كاتب الموضوع :
عهد Amsdsei
المنتدى :
ملف المستقبل
السلام عليكم
الفصل الخامس ... الوحش
كان الجنرال على حق تماماً ...
لقد تمنى الدكتور (كمال) والدكتور (ريمون) الموت حقاً ...
ألف مرة ...
ذلك الشئ البشع، الأشبه بأذرع أخطبوط عملاق، يغطيها فراء كثيف، التف حول جسديهما، والتصقت ممصاته القوية بكل جزء منهما، وبدت كما لو أنها تدفع فيهما خيوطاً من لهب، تسرى فى كيانهما كله ...
وكان العذاب رهيباً ...
إلى أقصى حد يمكن تصوًَّره ...
لم يكن ذلك الشئ، شديد البشاعة، يشبه أى شئ رأياه ...
ولا حتى فى أبشع كوابيسهما ...
كان أشبه بأذرع بلا رأس ...
وكانت له رائحة نًَّفاذة، تخترق دماغيهما، وتلهب خلايا مخهيما ...
وفى قسوة بالغة، قال الجنرال:
- من سوء حظكما أن (فروبود) بطئ الأداء، إلى حد مدهش؛ فهو يستمتع بتعذيب ضحيته، ثم يبدأ فى إذابة خلاياها، فى بطء شديد، مع حرصه على أن تبقى حية، حتى آخر نفس ...
لم يستطع الرجلان، مع شدة عذابهما، مجًَّرد النظر إليه، فى حين غمغم (أيسول) بلغتهما فى عصبية :
- لو لقيا مصرعهما، لن يمكننا إتمام مهمتنا يا جنرال .
أجابه الجنرال فى خشونة:
- إنها مهمتى أنا .
ثم التفت إليه، مستطرداً فى صرامة وحشية :
- وأنت مجًَّرد جندى تحت إمرتى .
تراجع (أيسول)، مغمغماً :
- كان مجًَّرد رأى يا جنرال .
أجابه بنفس اللهجة :
- احتفظ به لنفسك.
لم يكد يتم عبارته، حتى انطلق أزيز إنذار مكتوم، جعل الجنرال و(أيسول) يلتفتان معاً، إلى تلك الشاشة الشبيهة بكرة الثلج، والتى تألًَّقت لحظة، ثم ظهرت عليها موجة عجيبة، أشبه بتلك التى تحدث لسطح بركة من الماء، عندما تلقى فيها حجراً ...
ثم بدأت صورة هلامية تتكًَّون عليها ...
وفى سرعة، خفًَّت التموجات ...
وأتضحت الصورة ...
صورة (أكرم) و(رمزى)، وهما يواجهان ذلك الشئ على السطح ...
ذلك الشئ، الذى لا مثيل له أيضاً، على وجه الأرض ...
" مستحيل!"....
هتف (رمزى) بالكلمة، وهو يتراجع فى رعب ذاهل، أمام ذلك الشئ، الذى ارتفع أمامهما عالياً، كما لو كان ثعباناً هائلاً ...
ثعبان من الصخر ...
كان يشبه تماماً تلك الصخور المحيطة بهما، فى جبل المقطم ...
ولكنه كان حياً ...
ومخيفاً ...
للغاية ...
وفى حركة غريزية، رفع (أكرم) مسدسه ...
وأطلقه ...
أطلقه مرة ...
وثانية ...
وثالثة ...
وفى كل مرة، اصابت رصاصاته هدفها كالمعتاد ...
ثم ارتدًَّت فى قوة ...
كان من الواضح أن جسم ذلك الشئ شبيهاً بالصخور الارضية، ولكنه صلب منيع، مثل جدار سميك من الفولاذ ...
ولقد تراجع ذلك الشئ، فى حركة شبيهة بحركة ثعبان أرقط، قبل أن ينقض فجأة، ويضرب جسد (أكرم) فى قوة ...
وطار جسد (أكرم) فى الهواء، مع عنف الضربة، وارتطم بصخرة كبيرة، مع سقوطه أرضاً ...
وكانت آلام الارتطام عنيفة ..
وعلى الرغم من هذا، فقد اعتدل (أكرم) على قدميه، وعاد يطلق رصاصاته ...
ومرة أخرى، ارتدًَّت الرصاصات، عن ذلك الشئ ...
وفى حركة هجومية سريعة، التفت ذلك الشئ نحو (رمزى)، الذى تراجع أكثر، وعيناه تتسعان بشدة ...
وتراجع ذلك الشئ، ذلك التراجع الذى يمهًَّد للهجوم، و ...
وفجأة، انطلقت خيوط أشعة الليزر، من خلف (أكرم) و(رمزى)؛ لتصيب جسم ذلك الشئ ...
