لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > سلاسل روايات مصرية للجيب > روايات أونلاين و مقالات الكتاب
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات أونلاين و مقالات الكتاب روايات أونلاين و مقالات الكتاب


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27-10-11, 01:10 PM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

الفصل الخامس : وبدأت المعركة

* فجأة وعبر جهاز الاتصال الكهربى الجديد، وصلت إلى مجموعة (العريش) رسالة لاسلكية عاجلة وخطيرة..
خطيرة جداً..
رسالة تبلغهم أن استقبال رسائلهم فى (القاهرة)، مفتوح طوال الأربع والعشرين ساعة يومياً، لأجل غير محدود..
وفجرَّت تلك الرسالة حماساً منقطع النظير، فى نفوس الجميع بلا استثناء، وأكَّدت لهم ما شعروا به، من الرسالة السابقة أيضاً..
لقد اقتربت ساعة الحسم..
وساعة النصر..
وانطلق الجميع يعملون بنشاط جم، وحماس لا مثيل له، منذ وُلِدَتْ مجموعة (العريش) وفروعها..
الكل راح يكثِّف المراقبة الدقيقة لمختلف المحاور، التى تتحرَّك عليها قوات العدو فى (سيناء)، وتم وضع نظام دقيق للرصد والمتابعة، نفذته المجموعة بتفوق واقتدار غير مسبوقين، وبأطنان من الجهد والعرق، حتى أن مجموعة (عدنان الشهابى) كانت تعمل طوال الأربع والعشرين ساعة بلا انقطاع تقريباً..
طاقة هائلة، تلك التى تفجَّرت فى العروق والعقول، وخفقت مع القلوب، لتدفع الأجساد إلى العمل بلا توقّف، مع شعور الأفراد بقرب الحسم والمواجهة..
ولقد صدقت توقعات الجميع، وأندلعت حرب التحرير، يوم السبت، السادس من أكتوبر 1973م..
وفى ذلك اليوم، وصلت الرسالة المنتظرة من (القاهرة)..
"إلى الحاج (منتصر).. نحن فى انتظاركم.."
كان هذا هو الاسم الحركى للمجموعة، والذى يرتبط بكلمة النصر، شعار المرحلة الحاسمة، ويعنى مع الرسالة البدء فى توجيه ضربات قوية، إلى أهداف تم تحديدها مسبقاً، ومنح كل منها اسماً حركياً.. ومع وصول الرسالة، قفز الحماس إلى ذروته، وتفجَّر النشاط فى العروق، واستقبل الرجال، بفوره من اللهب، الرسالة التالية..
"إلى الحاج (منتصر).. نفذ (شلبى).."..
وكان هذا يعنى توجه أوَّل ضربة، إلى كوبرى السكة الحديد، كما تم الاتفاق عليه وتحديده من قبل..
ووفقاً للنظام المتبع، التقى أفراد المجموعة فى المكان المخصص لاجتماعاتهم، وتعانقوا فى فرح وسعادة، ثم قام (عبد الحميد)، قائد المجموعة بتجهيز العبوة الناسفة المناسبة للهدف، وتم تحديد ساعة التنفيذ وموعد التفجير، ثم اختار (عبد الحميد) للمهمة اثنين من أكفأ رجال التنظيم، مساعده الأوَّل (سعد)، و(رشاد حجاب)، الذى يتسم بالإقدام والجرأة، وسرعة وخفة الحركة..
وتم تنفيذ المهمة، على الرغم من الحراسة المشدَّدة، التى أحاط بها العدو الكوبرى، فى ظلّ ظروف الحرب، وقيام المجموعة نفسها بمهاجمته من قبل..
وفى الموعد المحدَّد بالضبط ، انفجرت العبوة الناسفة، ودمَّرت تماماً الطرف الشرقى للكوبرى، لتعزل إمدادات العدو عن محطة السكة الحديد، المزوَّدة بوسائل نقل وشحن الأسلحة والمعدات، إلى جبهة القتال..
واضطر العدو إلى نقل حركته إلى محطة (الأبطال)، مما كلفه جهداً ووقتاً مضاعفين، باعتبارها غير مجهَّزة لمثل هذه الأمور..
وكلنا نعلم كم تساوى الدقائق، فى زمن القتال، فما بالك بالساعات، وبحالة التوتر والعصبية، التى أصابت العدو، ودفعته إلى وضع حراسة مكثفة، على طول خط السكة الحديد، من (العريش) إلى (إسرائيل)، مما كان يعنى خسارة رهيبة للعدو، الذى يعانى دوماً من نقص عدد الأفراد، ويفتقر فى قتاله إلى العنصر البشرى..
ومع نداء آخر، ورسالة لاسلكية تالية، قامت المجموعة بتدمير كابل الاتصالات الرئيسى،، الذى يربط مركز التنصت والقيادة الإسرائيلية فى (العريش)، بداخل (إسرائيل) مباشرة، ولقد تم تدميره فى موضعين مختلفين، وبفارق زمنى ساعة واحدة، بحيث حدث الانفجار الثانى، أثناء محاولة العدو لإصلاح ما دمره الانفجار الأوَّل..
ثم تم توجيه ضربة قوية إلى محول الكهرباء الرئيسى، الذى يغذى قوات ومعسكرات العدو، فى منطقة (الريسة)، شرق (العريش)، وبعدها ضربة أخرى، فى منطقة محطة (الأبطال)..
