموقف .. و أوصلتها عند هذه النقطَة
إذ امتدت يدها نحو ذلك الشخص و الذي صافحها بحرارة مُطلقَة .. أربكتها قليلاً
لكّنها قالت بنبرة باردة رغُم تصّنعها البرود
../ أهلاً ..
ثم عادت إدراجها بخطوات مُتراجعة نحو تُركي خلفها
و الأخر يقول
.../ وشلـــونك ؟
الوضَع ككل مُربك لأقصَى حد .. تود الآن الهرب و لعَن انسياقها خلف " تركي "
بصوت مختنق
../ زيـنة
لم ترفع عينيها .. عن ركبتيها و لون ما ترتديه يطبع في عينيها .. فيتفشّى خجل على وجتنتيها بحمرة
ف ما ترتديه لا يناسب رؤيتها لرجل لأول مرة ..
نهض تركي ليبدد ارتباك الموقف
../ أنا خارج خذوا راحتكم .. على ما أرجع
رغم أنها لم ترفع عينيها و ترتجي " تركي " أن يبقى .. لكّنها شعرت به يقوم بحركات لـ " خالها "
و بعدها اختفى ..
نهض الأخر .. و أقترب منها أكثر .. و قال
../ ما أعرف وش أقول .. بس أنا فرحان لأني لقيتكم أخيراً .. و صرت اللحين قريب منكم أكثر من قبل .. أختي وصتني فيكم .. بس أنا كنت وقتها صغير .. و ما كنت في البلد أساساً
و عندما لم يجد جواباً وضع إحدى راحتيه على كتفها و هو يقول
../ المهم إني شفتكم .. و عرفت إنك بخير .. ما يهم إلي صار قبل .. إنتي اللحين معنا و بخير ..صح ؟
../ بدري .. توك تفتكر إن عندك عيال أخت .. توك تسأل ..
../ حفيّت رجولي و أنا أدوركم .. من عرفت عن السالفة و أنا ما خليت أحد ما سألت عنكم عنده وبعدها عرفت إنكم نقلتوا .. و دورت
ودورت عليكم .. بس أرتحت يوم عرفت إنكم ف بيت جدتّكم .. و حولكم أعمامكم .. أكيد إنكم كنتوا مرتااحيـن
فاجأتها دموعها التي أصبحت تبلل خدّيها .. لم تكُن تود أن تبكي أبداً
لكّن في الأخير خانتها دموعها و أخذت طريقها للخارج .. دون أن تألمها سوى بقايا الكلمات التي نطقتها
شهقة صدرت بلا رغبة منها ..
لم تلاحظ شيء سوى " ورق المحارم " الذي أقترب من منها .. تناولته و غطّت وجهها .. هذا ما تحتاجه لثواني فقط
رتّب عقلها أوراقه .. و هدأت أنفاسها مع تربيتات كفّه لقلبها ..
وجدت ما كانت تبحث عنه طويلاً .. الآن هي ليست في حاجة تركي أو أي شخص آخر
ربما جاء متأخراً .. وكثيراً
لكّن لا يهم .. هو بحث عنهم على الأقل ..
أزالت المناديل عن ملامحها وهي تراه يحتضَنها بخفة
و تجد قلبها يستكين لكل هذا
و صوت يتسرب بدفء لأذنيها
../ أقسم بالله إني بكون لكم سند .. طول ما أنا حيّ .. ما بيظلمكم و لا يهينكم أحد .. بس إنتي إهدي ..
وقف تركي لدى الباب بحيث لا تتمكن هديل من رؤيته لكّن الأخر إبتسم حال رؤيته هو التعبير الذي يحمله
../ تركي أذاك ؟
سألها بصوت هامس لكّنه وصل الأخر .. لتقول هي بهمس مماثل
../ لا .. بس محتاجة للبكاء ف بكيـت
تقدّم الأخر حتى أصبح في مجال رؤيتها .. أبتعدت هي عن خالها بخجل
ليقول أحمد ممازحاُ
../ إييييه متأكدة . أخاف مهددك و لا شيء
صفّق له تركي وهو يقول بنبرة مُستفّزة
../ لاآ .. أقول يلا يلاً .. روح بيتكم .. لو عرفت جدتي إني جايبكم بمكان واحد بيجيبون خبري
حكّ الأخر عارضَه وهو يقول بنبرة رجاء أخيرة
../ يعني ما بقدر أشوفها ..
