كاتب الموضوع :
عهد Amsdsei
المنتدى :
ملف المستقبل
السلام عليكم
الفصل السادس ... الهجوم
الفصل السادس ... الهجوم
التقى حاجبا القائد الأعلى للمخابرات العلمية فى شدة، وهو يطالع شاشات المراقبة، للأقمار الصناعية، التى تركًَّزت على المنطقة، التى اتجه إليها فريق (نور)، فى جبل المقطًَّم، وقال للدكتور (فريد)، وهو يشير إلى الشاشات فى عصبية :
- من الواضح أن قتالاً يدور هناك.
بدا صوت الدكتور (فريد) شديد التوتر، وهو يغمغم :
- إنه مخبأ خصومنا ولا شك .
ثم أضاف فى انفعال :
- ينبغى أن تصدر الاوامر بهجوم شامل يا سيًَّدى ... وفوراً .
صمت القائد الاعلى لحظات مفكًَّراً، قبل أن يتراجع فى مقعده، قائلاً:
- ولكن لماذا لم يطلب (نور) شن هذا الهجوم ؟!
أجابه الدكتور (فريد) فى عصبية:
- ربما فقد وسيلة الاتصال ... أو لم يجد الوقت لهذا .
أشار القائد الأعلى بسبًَّابته، قائلاً فى حزم :
- أو وجد أنه من الخطورة أن نفعل هذا .
هتف الدكتور (فريد) :
- إنه مجًَّرد احتمال .
قال القائد الأعلى بنفس الحزم :
كل شئ مجًَّرد احتمال .
قال الدكتور (فريد) فى انفعال :
- معذرة يا سيادة القائد الأعلى، ولكن المنطق العلمى يقول: إننا نواجه خطراً داهماً، على كوكبنا كله، وعلى مستقبل بقاء الجنس البشرى عليه، ولو أنه هناك احتمال، حتى لدمار المنطقة كلها، وفناء فريق المقدًَّم (نور)، فهذا لا يساوى شيئاً، مقارنة بفناء حضارة كاملة .
انعقد حاجبا القائد الأعلى فى صرامة، وهو يقول:
- وما أدراك أن أى هجوم شامل، لن يؤدى إلا إلى الإسراع بهذا الفناء؟!
امتقع وجه الدكتور (فريد) دون ان يجيب، فى حين أضاف القائد الاعلى، فى مزيج من الحزم والصرامة:
- أليس هذا أيضاً من المنطق العلمى؟!
صمت الدكتور (فريد) بضع لحظات، قبل أن يغمغم :
- علينا ان نستعد على الأقل.
تراجع القائد الأعلى فى مقعده، وهو يقول :
- فى هذا أنت على حق ...
ثم ضغط أحد الأزرار العديدة امامه، وهو يضيف:
- سأعقد اجتماعاً فورياً، مع كافة القادة؛ لوضع كل القوات على أهبة الاستعداد، للتدخل الفورى .
وصمت لحظة، ثم أضاف بمنتهى الحزم :
- فى حالة فشل فريق (نور) .
قاله، والشاشات تنقل إليه ما يوحى بأن فشل الفريق صار قاب قوسين ...
أو أدنى ...
كثيراً ...
* * *
كان الهجوم عنيفاً ومباغتاً بحق...
ووفقاً لخطة مدروسة ...
فالمقاتلون الثلاثة، الذين أرسلهم الجنرال، بدأوا القتال، فور خروجهم من ذلك النفق ...
وتوجهوا نحو أهداف بعينها ...
فعقب ذلك الانفجار، الذى أطاح بجسد (أكرم) بعيداً، وأسقطه فوق كومة من الصخور، التى ارتطم بها فى عنف، أفقده الوعى، انقض الثلاثة نحو أهدافهم، التى من الواضح أنهم قد حددًَّوها بدقة ...
لقد اطلق أحدهم فقًَّاعة اخرى، نسفت جهاز (سلوى)، الذى يطلق تلك الموجات الصوتية الفائقة، ونسف الثانى جهاز (نشوى)، فى حين أطلق الثالث فقًَّاعة أكثر قوة، انفجرت عند قدمى (نور) تماماً، وألقت به بعيداً ...