وكان (سعد عبد الحميد محمود) هو القاسم المشترك، فى كل العمليات، هذا بالإضافة إلى دوره الأساسى، فى كل ما يتعلَّق بالمجموعة، فهو الذى قدَّم مقراً لتخزين مستلزمات العمل، من متفجرات وأدوات طباعة، وكل ما يتعلَّق بهما، وصفاته الشخصية، التى جعلت قائد التنظيم يعتبره مساعده الأوَّل، ويعتمد عليه، فى كل الأمور، بالغة الأهمية والخطورة..
وطوال الوقت، ومع تطوّر الأحداث، لم تتوقَّف النداءات الكودية والشفرية المتفق عليها، سواء عبر جهاز الاتصال اللاسلكى، أو شبكة الإذاعة، إلى (الحاج منتصر)، أو (عبد الودود عبد الصمد)، أو (أبو محمد)، أو (أبو أمانى)، وكلها أسماء حركية لرئيس المجموعة، حيث تطالبه الرسائل والنداءات بالمزيد من المعلومات، أو بتدمير أهداف جديدة..
ولأن الرسائل تتوالى بلا انقطاع، طرح (عبد الحميد) الحذر جانباً، ووضع مقعداً إلى جوار الراديو، وراح يتابع الاتصالات بلا نوم أو راحة، حتى شعر باقى أفراد المجموعة بالإشفاق عليه، وطالبوه بالإفطار، فى شهر رمضان، إلا أنه رفض فى إصرار، وواصل مهمته على أكمل وجه، دون كلل أو ملل..
ومن الأحداث التى يذكرها (عبد الحميد الخليلى)، عن تلك الفترة، أن والده، الذى كان يبلغ السبعين من عمره تقريباً - آنذاك - لم يكن قد تصارح مع ابنه أبداً، بشأن الأمر، إلا أنه قلب الأب، الذى ينبض فى صدره، كان يشعر بما يحدث، لذا فعندما تضاعف الجهد على (عبد الحميد)، وغفت عيناه إلى جوار الراديو، كان يستيقظ ليجد والده إلى جواره، يبلغه بما تردَّد عبر الراديو، مدعياً أنه لا يفهم ما يحدث..
ولكنهما لم يتواجها قط..
فى تلك الفترة على الأقل..
ومع التطوّر السريع للأحداث، تضاعف حماس ونشاط أفراد المجموعة، وإن حملت أعماقهم بعض الخوف، على هذه الانتصارات المتوالية، مما دفعهم إلى المزيد والمزيد من الجهد والعمل المضاعف..
وأثناء المعارك، رصدت المجموعة رتلاً من المجنزرات والمدرّعات، والدبَّابات الثقيلة، تتحرَّك ليلاً فى اتجاهين.. بعضها نحو المحور الأوسط، والبعض الآخر نحو المحور الشمال..
وعلى الفور، وعبر جهاز الاتصال اللاسلكى، تم إبلاغ هذه المعلومة إلى (القاهرة)..
ولأن المعلومة قد وصلت فى الوقت المناسب، تمكَّنت القوات المصرية من القضاء على لواء مدرَّع بالكامل، وأسر قائده (عساف ياجورى)..
ثم كان التدخَّل الأمريكى..
فذات صباح، وبينما المعارك محتدمة ومستمرة، استيقظ سكان (العريش) على دوى كالرعد فى السماء، مع ضباب كثيف من ناحية البحر، مما دفع مجموعة (العريش) إلى السعى لرصد منطقة الساحل بسرعة فائقة..
وهناك بدت الطائرات ، ذات اللون الأبيض، واضحة جلية، وبعضها يتجه من البحر إلى مطار (العريش)، فى حين ينطلق البعض الآخر إلى جبهة القتال مباشرة..
ولأوَّل مرة، بدأ القلق يتسلَّل إلى أفراد المجموعة..
القلق الشديد..
فذلك اللون الأبيض يميِّز طائرات البحرية الأمريكية، التى اشتركت مباشرة فى المعركة..
ومن منطقة (رمانة)، وصلت معلومات أخرى بوصول طائرات من البحر، تقوم بإنزال الجنود، الذين يتم نقلهم فوراً، بوساطة عربات عسكرية إسرائيلية، إلى جبهة القتال مباشرة..
(أمريكا) لم تكتف إذن بإرسال الطائرات والأسلحة والمعدات إلى (إسرائيل)، عبر جسر جوى لا ينقطع، وإنما دفعت جنودها وطياريها أيضاً إلى جبهة القتال مباشرة..
(مصر) إذن لم تعد تحارب (إسرائيل) وحدها..
لقد أصبحت تحارب الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً..
وبسرعة، قام (عبد الحميد) بتشفير هذه المعلومات، وإرسالها فوراً إلى (القاهرة)..
وفى (القاهرة)، أدركت المخابرات الحربية أن تلك الطائرات، ذات اللون الأبيض، تتبع الأسطول السادس الأمريكى، وحاملات طائراته مباشرة..
وتأكيداً للمعلومات الواردة من المجموعة، انطلقت طائرتا استطلاع إلى المنطقة، وعادتا تحملان تأكيداً حاسماً قاطعاً إلى القيادة السياسية والعسكرية، لتتخذ قراراتها المناسبة فى هذا الشأن..
وحتى الثانى والعشرين من أكتوبر، عندما صدر قرار وقف إطلاق النار، لم تتوقف مجموعة (العريش) عن إرسال المعلومات، ورصد تحركات العدو، والقيام بالعمليات الفدائية، التى تؤرقه، وتعيق حركته طوال الوقت..
