المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
قصة بدون عنوان
قصة هذه القصة أن أحد طلاب الثانوية طلب مني تأليف قصة عن الدفاع المدني الذي أرسل تعميم للمدارس وشروط هذه المسابقة والمشكلة أن لا تقل القصة عن ١٨ صفحة والحمد لله تم تأليف القصة ومرت أكثر من سنة وعدة أشهر ولم تعلن إداراة الدفاع المدني من الفائز
ولا أستغرب فوزارة التربية والتعليم أعلنت قبل سنتان عن مسابقة الوفاء والمحبة والموضوع طوته الوزارة بالنسيان
فأنا أنزلت القصة كنوع من حفاظها من الضياع ولا أنصح أحد بقرأتها لأنها ليست تحمل الأحداث المشوقة وأشكر من تحامل على نفسها وقرأها فله جزيل الشكر
خطوات أقدام أنسان تمشي بتثاقل وكأنها تحمل اثقال جعلت الأنفاس تستنشق الأحزان كان ناصر رجل في الأربعين من عمره يعيش في مدينة الرياض وكان دؤوب في عمله مجتهد في أداء واجبه حيث كان يعمل كباحث اجتماعي يبحث عن مشاكل المجتمع ويحاول حلها
فلما أحس أن العمل سبب له شيء من الضيق حجز بالطائرة رحلة إلى جدة لكي يتجه إلى مكة فيعتمر ويقضي أوقات روحانية في كنف المسجد الحرام وينسى همومه ومشاكله
وبعد أن قضي عدة أيام بجوار بيت الله وبعد أن آنست نفسه بنور الإيمان وأطمئن قلبه بذكر الرحمن
أتجه إلى جدة ليقضي فيها يومان يزور الأصحاب ويرفه عن نفسه
فوصل جدة مع آذان الفجر فصلى ثم مضى يتجول في أرجاء المدينة بعد أن استأجر غرفة أرتاح فيها لبعض الوقت ولكن لأن شوقه لأصحابه غلبه فأصبح نشاطه اقوى من أن يثبطه خموله عن مقابلتهم
وبالفعل تقابل مع اثنان من أعز أصحابه وبدأ يتبادلون الأحاديث ويتذكرون الماضي الجميل ولكن ما لبثوا غير دقائق معدودة إلا والأمطار تهطل فقال أحد صاحبيه ما أجمل التمشية بالسيارة اثناء هطول المطر
وأجاب الآخر بالفعل وهذه فرصة بما أننا مجتمعين أن نأخذ لفة في شوارع جدة مع هذه الأمطار الغزيرة
نظر ناصر بأستغراب وقال ألم تشاهدوا تحذيرات الدفاع المدني في التلفاز وحتى على اللواحات الإعلانية على اطراف الشوارع من الخروج أثناء هطول المطر
نظرا صاحبا ناصر له وهم يضحكون ويسخرون وهم يرددون
نشيدا (لا تخافي لا تخافي نحن ابطال المطافي)
ثم قالا لناصر لا تكن جبان ورافقنا فأجاب ناصر أن الحرص والحذر ليس جبنا وأيضا ليس التهور شجاعة بل حماقة
حاول ناصر أن يثنيهم عن رأيهم ولكنهم رفضوا أن يسمعوا لنصحه
فأفترقوا في ذلك المكان فعاد ناصر ليرتاح في غرفته ويتجنب الأخطار من السير في الشوارع والسماء ممطرة
استلقى ناصر على فراشة بعد أن صلى صلاة العشاء ونام مبكرا ليصحوا مبكرا فيذهب قبل شروق الشمس على ضفة الشاطي الذي أعتاد أن يذهب له كلما ذهب إلى جدة فيستمتع بشروق الشمس ومنظهرها الرائع وهي تخرج من قاع البحر هكذا يعتقد من يراها
وفي صباح اليوم التالي استفاق ناصر على آذان صلاة الفجر فنهض وتوضأ وذهب للمسجد
وبعد أن أنتهت الصلاة استند على الحائط ليقرأ بعض ما يتيسر له من القرآن ولكن هناك رجلان مسنان كان صوتهما مرتفع يتبادلان الكلام بكلمات كانت كالصاعقة على ناصر حيث قال أحد المسنان كارثة حلت بجدة
فبدأ ناصر يصغي بأنتباه لهما يريد معرفة ما هي الكارثة التي يتحدثان عنها
فأنطلق هذا الرجل في الكلام عن الكارثة التي خلفتها أمطار الأمس والفيضانات الجارفة التي بعثرت الأحياء بجدة
حينها تذكر ناصر صاحبيه فأخرج جواله وبدأ يحاول الأتصال عليهما ولكن بدون جدوى
فأرقام صاحبيه خارج الخدمة اتصل بأحد اشقاء صاحبيه ولكنه لم يرد
فخرج من المسجد وأثناء ركوبه السيارة أتصل عليه شقيق صاحبه فبادر ناصر بالسؤال عنهما ولكن كان الجواب واضح من الحزن الظاهر في صوت شقيق صاحبه حيث أن صاحبيه قد قضيا نحبهما وسوف يصلون عليهم صلاة الميت بعد صلاة الظهر
فسأل ناصر أين غرقا فأجاب شقيق صاحبه في كوبري الجامعة
اتجه ناصر لذلك المكان ليفجع بالكارثة
جلس ناصر يتأمل كيف أصبح هذا المكان منتشر فيه الدمار والخراب هو العنوان الذي تنقله العينان عن هذا المكان
وبعد أن قرب وقت صلاة الظهر أتجه إلى المسجد الذي سيصلى فيه صاحبيه
فصلى عليهم ومشى بجنازتهم وعينيه تدمع ولسانه بالدعاء لهما لا يفتر فهذا اكثر ما يمكن أن يفعله لهما
عاد ناصر لغرفته وهو يحاول إيجاد المشكلة الجوهرية في هذه الكارثه غير المشكلة التي تداولها الأعلام كثيرا وهو عدم وجود تصريف جيد
ففكر مليئا قبل أن يقدم على فكرة طرت على باله وهو أن يصبح رجل في الدفاع المدني ليرى الناس بوضوح أكثر
وبالفعل عاد إلى الرياض وذهب إلى أحد مراكز الدفاع المدني وطلب مقابلة رئيس المركز الذي كانت تربطه به معارف سابقه وبالفعل قابله وأخبره عن فكرته التي طرت على باله
فصمت رئيس المركز قليلا ثم قال أمهلني أيام لأرفع بطلبك هذا للمسؤلين وأنا كل ثقة أنه ستأتي الموافقة
وبالفعل عاد ناصر إلى بيته وكله حماس في تنفيذ فكرته
وما لبث أيام إلا وجاءت الموافقة
ولكن بشرط أن يعامل كفرد من أفراد الدفاع المدني وأن يقوم بواجباته بأكمل وجه وأن يتم توجيه للمدينة المحتاجة
وبالفعل وافق ناصر بدون تردد