../ أقول أذلف أذلف بس .. يالله
نهضَ و نهضت معه و يده ما زالت تحتضَن يديّ .. و عينا الأخر تترصدنا
وعندما أصبحنا لدّى الباب إنحنى على أذني وهو يقول
../ أصبري بغيظـه .. ف المهم إن شاء الله أجي المرات الجايّة و نجلس نسولف أكثر .. و صَح تراك تشبهين أسيل بس فيه فرق بينكم .. إنتي أنحف و عيونك أوسع
يد سمراء أمسكت بكتفيه و و الأخرى فتحت باب الشقة أخرجه وهو يقول
../ أقوووووووووووول مع السلامة محد يعطيك وجه
ضحكاتهم علقت في ذاكرتها للأبد كلقطة لن تنساها أبداً
و عيناها تعيد مشهد ملامحه .. عن قرب هو يشبه والدته ربما عينيه هي ذاتها عينيها .. لكّنها أحبته
و لم تمضي على معرفتهم سوى دقائق
../ ألووووووووووووووووووووو ..
استفاقت من أفكارها على صوته و الذي كان قريباً منها .. لتجده يقف أمامها و يمسك بيديها
و إبتسامة صادقة تعلو شفتيه قال بها
../ الحمدلله على السلامة شكلك طرتي بعيد.. أرتحتي ؟
عيناها تستفيضان شُكراً .. و قلبها يخفق بجنون
تتمنى لو تعود لها جرأتها القديمة .. لتقفز بجنون نحوه ترتمي بين ذراعيه وتصرخ
بصوت شاكر يصّم أذنيه ..
لكّنها تخجل الآن حتى من أن تلتقي عينيها بعينيه مباشرة ..
قرأ ما يدور في عينيها المُنكسرتين و نطق بحزم خافت
../ أدخلي للضيوف .. و حنّا باقين على موضوعنا
تجمدت ملامحها لثواني .. و ابتعد من أمامها
تاركاً فراغاً بحجم لا تعيه في عقلها
سيطَرت على أنفاسها المضطربة خليها
لتقول له بعد إن استدارت نصف إستدارة
../ تــــــركــــي
توقف لثانية و أرهف السمع وهو يعض على شفتيه
..؛ مانعاً ابتسامة ما من أن تحلق على وجهه فيفشَل كل شيء
عاد صوتها يقول بارتباك واضَح
../ خلاآص مو لازم نتكلم ف .. قصَدي عن سالفـــ
بدآ صعب عليها أن تلتقط أنفاسها و تتابع الحديث
ف ابتسم لكّنه جعلها صغيرة وهو يدخّل لغرفتهما .. مقاطعاً إياها
../ زيــن .. قولي للبنات يعجلون بالروحة .. عشان ما يرجعون مع السواق متأخر
مّرت نصف ساعة بين أحاديثهن المختلفة .. لكّنها سعيدة
لدرجة أنها تود أن تبكي ..
سعيدة بقدر ما لا تستطيع أن تصف .. ودعتهم و أعينهم ترصَد فرحها برضى كامل
دخلت للغرفة .. فوجدتها شبه مظلمة .. ما عدا ضوء الأبجورة حيث جلس تركي وهو يقرأ كتاباً مغطياً
بذلك ملامحه ..
بدلّت ثيابها .. و أقتربت من موقعها .. نطَقت بعد جهد
../ تركي أنا ..
لم يتحّرك .. أو يبدي أي دليل على أنه يستمع .. فتابعت بجهد أكبر
../ شكراً .. كنت بقول شكراً على الي سويته
أرخى الكتاب وهو يقول لها بحب .. تفشّى في جنباته حتّى حرضّه على ما لم يكن يريد
../ شكراً .. زين .. وبــــس
إبتسمت له برضى ..