وفى هذه المرة، تراجع الشئ ...
وتراجع ...
مع كل طلقة ليزر تصيبه، كان يتراجع أكثر ...
وعبر صخرة كبيرة، وثب (نور) إلى ساحة المعركة، وهو يهتف :
- أعد تلقيم مسدسك يا صديقى .
هتف بها، وهو يواصل إطلاق أشعة مسدسه، نحو ذلك الشئ، الذى واصل تراجعه، حتى بلغ منطقة تحوى صخوراً سوداء اللون ...
وعندها، بدأ جسمه يتخذ هيئة جديدة ...
هيئة شبيهة تماماً، بتلك الصخور السوداء، المحيطة به ...
وبينما يواصل إطلاق مسدسه، هتف (نور) بزميله (أكرم) :
- هل تحمل معك واحدة، من تلك القنابل القديمة ؟!
التقط (أكرم) الرسالة، فانتزع من حزامه قنبلة يدوية، جذب صمام امانها بأسنانه، وهو يهتف :
بكل تأكيد .
ثم انطلق يعدو نحو ذلك الشئ، واعتمد على كتف (نور)، ليرتفع عالياً، ثم يقذف القنبلة نحوه، وبكل قوته ...
وفى منتصف جسم ذلك الشئ تقريباً، انفجرت القنبلة ...
وأمام عيون ثلاثتهم، تناثر جسده، وكأنه كومة من الاحجار والشظايا، ناجمة عن الانفجار ...
ثم حدث أمر عجيب للغاية ...
تلك الأجزاء التى تناثرت، فقدت فور تناثرها، هيئة ما يحيط بها من صخور، وتحوًَّلت إلى أجزاء أشبه بمطاط أزرق داكن، تراقص فوق الصخور التى سقط عليها لحظة، ثم بدا وكأن كل قطعة تزحف نحو الاخرى ...
وفى ذهول، غمغم (رمزى) :
- مستحيل!!... هذا يتناقض مع قواعد الحياة نفسها .
أجابه (نور)، وهو يراقب فى توتر، تلك الأجزاء الممزًَّقة، التى بدت وكأنها تنجذب إلى بعضها البعض، على نحو عجيب :
- الأرض وحدها، بها عدد لا يحصى من صور الحياة يا رجل، فما بالك بكوكب آخر !!
كانت الاجزاء تقترب من بعضها البعض فى سرعة ...
وتتلاصق ...
وتلتحم ...
وكانت، فى هذه المرة، تكًَّون شيئاً أشبه بثعبان هائل أزرق اللون ...
أو بدودة عملاقة ...
دودة لا يمكنك أن تمًَّيز رأسها من ذيلها ...
مجًَّرد شكل أسطوانى حيوى، شديد الزرقة، راح يتكوًَّن ...
ويتكوًَّن ...
ويتكوًَّن ...
ثم اكتمل، امام عيونهم الذاهلة ...
وفور اكتماله، عاد إلى هيئته، الشبيهة بالصخور من حوله ...
كان من الواضح أنه كائن من عالم آخر، له سمات (الحرباء) فى عالمنا، ولكنها أكثر قوة ووضوحاً...
واكثر شراسة ...
ومرة أخرى، انتصب أمامهم، وتراجع بمقدًَّمته المرتفعة؛ استعداداً لهجوم جديد ...
وفى توتر بالغ، تساءل (نور) :
- هل تحمل قنبلة أخرى يا (أكرم) ؟!
أجابه بكل عصبية :
- كًَّلا للأسف .
ثم أضاف، وهو يتراجع، ويصوًَّب مسدسه مرة ثانية، بعد إعادة تلقيمه، إلى ذلك الكائن المخيف، على الرغم من علمه بعدم جدوى رصاصاته :
- ثم بم ستفيد؟!...
كان ذلك الشئ الرهيب يستعد للانقضاض بالفعل، بعد أن استعاد كل اجزائه، فتراجع الثلاثة فى سرعة، وتعثر (رمزى) مع تراجعه بصخرة صغيرة، فسقط على ظهره، والتفت إليه ذلك الشئ، وقد بدا من الواضح أنه هدف هجومه التالى ...
وعلى الرغم من ياسهما، رفع (نور) و(أكرم) مسدسيهما؛ للدفاع عن صديقهما، و...
وفجأة، تراجع ذلك الشئ ....
تراجع، وانتصب مستقيماً، على نحو مفاجئ عجيب ...
ثم راح جسده يهتز فى قوة ...
ويهتز ...
ويهتز ...
ومع كل اهتزازة، كانت سرعته تتزايد، على نحو جعل (نور) يعقد حاجبيه فى شدة، و(رمزى) يحدًَّق فيه فى ذهول، فى حين غمغم (أكرم) :
- ماذا يحدث ؟!...