وتم تعينه في احد مراكز الدفاع المدني بالجنوب وبالتحديد مدينة تابعة لمنطقة عسير تسمى ظهران الجنوب وبالفعل استعد ناصر للرحيل لهذه المدينة التي لم يزرها من قبل بل لم يكن يسمع أسمها
حجز بالطائرة رحلة إلى أبها لينطلق بعدها إلى ظهران برا
فلما وصل أبها استأجر سيارة ليكمل مشوارة وبعد أن قطع اكثر من 185كيلو وجد لوحة الترحيب بأسم المدينة فلما دخل المدينة بدأ يلف في شوارعها ويتعرف على أماكنها فهو لا يحتاج إلى السؤال فالمدينة صغيرة ومعالمها واضحة فذلك مبنى البلدية وهذه المحكمة وذلك مركز للشرطة ولم يبتعد كثيرا حتى وصل إلى مركز الدفاع المدني كان مبنى مستأجر صغير المساحة توقف من بعيد يتأمل في المركز الذي سيقضي فيه ابحاثه ويكشف الأسرار التي سهلت من حدوث الدمار أن حصلت الكوارث
طبعا استدار بالسيارة وذهب يبحث له عن سكن قبل أن يقدم أوراق أعتماده إلى المركز
وبالفعل استأجر غرفة وضع فيها أغراضه وقضى فيها ساعات من النوم لتعيد النشاط لجسده
وفي اليوم التالي توجه إلى المركز ليقابل مديرها وبالفعل إستأذن في الدخول فلما دخل وجد أمامه رجل من الدفاع المدني برتبة عميد كان هو المسؤل عن إدارة المركز ابتسم صالح كان هذا اسم العميد لما رأى ناصر
وقال عن أي سر تبحث والأمر واضح للعيان لا يحتاج للبحث
فتبسم ناصر وقال لا نجاح دون دراسة ولا دراسة دون ابحاث
هز صالح راسه وقال ماذا تريد أن أضعك فقال ناصر اتمنى أن تضعني في بداية الأمر في بوابة الحراسات حتى يتسنى لي معرفة المكان
فأصدر صالح القرار أن يوضع اسم ناصر في جدول الحراسات وكان فترته صباحية
طبعا وفي اليوم التالي شعر ناصر برغبة في النوم وشيء من الكسل فتأخر عن وقته بساعة ونصف ولما وصل وجد زميله في الحراسة قد اشتعل غضبا فلما سلم ناصر نظر له بسام بنظرات فيها غضب ورد السلام مع ترحيبة بالضيف الذي تأخر عنه ولم ينضبط بساعات الدوام طبعا ذهب بسام وحل ناصر مكانه وبدأ ينظر تارة يسار وتارة يمين فشاهد على يساره مدرسة للمرحلة الثانوية ويسمع الطابور وتمرينات الصباح فتذكر أيام دراسته ووقات ممتعة قضاها أيام الدراسة
وكان أمامه ملعب كره ترابي يوجد على اطرافه كراسي خشبية ثابتة بينما يقع المسجد على يمينه والبيوت من حوله
مرت الساعة الأولى والثانية والثالثة وبدأ يشعر بالضجر والضيق وبدأت الأفكار تدور في رأسه بأنه أقدم على خطوة صعبة فهو في غربة ولوحده في مدينة لا يعرف فيها قريب ولا صديق فبدأ يلوم نفسه على المشكلة التي وضع نفسه فيها
ولكن تذكر نبل هدفه فأستعاذ من الشيطان وطرد الوسواس من رأسه
وبقي باقي ساعات الدوام يحاول أن لا تسيطر عليه الأوهام فتجعله ييأس ولا ينجز ما أتى من اجله وبينما هو في أخد وعطاء مع نفسه مر بجواره العميد صالح وتوقف بجواره بأبتسامة يسأله عن شعوره وهو يقضي وقته في ساعات دوامة
فأجاب ناصر لكل بداية صعوبة ولكن مع الأيام ستسهل الصعوبات وتزال المعوقات وتتعود النفس على الوقوف بالساعات
وما لبث غير قليل حتى جاء زميله في الحراسة عبدالرحمن ليتبادل مع ناصر الدوام ولكن الغريب أن عبدالرحمن جاء قبل ينتهي دوام ناصر بثلاث ساعات فقال ناصر لم تنتهي ساعات عملي بعد فقال عبدالرحمن اعرف ذلك لأن العرب كانت تكرم الضيف ثلاث أيام دون أن تسأله ونحن في الحراسات نكرم ضيفنا أن نريحه في أول يوم يباشر فيه دوامه بثلاث ساعات
فضحك ناصر واستبشر خير في أن يكون عبدالرحمن أول أصدقائه في هذه المدينة وبالفعل ذهب ناصر لغرفته ليرتاح
وفي صبيحة اليوم التالي تأخر ناصر لبضع دقائق فلما وصل إلى بسام سلم ولكن هذه المرة لم يرد السلام ونظر بغضب وقال بصوت مرتفع يبدو أنك ألفت على التأخر لم يرد ناصر ولكن كان اسلوب بسام يشعل نيران غضب في صدره فأخذ مكانه وبدأ يحاول تفريغ غضبه وذلك بأنه بدأ يعدد الطلاب الذين يمرون بجواره ذاهبين للمدرسة وكان أول طالب مر بجواره طالب يملىء النشاط وجه ويعرف من شكله أنه نام مبكر ليصحو وهو شعلة من النشاط طبعا بدأ الطابور وبدأ المدير يوقف الطلاب المتأخرين وناصر يراقب من بعد
ولكن الأمر الذي أدخل الغرابة في نفس ناصر أن هناك طالب يمشي ببطء شديد يكاد يفتح عيناه من شدة النوم ولكن هذا الوجه الذي يرى الكسل فيه هو نفس معالم الوجه الذي رأى النشاط فيه
وأصبح ناصر سارح الذهن لا يدري ما هذا الذي حدث أمامه وبقي على هذا الحال حتى أتى زميله عبدالرحمن ليرى علامات الدهشة في وجه ناصر فسأله ما بك
فقال ناصر في الصباح الباكر شاهدت طالب في السابعة عشر تقريبا من عمره وكله شعلة من النشاط وبعد نصف ساعة وبعد أن أنتهى طابور الصباح رأيت نفس الطالب وهو في أوج الكسل والخمول يمشي بخطوات متثاقلة
ضحك عبدالرحمن وقال اتقصد الأخوان التوأمان ابناء جاري عبدالله
فسكت ناصر وقال وهل تعرفهم فأجاب عبدالرحمن الأول الذي شاهدته اسمه حازم والثاني اسمه هاشم وبينهما أختلاف شديد في اسلوب تعاملهم حتى تستغرب أنهما أخوان
طبعا رجع ناصر ليرتاح في غرفته
وحاول أن لا يتأخر في الغد ولكن ومع كل محاولته تأخر خمس دقائق فقط فلما وصل ونظر إلى زميله الغاضب تذكر أنه بالأمس لم يرد السلام فلم يسلم فزاد غضب بسام وطلب الرقيب المسؤل عنهم أن يكتب محضر يوثق فيه تأخرات ناصر فما كان من ناصر إلا تكلم بصوت عالي بكلام مفاده اختصر بما قيل في الأمثال (أيدك وما تعطيك)