كسعادة شتمتها الغيوم
سعادة تداعبها برفق لتصّدق بوجودها على الأرض
بعد أن كذّبها المطَر .. و صدقّته الدموع
يكفيها أنها تبتسم
*
مُترعة بجُرح عميق لا قاع له .. و لكّنها تنزف بدماء لا تملكها و يتألم شخص آخر و هي لا تدري
هذا ما كان لسان حاله ينطَق به .. و عينها تجول في شخص الواقف أمامه
بفستانها القصير و الهادئ للغاية
نطَق وهو يطوي الجريدة المفتوحة أمامه
../ على ويــــــــــــن ؟
نظرت إليه بحدة وهي ترفع إحدى حاجبيها
../ مو لمــكـــآن .. ليييش فيه شيء ؟
و كأنه بدأ يشتم مُصارعة جديدة تود بدأها
../ لاآ .. بس شفتك لابسة
../ يعني الواحد ما يلبس في بيته .. لازم يكون خارج
إتكأ على المقعد الجلدي خلفه وهو يقول
../ طيب ألبسي عباتك ... بنتعشا برا
فتحت إحدى المجلات التي قرأتها مراراً وهي تقول بلا مُبالاة
../ العشا جاهز .. و الأولاد مو هنا ..
../ أدري .. بنروح سوا أنا وإنتي
رفعت نظرها إليه وعيناها تقع على عينيه مباشرة
../ و جنى ؟
ببساطة
../ خليها مع الشغالة
عدلت من وضعية جلوسها في مكانها وقالت بنفس النبرة
../ لا أسمحلي مقدر ..
هذه إحدى المواقف التي تصف بجلاء " دعاء " الجديدة
حيث أنها كانت تخضَع لكل أوامره تلبي كل رغباته .. و قد تتخلى عن من تحب من أجله .. لذا فقد لعب بكل مشاعرها
جهلاً منه .. و ظناّ منه بخنوعها .. استثارها مراراً لكنها كانت حكيمة في كل ردودها و ترضي جميع الأطراف
و الآن عادت له استقلالية بشكل استفزازي .. لكّن ربما هذا الذي سعى من أجله
وهذه هي حصيلة ما زرعته يداه قبلاً
نطق بحزم لم يكُن ليتعب نفسه فيه سابقاً
../ أقولك قومي ألبسي عباتك بنأخذ جنى معانا.. نخلّص ونمر الأولاد و نأخذهم من بيت جدتهم .. بسرعة
لهجته الآمرة كانت أكثر من أن تمثّل الرفض أمامها
لذا نهضَت من أمامه وهي ترسم ملامح جامدة على
ملامحها
../ زيــن .. بس مو لازم تصّرخ أنا قدامك ..
رحلتهم كانت هادئَة وعادّيـة ..
نام أطفالها بينما عادت هي لحجرتها وحديث " وعد " الذي سُكب على أذنها منذ قليل يرهق تفكيرها
دلفت للحجرة لتجده جالساً أمام " جهازه "
بينما جلست هي في أبعد نُقطَة
بصوت خافت قالت
../ وافي
أرهف لها سمعه
فتابعت هي
../ صبا خرجت من السجن ..!
شرق بأنفاسه و سعل حتّى احمرّت ملامحه أحضرت كأس ماء
و اقتربت منه وناولته إياه
و هي تنظَر له بلوم حقيقي
../ كنت مخبّي الموضوع عن الكل .. هذا وإنت ولي أمرها .. لا و مخلين المسكينة ف مخزن الحشيش ..
قاطعها بحدة
../ وش عرفك إنت ؟
زفرت بهدوء وهي تتراجع للوارء
../ وعد .. و عمتي بعد كانت تدري .. تقول راحوا المزرعة وشافوها ..
عقد حاجبيه وهو يقول بنبرة صارمة
../ يعني اللحين لازم نغّير مكانها قبل ما ننفضَح عند النـ
قاطعته هي هذه المرة
../ رآآآآآآآآآآآآحــت ... صبا راحت مع صقر بس لـ وين ؟
هذا إلي ما أعرفه
طريقة كلامها استفزته قليلاً ليقول
../ ترى صقر زوجها
../ أدري .. لكَن وين أخذها .. حتى أخته ما تدري .. وعد تقول إنه بندر يدق عليه يعطيه إن الجوال مغلق .. يعني وشو يا ولي الأمر الأرض أنشقت و أبلعتهم
تزيد من عيار التهكم حتى تخمد نار
القهر المتصاعدة في جوفها
و كأنه ثأر تود إرجاعه بكلماتها
بينما هو يشتعل غضباً وهو يصّك على أسنانه بحدة
../ لا تبطنين كلامك .. ولا تجلسين تدقّين بالحكي .. أنا موكل بندر بكل شيء يخصّها
../ ليش ؟ إيييييييييييييييه عشانها خريجة سجون بقضّية كبيرة تسود الوجه .. لكّن ما همكم كأنها تابت أو لا .. ما همكم إلا أنكم تدفنونها من تخرج عشان ما تسود و جيهكم .. واثقيـن بصقر ثقة عميا .. ما يكون قتلها وهارب بدمها
نهضَت مبتعدة عنه لدولابها
../ تراها أخذت جزاها .. و الله على إليّ يظلمها بعد ..