وعلى الرغم من آلامه، والدوار الذى شعر به، تحامل (نور) على جسده لينهض، وهو يسحب مسدسه الليزرى، و ...
ولكنه لم يطلق منه طلقة واحدة ...
فعندما استعاد توازنه، كان المقاتلون الغزاة الثلاثة، يصوًَّبون أسلحتهم نحو زوجته وابنته وزميله (رمزى) الذى غمغم فى مرارة، وهو يرفع يديه مستسلماً:
- لقد باغتونا يا (نور) .
نقل (نور) بصره بين الجميع، قبل ان يقول فى هدوء عجيب، لا يتناسب مع الموقف :
- ولكنهم لم يقتلونا .
لم يفهم ثلاثتهم سر هدوئه، أاو المغزى من عبارته، إلا أنه خفض مسدسه، وهو يقول بنفس الهدوء:
- حسناً... إننا نستسلم .
غمغمت (نشوى) فى دهشة :
- بهذه البساطة يا أبى ؟!
هزًَّ كتفيه، قائلاً :
- وماذا بيدينا لنفعله ؟!
كان من الواضح أن المهاجمون الثلاثة لم يفهموا حرفاً واحداً مما قال؛ إذ أن كل ما فعلوه هو أن أشار احدهم إلى النفق فى صرامة، وكأنه يامرهم بدخوله، فغمغم (نور)، وعلى شفتيه ابتسامة غامضة:
- هذا ما توقعته .
وفى هدوء، اتجه إلى مدخل النفق، مفلتاً مسدسه الليزرى، الذى سقط ارضاً، واستقر بين الصخور، فتمتمت (سلوى)، وهى تتبعه:
- ماذا يدور فى ذهنك يا (نور)؟!
أجابها بنفس الهدوء العجيب:
- الكثير .
ثم أضاف، وهو يسير مع رفاقه عبر النفق، وخلفهم الغزاة الثلاثة، يصوبون إليهن أسلحتهم:
- إنهم لم يحاولوا قتلنا .
انعقد حاجبا (رمزى)، وهو يدرس موقف (نور)، فى حين حمل رأس (نشوى) تساؤلاً واحداً ...
كيف ترك هؤلاء الغزاة خلفهم أقوى أسلحة الفريق ؟!...
(أكرم) ...
كيف تركوه؟!...
كيف؟!...
* * *
" أغبياء ..."
نطقها الجنرال فى صرامة شديدة، وهو يواجه العالمين المصريين بوجه شرس، قبل ان يضيف فى قسوة:
- كان يمكنكما تفادى كل هذا العذاب؛ لو انكما تعاونتما بصدق من البداية .
غمغم الدكتور (كمال) فى تهالك:
- إنه مصير كوكبنا كله .
أجابه بنفس القسوة:
- مراقبتنا لكم أيها البشر، أنبأتنا ان اجسادكم يمكنها التكيف مع كل أحوال الطقس ...هناك بعضكم يحيا فى مناطق شديدة الحرارة، وآخرون فى قلب الصقيع .
قال الدكتور (ريمون)، وهو يحاول استعادة تماسكه :
- كل هذا فى ظل توازن شمسى، تحاولون أنتم الإخلال به .
اجابه فى صرامة:
- إننا نحاول انقاذ شعبنا .
قال الدكتور (كمال)، فى شئ من الحدة :
- عبر إفناء شعب آخر .
مطًَّ الجنرال شفتيه الرفيعتين فى ازدراء، دون ان يجيب، فقال الدكتور (ريمون) فى عصبية:
- ولماذا لا نجد وسيلة للتعايش؟!...مادمتم اعتدتم على العيش فى هذا الصقيع، يمكنكم استيطان المناطق شديدة البرودة على كوكبنا.
قال الجنرال، فى خشونة:
- ثم ماذا؟!
أجابه الدكتور (كمال):
- ثم يحيا كل منا فى سلام، بدلاً من أن يفنى احدنا الآخر .