طبعا كان العميد صالح في مهمة ولن يأتي إلا في الغد وكان ناصر يهمه أن لا يصدر منه فعل يغضبه
فوضح الهم والكدر على وجه ناصر وبينما هو شارد الذهن مرت ساعات الدوام بسرعة حتى لم يشعر ناصر إلا وعبدالرحمن يدق كتفه بيده لكي يستفيق من السرحان بأفكاره
فقال عبدالرحمن بأستغراب ما حل بك
نظر ناصر لعبدالرحمن وأخبره بما صار بينه وبين بسام غضب عبدالرحمن وقال لا يهمك أمره سأجعله يأتي ويعتذر لك
اتصل عبدالرحمن ببسام وقال لك ربع ساعة تحضر وتسحب خطابك وإلا حصرت كل تأخراتك وصنعت مثل صنيعك
ثم اقفل الخط فأستغرب ناصر وقال وهل هو يتأخر عليك فقال عبدالرحمن لي الآن معه اكثر من ثلاث سنين لم يأتي قط في موعده فلابد أن يتأخر أقل شيء نصف ساعة
وما كادوا ينهوا كلامهم إلا وبسام بينهم يعتذر ويطلب الصفح فجاء الرقيب وهم مجتمعون فقال عندي لكم اقتراح ما رأيك يا عبدالرحمن تمسك فترة ناصر وناصر يمسك فترتك فنظر عبدالرحمن إلى ناصر وقال أنا موافق أن وافق ناصر فأبتسم ناصر وقال بل أنا موافق أن وافقت فتم التبديل في أوقات دوامهم حيث اصبح ناصر من الظهر إلى العشاء
وفي يوم التالي استيقظ ناصر بعد أن اكتفى من النوم ليحضر عمله
وبالفعل مرت ساعات عمل ناصر دون جديد كل ما يفعله رؤية الناس وترقب نظراتهم والأستشعار بأحسيسهم حين تقع أنظارهم لمركز الدفاع المدني
وقبل دقائق معدودة من أنتهاء دوامه أخرج ورقة ليكتب محضر تأخر لصاحبه فكان متأكد من تأخر بسام وبالفعل تأخر بسام لأكثر من ساعة فلما حضر بسام أقبل يتبسم ويعتذر عن تأخره ولكن دون أي مقدمات طلب ناصر من بسام التوقيع فأجاب بسام بإستغراب هل أنت تظهر الأحقاد من افعال مر عليها الزمان
قال ناصر مع تبسمات صفراء اعدك أني لن ارفع هذه الخطابات إلا أن بادرت أنت بفعل شيء يضرني
فوقع بسام خشية أن يرفع ناصر الخطاب فيدخل في تحقيقات هو في غنى عنها
واستمر الحال على ما هو عليه يتأخر بسام فيوقعه ناصر على خطاب
وفي احد الأيام التي كان ناصر مستلم فيها شاهد هاشم يمر بجواره في وقت لم ينتهي فيه دوام المدرسة فعرف ناصر أنه هارب فناداه ناصر بإسمه فأستغرب هاشم وسأل كيف عرفت أسمي فأجابه ناصر من جاركم عبدالرحمن فسأل هاشم مرة آخرى كيف عرفت أني هاشم مع أني انا وحازم توأم
فقال ناصر لأن حازم منضبط في دوامه فهو يسرح مبكرا بخلافك الذي لا تداوم إلا بعد نهاية الدوام
فنصحه ناصر وحثه على الإجتهاد والابتعاد من طرق الضياع من هروب من المدرسة ومرافقة اصحاب السوء فهز هاشم رأسه وأنصرف
وما لبث سوى ساعة حتى بدأ طلاب المدرسة بالإنصراف بينما كان ناصر يناظر لهم بدأ احد الطلاب يقترب منه رويدا رويدا وكأنه يقصده
فلما اقترب منه عرفه فإذا به حازم فسلم عليه ثم سأله هل يمكن مساعدته في عمل بحث كلفه به معلمه كان موضوعه الأستخدام الصحيح لطفاية الحريق
بالفعل تفاعل ناصر وأحس بالسرور فدق على زميله لكي يحضر له الكتب التي تتكلم عن ارشادات استخدام طفاية الحريق طبعا أعطاه ناصر وطلب من حازم أن يرجعها
وما كان طلب ناصر من أجل إرجاع الكتب وأنما ليعرف هل حازم قرأ واستوعب
وبالفعل ذهب حازم إلى البيت فشاهد هاشم الكتب مع أخوه فسأله من أين اتيت بها فأخبره فعزم هاشم إنه إذا استفاق من نومه يذهب لمركز الدفاع المدني ولكن كان لا يستيقظ من نومه إلا بعد صلاة العشاء وبعد أن استفاق فعل ما نوى به
بالطبع لم يعد ناصر موجودا في الحراسات بل كان بسام الذي كعادته يتعامل مع الآخرين بشراسة
فجاء هاشم ومعه اثنان من أصدقاءه يريدون أن يأخذوا كتيبات من مركز الدفاع المدني ولكن منعهم من الدخول وأستخدم ألفاظ جعلت من هاشم يتمرد ويرد بالسباب
فأراد بسام الإمساك به لكن لاذ هاشم بالفرار
ومع مرور ساعات الدوام جاء اتصال لبسام من عبدالرحمن بأنه تعرض لظروف لا تسمح له بالحضور فطلب من بسام أن يداوم حتى الساعة التاسعة وبعدها سيأتي ناصر يكمل ساعات الدوام تردد بسام ولكنه تذكر جمائل عبدالرحمن الكثيرة عليه فوافق على مضض
وبعد صلاة الفجر بدأ الصمت يغادر المكان ليصبح الشارع مكتض بالناس الذاهبين لأعمالهم
وكانت نظرات بسام تراقب ويمني النفس أن يقع ذلك المراهق بيده وما هي إلا لحظة وجيزة إلا وحازم واقف أمامه معه كتب قد استعارها من المركز ويريد إعادتها كما طلب منه ناصر
ولكنه تفاجأ أن الجندي بسام يطبق عليه بيده بشدة ويسحبه للداخل وهو يزمجر بعبارات التهديد والوعيد أجتمع العسكر الذين يعملون في المركز يتساءلون ما الذي يحدث
فأجابهم بسام أن هذا المراهق أزعجه بالأمس واعاقه من تأدية عمله وأساء له وهو بزي رسمي حاول الجميع أن يثنوا بسام من رفع شكوى ضد المراهق ولكن كان أيمان(القسم) بسام المغلظة تسبق طلباتهم وهو يتوعد أن يرسله إلى الأحداث
فقال الرقيب لن تفعل شيء حتى يأتي العميد صالح وتخبره بما حدث
فجلس حازم في غرفة وهو متأكد أن أخوه هاشم قد فعل شيء جعله في ورطة
جلس حازم شارد الذهن سارح البال يتذكر كم من المشاكل التي قد سببها له الشبه بأخوه هاشم