وبعد وقف إطلاق النار، وصلت رسالة لاسلكية من (القاهرة)، تطالب المجموعة بإيقاف نشاطها، والتزام الحيطة والحذر، خلال المرحلة القادمة..
والتزمت المجموعة بأوامر (القاهرة)، على الرغم من خرق وقف إطلاق النار المستمر، وتحركات العدو التى لا تتوقَّف، على المحورين ، الشمالى والأوسط للجبهة..
وفى الثامن من نوفمبر 1973م، رصد بعض أفراد المجموعة أعداداً ضخمة من الدبابات والمجنزرات، ومختلف المعدات والآليات الثقيلة، تتحرَّك نحو الجبهة مباشرة..
وهنا، قرَّرت المجموعة تجاوز الأوامر الصادرة من (القاهرة)، وإجراء اتصال لاسلكى، لإبلاغ هذه المعلومات الخطيرة فوراً..
وتوجه أفراد المجموعة إلى نقطة الاتصال، الكائنة فى منزل والدة (سعد)؛ وراحوا يعدون المعلومات، التى يقوم (عبد الحميد) بتشفيرها، تمهيداً لإرسالها إلى (القاهرة)، و...
وفجأة، اقتحمت قوات العدو الإسرائيلى المكان، وارتفعت فوهات مدافعهم الآلية، فى شراسة متحفزة، نحو أفراد المجموعة..
ولم يكن هناك مجال للإنكار، أو لنسج قصة وهمية؛ فالإسرائيليون اقتحموا الحجرة، وبها جهاز اللاسلكى، والمعلومات المشفَّرة، وغير المشفَّرة، وأفراد المجموعة..
وتم إلقاء القبض على الجميع، وانطلق ضباط المخابرات الإسرائيلية يفتشون الحجرة والمنزل كله، فى شراسة ما بعدها شراسة..
كان هناك جيش كامل، من الجنود والضباط الإسرائيليين، يحيط بالمنزل، فى تحفُّز كامل، كما لو أنهم يلقون القبض على كتيبة كاملة من الفدائيين، وليس على عدد محدود من الأفراد..
وفى المنزل، عثروا على مجموعة من أقلام التوقيت، أثارت رجال المخابرات الإسرائيلية أكثر وأكثر..
وبعدها انقسم الضباط مع الجنود إلى مجموعتين، إحداهما اقتادت (سعد) إلى منزله، فى شارع 23 يوليو، فى حين اقتادت المجموعة الثانية (عبد الحميد)، إلى منزله فى شارع الشهيد (محمد الخليلى)..
وتم تفتيش المنزلين بمنتهى الدقة والوحشية، وتم الاستيلاء على كل المشغولات الثمينة، وكل الأوراق والأجهزة، مع تدمير كل ما تبقى كعادة الإسرائيليين، فى مثل هذه الأحوال..
ثم تم نقل المجموعة إلى مبنى المخابرات الإسرائيلية فى العريش، والذى يحتله (نزل الشباب) حالياً..
وهناك، بدأت التحقيقات، وبدأ الاستجواب..
وبدأ التعذيب..
ويقول الحاج (سعد) أن الأيام الأولى كانت تحوى الكثير من الضرب والتعذيب العنيف، والقليل جداً من الاستجواب، حتى أنه والحاج (عبد الحميد) قد فقدا تماماً الإحساس بالزمان والمكان، ولم يعد باستطاعتهما معرفة كم مرّ عليهما من وقت هناك...
وفى الوقت نفسه، لم تتوقَّف أجراس الهاتف ونداءات اللاسلكى أبداً، كما تم عرضها على أعداد كبيرة، من ضباط الجيش الإسرائيلى، الذين راحوا يردون إلى المبنى، برفقة ضباط المخابرات، دلالة على ما سببته لهم المجموعة من خسائر جسيمة.
وبعد فترة، لم يتمكن أحدهما من تحديدها بالضبط، تم نقل المجموعة إلى سجن (غزة) المركزى، معصوبى الأعين، ومقيِّدى الأيدى خلف الظهور، فى سيارة نقل عسكرية..
وفور وصولهم إلى سجن (غزة)، بدأت حلقة جديدة من التحقيقات، سبقها وتخللها وأعقبها عديد من صنوف التعذيب والإكراه، والضغوط النفسية والجسدية...
والمؤلم أن الإسرائيليين قد منحوا القسط الأكبر، من التعذيب والإهانات والعنف، للحاج (صباح الكاشف)، دون احترام لكبر سنه، أو ضعف جسده..
ولكن الرجل - رحمه الله - كان مثالاً حياً للبطولة والصلابة والشهامة، عندما تحمل العذاب والتعذيب الوحشى، بكل رجولة وحزم، دون أن تلين عزيمته، أو يعترف بحرف واحد مما لديه..
وأثناء الاستجواب والعنف، شعر قائد المجموعة (عبد الحميد)، أن الإسرائيليين لا يعلمون شيئاً عما فعلوه، طوال السنوات الماضية، وأن معلوماتهم تقتصر فقط على نشاط المجموعة، أثناء حرب أكتوبر، وأراد أن يبلغ الحاج (سعد) بهذا، حتى تقتصر اعترافاتهما على فترة الحرب وحدها دون غيرها..