اندفع (أيسول) يقول فى حدة:
- هراء.
التفت إليه العالمان فى دهشة، فاستطرد بنفس الحدة:
- لقد راقبناكم طويلاً؛ لندرك أنكم تشبهوننا كثيراً، من هذه الناحية ... أنتم لا تقبلون أبداً بفكرة تعايش الشعوب، مع بعضها البعض ... أنتم تؤمنون مثلنا، بأحقية الأقوياء فقط فى البقاء .
غمغم الدكتور (ريمون)، فى دهشة مستنكرة:
أى قول هذا؟!
أجابه الدكتور (كمال) فى أسى:
- إنهم على حق فى هذا يا رجل ...راجع تاريخنا، وستجد أنهم على حق ... سياسة البشر، منذ بدء الخليقة، هى السيطرة ... وكل حروب الارض كانت من أجل هذا ... كل كيان يشعر بالقوة، أو يمتلك ما يفوق غيره، يسعى لاحتلال أراضى الغير بالقوة ... راجع ما فعله (المغول) و(التتار)، وما فعلته (إسرائيل) فى (فلسطين)، و(أمريكا) فى (أفغانستان) و(العراق)، وحتى مع السكان الأمريكيين الأصليين .
ثم خفض رأسه فى خزى، مستطرداً فى مرارة :
- إنهم على حق .
لم يحر الدكتور (ريمون) جواباً، فى حين قال (أيسول) بنفس الحدة:
- لو أننا انخدعنا بقولكم، وقبلنا بفكرة التعايش السخيفة هذه، لن يلبث البشر أن يشعروا بأننا غرباء، يحتلون مساحة من كوكبهم، وأن عاجلاً أو أجلاً، ستنشب الحروب بيننا، ونصل إلى النتيجة الحتمية نفسها .
وقست كلماته بشدة، وهو يضيف :
- أن نفنيكم عن آخركم؛ ليحيا شعبنا فى أمان.
" نسيت أمراً هاماً يا هذا ..."..
انبعث الصوت من نهاية كهف الجليد فجأة، على نحو جعل الجميع يلتفتون إلى مصدره فى حركة واحدة، بدا بعدها الغضب على وجهى الجنرال و(أيسول)، وهما يتطلًَّان إلى (نور) و(رمزى) و(سلوى) و(نشوى)، الذين اقتادهم الغزاة الثلاثة إلى داخل الكهف شديد البرودة، و(نور) يضيف بنفس الهدوء، وهو يتأمًَّل الثلوج، التى تغطى جدران الكهف وتتدلًَّى كالعناقيد من سقفه:
- نسيتم أنه كوكبنا نحن، ولنا وحدنا حق الحياة عليه، واختيار من يشاركنا هذه الحياة .
قال الجنرال فى غضب شديد، ولهجة عنيفة شرسة:
- من سمح لك بالكلام أيها الأسير؟!
كان المكان شديد البرودة، حتى أن أسنان (نور) ورفاقه كانت تصطك ببعضها البعض، إلا أن (نور) بدا صارماً، وهو يقول:
- أليس من الوقاحة ان تأتى إلى عالمى، وتحاول فرض إرادتك عليه بالقوة؟!
تملًَّك العالمان المصريان شعور بالدهشة والاحباط، مع رؤية (نور) وفريقه، فى حين شعرت (سلوى) و(نشوى) بالخوف، مع مرآى تلك المخلوقات، ذات البشرة الزرقاء والروءس الصلعاء، والتى تنتشر فى المكان، الذى توسًَّطه جهاز (أتوترون)، وتراصت حوله أجهزة عجيبة، لا تنتمى إلى عالمهما، وبدا (رمزى) شديد الاهتمام، بمتابعة كل هذا، على عكس (نور)، الذى بدا وكأنه لم يندهش مما حوله، أو حتى من هيئة تلك المخلوقات، وهو يقف فى صلابة، على الرغم من البرد القارص، فى مواجهة الجنرال، الذى بدا شديد الشراسة، وهو يقول :
- بعد أيام من زمنكم الأرضى، لن يصبح هذا عالمكم، بل عالمنا نحن.