فهو لا زال يتذكر وفي المرحلة المتوسطة لما كان يمشي بأمان فإذا به بفتى بالمرحلة الأبتدائية يشير عليه ويقول هذا الذي ضربني ومعه مجموعة من طلاب المتوسطة يظهر من تشابهم أنهم إخوان او ابناء عمومة وبدأ شجار بينه و بينهم كان حازم هو الخاسر الوحيد فهو لا يحب الشجارات ولا الدخول في المضاربات فضرب ضرب مبرح نزف فيه أنفه وتعثر بالتراب وجهه مع مجموعة من الركلات واللكمات في جسده جعلته يجلس في فراشه اسبوع لا يستطيع الحراك
والآن هو معرض أن يزج به للأحداث وبينما الشيطان يوسوس له بسوء القادم ظهر ناصر الذي لما رآه حازم تفاءل خير
حيث أن ناصر لما وصل في الساعة التاسعة قال لبسام يمكنك الآن المغادرة ولكنه أستغرب أن بسام قال لا سوف انتظر معك حتى يأتي القائد
فسأله ناصر لماذا
فقال بالأمس جاء مراهق وأساء أدبه وهو الآن محجوز بالغرفة فأريد أن انتظر العميد صالح لنرفع فيه للإحداث
احس ناصر أنه سيعرف هذا الولد ودخل للغرفة فأستطاع ناصر أن يميز أن هذا حازم فعرف أن هاشم هو من تصدر منه تلك التصرفات
فسأل ناصر حازم وقال له لماذا لم تخبرهم أن أخوك هاشم من فعل ذلك لكن حازم انزل رأسه ولم يجيب فعرف ناصر أنها دماء الإخوة
فذهب لبسام وقبل أن يتكلم اقسم بسام ثلاثا أن لن يتنازل فأقسم ناصر ثلاث أن لم تترك الفتى فسوف ارفع كل الخطابات وثق تماما أنها ستكون كفيلة بنقلك لأقصى الشمال
نظر بسام لناصر نظرة الخائف ورضخ بسام بشرط أن يعطيه كل الخطابات ضحك ناصر وقال ثق تماما أنني لن أتضرر بإرسالك للفتى للأحداث وثق أيضا أنه سيخرج بعد أيام بكفالة فأن لا أحب من يلقي علي شروطه ولكن انت من عليك أن تستمع لشروطي أولا تذهب وتحضر الفتى وتعتذر له أمام الجميع ثانيا ستبقى في الخفارة حتى أعود من مدرسة الفتى
طبعا رضخ بسام لشروط بسام وفعل ما أمره أخذ ناصر حازم وذهب به للمدرسة ليخبر مدير المدرسة عن اللتباس الذي حصل وكان ضحيتها حازم فيسمح له بأكمال اليوم الدراسي
بينما حازم وناصر يسيران بأقدامهم للمدرسة التي لا تبتعد امتار بدأ حازم يبادل ناصر الحديث وبدأ يخرج ما في قلبه من أهات من شقيقه التوأم الغير مبالي ويخبره بقصص كثيرة من المعانات التي حصلت له من جراء الشبه بينه وبين أخيه
كان ناصر يستمع فقط ولا يحاول أن يناقش لأن حازم كان في أوج أنفعاله فلم يحاول تغيير نظرته السوداء عن أخيه
ولما دخلا المدرسة وطرق ناصر باب المدير المغلق لاجتماع كان يقيمه المدير
فلما دخل عرف على نفسه فضحك الجميع والمدير تبسم ونظر لحازم وقال ما أخرك فقال ناصر من أجل ذلك أتيت فقال المدير أنا واثق كل الثقة أن ما أخر حازم كان لسبب فأذن له بالدخول إلى الفصل
ثم ألتفت إلى ناصر وطلب منه الجلوس
فقال المدير أولا أعتذر عن ما صدر منا من ضحك ولم يكن القصد أنت بل أتيت ونحن نناقش خطة للإخلاء أن حصل لا سمح الله حريق فأختلفنا في كيفية تنظيم إجلاء الطلاب وجئت أنت لتكون الحكم
قال ناصر أولا أشكر لك تجاوبك وإدخال حازم للفصل أما أن اردت أن أصبح حكم فيجب أولا أن اتعرف على مداخل المبنى ومخارجه وأيضا إلى مواقع الفصول وأعداد الطلاب في كل دور
فقال المدير إذا استعنا بالله سأرافقك وعلى المواقع أعرفك فبدأ ناصر بجوله تفقدية وبدأ يلاحظ طفايات الحريق ومواقعها وأيضا يقوم بنظرة فاحصة عليها فوجد العجب فالطفاية أصبح عليها كوم من الغبار بالإضافة أنه لا يوجد سوى خمس طفايات اثنتان منها شبه الفاضية وآخرى خرطومها مقطوع فأصبح عدد الطفايات الصالحة للإستخدام أثنتان
عرف المدير ما يجول في خاطر ناصر فبدأ يخبره عن الطفايات الشبه الفارغة قائلا له أنت تعرف حماقة المراهقين فأن هذه الطفايتان استخدمها طلاب فصلان من الفصول المتجاورة في رش بعضهم بعض
فسأل ناصر المدير بسرعة ماذا فعلتم بهم فقال المدير استدعينا أباؤهم وأخذنا منهم تعهدات بعدم تكرار ذلك
فقال ناصر وما تفيد تلك التعهدات أن نشب حريق
والخرطوم من أتلفه
قال المدير بصراحة لم أنتبه له سوى الآن
فقال ناصر متى آخر مرة تفحصتها ابتسم المدير وقال مازحا اعتقد أنك اصبحت تحقق معي
قال ناصر صدقني لست افعل ذلك ولكن أن حدث مكروه وحصلت خسائر في الأرواح فستكون أنت المسؤل أمام الله
ثم طلب من المدير أن يحضر له ثلاثة طلاب من المتميزين وبالفعل حضروا فأعطاهم إحدى الطفايات الصالحة وقال لهم لو قدر الله وحدث حريق كيف تستخدموا هذه الطفاية فأمسك الطالب بالطفاية وحملها وقال هل اضغط ابتسم ناصر أفعل ذلك وأعتبرني أنا النار فرشني
توتر المدير وخاف الطالب ولكن ناصر هدأ من توتر المدير واذهب الخوف من قلب الطالب بكلامه الراقي
فقال أن نجحت ورششتني سأكون سعيدا
فعزم الطالب على رش النار التي تمثل بها ناصر وحاول يضغط بكل قوة بدون جدوة ثم فعل كذلك زملائه نظر المدير لناصر وقال حتى هذه خربانة اعتقد أنها تحجرت
نظر ناصر بدهشة حتى المديرلا يعرف أستخدام طفاية الحريق
فقال ناصر بالطبع لا وأنما يجب أولا سحب أبرة الأمان فضحك المدير وقال حتى في الطفاية أبرة أمان كأنها مسدس فضحك الطلاب الثلاثة بضحكات المدير لكن ناصرلم يضحك لأن الأمر يستحق البكاء وليس الضحك