كان أحدهما سجين زنزانة منفردة، فى بداية ممر السجن، والآخر نزيل زنزانة منفردة أخرى، فى نهاية الممر، وتفصلهما مسافة كبيرة نسبياً، تمنعهما من تبادل أية أحاديث، دون أن يلتقطها الإسرائيليون، الذين زوَّدوا زنزانتيهما بأجهزة تنصُّت دقيقة أيضاً..
لذا فقد ابتكرا صديقا وزميلا العمر وسيلة فطرية عبقرية ومدهشة، لتبادل الحديث فى هذا الشأن.
فمن زنزانته، هتف الحاج (سعد): " الله واحد ..".. وهنا أجابه (عبد الحميد)، بهتاف آخر: "لا من قبله ولا من بعده.."..
وفهم الرجلان المعنى، بعد سنوات وسنوات من الزمالة والصداقة..
فهم كل منهما أنه عليهما الحديث عن نشاط أكتوبر وحده، لا ما قبله، ولا ما بعده..
الحاج (سعد) وجد وسيلة أخرى طريفة، يتحدَّث عنها قائلاً: "كنت أحياناً أتظاهر بنسيان بعض التفاصيل، وباحتياجى لمراجعتها مع الحاج (عبد الحميد)، فيرسل المحققون الإسرائيليون لاستدعائه، وعندئذ ألتقى به، وأصافحه، ونتبادل بعض الكلمات السرية، التى لا يعرفها سوانا، والتى يفهم كل منا معناها جيِّداً، دون أن يفهم الإسرائيليون منها شيئاً، على الرغم من أنهم كانوا جميعاً يتحدثون العربية بمنتهى الطلاقة ..".
وهكذا، انتصر الذكاء المصرى الفطرى، على العقول الإسرائيلية المحترفة المدرَّبة، التى حاولوا إيهامنا، لسنوات وسنوات، أنها عبقرية متميِّزة، لا تُقهر ولا تنهزم أبداً..
وهذا يؤكِّد رأى الحاج (عبد الحميد)، الذى لا يمل ترديده أبداً..
"الإسرائيليون ليسوا أبداً بالبراعة، التى يوحون للعالم بها.."..
وفى حديثه عن فترة السجن والتعذيب، يروى الحاج (عبد الحميد)، قصة، كاد شعر رأسى يزداد شيباً لسماعها..
يروى أن والده قد زاره فى السجن، وقد تجاوز السبعين من العمر، فأخفى هو كفيه، اللذين اسودا وتورَّما من شدة الضرب والتعذيب خلف ظهره ؛ خشية أن يراهما والده، وهو يتوقَّع منه أن يلومه ويقرِّعه، على توريط نفسه فى أمر خطير كهذا، دون أن يستشيره، أو يطلب موافقته..
واقترب (عبد الحميد) من والده، وهو يقدِّم قدماً، ويؤخِّر أخرى، وخفق قلبه بقوة، عندما رآه والده، وهبّ من مقعده بحركة فتية، لا تتناسب مع أعوام عمره السبعين، وانتظر صراخه الغاضب، وثورته العارمة، و...
ولكن الأب، الذى نما فى تراب هذا الوطن، وأكل وشرب من خيره، رفع قبضته أمامه فى حزم، وارتفع معها صوته، بمنتهى القوة، والعزم، وهو يهتف بابنه:
- إياك أن تحنى رأسك لمخلوق واحد..
ويحكى (عبد الحميد) أن قشعريرة قوية قد سرت فى جسده، وهو يحدِّق مبهوراً فى والده، الذى تابع بنفس القوة والعزم، ودون أن يخشى رد فعل الإسرائيليين:
- ما فعلته يستوجب الفخر والزهو، فإياك أن تشعر بذرة واحدة من الخزى أو العار، وإياك أن تحنى رأسك لمخلوق واحد هنا.. المؤمن لا يحنى رأسه إلا لله (سبحانه وتعالى) وحده.
الواقع أن الرواية فجَّرت ألف انفعال وانفعال فى أعماقى، إلا أنها لم تدهشنى، فكما يقولون دوماً، من الطبيعى أن يكون هذا الشبل من ذاك الأسد ، وأن تكون هذه مصر المصريين ..
المهم أن فترة السجن والعنف، والاستجواب، والتعذيب قد انتهت بصدور لائحة الاتهام، التى حوت سبع تهم، أخطرها التجسُّس فى زمن الحرب، وأقلها حيازة جهازى إرسال لاسلكى، وأسلحة، ومفرقعات، ومواد ناسفة شديدة التفجير..
ومع صدور لائحة الاتهام أو الادعاء، انتقلت القصة كلها إلى مرحلة جديدة ودقيقة جداً..
إلى المحاكمة..
الإسرائيلية.
* * *

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 31-10-11, 01:07 PM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

الفصل الخامس : وبدأت المعركة

* فجأة وعبر جهاز الاتصال الكهربى الجديد، وصلت إلى مجموعة (العريش) رسالة لاسلكية عاجلة وخطيرة..
خطيرة جداً..
رسالة تبلغهم أن استقبال رسائلهم فى (القاهرة)، مفتوح طوال الأربع والعشرين ساعة يومياً، لأجل غير محدود..
وفجرَّت تلك الرسالة حماساً منقطع النظير، فى نفوس الجميع بلا استثناء، وأكَّدت لهم ما شعروا به، من الرسالة السابقة أيضاً..
لقد اقتربت ساعة الحسم..
وساعة النصر..