مع قوله، كانت اهتزازات ذلك الكائن قد بلغت مبلغها ...
ثم، ولدهشتهم جميعاً، راحت تشققات عجيبة تظهر على جسمه ...
وتتزايد فى سرعة ...
وفجأة، انفجر ذلك الكائن، أمام عيون ثلاثتهم ...
انفجر، وتناثر على مساحة واسعة، حتى ان بعض أجزائه قد ارتطمت بهم، وأوقعتهم أرضاً ...
وفى هذه المرة، لم تنجذب تلك الاجزاء إلى بعضها البعض ...
بل بدأت تذوب ...
وتذوب ...
وتذوب ...
وفى بطء، راحت صخور (المقطم) تبتلع تلك المادة الذائبة فيما بين فراغاتها، فغمغم (رمزى) :
- ولكن كيف ؟!
أتاهم صوت (سلوى) من خلفهم، وهى تلهث، قائلة :
- موجات فوق صوتية فائقة .
التفت إليها الجميع دفعة واحدة، ورأوها تقف لاهثة، وخلفها (نشوى)، التى أكملت فى انفعال :
- كانت محاولة أخيرة من أمى، عندما رأينا ذلك الشئ البشع، وعدم تراجعه أمام أسلحتكم .
انعقد حاجبا (أكرم) فى شدة، وهو يغمغم :
- أى سلاح استخدمتماه ؟!..
أجابته (سلوى)، دون أن يتوًَّقف لهاثها، أو تهدأ انفعالاتها :
- أخبرتك أنها موجات فوق صوتية فائقة ...نموذج مضخًَّم، من تلك الذبذبات فوق الصوتية، التى كانوا يستخدمونها قديماً؛ لطرد الفئران والحشرات من المنازل .... لم يكن لدى سواها، ولقد تساءلت:أيمكن ان تؤثر فى شئ مثله، لو انطلقت بقوة مضاعفة ألف مرة ؟!..
غمغم (نور) فى ارتياح :
- ولقد فعلت .
هتف (اكرم) بتوتره:
- ولكننى لم أسمع شيئاً .
أجابته، وهى تحاول السيطرة على لهاثها وانفعالاتها:
- الأذن البشرية لا تستطيع سماع تلك الموجات فوق الصوتية؛ ولهذا اطلقوا عليها اسم (فوق صوتية)، ولكن العديد من الحيوانات والحشرات والزواحف تشعر بها، وهى تؤذى أجسامها بشدة.*
نظر (اكرم) إلى مسدسه فى ضيق، وهو يغمغم :
- إذن فقد تغلبت على ذلك الشئ الرهيب، بالصوت وحده .
غمغمت (نشوى) :
- موجات فوق صوتية يا (اكرم) ...هناك فارق .
دس مسدسه فى حزامه، وهو يقول فى عصبية :
- المهم أنه صوت فحسب .
التفت إليه (نور)، قائلاً :
- بل المهم أن وجود ذلك الشئ، يعنى انه هنا؛ لحماية المدخل، الذى كنا نبحث عنه .
هتفت (سلوى):
- وجهازى أشار إلى وجود فراغ بارد كالثلج، على عمق عشرة أمتار .
اعتدل (نور)، وهو يقول :
يبدو أننا قد اقتربنا من هدفنا يا رفاق ...
قالها، دون ان يدرك أن كل مادار، على صخور (المقطم)، قد تم رصده وتسجيله ...
وأن موجة الهجوم التالية، قد انطلقت بالفعل ...
وبهدف واحد ...
تدمير الفريق ...
بأكمله...
* * *
" كان ينبغى أن أقود هذا الهجوم يا جنرال ..."...
قالها (أيسول) فى غضب واضح، تجاهله الجنرال فى صرامة، وهو يقول :
- مازلت تصرًَّ على نسيان أننى القائد هنا يا (أيسول) .
غمغم (أيسول) فى ضيق :
- والمفترض أننى رئيس الطاقم الأمنى .
اجابه فى صرامة خشنة :
- ولهذا احتفظ بك، لأمور أكثر أهمية .
لم يتمالك (أيسول) نفسه، وهو يقول :
- وماذا أكثر أهمية، من تهديد مهمتنا كلها بالخطر ؟!..
التفت إليه الجنرال بحركة حادة، وهو يصرخ فيه :
- اصمت .
تراجع (أيسول) فى دهشة، ثم بدت عليه علامات الغضب، ولكنه وقف بعيداً عن الجنرال، فى نفس الوقت، الذى غمغم فيه الدكتور (ريمون) فى صعوبة :
- إننى استسلم .
بذل الدكتور (كمال) جهداً خرافياً؛ ليقاوم آلامه الرهيبة، وهو يتمتم بدوره :
- وأنا أيضاً .