ثم بدأ ناصر بوضع خطة محكمة لخطة الإخلاء فالدور الذي يحتوي على أعداد طلاب كثر يكون مخرجهم من البوابة الكبيرة
بينما الدور الذي يحتوي على طلاب أقل فمع البوابة الآخرى
وبالفعل تجهز الجميع لإطلاق صافرة الإنذار وبدأ بعض المعلمين بتوثيق عملية الإخلاء بالتصوير
وبالفعل بدأ الإخلاء وبدأ معه صراخ الطلاب وضحكات المدرسين على طالب اسمه عبدالعزير كان يعاني من سمنة مفرطة فكان يجري جهة البوابة والمدرسين يحذرونه مع ضحكات من أن يقع على الدرج فيسحق الطلاب فيصبح بعد ذلك كارثة
طبعا لم يحدث الإجلاء بالصورة الدقيقة فطلب ناصر من المدير الإعادة ولكنه أنفجع من إجابة المدير الذي قال لا خلاص صورنا فهو فقط يريد أن يصور ليرفعها بأنه قام بعملية الإخلاء
خرج ناصر من المدرسة وهو يحدث نفسه ويقول هذه أول الأسباب حب الشكليات والإهتمام فقط بإظهار الأمور بأنها على خير ما يرام وهي في الحقيقة العكس
وصل ناصر لمركز الدفاع وصاحبه بسام يغلي ولا يستطيع أن يخرج ما في قلبه فتحامل على نفسه بإخراج كلمت الشكر لناصر لعدم تأخره
ولكن لم تكتمل فرحة بسام أذ الرقيب ينادي ناصر ويطلب منه الذهاب للعميد صالح
أبتسم ناصر بوجه بسام وقال أمنحي أيضا بضع دقائق فما كان من بسام سوى قول على الرحب والسعة
أتجه ناصر لمكتب العميد وأستأذن للدخول ودخل فرحب به العميد وطلب منه الجلوس ثم قال أعتقد أنك أخذت وقت كافيا للتعرف على المكان وحان الآوان لتنزل للميدان ليتضح لك ويبان اسباب الكوارث التي لا تتضح للعيان فتكشف لنا الأسباب التي تساعدنا على تجنب وقوع الكوارث
نظر ناصر وقال منذ أن تقابلنا وفي نفسي لك سؤال كنت أتمنى أطرحه عليك ولكن تريثت حتى أجد الفرصة المناسبة والآن هو انسب وقت لهذا السؤال
فأنت قلت أن الأسباب واضحة ولا تحتاج لبحث فما الذي دعاك لقول هذا الكلام
صمت العميد صالح ولاحظ ناصر أن الدمع بدأ يخرج من عين صالح
فتكلم صالح وقال فتحت جرح طالما حاولت أن اعالجه ولكن لا جدوى فسوف أروي لك قصة حدثت لي أنا الذي من صميم عمله أن يحتاط لكل الأمور لتجنب في الوقوع في الكوارث
ففي ذات يوم دخلت البيت بعد صلاة الظهر ومعي شخصان من ديرتي تقابلت معهم صدفه في المسجد فأصريت عليهم بالغداء فوافقا لي بعد أن قطعت عليهم جميع الإعتذارت
فلما أدخلتهم المجلس توجهت لزوجتي لتعد القهوة وتجهز الغداء فوجدتها في دورة المياة تسبح أبني ماجد الذي لم يتجاوز عمره السنتان والنص في البانيو فقلت لها بعجل أذهبي واعدي القهوة فنظرت لي وقالت وماجد فقلت سأبقى معه حتى تنتهي من إعداد القهوة فلما ذهبت للمطبخ نظرت لماجد فوجدته جالس في البانيو والماء يصل إلى صدره وهو يلعب بلعبة بيده
فقلت في نفسي لن يصيبه مكروه وذهبت إلى المجلس لأتبادل الحديث مع ضيفايا
وبعد مرور بضع دقائق سمعت صراخ زوجتي فخطر ببالي ماجد فعرفت أنه أصابه مكروه فبدأت امشي بخطوات سريعة فوجدت زوجتي تحمل ماجد ورأسه ينزف دما وأيضا لونه أصبح مزرق
حاولت أن اجعله يتنفس ولكن دون جدوى فقد فارق ماجد الحياة
ذلك أنه لما خرجت أراد أن يتبعني فقام وكان الصابون قد جعل من قاع البانيو لزوجة تجعل من يقف عليه يقع فوقع ماجد وضرب برأسه من الخلف بحافة البانيو فأغمي عليه ليغرق بعدها في الماء
سكت صالح قليلا ثم نظر إلى ناصر ثم قال أتعرف من ماجد فلم يرد ناصر فالدهشة والقصة الحزينة ألجمت لسانه فقال صالح أنه ولدي الوحيد
بدأ ناصر يحاول أن يلملم جروح صالح ويقول هذا قدرا مكتوب ويجب أن ترضى بالقدر خيره وشره
فأجاب صالح ونعم بالله ولكن الله حثنا على بذل الأسباب ونهانا من أن نلقي بأنفسنا إلى التهلكة أتعرف السبب فيما حدث لي قال ناصر ماذا
فقال عدم المبالاة والإستخفاف بصغائر الأمور حتى تصبح كوارث بسبب إهمالنا
ثم قال لنعد لموضوعنا سيكون هذا اليوم آخر يوم تعمل فيه في الحراسات فجهز نفسك لذلك
أستأذن ناصر وخرج وهو شارد الذهن يفكر في كلام العميد وفيما حصل له بسبب الإستخفاف في بعض الأمور
وبدأت ذاكرته ترجعه للوراء لتذكره بجارهم بالحي الذي كان يحب جمع المال ولا يحب صرفه ولا زال يتذكر ذلك اللقاء الذي كان بينهم في أحد محلات السباكة وكان بصحبته أولاده الثلاثة حيث أن الكبير فيهم لا يتجاوز التاسعة
فتقابلا عند المحاسب وكان بيد جارهم نوع من التحويلات الرديئة فحذره ناصر منها ولكن جاره كان ما يهمه سعرها الزهيد فقال ببرود كلها تحويلات لكن ناصر أعاد التحذير وأنه لا سمح الله سيخسر الكثير بسبب هذه التحويلة لكن دون جدوى
وكان الشتاء قارس في تلك السنة فنام ابناء الجار في غرفتهم والدفاية مشبوكة بالكهرباء بواسطة هذه التحويلة وبعد مرور أكثر من خمس ساعات وفي منصف الليل ارتفع حرارة التحويلة مما أدى إلى اشتعالها فأحترق أغلب البيت وأصيبت الأم بحروق بليغة بينما الأب كان لا زال مستلم في عمله فلما وصل إلى بيته ووجد ابناءه الثلاثه قد غطوا بقطع من القماش فلما رفع قطعة الكماش وجد أن النار قد ألتهمت الكثير من اجسادهم
بكى الجار بكاء مرير وعين ناصر تراقبه ويقول في نفسه لو كان يعلم أن التحويلة الرديئة ستفعل به هذا لكن أشترى تحويلة أصلية ولو كلفه راتبه كله