وانطلق الجميع يعملون بنشاط جم، وحماس لا مثيل له، منذ وُلِدَتْ مجموعة (العريش) وفروعها..
الكل راح يكثِّف المراقبة الدقيقة لمختلف المحاور، التى تتحرَّك عليها قوات العدو فى (سيناء)، وتم وضع نظام دقيق للرصد والمتابعة، نفذته المجموعة بتفوق واقتدار غير مسبوقين، وبأطنان من الجهد والعرق، حتى أن مجموعة (عدنان الشهابى) كانت تعمل طوال الأربع والعشرين ساعة بلا انقطاع تقريباً..
طاقة هائلة، تلك التى تفجَّرت فى العروق والعقول، وخفقت مع القلوب، لتدفع الأجساد إلى العمل بلا توقّف، مع شعور الأفراد بقرب الحسم والمواجهة..
ولقد صدقت توقعات الجميع، وأندلعت حرب التحرير، يوم السبت، السادس من أكتوبر 1973م..
وفى ذلك اليوم، وصلت الرسالة المنتظرة من (القاهرة)..
"إلى الحاج (منتصر).. نحن فى انتظاركم.."
كان هذا هو الاسم الحركى للمجموعة، والذى يرتبط بكلمة النصر، شعار المرحلة الحاسمة، ويعنى مع الرسالة البدء فى توجيه ضربات قوية، إلى أهداف تم تحديدها مسبقاً، ومنح كل منها اسماً حركياً.. ومع وصول الرسالة، قفز الحماس إلى ذروته، وتفجَّر النشاط فى العروق، واستقبل الرجال، بفوره من اللهب، الرسالة التالية..
"إلى الحاج (منتصر).. نفذ (شلبى).."..
وكان هذا يعنى توجه أوَّل ضربة، إلى كوبرى السكة الحديد، كما تم الاتفاق عليه وتحديده من قبل..
ووفقاً للنظام المتبع، التقى أفراد المجموعة فى المكان المخصص لاجتماعاتهم، وتعانقوا فى فرح وسعادة، ثم قام (عبد الحميد)، قائد المجموعة بتجهيز العبوة الناسفة المناسبة للهدف، وتم تحديد ساعة التنفيذ وموعد التفجير، ثم اختار (عبد الحميد) للمهمة اثنين من أكفأ رجال التنظيم، مساعده الأوَّل (سعد)، و(رشاد حجاب)، الذى يتسم بالإقدام والجرأة، وسرعة وخفة الحركة..
وتم تنفيذ المهمة، على الرغم من الحراسة المشدَّدة، التى أحاط بها العدو الكوبرى، فى ظلّ ظروف الحرب، وقيام المجموعة نفسها بمهاجمته من قبل..
وفى الموعد المحدَّد بالضبط ، انفجرت العبوة الناسفة، ودمَّرت تماماً الطرف الشرقى للكوبرى، لتعزل إمدادات العدو عن محطة السكة الحديد، المزوَّدة بوسائل نقل وشحن الأسلحة والمعدات، إلى جبهة القتال..
واضطر العدو إلى نقل حركته إلى محطة (الأبطال)، مما كلفه جهداً ووقتاً مضاعفين، باعتبارها غير مجهَّزة لمثل هذه الأمور..
وكلنا نعلم كم تساوى الدقائق، فى زمن القتال، فما بالك بالساعات، وبحالة التوتر والعصبية، التى أصابت العدو، ودفعته إلى وضع حراسة مكثفة، على طول خط السكة الحديد، من (العريش) إلى (إسرائيل)، مما كان يعنى خسارة رهيبة للعدو، الذى يعانى دوماً من نقص عدد الأفراد، ويفتقر فى قتاله إلى العنصر البشرى..
ومع نداء آخر، ورسالة لاسلكية تالية، قامت المجموعة بتدمير كابل الاتصالات الرئيسى،، الذى يربط مركز التنصت والقيادة الإسرائيلية فى (العريش)، بداخل (إسرائيل) مباشرة، ولقد تم تدميره فى موضعين مختلفين، وبفارق زمنى ساعة واحدة، بحيث حدث الانفجار الثانى، أثناء محاولة العدو لإصلاح ما دمره الانفجار الأوَّل..
ثم تم توجيه ضربة قوية إلى محول الكهرباء الرئيسى، الذى يغذى قوات ومعسكرات العدو، فى منطقة (الريسة)، شرق (العريش)، وبعدها ضربة أخرى، فى منطقة محطة (الأبطال)..
وكان (سعد عبد الحميد محمود) هو القاسم المشترك، فى كل العمليات، هذا بالإضافة إلى دوره الأساسى، فى كل ما يتعلَّق بالمجموعة، فهو الذى قدَّم مقراً لتخزين مستلزمات العمل، من متفجرات وأدوات طباعة، وكل ما يتعلَّق بهما، وصفاته الشخصية، التى جعلت قائد التنظيم يعتبره مساعده الأوَّل، ويعتمد عليه، فى كل الأمور، بالغة الأهمية والخطورة..
وطوال الوقت، ومع تطوّر الأحداث، لم تتوقَّف النداءات الكودية والشفرية المتفق عليها، سواء عبر جهاز الاتصال اللاسلكى، أو شبكة الإذاعة، إلى (الحاج منتصر)، أو (عبد الودود عبد الصمد)، أو (أبو محمد)، أو (أبو أمانى)، وكلها أسماء حركية لرئيس المجموعة، حيث تطالبه الرسائل والنداءات بالمزيد من المعلومات، أو بتدمير أهداف جديدة..