رغم كُل ما يشعر به إلى أن يده أطبقت على شاشة الحاسب أمامه
و يده الأخرى تعتصر جبينه .. و كأنه يحاول أن يلتقط كُل تلك الخيوط
التي ألقتها في عقله
إبتعدت من الدولاب .. نحو سجّادتها تنوي أن تصلي القيام
و قبل أن تبدأ جلست
تراقب ملامحه المخفيّة عنها بين يديه
لتقول بجدّية
../ أنا حاسه فيها .. يمكن لأني كنت بيوم مكانها .. بس الفرق بيني وبينها .. أنا خرجت ولقيت مين يضفّني .. لقيت ناس تسمعني و أساساً تعرف أخلاقي .. و تعرف إني بريئة من كل التهم إلي توجهت لي ..
و إنهم مجرد أصدقاء سوء خلوني شماعة لهم .. أما هي فمالها أحد
صمتت لثواني .. ثم تابعت
../ و دام إني صرت في الصورة .. بقولها لك .. أنا مو ندمانة لأني دخلت السجن فيوم .. بغض النظر عن القضيّة .. بالعكس استفدت كثير من دخلتي فوائد بربي عيالي عليها .. و أشياء بعلمهم يجتنبوها
لكّن مشكلتنا الأساسية هي أن مجتمعنا للآن مو ناضج
و صمت مرت فيه ثواني أخرجت بعدها ما تود قوله
../ مثلك إنت مثلاً ..تزوجت عليّ عشان تثيرني .. تزوجت علي ّ عشان تصنع منّي إمراءة تحب إنها تحرق دمها و أعصابها من أجلك و بعدها بكل بساطة تطلّق " الثانية " .. هه و معروفة إنت ماهتميت لشعور الأولى من البداية كيف كنت بتقدر الثانية .. هذا دليل
على إنك إنت بعد مو ناضَج ..
وكأنه كان ينتظر أن تقولها .. لينقض عليها ..
عقله مشوش تماماً .. و ما تقوله يزيده على ما هو عليه
هشّم كُل معنى لشعور سعيد .. لا يعلم إن كان قد أحتضَنها أو ضربها
أو........... أو .......... أو ............
لكّنه يجزم أنها باتت تلك الليلة تبكي .. هيجانه رغم كُل ما كانت تقوله
من حق و صدق .. كان لذاته , لغفلته
لكّنه كبَر الحق .. أعمى بصيرته
وجعله يجعل من اللاشيء أمرا يستحق الغضَب
*
*
ضوء الشمس يتسلل عبر النوافذ الكبيرة بخفّة سببتها الغيوم القليلة العالقة هناك
بينما برودة عالية تسيطر على جزيئات المكان ..
عقارب الساعة تقف عند السابعة و النصف صباحاً ..
بينما الأخرى
تتسكّع بنظرها بين زوايا البهو الكبير .. استلقت على إحدى الأرائك
وغاصت بجسدها فيها .. قدم معكوفة تحتها و أخرى ممدة ترتفع أمامها على ذراع المقعد .. يدّها المتهدّلة إلى الأرض تقبض " جهاز التحكم " بإهمال ..
عيناها تتلّون بكل البهجة المُتقَدة على الصورة .. ف مشاهدة الرسوم المتحركة بلا صوت .. دليل
لكآبة لا مُتناهيّة
تتذكَر محادثَتها لجدتها .. و عمها .. يدعونها لحفل صغير هُم بصدده
لكّنهم يتحججون بأنها على شرف عودتها ..
أصبحت أكثر نضجاً لتدرك كذبتهم الصغيرة تلك
جميعُهم لا يحبونها .. و يرونها " متكبرة ، ساخرة " .. يتجنبون الحديث معها
و الآن و بعد عودتها ب مُدة قاربت الشهرين .. قرروا ذلك
زفرت بتعب وهي تقول لنفسها " حسناً ، تبدو جدتي أكثر صدقاً ..