طبعا استيقظ ناصر من سرحانه برؤية بسام هو يبتسم ابتسامة تعبر عن غضب فقال بسام كأنك تأخرت ياصديقي ولكن ناصر كان يشعر بعدم رغبة بإن يعمل الآن فقال له بمكر ما رأيك أن تكمل الدوام حتى صلاة العصر وتحصل بعدها على كل الخطابات التي وقعت عليها وافق بسام دون تردد فكونه يداوم باقي الساعات القليلة ويحصل بعدها على الأوراق التي تمثل اليد التي توجعه التي يمسك بها ناصر
عاد ناصر للبيت وهو يفكر بالغد وما الأمور التي ستحدث له
وبعد أن صلى العصر ذهب ليحضر آخر يوم من الإستلامات على بوابة المركز
فبدأت نظراته تتفحص المكان وكأنها لحظة وداع
وبدأت نظراته تتجه إلى مجموعة من الفتيان أجتمعوا في ملعب كرة القدم ولفت أنتباهه هاشم الذي كان بمثابة القائد الذي يقوم بتوزيع اللاعبين وأيضا ثقته في نفسه في اصدار القرارات ويتضح من خلال جسمه أنه ممارس متميز للرياضة
وبدأت نظرات ناصر تبحث عن حازم ولكن لم يره داخل الملعب ولكن بعد أن كرر البحث مرة ومرتان رأى حازم جالس على كرسي بطرف الملعب وبيده كتاب يقرأه
ومضى الوقت و ناصر يناظر في هذان الأخوان وما قطع مراقبته سوى آذان صلاة المغرب
ومضت آخر ساعات دوام ناصر في الحراسات فبدأ يفكر بالغد وعمله الجديد لكنه طلب من العميد صالح أن يعطيه إجازة ليوم واحد لكي يستعد لعمله الجديد
وفي يوم التالي جاء حازم كعادته ليجلس ويشاهد الفتيان يلعبون وكتابه بيده ولكن ما لبث سوى لحظات سريعة قبل أن يقطع عليه ناصر تأمله
سلم ناصر على حازم وبدأ يتحدث ويقول له أنظر لأخيك هاشم أن لديه ميزتان ليست فيك ألتفت حازم بدهشة وقال ما هي تلك الميزتان فقال ناصر التقة والجسم الرياضي
ثم نظر ناصر لحازم وقال وأنت تتميز عنه بحب المعرفة ولكن ذلك لا يكفي كونك تعرف الصح وليس لديك الثقة بقوله او ليس لديك القدرة الجسمانية بفعله فكأنك تجهل ما تعرفه
نظر حازم لناصر وقال بما تنصحني فأجابه من الغد تمارس الرياضة وأيضا تحاول أن تثق بقدراتك ثم أستأذن ناصر وأنصرف
ومع شروق شمس اليوم التالي أتجه ناصر لمباشرة مهامه الجديدة
وبدأ يتعرف على رفاقه في العمل الذي كان يقودهم الملازم ماجد ويساعده وكيل الرقيب جابر وأيضا كل من الجنود فيصل وهادي وفايز
وبعد أن تعرف عليهم أردف فيصل قائلا مرحبا بك في مهنة الهم والتعب ورفع الضغط
استغرب ناصر من كلام فيصل وقال بل مهنة السعادة والفرحة في مساعدة الناس
نظر جابر إلى ناصر بإبتسامة وبدأ يتحدث بكلمات كلها ثقة قال فيها كلنا كنا في البداية مثلك طموح وحماس في مساعدة الأخرين ولكن الواقع سيصدمك ويجعلك تحبط وتيأس
لم يلتفت ناصر لكلام جابر وبقي في أهبة الاستعداد لأي حاله تحتاج للمساعدة
وبالفعل جاءت أول المهام بإتصال يطلب المساعدة فهناك بيت يحترق فطلب الملازم ماجد من رجاله أن ينطلقوا ليواجه ناصر الواقع بنفسه وكان أول المعوقات التي واجهتهم هو تجمع الناس وعدم فتح طريق تساعد رجال الدفاع المدني من الوصول لموقع الحريق بسهولة فأصبح على ناصر ورفاقه الطلب من الناس التراجع ولكن كل تعبهم اصبح بلا فائدة
فأمر الملازم ماجد أن يركزوا في موقع الحريق ويحاولوا تخليص من كان محجوز داخل البيت وبالفعل تم إخلاء البيت وبدأ ناصر ورفاقه بمحاصرة الحريق ولكن فجأه جاءت سيارة وتوقفت وخرج منها رجل يركض يريد دخول البيت فتبعه ناصر وجابر وبدأ صراع بينهم من أجل أن لا يدخل وبذلوا جهد كبير في جعله يهدأ فبدأ الرجل يسأل عن عائلته فطمأنه ناصر بأنهم بخير وأنهم أخذوا بالإسعاف ليأخذوا بعض الأكسجين وأيضا يتم علاج بعض الحروق الطفيفة
ولكنه لم يكتفي بذلك الخبر فهو يريد أن يدخل البيت من أجل ان يأخد مالا وضعه في دولاب غرفة النوم ولكن أصر جابر و ناصر على منعه وأستعجب ناصر من تفكير هذا الرجل الذي يريد أن يعرض حياته للخطر من أجل فتات الدنيا فما قيمة المال أن فقد الشخص حياته او صحته وعافيته
وبعد إطفاء الحريق بدأ ناصر يلتفت يمين وشمال ويرى كل هذه الحشود التي تراقب فقط ولا تقدم أي مساعده بل تربك رجال الدفاع المدني من تأدية عملهم بالوجه الصحيح
رجع الملازم ماجد ورفاقه إلى المركز فلما وصلوا اتجه ناصر إلى العميد صالح ليطرح فكرة خطرت بباله
فأستمع صالح لناصر وهو يتحدث عن موقف اليوم وعدم وعي الناس وأيضا جهلهم في التصرف الصحيح عند حدوث كوارث فيجب أن نضع دورات تثقفية في المركز ويدعى لها الناس ليصبح لديهم المعرفة الصحيحة في التصرف في حدوث الكوارث
ابتسم صالح وقال قد فعلنا ذلك مرات كثيرة ولم نجد اقبال من المواطنين ومع ذلك أتيح لك فرصة التجربة
ولم ينتظر ناصر كثيرا حتى جهز الإعلانات ونشرها في أرجاء المدينة
وفي أول يوم من ايام الدورة حضر ناصر وكله حماس ولكن فجع لما وجد شخص واحد هو الموجود ولكن كان هذا الشخص يمثل طموح لناصر حيث أن الحاضر هو طالب الثانوية المجتهد حازم
فأن استطاع ناصر جعل حازم مثل يقتدي به الطلاب فأنه سيضمن بذلك جيل جديد يمتلك المعرفة في مواجهة الكوارث
وبدأ ناصر بأول دروسه مع حازم في كيفية منع حدوث حوادث الزيوت المشتعلة وكيف التعامل معها أن حدثت
وبالفعل بدأ حازم يتعلم ويستفيد
ومع مرور الأيام بدأت تثمر الدروس التي تلقاها حازم في مواجهة الكوارث