أشار (نور) بيده، قائلاً فى حزم:
- ولكنه، وحتى هذه اللحظة، مازال عالمنا.
مطًَّ (أيسول) شفتيه، وهو يسحب سلاحه بحركة حادة، قائلاً:
- هراء ... إنها مسألة ...
قاطعه الجنرال فجأة، قبل أن يتم عبارته:
- مهلاً ... ينقصهم شخص آخر .
ثم التفت إلى الغزاة الثلاثة، الذين شنوا الهجوم، مستطرداً بلغته العجيبة:
- ما رأيته على الشاشة، كان ثلاثة رجال وامرأتين من البشر، ولست أرى هنا سوى رجلين وامرأتين... أين الرجل الثالث؟!
تلفًَّت الرجال حولهم فى انزعاج، وقد انتبهوا فى تلك اللحظة فقط، إلى أنهم لم يحضروا (أكرم)...
كان الانفجار الأوًَّلى قد أطاح به بعيداً، بحيث غاب عن بصرهم، عندما بدأوا هجومهم...
ولهذا لم ينتبهوا إليه ...
وفى غضب هادر، صرخ فيهم الجنرال، بلغتهم غير الأرضية:
- اذهبوا واحضروا الرجل الثالث...فوراً .
اندفع الغزاة الثلاثة عائدين إلى الخارج، فى حين صوًَّب (أيسول) سلاحه إلى (نور) ورفاقه الثلاثة، قائلاً فى عصبية:
- لو أردت رأيى يا جنرال، فمن الخطر وجود كل هذا العدد من البشر هنا ... الأفضل أن نتخلًَّص منهم على الفور.
أجابه الجنرال فى صرامة، بلغتهم غير الأرضية:
- لست أريد رأيك.
لم يفهم نور حديثهم بالطبع، ولكن (رمزى) غمغم:
- لو أن تحليلهم النفسى يتوافق معنا، فذلك الذى يصوًَّب سلاحه إلينا يرغب فى التخلص منا، وقائده يرفض هذا.
غمغم (نور) بنفس الهدوء، الذى لا يفهم رفاقه سببه:
- لو أرادوا قتلنا، لفعلوها فى الخارج يا صديقى.
سألته (سلوى) بصوت خافت مرتجف:
- ماذا يريدون منا إذن يا (نور)؟!
أجابها فى هدوء مستفز:
- تعذيبنا.
واتسعت عيون الرفاق الثلاثة فى دهشة مذعورة.
فقد كان جواب (نور) مخيفاً...
إلى أقصى حد ...
* * *
ساد توتر ملحوظ، حجرة الاجتماعات البلوًَّرية، فى مبنى المخابرات العلمية، عندما شرح القائد الأعلى الموقف للقادة العسكريين، الذين التفوا حول مائدة زجاجية كبيرة، بعد ان شاهدوا كل الافلام والصور، التى تروى ما حدث، وقال قائد الطيران فى انفعال:
- لو أردتم رأيى، فلابد من شن هجوم جوى فوراً، على تلك المنطقة، بعد إخلاء السكان منها؛ مهما كانت النتائج.
أشار القائد الأعلى بيده، قائلاً:
- لا تنس أنهم مازالوا يمتلكون جهاز (أتوترون)، وطاقته السلبية، القادرة على سحب طاقة من كل مقاتلاتنا، وإسقاطها بلا قتال.
تراجع قائد الطيران، وهو يعقد حاجبيه بشدة، فى حين اندفع قائد المشاة يقول فى حزم وتوتر:
- وماذا عن هجوم برى شامل... وأيضاً بعد إخلاء المنطقة؟!
أجابه الدكتور (فريد)، والذى بدا أكثر الجميع توتراً:
- طلقة واحدة من (أتوتورن)، كفيلة بإفناء كل قوات الهجوم، فى لحظة واحدة.