و يبدو بجلاء أنني لن أذهب .. فلست بحاجة للمزيد من الضيق "
انتقل عقلها لصوت آخر مختلف .. قريب
أصبح من اللازم عودتها .. و إلا فقد يقرروا فصَلها
داومت لأسبوع .. لكّنه كان شنيعاً بلا ريب .. غيابها زاد
لكَنّها لا تلوم قلبها
كُل ما هناك يذكَرها بهما الأشخاص .. و المكان .. الضجّيج
و الأحاديث دائماً تتخلل إسميهما .. و يبدو أن هذا الصباح
لا يختلف كثيراً عن صباحاتها الباقيّة
الصمت الذي يحيط بها .. مطبق تماماً
حتّى الأشياء المحيطة بها .. كأنها تتمطى أمام كُل تلك الرتابة مصدرة تكّات خفيفة من باب التسليّة
تفكيرها يحوم حول نقطَة معينة .. و هي تنهض من مكانها تّرتب
" معطفها " الطويل على غير " عادة "
و تلّف طرحتها و نقابها .. سارت نحو حقيبتها القابعة على بُعد
ثم ذهبت لمقّر عملها ..
تفكَر بغباء أحياناً ف تظن .. بأنها لو
سمعت خبر موتهما لكَان هذا أقل ألماً من بقائها مُعلقة تحمل بداخلها
شمعتان متنافرتان للأمل و اليأس
عملت حتّى أصابها إجهاد حقيقي .. لكّنها تستلذ بكُل ما يشغل جوارحها
و اليوم كان صباحها مختلفاً لكَن في المساء
كانت تقف أمام " الاستقبال " و تحمل بين يديها ملفاً تحدّق في صفحاته بتعب محاولة التركيز فيه
لكَنّها سمعت صوت وصوت مألوف جداً
../ سستر ..
إلتفتت نحوه فوجدته بدأ في محادثة ممرضة آخرى
بقيت عيناها تأكل ملامحه بشراهة عجيبة تشتم وجوده بفضول أعمى
تبحث عن ضالتها خلفه أو بين يديه في معطفه .. أو
بخبر ما داخل عينيه
و كأنه أنتبه لوجودها .. ف اصطدمت نظراتهما للحظَة
قبل أن يحّولها هو و يقول بنبرة شك
../ سلمــــى .. ؟
أقترب منها وهو يبتسم و يقول
../ توقعتك ما تجي اليـوم
لمْ تكُن في مزاج يُتيح لها أن تبادله ذلك الإبتسام .. أو حتى سؤاله " لماذا "
لذا تركت ذلك معلق في ذهنها لدقائق قبل أن تشعر بذلك الشخص يتجاوزها و يشّدها من يدها نحو ممر قريب
يُفضَي لـ غرفة الممرضات
و تركت الأول و وقوفه و السعادة الرابضَة في عيناه هكذا
زفرت بغضَب وهي تتوقف عن المتابعة
../ نجوى لو سمحتي .. صدق مو بمزاج لك .. وراااااي شغَل أخلصَه بعدين
قاطعتها الأخرى وهي تقول
../ لاآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآ .. هالمرة مرة بس .. فيه وحدة بتشوووفك
قليل من الفضول داعب أعماقها الغارقة في السواد
لأن الأخير غلب القليل ذاك
استدارت و هي تلّوح بيدها ب لا مُبالاة مًصطنعة
../ موب وقته .. بعدين بعدين
لكَن صوت جديد إستنفر آخر خلاياها الميّتة يأساً ..
إستفزّ حزنها ليقتلها فوخزها بشَدة في حنجرتها
إستدارت تتصَنع إبتسامة تجبرها على التقوسّ للأعلى
لكنها تريد العكَس
../ هلاآ نشوى ..
وجه الأخيرة يصَرخ بسعادة غامرة .. لا توازيها سعادة
صحيح أنها رحلت من هناك دون توديع أي منهم
لكّنها سعيدة هي أيضاُ و في أعماقها لأنها عادت بالسلامة من جديد
../ الحمدلله على السلامَة
نطَقتها بين ذراعيّ الأخرى التي تشّدها بقّوة .. و تهمس لها
../ الله يسلمك .. و مبروووك ليكي على رجعتهم
زفرت بشّدة .. و هي تدفعها عنها و تهمّ بالتحرك لحيث تُكمَل عملها
لكَن يد " نشوى " أحاطَت برسخها
../ سلمى .. مالك يا بنت .. متئولي الحمدلله .. ما يهمش هما رجعوا كيف .. المهم إنهم جنبك دحين ..
