كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
قال رفيقها وهو يبدو مسرورا الان :
"حسنا ؟ هل هذا يقنعك بان دوافعي كانت معقولة؟".
هزت مادلين كتفيها ، وقالت:
"بالطبع ، معذرة لأنني قفزت الى النتائج ، ولكن الدراجة البخارية ليس لها في الواقع قوة فرامل سيارة مثل هذه".
قالت ذلك وهي تشير نحو السيارة.
إنحنى الرجل برأسه ، ثم قال متأخرا قليلا:
" هل اصبت؟".
لم تستطع مادلين أن تكتم إبتسامة ، وقالت وهي تهز راسها:
" لا ، أشكرك ، فإنني لا أزال قطعة واحدة ! خير لك أن تفحص سيارتك ، فالأرجح أن تكون في حاجة الى إصلاح".
إبتسم كذلك بشيء من السخرية ، ووجدت مادلين نفسها تفكر كم هو جذاب ، كان طويلا ذا منكبين عريضين يستدقان الى ردفين نحيلين ، وكان أسمر البشرة بفعل الشمس ، وكانت عيناه زرقاوين غامقتين ، وشعره اسود فاحما ، وهذا ما جعل مادلين تفكر في انه ربما اسبانيا او إيطاليا ،وكان يتحرك برشاقة وسهولة ، وكان سلوكه المتراخي ، يخفي وراءه فيما يبدو حيوية مكبوحة ، وكانت حياكة بذلته خالية من العيوب ، حاكتها كما هو واضح يد صانع ماهر ، وكانت لكنته الضئيلة وتمكنه الممتاز من الإنكليزية يشيران فيما يبدو الى أنه تلقى تعليما باهظ التكاليف ، وتساءلت من يكون ، فقد كانت تعرف بمجرد المظهر معظم ذوي الثراء في أوتيرييري ، ولكن هذا الرجل غريب.
قال وكأنه يدرك خواطرها.
" إنني مرتبط بمصنع شريدان ، ولهذا فلا أكاد أعتقد أننا يجب ان نشغل انفسنا بإصلاح سيارتي وهي لم تتأثر كثيرا ، كما ترين".
كان شريدان مصنع السيارات الذي يقع على الطريق مؤسسة إيطالية أمريكية ، وأول مشروع مشترك من نوعه للإيطاليين والأميركيين في انكلترا ، وكان هذا يفسر لكنته أيضا فيما يبدو، من الواضح انه ينحدر من أصل إيطالي ، ولكنه قضى اعواما كثيرة في الولايات المتحدة على الأرجح.
قالت مادلين ذلك وهي تنحني لترفع دراجتها البخارية وتلتقط حقيبتها ، التي كانت لحسن الحظ مغلقة ، ولكن الرجل حال بينها وبين ذلك ، ورفع الدراجة البخارية بلا جهد وتفحصها بعين خبيرة ,وقال :
" دراجتك البخارية تبدو سليمة ، وإذا حدث فيها شيء فما عليك إلا ان تحدثينا تلفونيا ، وساعمل على إصلاحها".
واعطاها الرقم.
شكرته مادلين ، وهي تفكر الآن كم تبدو مشعثة الشعر مغضنة الملابس ، وبينما كان يسلمها الدراجة البخارية ، كانت تدرك تماما لغة عينيه وهما تطريانها بشكل ساخر ، وشعرت بوجنتيها تتوهجان من فرط الحرج.
قالت متلعثمة:
" اش كرك........".
ثم دفعت بقدمها آداة التشغيل ، وإرتاحت لأنها عملت من أول مرة ، وقالت وهي تجلس عليها :
" وداعا........".
" الى اللقاء يا؟ مس...مس؟".
قال ذلك وإبتسم وهو ينتظر إجابتها.
قالت تصححه:
" إن الإسم هو مسز سكوت".