فكون حازم كان من الطلاب المتميزين تم إختياره من ضمن المشرفين على العاملين في المقصف وأيضا تم اختيار صديقه حسين معه
فكان حازم حريص كل الحرص على تطبيق كل تعليم السلامة التي تعلمها في مركز الدفاع المدني
فلا يسمح للعاملين أن يضعوا الزيت على النار لفترة طويلة وأيضا يتأكد من أن العاملين يغسلوا الخضروات قبل استخدامها في الطبخ وأيضا متابعة نظافة المكان
وأيضا قدم شكوى لإدارة المدرسة بسبب وجود انبوبة الغاز داخل المقصف وطالب بوضعها في مكان آمن
وبالفعل أستجيب لشكوى حازم وتم إخراج انبوبة الغاز خارج المقصف المسافة التي تضمن السلامة من أن تصبح أنبوبة الغاز لغم موقت أن حدث لا سمح حريق داخل المقصف
وكل هذا الجهد الذي يبذله حازم وزميله حسين يراقبه من بعيد وفي أحد أيام إشرافهم أمسك حسين حازم الذي كان كعادته مشغول بمراقبة العاملين وقال له كل هذا المجهود الذي تبذله لا يوازي مكافأتهم(وكان مكافأة عملهم فطور مجاني)
نظر حازم لزميله وقال أن بذل الجهد من أجل سلامة الأخرين شيء يجعلني في غاية السلامة أما الآن لا استطيع مناقشتك لكي لا نخل بعملنا
وحازم يراقب العمل لاحظ إنقطاع الغاز فذهب مع العامل لكي يتأكد من أن العامل ركب أنبوبة الغاز بشكل لا يمكن للغاز أن يتسرب وفي عودته كان العامل قد وضع الزيت على النار ولكون طبق البيض الذي كان يستخدمه أنتهى اتجه لمستودع الاطعمة لجلب طبق ثاني وحسين يشاهد دون حراك
ومع دخول حازم أشتعل الزيت فأرتبك العاملون وخافوا فأتجه حسين إلى وعاء مملوء بالماء يريد أن يطفي الزيت المشتعل ولكن حازم وبصوت مرتفع حذر حسين من سكب الماء على الزيت لأن ذلك يزيد من الإحتراق
فأول ما فعله طلب من المتواجدين إخلاء المكان وأتجه إلى مناشف كان يستخدمها العاملون في التنظيف فأخذها ووضعها في الماء ثم بدأ يضعها على الزيت المشتعل حتى إنطفأت
والطلاب يشاهدون ما حدث من خلال النوافذ التي يباع من خلالها وأعجبوا بتصرف حازم العقلاني والرشيد الذي أخرجهم من كارثة كادت أن تقع
وفي اليوم التالي أتجه ناصر كعادته ليعطي محاضرته التي كان لا يحضرها سوى حازم ولكنه تفاجأ بوجود أثنان مع حازم أعجبوا بتصرف حازم في المقصف طبعا كانا زميلاه حسين الذي كان مشرف معه في المقصف وأيضا أبن عمه سعيد الذي أسعده حسن تصرف أبن عمه
فرح ناصر بهذان الضيفان الجديدان وأستبشر خيرا أن تكتمل حلقات النجاح
وبدأ يعطيهم الإرشادات التي يجب الأخذ بها عند حدوث حريق كبير لا سمح الله
ومرت الأيام ليأتي اليوم الذي يبان فيه نجاح حازم ورفيقيه في الأمتحان فيما تعلموه في كيفية التعامل مع الكوارث
ففي حصة الكيمياء وبعد أن عرض المعلم بعض التفاعلات أمام الطلاب وبعد إنتهاء الحصة أصبح كل ما يهم المعلم هو إخراج الطلاب من المختبر دون أن تصدر منهم مشاكل وأيضا إتكل(أعتمد) على محضر المختبر في إرجاع المواد الكيميائية في مكانها المناسب وإيضا إطفاء موقد النار الذي تجرى عليه التجارب
حيث ترك المعلم المواد الكيميائية بقرب موقد النار المشتعل
وأيضا إتكل محضر المختبر على المعلم في وضع كل شيء مكانه
ومرت دقائق معدودة حتى بدأت المواد الكيميائية ترتفع حرارتها بسبب النار المشتعلة بجوارها حتى انفجرت وأشتعلت النيران في المختبر
بينما كان حازم وحسين وسعيد خارجين من غرفة الموهبين حيث كانوا يقومون بمشروع مجسم إرشادي عن الحرائق وكيفية التعامل معها
حيث لاحظوا خروج دخان كثيف من المختبر فأرتبك سعيد وحسين ولكن بالفور طالبهم حازم بالهدوء وذكرهم بما تعلموه ثم بدأ حازم يوزع المهام حيث أمر أولا أن يخلعوا أشمختهم عنده ثم أمر سعيد بالتوجه إلى مدير المدرسة وأمره بإطلاق جرس الإنذار وأيضا التوجه بعدها وفصل التيار الكهربائي وأيضا الإتصال على 998من اجل استدعاء الدفاع المدني
بينما أمر حسين بالتوجه إلى الدور العلوي وتنظيم إخلاء الطلاب كما أرادها ناصر في الإخلاء التجريبي وهو سينظم الإخلاء في الدور الثاني وبينما حازم يقوم بعملية الإخلاء وهو ينظم عملية الإخلاء شاهد هاشم وأمسك به وطلبه بالتوجه إلى المكان الذي وضع فيه أشمختهم وإغراقها في الماء وأيضا جمع كل الطفايات الموجودة بالمدرسة من أجل إطفاء الحريق
تم إخلاء الطلاب من المدرسة ولكن هذه المرة تم الإخلاء دون ضحكات او تريقات بل تم بوجوه ترى فيها الخوف
ثم أجتمع حازم وهاشم وسعيد وحسين أمام المختبر ووضعوا الأشمخة المبللة بالماء على وجوهم لتلافي الإختناق من الدخان او المواد الكيميائية وأمرهم أن يحاصروا النار من جميع الجهات وأيضا بأن يقفوا عنها على بعد يضمن سلامتهم وجعل هاشم يقف بجواره من أجل تعليمه كيف يستخدم طفاية الحريق وأيضا يحذره من الإقتراب من النار كثيرا
بالطبع وصل الإتصال للدفاع المدني فأتجه الملازم ماجد وفرقته إلى المدرسة وبالطبع كان ناصر معهم فشاهدوا الطلاب قد أصبحوا خارج المدرسة وأيضا المدير والمعلمين ورفاقه فسأل الملازم ماجد هل يوجد أحد بالداخل فأجاب المدير نعم حازم وأخيه هاشم وزميلاه حسين وسعيد