ولأن الرسائل تتوالى بلا انقطاع، طرح (عبد الحميد) الحذر جانباً، ووضع مقعداً إلى جوار الراديو، وراح يتابع الاتصالات بلا نوم أو راحة، حتى شعر باقى أفراد المجموعة بالإشفاق عليه، وطالبوه بالإفطار، فى شهر رمضان، إلا أنه رفض فى إصرار، وواصل مهمته على أكمل وجه، دون كلل أو ملل..
ومن الأحداث التى يذكرها (عبد الحميد الخليلى)، عن تلك الفترة، أن والده، الذى كان يبلغ السبعين من عمره تقريباً - آنذاك - لم يكن قد تصارح مع ابنه أبداً، بشأن الأمر، إلا أنه قلب الأب، الذى ينبض فى صدره، كان يشعر بما يحدث، لذا فعندما تضاعف الجهد على (عبد الحميد)، وغفت عيناه إلى جوار الراديو، كان يستيقظ ليجد والده إلى جواره، يبلغه بما تردَّد عبر الراديو، مدعياً أنه لا يفهم ما يحدث..
ولكنهما لم يتواجها قط..
فى تلك الفترة على الأقل..
ومع التطوّر السريع للأحداث، تضاعف حماس ونشاط أفراد المجموعة، وإن حملت أعماقهم بعض الخوف، على هذه الانتصارات المتوالية، مما دفعهم إلى المزيد والمزيد من الجهد والعمل المضاعف..
وأثناء المعارك، رصدت المجموعة رتلاً من المجنزرات والمدرّعات، والدبَّابات الثقيلة، تتحرَّك ليلاً فى اتجاهين.. بعضها نحو المحور الأوسط، والبعض الآخر نحو المحور الشمال..
وعلى الفور، وعبر جهاز الاتصال اللاسلكى، تم إبلاغ هذه المعلومة إلى (القاهرة)..
ولأن المعلومة قد وصلت فى الوقت المناسب، تمكَّنت القوات المصرية من القضاء على لواء مدرَّع بالكامل، وأسر قائده (عساف ياجورى)..
ثم كان التدخَّل الأمريكى..
فذات صباح، وبينما المعارك محتدمة ومستمرة، استيقظ سكان (العريش) على دوى كالرعد فى السماء، مع ضباب كثيف من ناحية البحر، مما دفع مجموعة (العريش) إلى السعى لرصد منطقة الساحل بسرعة فائقة..
وهناك بدت الطائرات ، ذات اللون الأبيض، واضحة جلية، وبعضها يتجه من البحر إلى مطار (العريش)، فى حين ينطلق البعض الآخر إلى جبهة القتال مباشرة..
ولأوَّل مرة، بدأ القلق يتسلَّل إلى أفراد المجموعة..
القلق الشديد..
فذلك اللون الأبيض يميِّز طائرات البحرية الأمريكية، التى اشتركت مباشرة فى المعركة..
ومن منطقة (رمانة)، وصلت معلومات أخرى بوصول طائرات من البحر، تقوم بإنزال الجنود، الذين يتم نقلهم فوراً، بوساطة عربات عسكرية إسرائيلية، إلى جبهة القتال مباشرة..
(أمريكا) لم تكتف إذن بإرسال الطائرات والأسلحة والمعدات إلى (إسرائيل)، عبر جسر جوى لا ينقطع، وإنما دفعت جنودها وطياريها أيضاً إلى جبهة القتال مباشرة..
(مصر) إذن لم تعد تحارب (إسرائيل) وحدها..
لقد أصبحت تحارب الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً..
وبسرعة، قام (عبد الحميد) بتشفير هذه المعلومات، وإرسالها فوراً إلى (القاهرة)..
وفى (القاهرة)، أدركت المخابرات الحربية أن تلك الطائرات، ذات اللون الأبيض، تتبع الأسطول السادس الأمريكى، وحاملات طائراته مباشرة..
وتأكيداً للمعلومات الواردة من المجموعة، انطلقت طائرتا استطلاع إلى المنطقة، وعادتا تحملان تأكيداً حاسماً قاطعاً إلى القيادة السياسية والعسكرية، لتتخذ قراراتها المناسبة فى هذا الشأن..
وحتى الثانى والعشرين من أكتوبر، عندما صدر قرار وقف إطلاق النار، لم تتوقف مجموعة (العريش) عن إرسال المعلومات، ورصد تحركات العدو، والقيام بالعمليات الفدائية، التى تؤرقه، وتعيق حركته طوال الوقت..
وبعد وقف إطلاق النار، وصلت رسالة لاسلكية من (القاهرة)، تطالب المجموعة بإيقاف نشاطها، والتزام الحيطة والحذر، خلال المرحلة القادمة..
والتزمت المجموعة بأوامر (القاهرة)، على الرغم من خرق وقف إطلاق النار المستمر، وتحركات العدو التى لا تتوقَّف، على المحورين ، الشمالى والأوسط للجبهة..
وفى الثامن من نوفمبر 1973م، رصد بعض أفراد المجموعة أعداداً ضخمة من الدبابات والمجنزرات، ومختلف المعدات والآليات الثقيلة، تتحرَّك نحو الجبهة مباشرة..
وهنا، قرَّرت المجموعة تجاوز الأوامر الصادرة من (القاهرة)، وإجراء اتصال لاسلكى، لإبلاغ هذه المعلومات الخطيرة فوراً..