نهض قائد المدرًَّعات الفائقة، يقول فى حدة:
- لماذا دعوتمونا إلى هذا الاجتماع إذن، مادمتم ترون أنه ما من جدوى من الهجوم، أياً كانت نوعيته وكثافته.
قال القائد الأعلى، محاولاً الحفاظ على تماسكه:
- إننا لم نقل هذا، ولكن علينا تحذيركم من كافة الاحتمالات.
ثم أشار إلى الدكتور (فريد) مضيفاً:
- ثم أن رئيس فريق العلماء لديه نظرية مختلفة.
استدارت العيون كلها إلى الدكتور (فريد)، الذى تنحنح فى توتر، قبل أن يقول:
- أولئك الغزاة اختطفوا العالمين، اللذين وضعا فكرة الطاقة السلبية وتصميم الـ(أتوترون)، وهذا يعنى أنهم إما عجزوا عن تطوير الجهاز، أو عن توليد المزيد من الطاقة، وهذه مجًَّرد نظرية، لو صحت، فستكون لدينا فرصة للتخطيط لهجوم شامل سريع.
بدا أركان حرب القوات المسلحة عصبياً، وهو يقول:
- لست أفهم هذا !!... هل سنشن الهجوم أم لا؟!
اعتدل القائد الأعلى، وهو يقول:
- بل سنشن الهجوم، ولكن ليس بالسرعة التى تتصوًَّرونها، على الرغم من نظرية الدكتور (فريد).
أطل التساؤل من عيون الجميع فى حيرة، فتابع فى حزم:
- الواقع أن الاحداث قد بدأت بالفعل، وفقاً للخطة.
وفى حسم، بدأ يشرح لهم خطة المخابرات العلمية...
وتحوًَّل التساؤل فى العيون، إلى دهشة عارمة...
دهشة بلا حدود...
على الإطلاق...
* * *
" مهلاً ..."
قالها الجنرال فجأة، وعلامات الغضب والتفكير العميق تملأ ملامحه، قبل أن يرفع عينيه المخيفتين إلى (نور)، مستطرداً فى صرامة:
- لماذا أنت هادئ إلى هذا الحد؟!
اندفع (رمزى) يجيب:
- هذه طبيعة (نور) ... إنه...
صرخ الجنرال فى وجهه فى شراسة:
- اصمت .
تراجع (رمزى) فى توتر شديد، وشعرت (سلوى) و(نشوى) بالقلق والخوف، فى حين ظلًَّ (نور) هادئاً، وهو يقول:
- ولماذا لا أكون كذلك؟!
اتجه الجنرال نحوه، ومال عليه بشدة، حتى ان أنفاسه الباردة كالثلج، قد ارتطمت بوجه (نور) فزادت من شعوره بالبرد القارص، والجنرال يقول فى قسوة:
لأن هذا يخالف طبيعتكم، التى درسناها لسنوات أيها البشر...
لم يتراجع (نور) امام نظرات الجنرال الوحشية القاسية، ولا أنفاسه قارصة البرودة، وإنما ظل هادئاً متماسكاً، على نحو أدهش رفاقه أنفسهم، فى حين واصل الجنرال، فى قسوة منفعلة:
فكما تبدو لنا هيئتكم قبيحة، تبدو لكم هيئتنا مخيفة، وعلى الرغم من هذا، فرؤيتنا أزعجت رفاقك، دون أن تؤثر بك على الإطلاق!
غمغمت (نشوى) فى غضب مستنكر:
- نحن هيئتنا قبيحة ؟!
وقال (نور)، وهو يواجهه فى ثبات:
فى عقيدتنا، لا توجد مخلوقات لله عزًَّ وجلًَّ، ذات هيئة قبيحة؛ فكل مخلوقاته سبحانه وتعالى جميلة، ولكن كل منها يناسب البيئة التى خلق لها، وخلقت له.
ثم أدار عينيه فى الغزاة، الذين يملأون المكان، متابعاً:
- حياتكم فى بيئة قارصة البرودة، جعلتكم أشبه بالمخلوقات ذات الدم البارد فى عالمنا، مثل الزواحف وبعض الحشرات *، ومنحت بشرتكم ذلك اللون الأزرق، كنتيجة لقلة الاكسجين، الذى تحتاجه أجسادكم، وذلك الرأس الأصلع، مع عجز الشعر عن النموعليه، فى الطقس شديد البرودة.