فغرت فاهها لثواني قليلة .. أو ربما طغت لدقائق معدودة قبل
أن تستوعب ببطء سُلحفاة
ما تقوله " نشوى " هل عادوا فعَلن
.../ إنتوا متى رجعتوا ؟
صوتها كان خافتاً بل و متحشرج بشَدة
قبل أن تجيبه الأخرى بدهشَة
../ أمس .. هوا المفروض عندنا إجازة بس أنا جيت آخد بعض الأوراق .. بس أخوك وجوزك جو مع الدفعة التانية اليوم الصُبح
و لتكمَل " نجوى " بصوت ساخر
../ إيييه .. و أنا إلي قلت ما بتجينا سلمى اليوم إلا و معاها هدايا رجعتهم سالميــن .. بس مالت علينا
*
أستغفر الله العظيم
*
لاآ تعَلم كيف أصبحت تقف في منتصَف الطريق المقابل
للمشفى ..
وهذه هي المرة الأولى التي تقف فيها في الشارع
ب هذا الزي بينما ترقد عباءتها بسلام في قاع حقيبتها
لا تعلم كيف تركت نشوى ذاهلة في ذلك الممر و بجوارها
لا يهمها كُل ذلك المهم أن تصَل إلى منزلها بأسرع ما يمكن
تركتها سيارة الأجرة على بعد خطوات من بوابة المنزل الرئيسية
بعد أن ألقت له ما لا تدري مقداره لكَن السعادة على ملامحه كفتها
إلتهمت خطواتها الواسعَة الأرض من تحتها بسُرعة عالية
حتى وصَلت لباب الفلّة الرئيسي
لكَنها توقفت هناك لدى الباب
تتأمل البهو الأمامي الكبيــــر .. و خادمَة التي راحت تمسح الأرضيّة في منتصَفه
و المكان يعصف فيه هدوء لا يختلف تماماً عمّا تركته صباحاً
سألتها بصوت خافت لكَن رنّان
../ جا أحد اليوم ؟
لتحّرك الأخرى رأسها بهدوء وهي تجيب
../ لا
هكذا أوقَدت شمعَة أمل محترقَة منذ البداية
شيء ما جعلها تركض متلهَفة مغادة كُل ذلك السواد
شيء ما " آخر " جعلها تتحّرك بيأس مُفرط نحو حجرتها
لا أحد هنا فالخدم يخدمون أنفسهم .. و هي تقبع وحدها
لا حاجَة لكّي تبكي بعد الآن
فيأس في داخلها أستحال لظُلمة متفشّية
ظلمة حقيقيّة لا مادّية فيها
استلقت على سريرها
وهي تتذكَر شيئاً ..
ثم تمتمت بشيء من قبيل
أن عليها أن تشكُر نشوى ..، لأنها جعلتها تبتسم بفرحة ولو لدقائق
أحلمُ أحيانًا بتحطيمِ الحوائطِ الحائمةِ كأشباحٍ من حولي
بإلقاءِ النافذةِ جُثَّةً من النافذة
بالركضِ بلا معطفٍ أو مظلَّة في طُرُقاتٍ عارية
بإذلالِهِ، هذا المطر، وَحْلاً تحتَ حذائي
بالصراخِ عاليًا
عاليًا
حيثُ تسخرُ من وجودي جمجمةُ القمر.
2
يَ ذآ آلطـِريق !
آلدِنيـآ بِ عُيونيّ تِضييييقْ
تدري وش آفقدْ لِ آوصلِكْ ؟
آفقدْ خِطـآ
آفقدْ سنينٍ من عطـآ
عنْهآ , سنينٍ من : عذآبْ !
آفقدْ صوآبْ
فآضتْ مسآحآتيّ / خَطا !
فآضت حيآتي بِ آلنْدمْ
مخنوووقـَه
وآِحسَآسي عَدمْ ،
محتآجْ آوقَف يَ طِريق
لكِنّ , مآعندي قِدمْ !
مآعِنديّ قدمْ !
..
..
..
|