وتوجه أفراد المجموعة إلى نقطة الاتصال، الكائنة فى منزل والدة (سعد)؛ وراحوا يعدون المعلومات، التى يقوم (عبد الحميد) بتشفيرها، تمهيداً لإرسالها إلى (القاهرة)، و...
وفجأة، اقتحمت قوات العدو الإسرائيلى المكان، وارتفعت فوهات مدافعهم الآلية، فى شراسة متحفزة، نحو أفراد المجموعة..
ولم يكن هناك مجال للإنكار، أو لنسج قصة وهمية؛ فالإسرائيليون اقتحموا الحجرة، وبها جهاز اللاسلكى، والمعلومات المشفَّرة، وغير المشفَّرة، وأفراد المجموعة..
وتم إلقاء القبض على الجميع، وانطلق ضباط المخابرات الإسرائيلية يفتشون الحجرة والمنزل كله، فى شراسة ما بعدها شراسة..
كان هناك جيش كامل، من الجنود والضباط الإسرائيليين، يحيط بالمنزل، فى تحفُّز كامل، كما لو أنهم يلقون القبض على كتيبة كاملة من الفدائيين، وليس على عدد محدود من الأفراد..
وفى المنزل، عثروا على مجموعة من أقلام التوقيت، أثارت رجال المخابرات الإسرائيلية أكثر وأكثر..
وبعدها انقسم الضباط مع الجنود إلى مجموعتين، إحداهما اقتادت (سعد) إلى منزله، فى شارع 23 يوليو، فى حين اقتادت المجموعة الثانية (عبد الحميد)، إلى منزله فى شارع الشهيد (محمد الخليلى)..
وتم تفتيش المنزلين بمنتهى الدقة والوحشية، وتم الاستيلاء على كل المشغولات الثمينة، وكل الأوراق والأجهزة، مع تدمير كل ما تبقى كعادة الإسرائيليين، فى مثل هذه الأحوال..
ثم تم نقل المجموعة إلى مبنى المخابرات الإسرائيلية فى العريش، والذى يحتله (نزل الشباب) حالياً..
وهناك، بدأت التحقيقات، وبدأ الاستجواب..
وبدأ التعذيب..
ويقول الحاج (سعد) أن الأيام الأولى كانت تحوى الكثير من الضرب والتعذيب العنيف، والقليل جداً من الاستجواب، حتى أنه والحاج (عبد الحميد) قد فقدا تماماً الإحساس بالزمان والمكان، ولم يعد باستطاعتهما معرفة كم مرّ عليهما من وقت هناك...
وفى الوقت نفسه، لم تتوقَّف أجراس الهاتف ونداءات اللاسلكى أبداً، كما تم عرضها على أعداد كبيرة، من ضباط الجيش الإسرائيلى، الذين راحوا يردون إلى المبنى، برفقة ضباط المخابرات، دلالة على ما سببته لهم المجموعة من خسائر جسيمة.
وبعد فترة، لم يتمكن أحدهما من تحديدها بالضبط، تم نقل المجموعة إلى سجن (غزة) المركزى، معصوبى الأعين، ومقيِّدى الأيدى خلف الظهور، فى سيارة نقل عسكرية..
وفور وصولهم إلى سجن (غزة)، بدأت حلقة جديدة من التحقيقات، سبقها وتخللها وأعقبها عديد من صنوف التعذيب والإكراه، والضغوط النفسية والجسدية...
والمؤلم أن الإسرائيليين قد منحوا القسط الأكبر، من التعذيب والإهانات والعنف، للحاج (صباح الكاشف)، دون احترام لكبر سنه، أو ضعف جسده..
ولكن الرجل - رحمه الله - كان مثالاً حياً للبطولة والصلابة والشهامة، عندما تحمل العذاب والتعذيب الوحشى، بكل رجولة وحزم، دون أن تلين عزيمته، أو يعترف بحرف واحد مما لديه..
وأثناء الاستجواب والعنف، شعر قائد المجموعة (عبد الحميد)، أن الإسرائيليين لا يعلمون شيئاً عما فعلوه، طوال السنوات الماضية، وأن معلوماتهم تقتصر فقط على نشاط المجموعة، أثناء حرب أكتوبر، وأراد أن يبلغ الحاج (سعد) بهذا، حتى تقتصر اعترافاتهما على فترة الحرب وحدها دون غيرها..
كان أحدهما سجين زنزانة منفردة، فى بداية ممر السجن، والآخر نزيل زنزانة منفردة أخرى، فى نهاية الممر، وتفصلهما مسافة كبيرة نسبياً، تمنعهما من تبادل أية أحاديث، دون أن يلتقطها الإسرائيليون، الذين زوَّدوا زنزانتيهما بأجهزة تنصُّت دقيقة أيضاً..
لذا فقد ابتكرا صديقا وزميلا العمر وسيلة فطرية عبقرية ومدهشة، لتبادل الحديث فى هذا الشأن.
فمن زنزانته، هتف الحاج (سعد): " الله واحد ..".. وهنا أجابه (عبد الحميد)، بهتاف آخر: "لا من قبله ولا من بعده.."..
وفهم الرجلان المعنى، بعد سنوات وسنوات من الزمالة والصداقة..
فهم كل منهما أنه عليهما الحديث عن نشاط أكتوبر وحده، لا ما قبله، ولا ما بعده..
