كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
وخفت كثافة الأشجار ووجدت نفسها بعد لحظة في مكان فسيح ، وتطلعت بإعياء حولها فشاهدت بفرح وإرتياح ضوءا على البعد القريب ، على مسافة حقل او نحو ذلك ، ولم تكن الظلمة أمامها لتظهر لها شيئا يحول بينها وبين الخلاص فبدأت تعدو نحو مصدر الضوء.
وما لبث جيف أن خرج من أيكة الشجر بعدها بثوان ، كان غضبه قد إنقضى الان، غسله المطر الذي يبعث البرد في الأبدان ، وكان يلعن نفسه على حماقة تصرفه ، كانت ديانا مذعورة وسيطر عليها الهلع ، وشعر بالخجل لأن الغلطة كانت غلطته ، ولكن بقاءه هناك ، جالسا يستمع اليها بهدوء وهي تخرجه من حياتها ، اشعل غضبه فقرر ان يلقنها درسا ، ولكن هل يمكن ان تصدق انه كان يقصد مجرد إخافتها؟ كان يجد ربه أن يدرك ، بعدما أخبرته ، أنها لم تكن في مزاج يسمح له باللهو معها ، وأحس بانه أحمق تماما ، يا للمسكينة ، لا بد أنها فقدت نصف حواسها من الذعر.
وإستطاع الان أن يرى شبحها أمامه فبدأ يعدو نحوها ، وفجأة سمعها تصرخ صرخة عالية ثم تختفي ، فتوقف فجأة ، وقلبه يخفق بشدة ، وعرق بارد يغمر جسده ، ماذا حدث يا لله؟
وبشعور الخوف قفز المسافة التي كانت بينه وبين المكان الذي إختفت فيه ديانا ، وسار بحذر وهو يقترب من البقعة ، ويشعر بالحصباء تحت قدميه بدل العشب الطري الذي كان يعدو فوقه ، وبدأت عيناه تعتادان الظلمة قليلا فحاول ان يمد بصره الى ما حوله ، والى حيث سقطت ديانا.
وإستطاع بصعوبة أن يتبين حوله الآن أشكال مركبات وآليات ضخمة بدت له إما مركبات أو ناقلات قمامة أو ربما حتى حاملات نقالة وكانت الرؤية عسيرة، وهذا المطر لا يزال يمحو كل شيء ، ولكنه أدرك بالتدريج ، وبالتركيز على بقعة واحدة ، ان الأرض تنحدر من تحته بشدة الى ما يشبه محجرا لا بد أن ديانا سقطت في الهوة ، ويمكن أن تكون قد ماتت!
إنثنى على ركبتيه وإنحنى على حافة المحجر ونادى:
" ديانا.... ديانا! هل تسمعينني ؟ إذا إستطعت سماعي فردّي عليّ كرامة له!".
كان صدى صوته يكتمه المطر ، ولكن من المحقق أنه لم تكن هناك إجابة ، وكرر توسله مرة أخرى ، ولكن لا شيء يجيبه إلا الصمت من جديد يقطعه تساقط المطر ، فنهض مرتعدا ووقف يستجمع أفكاره ، وهو لا يتبيّن ماذا سيفعله من بعد ، كان لا بد أن يحصل على نجدة ، وبسرعة ، ولكن كيف؟
تطلع حوله ، كان المحجر ضخما ،ولم تكن هناك فائدة من العثور على طريق من حوله ، وربما المخاطرة بالسقوط فيه ، كلا ، إن أفضل حل باق هو العودة الى السيارة وقيادتها الى أقرب هاتف ، وطلب سيارة إسعاف.
وركض عائدا بإضطراب بعدما إتخذ قراره ، ويداه تحتكان بالأغصان ، وهو يسقط بطوله أحيانا في العشب الكثيف ، ووصل أخيرا الى السياج وشق فيه طريقه الى الحافة العشبية حيث أوقف السيارة ، وحاول تشغيلها فلم تستجب ، وإنتابه الذعر وتذكر برك الماء التي كان يخوض فيها عندما أوقف السيارة ، فأدرك ان الماء بلل بعض مناطق الإشتعال ،وكان لا بد أن يمر عليها وقت لتجف فخرج من السيارة وتطلع في إتجاهي الطريق ، كانت هناك سيارات كثيرة تمر من قبل ، ولا بد ان تأتي سيارة في إتجاهه ، وبالفعل ، بدت على البعد سيارة آتية من لندن ، فإتخذ مكانه في وسط الطريق وأخذ يلوح بذراعيه بشدة ، لا بد أن يروه ، لا بد ان يتوقفوا !
ابطأت السيارة عندما لمح راكبوها جيف على ضوء المصباحين الأماميين وإقتربت منه فتنفس الصعداء وعاد اليها ملهوفا ، وصاح أمام رجل وإمراة كانا يجلسان مدهوشين في السيارة.
" وقع حادث ، فهل تستطيع توصيلي الى أقرب هاتف؟".
كان نيكولاس يقود سيارته ببطء وأنوارها الأمامية تضيء الطريق بوضوح تام ، أما مادلين فكانت تجلس بجواره متوترة الأعصاب ، غمغمت في قلق:
" إنها لن تشكرنا على اننا سعينا وراءها".
" يا عزيزتي مادلين ، لا أهتم في هذه الحظة أبدا بمشاعر ديانا ، ليس من حقها أن تختفي على هذا النحو؟".
تنهدت مادلين قائلة:
" اعتقد انك على صواب ، ولكنني سأكون مسرورة إذا وجدتها في أي حال".
وفجأة تصلب نيكولاس في مقعده ، وهتف:
" أليس هذا هو الفتى الذي كانت معه؟".
كانا يقتربان من سيارة تقف على الجانب الآخر من الطريق ، وكان هناك فتى يتحدث الى السائق ، وقد بدا مبتلا ومتسخا... من المؤكد أنه جيف.
بردت أطراف مادلين وصاحت:
" اوه يا نيكولاس ، هل تعتقد أنه وقع حادث ؟ اين ديانا؟"
" سنعرف ذلك فورا".
كان نيكولاس قد أوقف السيارة قبل أن تخرج الكلمات من فمه ، وعبر الطريق بسرعة الى السيارة الأخرى التي كان جيف على وشك أن يركبها ، تطلع جيف اليهما في هلع ، وهو لا يكاد يصدق أنهما شاهداه ، وكانت مادلين قد جاءت خلف نيكولاس مباشرة:
" سيد فيتال ... سيدة سكوت !".
أغلق باب السيارة مرة أخرى وأخذ ينظر الى السائق حائرا ، وصاح:
" لقد... لقد وقع حادث .... سقطت ديانا في أحد المحاجر!".
" ماذا؟".
هتفت مادلين بالسؤال وهي تشعر بأنها أقرب الى الإغماء والموت، ولكنها بذلت كل ما تملك من جهد لتبقى في وعيها ، وقال نيكولاس بهدوء لها:
" إثبتي...".
ثم إلتفت الى جيف قائلا:
" كم يبعد هذا المحجر من هنا؟".
" إنه ليس .... ليس ببعيد .... عبر هذه الأيكة من الأشجار".
صاحت مادلين في عجب وحيرة:
" وماذا كنتما تفعلان بحق السماء قرب المحجر؟".
" فيما بعد.... فيما بعد".
قال نيكولاس ذلك وهو يضغط ذراعها للحظة ، ثم سأل جيف:
" أين كنت ذاهبا؟".
" هذه السيارة هناك... تحت تلك الأشجار ... لم استطع تشغيلها ، فأشرت الى هؤلاء الناس ، وكنت ذاهبا في طلب النجدة".
|