غمغم الجنرال، وهو يتفحص ملامح (نور) وانفعالاته بمنتهى الدقة:
- أخطأت فيما يتعلق بدمائنا أيها الأرضى.
هزًَّ (نور) رأسه نفياً فى هدوء، وقال:
- كنت اتحًَّدث عن الهيئة الخارجية فحسب، ولكن من المحتم أن تكونوا مثلنا، من ذوى الدم الحار؛ وإلا لتجمًَّدت الدماء فى عروقكم... هذا لو أن اجسادكم تحوى دماء، كالتى تسرى فى عروقنا نحن.
بدا الاهتمام أكثر على وجه الجنرال، والغضب على وجه (أيسول)، فى حين تبادل الدكتور (كمال) والدكتور (ريمون) نظرة صامتة، وكأنهما يتساءلان عن سر حديث (نور) وهدوئه، فى حين غمغمت (نشوى) فى صوت هامس متوتر:
- ما الذى يعنيه هذا بالضبط؟!
ضغط (رمزى) يدها فى رفق، يحثها على الصمت، و(سلوى) تتابع حديث (نور) فى اهتمام قلق، وهو يواصل:
- ومن الواضح انكم لا تختلفون عنا كثيراً، ولستم متقدمين عنا كثيراً أيضاً؛ فما آراه حولنا، من أجهزة، تشبه أجهزتنا الأرضية، بخلاف هيئتها، الشبيهة بكرات ثلج كبيرة.
سرى توتر شديد فى ملامح الجنرال، وخفض عينيه من وجه (نور) إلى ثيابه وجسده، وراح يتفحصهما بعينيه الشبيهتين بكرتين من الثلج الشفاف، فى حين تابع (نور) بنفس الهدوء:
- وكذلك وسائل تأمين مخبأكم، التى مررنا بها، لم تكن تختلف كثيراً عن مثلها على كوكبنا ... مصعد من الثلج، ونظم رصد حرارية، و....
قاطعه الجنرال فجأة فى صرامة عنيفة:
- كفى .
ثم عاد يميل نحوه بشدة، قائلاً فى شراسة شديدة:
- إنك تبلغهم بالتفاصيل .... أليس كذلك؟!
بدا شبح ابتسامة، على ركن شفتى (نور)، وهو يقول بنفس الهدوء:
- أبلغ من ؟!
أدرك (رمزى) الموقف على الفور، مع أسلوب (نور) فى الإجابة، فضغط كف (نشوى) مرة أخرى فى انفعال، فى حين ارتفع حاجبا (سلوى)، وهى تغمغم:
- آه يا (نور) .
أما الجنرال، فقد اعتدل بحركة أكثر حدة، وهتف فى صرامة:
- (أيسول) .
أسرع إليه (أيسول) فى انفعال، فأشار إلى (نور)، هاتفاً بلغتهم:
- فتش عما يحمله.
اندفع (أيسول) يفتش ثياب (نور)، فى عصبية واضحة، فى حين شد الجنرال جسده فى قوة، وهو يقول فى غضب:
- كان ينبغى أن ادرك هذا منذ البداية.
مع قوله، تموًَّجت تلك الشاشة الثلجية الكبيرة، وظهرت عليها صورة الغزاة الثلاثة، الذين عادوا إلى السطح، وهم يطلقون فقاعاتهم المتفجرة فى كثافة، والغبار وشظايا الصخور المتفجرة يكاد يحجب صورتهم، فالتفت الجنرال إلى الشاشة لحظة، ثم عاد ببصره إلى (نور) ورفاقه، و(أيسول) يواصل تفتيش هذا الأخير فى غلظة، وقال فى ظفر :
- أرأيتم !... إنهم يقتلون رفيقكم.
وهوى قلب (سلوى) بين قدميها...
بمنتهى العنف.
* * *
|