ثم إنطلقت وهي تبتسم إبتسامة يسيرة ، وتعي عينيه وهما ترقبانها إذ تنطلق على الطريق ، وتمنت وهي تفعل ذلك ألا ترتكب اخطاء اخرى.
وخلال ثوان كان يمر مسرعا بجوارها وهو يرفع يده لإشعارها بوجوده ، فلم تلبث أن شعرت بنفسها تسترخي مرة اخرى.
وعندما هبطت الى وسط أوتيرييري ، إنعطفت يمينا عند إشارة المرور صوب هاينوك ،وكانت هاينوك إحدى ضواحي اوتيرييري ، وقد قام فيها عدد كبير من المساكن الجديدة ، بما فيها مجمّع الشقق الذي كانت تقيم فيه مادلين مع إبنتها ديانا وكانت الشقق في ايفنوود غاردنز تطل على نهر أوتر ، وشعرت مادلين بغمرة سرور عندما وصلت الى بيتها ، كانت شقة لطيفة كما كانت اوتيرييري نفسها بلدة بهيجة.
كانت الشقة في الطابق الأول ، وبينما كانت تفتح الباب وتدلف الى المدخل الصغير ، نادت:
" ديانا..... هل انت في البيت؟".
لم ياتها ردا فأغلقت الباب وخلعت سترتها ،وكانت غرفة الجلوس مفتوحة على المدخل ، وهي غرفة كبيرة ذات جدران ملساء مطلية بالغراء زيّنتها مادلين بعدة لوحات معدنية ، وكانت سجادة الحائط ، التي أنفقت فيها مادلين كثيرا من مدخراتها ، ذات لون ياقوتي أزرق .... وكانت التدفئة كلها كهربائية ، للسف لأن مادلين كانت تفضل نيران المدفأة المكشوفة في غرفة واحدة على القل ، وهنا أدارت مادلين صمام تشغيل شبكة التدفئة لأنه بالرغم من ان الغرفة كانت دافئة بالمقارنة مع الهواء ابارد في الخارج ، إلا أن دفئها لم يكن مريحا ، وكان جو الغرفة اليفا ، وثمة خزانة للصيني تضم قطعا قليلة من الصيني والزجاج الممتاز ، أما باقي المنزل فكان مملوءا برفوف الكتب الحافلة بدورها بالروايات ، وجهاز تلفزيون وجهاز موسيقى يخص ديانا كان موضوعا على منضدة في فجوة في الجدار وبجوارها مجموعة من اسطوانات الموسيقى الحديثة.
أشعلت مادلين سيكارة وادارت التلفزيون ، كانت قد تسوقت في وقت الغداء ، وجلبت بعضا من قطع اللحم التي إشترتها للعشاء ولا يستغرق طهوها وقتا طويلا ، وحملت حقيبة التسوق ومرّت بها الى المطبخ الذي كان مفتوحا على غرفة الجلوس ، وكان صغيرا جدا ، وأخرجت الطعام ووضعت الغلاية على النار ، ثم عادت الى غرفة الجلوس ، كان الوقت يقارب السادسة ، لهذا لم يكن لديانا ان تغيب طويلا.
دخلت غرفة النوم التي كانت تتقاسمها مع ديانا ، لم يكن هناك إلا غرفة نوم واحدة بحمام صغير وخزانة ملاصقة ، وكانت الشقق مخصصة في الحقيقة لشخص واحد ، لأن الشقة التي يوجد فيها غرفتان للنوم يزيد إيجارها عن عشرة جنيهات في الأسبوع ، كان على مادلين أن تقنع بالشقة التي فيها غرفة نوم واحدة ، ولمتكن هي لتعبأ بهذا ولكن ديانا كانت تقترب الآن من سن تجعلها تعترض على ألا تكون لها غرفة نوم خاصة ، ومع ذلك فعندما وصلا الى اوتيرييري بعد وفاة جو ، كانت مادلين تشعر بالشكر والحمد إذ اصبح لهما مكان يخصهما.
|