فأستعد رجال المدني للدخول ولكنهم شاهدوا حازم ورفاقه خارجين من مبنى المدرسة فرفع حازم طفاية الحريق وصرخ بأعلى صوته نجحنا في إخماد الحريق فأنطلق المدير والمعلمين والطلاب إليهم وحملوا حازم ورفاقه فوق الأعناق وعاملوهم معاملة الأبطال
وناصر يراقب المشهد بساعدة غامرة وأيضا كان معلم اللغة العربية كان يقف بجوار سور المدرسة يكتب بخطه الجميل بعض الإرشادات ومن ضمنها
كتب بخطه الجميل قبل لحظات من إشتعال الحريق (إذا حدث حريق فأتصل 998 )ولكن بعد أن شاهد ما حدث كتب بجوار هذه العبارة (أو أتصل بحازم)
وبعد أن قضى حازم لحظات من فرح التصفيق والتهاني على عملهم البطولي قابل ناصر فأحتضنه بحرارة وقال ناصر لم يذهب تعبي صدى وشكره على عمله البطولي وبادل حازم الشكر لناصر وقال له هذا بفضل الله ثم بفضل ما تعلمته منك
علم العميد صالح بما حدث وقرر تكريم حازم ورفاقه في مركز الدفاع المدني وأيضا كتب شهادة شكر لناصر على مجهوداته التي بان وأتضح ثمارها
ومع مرور أيام التكريم رجع حازم لمواصلة حضور دورة الدفاع المدني وكان معه أخوه هاشم وزميلاه سعيد وحسين لحضور الدورة ولكنهم أندهشوا لأن كل المقاعد قد أصبحت مشغولة من قبل الناس فبعد أن سمع الناس ما حدث من حازم وعرفوا سر حسن تصرفه قرروا أن يحضروا الدورة هم وأبناؤهم التي ستأهلهم في مواجهة الكوارث
فأضطر ناصر أن يضع فترتين بعد صلاة العصر وبعد صلاة العشاء من أجل تخفيف الزحمة وأيضا ليستفيد الجميع
وبالفعل أنتشرت التوعية والمعرفة بين الناس وأيضا اصبحوا ملمين بقواعد السلامة وقادرين على مكافحة الكوارث ومع ذلك لا زال هناك كوارث تقع في أماكن متعددة
وبعد أن أمضى ناصر أكثر من سنة وهو يبحث عن الأسباب في وقوع الكوارث وأيضا فداحت الخسائر البشرية والمادية التي تخلفها الكوارث حيث دون ناصر نقاطه في ورقة واحدة ووضعها في ملف أسود وطلب من الجهات العليا بإرسال خطاب إخلاء طرفه من أجل تقديم ما توصل له
وبالفعل وصل الخطاب بإنهاء التكليف وبدأت لحظات الوداع وبدأ ناصر يسترجع ذكريات وصوله ويتذكر لحظات الضيق التي مر بها كونه غريب في مدينة لا يوجد فيها قريب ولا صديق
ولم يكن يخطر ببال ناصر أنه سيحزن أن فارق هذه المدينة
سلم العميد صالح على ناصر وأعطاه درع تذكاري يحمل أسماء جميع العاملين في مركز الدفاع المدني الذي بقي بصحبتهم لسنة كاملة وأيضا كان الناس قد جاءوا إلى المركز شاكرين ومودعين ناصر الذي كان له أثر كبير عليهم وكان حازم وهاشم من ضمن المتواجدين فسلم عليهم ناصر بحرارة وقال لهما أنتما بمثابة أخوتي أتمنى لكم مستقبلا زاهر وأيضا اريدكما أن تعداني أن جئتم إلى الرياض أن تزوراني فدمعت عينا حازم وقال أرجوك ابقى معنا لكن ناصر هدأه وقال نحن في وطن واحد والمسافات البعيدة اصبحت قريبة بالوسائل الحديثة فإذا هاشم يمسك رأس ناصر وقال يستحق هذا الرأس أن يقبل فقبله شكرا وعرفان على ما قدمه ناصر له وللناس الذين يعيشوا بهذه المدينة فأتبعه حازم وجميع الحاضرين شعر ناصر بمشاعر جياشة ورغبة بالبكاء فحاول أن يسرع ويغادر المكان قبل أن تفضحه عيونه
وبالفعل أراد أن يرحل لكن هناك شخص أمسك به فنظر فإذا به بسام مبتسم ومعه ورقة وقلم ويقول وقع هنا هذا تعهد منك أنك ستزورنا في أول فرصة تسمح لك فأحتضن ناصر بسام ولم يعد يستطيع حبس عيونه فشعر الجميع بصدق مشاعر ناصر وحبه الكبير للمدينة وأهلها
سافر ناصر من ظهران الجنوب وهو يحمل الحب والعرفان لهذه المدينة كما زرعها في قلوب ساكينيها
وصل ناصر لعاصمة الحب والسلام الرياض فذهب لبيته الذي أشتاق لأهله وأولاده فكيف إلا يشتاق لهم وهم قطعة منه وبعد أن قضى لحظات الفرح بوصوله بالسلامة ذهب لغرفته ليرتاح من تعب السفر وفي اليوم التالي ذهب لمركز الدفاع المدني ومعه ملفه الأسود الذي يحتوي على عدة نقاط
طبعا وصل ناصر إلى سكرتير القائد وأعطاه الملف وأستأذن بالإنصراف
فتح القائد الملف وبدأ يقرأ ما كتبه ناصر وهو كالتالي
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين أما بعد
فبعد جهد سنة كاملة من المعاينة والدراسة اتضح لي بعض الأسباب التي تمثل 90%من مشاكل حدوث الكوارث ويؤسفني أن أقول أن هذه الأسباب ستكون أزلية في مجتمعنا حيث يبان ويتضح جليا الإهمال الشديد من قبل المجتمع في اتخاذ الأسباب التي تساعد على الوقاية من الأخطار وبالإضافة استخفاف المجتمع ببعض إرشادات السلامة فتتحول المشاكل الصغيرة إلى مشاكل كارثية قد تحدث فيها وفيات
أيضا الجهل وعدم المعرفة بالتصرف الصحيح عند حدوث الكوارث بل وعدم المحافظة على الهدوء عند نزول الكوارث الذي يزيد بذلك هول الكارثة
وأخيرا عدم المبالاة بالنصائح التي يقدمها مراكز الدفاع المدني بل وعدم الإصغاء للتحذيرات التي تطلقها مراكز الدفاع المدني
أما الحل فهو سيكون على فترات طويلة جدا حتى تستطيع دورات الإرشاد من مراكز الدفاع المدني من تغيير مفاهيم المجتمع وجعلهم يهتمون بوسائل الوقاية والسلامة فكما قيل الوقاية خير من العلاج
فلهذا فأن الدور المناط لمراكز الدفاع المدني سيواجهه معوقات كبيرة جدا وتحديات صعبة تحتاج لصبر وعدم يأس وفي الختام أسأل الله أن يعينكم على تأدية واجبكم على أكمل وجه
محب الوطن
الباحث الإجتماعي
ناصر
|