مطًَّ الجنرال شفتيه الزرقاويين الرفيعتين، وكأنما يؤسفه أن يستسلم الرجلان بهذه السرعة، ولكنه أشار إلى (أيسول)، قائلاً :
- اصرف (الفروبود) .
انتزع (أيسول) من حزامه شيئاً أشبه بالقلم، أطلق منه فقًَّاعة دقيقة، لم تكد ترتطم بذلك الكائن، ذى الأزرع الفرائية، حتى تراجع على نحو عنيف، منتزعاً ممصاته من جسدى الرجلين، اللذين أطلقا صرختى ألم رهيبتين، مع الآلام المضاعفة، التى أحدثها نتزاع الممصات ...
وأطلق (ايسول) فقًَّاعة أخرى، أجبرت الكائن البشع على مزيد من التراجع، وجعلته يسرع ليختفى، عبر نفس الفتحة، التى هبط منها ...
وفور اختفائه، التئمت الفتحة على نحو عجيب ...
وسقط العالمان أرضاً، فى تهالك شديد ...
وبمنتهى القسوة، قال الجنرال :
- سامنحكما ساعة واحدة، تستعيدان فيها عافيتكما، وبعدها، إما ان تتعاونا تعاوناً كاملاً، أو أترككم وشانكم، مع (الفروبود).
لهث الدكتور (كمال) فى شدة، وهو يرفع يده، قائلاً فى تهالك :
- سنتعاون .
رمقهما بنظرة أشبه بالزدراء، لا أحد يدرى ما إذا كانت تمًَّثل الشعور نفسه فى كوكبه، ثم انصرف ببصره عنهما، يتابع ما يحدث على الشاشة ...
فعبر ممرات نفق صخرى طويل، كان ذلك الفريق المكوًَّن من ثلاثة افراد، والذى أرسله للقضاء على (نور) وفريقه، يتقدًَّم نحوهم فى سرعة ...
ويتقدًَّم ...
ويتقدًَّم ....
* * *
" ها هو ذا المدخل ..."...
قالها (نور) فى اهتمام شديد، مشوب بتوتر ملحوظ، وهو يشير إلى مدخل كبير نسبياً، تخفيه صخرتان ضخمتان، من الواضح أنهما لم يكونا على وضعهما هذا، قبل وجوده ...
وفى توتر لا يقل عن توتره، غمغم (رمزى) :
- مازلت أصرًَّ على ضرورة استدعاء الجيش .
اجابه (نور) فى حزم :
- ومازلت أصرًَّ على أن هذا، يمكن أن يعرًَّض أبرياء المنطقة كلها للخطر .
تساءل (اكرم)، وهو يمسك مسدسه فى قوة :
- ألا تخشى ان يكونوا فى انتظارنا يا (نور) ؟!
أجابه (نور) فى سرعة، توحى بأن الاحتمال كان وارداً فى ذهنه :
- لا يمكن ألا يكونوا كذلك .
غمغمت (سلوى) فى عصبية :
- وعلى الرغم من هذا، فأنت تريدنا أن نغامر بالدخول !!
لم يحاول (نور) أجابة تساؤلها، او حتى التعليق عليه، وهو يلتفت إلى ابنته (نشوى)، قائلاً :
- هل يملك جهازك القدرة، على كشف احتياطات الأمن ؟!
قبل أن تنفرج شفتاها لتجيب، انبرت (سلوى) قائلة :
- جهازى يمكنه هذا .
مرًَّرت أصابعها على شاشة جهازها، وهى تضيف فى ثقة :
- وبالوسيلة نفسها ... سيطلق موجات صوتية فائقة، ترسم لنا صورة أشبه بصور (السونوجراف)، الذى كانوا يستخدمونه لكشف نوع الجنين فى الماضى .
أضافت (نشوى) :
- وجهازى سيرصد أية ذبذبات؛ لأية أجهزة داخل النفق .
غمغم (رمزى) :
- هذا لو ان ذبذبات أجهزتهم، تشبه ذبذبات أجهزتنا .
قالت (نشوى) فى حسم :
- أية ذبذبات .
بدأت كلاهما عملها على جهازها، فى حين مال (أكرم) نحو مدخل النفق، وهو يقول، فى عصبيته المعتادة :
- المكان يبدو لى مظلماً للغاية ، و ...
قبل ان يتم عبارته، دوى انفجار مباغت، على مسافة قدم واحدة منه، وأطاح بجسده إلى الخلف فى عنف ...
وفى نفس اللحظة، برز الغزاة الثلاثة، وهم يصوبون اسلحتهم العجيبة إلى أفراد الفريق ...
لقد بدأ الهجوم الثانى ...
وبمنتهى العنف .
* * *
|