الحاج (سعد) وجد وسيلة أخرى طريفة، يتحدَّث عنها قائلاً: "كنت أحياناً أتظاهر بنسيان بعض التفاصيل، وباحتياجى لمراجعتها مع الحاج (عبد الحميد)، فيرسل المحققون الإسرائيليون لاستدعائه، وعندئذ ألتقى به، وأصافحه، ونتبادل بعض الكلمات السرية، التى لا يعرفها سوانا، والتى يفهم كل منا معناها جيِّداً، دون أن يفهم الإسرائيليون منها شيئاً، على الرغم من أنهم كانوا جميعاً يتحدثون العربية بمنتهى الطلاقة ..".
وهكذا، انتصر الذكاء المصرى الفطرى، على العقول الإسرائيلية المحترفة المدرَّبة، التى حاولوا إيهامنا، لسنوات وسنوات، أنها عبقرية متميِّزة، لا تُقهر ولا تنهزم أبداً..
وهذا يؤكِّد رأى الحاج (عبد الحميد)، الذى لا يمل ترديده أبداً..
"الإسرائيليون ليسوا أبداً بالبراعة، التى يوحون للعالم بها.."..
وفى حديثه عن فترة السجن والتعذيب، يروى الحاج (عبد الحميد)، قصة، كاد شعر رأسى يزداد شيباً لسماعها..
يروى أن والده قد زاره فى السجن، وقد تجاوز السبعين من العمر، فأخفى هو كفيه، اللذين اسودا وتورَّما من شدة الضرب والتعذيب خلف ظهره ؛ خشية أن يراهما والده، وهو يتوقَّع منه أن يلومه ويقرِّعه، على توريط نفسه فى أمر خطير كهذا، دون أن يستشيره، أو يطلب موافقته..
واقترب (عبد الحميد) من والده، وهو يقدِّم قدماً، ويؤخِّر أخرى، وخفق قلبه بقوة، عندما رآه والده، وهبّ من مقعده بحركة فتية، لا تتناسب مع أعوام عمره السبعين، وانتظر صراخه الغاضب، وثورته العارمة، و...
ولكن الأب، الذى نما فى تراب هذا الوطن، وأكل وشرب من خيره، رفع قبضته أمامه فى حزم، وارتفع معها صوته، بمنتهى القوة، والعزم، وهو يهتف بابنه:
- إياك أن تحنى رأسك لمخلوق واحد..
ويحكى (عبد الحميد) أن قشعريرة قوية قد سرت فى جسده، وهو يحدِّق مبهوراً فى والده، الذى تابع بنفس القوة والعزم، ودون أن يخشى رد فعل الإسرائيليين:
- ما فعلته يستوجب الفخر والزهو، فإياك أن تشعر بذرة واحدة من الخزى أو العار، وإياك أن تحنى رأسك لمخلوق واحد هنا.. المؤمن لا يحنى رأسه إلا لله (سبحانه وتعالى) وحده.
الواقع أن الرواية فجَّرت ألف انفعال وانفعال فى أعماقى، إلا أنها لم تدهشنى، فكما يقولون دوماً، من الطبيعى أن يكون هذا الشبل من ذاك الأسد ، وأن تكون هذه مصر المصريين ..
المهم أن فترة السجن والعنف، والاستجواب، والتعذيب قد انتهت بصدور لائحة الاتهام، التى حوت سبع تهم، أخطرها التجسُّس فى زمن الحرب، وأقلها حيازة جهازى إرسال لاسلكى، وأسلحة، ومفرقعات، ومواد ناسفة شديدة التفجير..
ومع صدور لائحة الاتهام أو الادعاء، انتقلت القصة كلها إلى مرحلة جديدة ودقيقة جداً..
إلى المحاكمة..
الإسرائيلية.
* * *

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 31-10-11, 01:09 PM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

الفصل الأخير

يغلب ظنى أنه لو أتيحت للإسرائيليين الفرصة، لمحاكمة مجموعة من جنرالات النازية، الذين نسبت إليهم ارتكاب الفظائع، خلال الحرب العالمية الثانية، لما اتخذوا من إجراءات الأمن الشديدة والمعقَّدة ما اتخذوه، أثناء محاكمة أبطال (سيناء)..

ولقد تم نقلهم من السجن إلى المحاكمة، داخل عربة مصفَّحة، تحيط بها حراسة مكثَّفة، وأحيط مبنى المحاكمة كله بعشرات من الجنود المسلحين، والمدرعات، والدروع، الواقية، فى نفس الوقت الذى أحيط فيه قفص الاتهام أيضاً بطوق من الحراسة المشدَّدة..

وعلى الرغم من كل هذا، اكتظت المحكمة بجمهور غفير، من سكان مدينة (العريش)، وقطاع (غزة)، وبعدد من المحامين، من القطاع نفسه، جاءوا للدفاع عن الأبطال..

وبصلف إسرائيلى معتاد ، قرأ المدعى العسكرى الإسرائيلى لائحة الاتهام، وراح يفند خطورة التهم، واحدة بعد الأخرى،حتى انتهى من حديثه، وقد بدا للكل أن الإعدام هو أخف حكم، يمكن أن يصدر ضد أفراد المجموعة..

ثم جاء دور المحامين، الذين طلبوا تأجيل الجلسة، حتى يتمكَّنوا من الاطلاع على ملف القضية، إذ لم تتح لهم مقابلة موكليهم، فى الآونة الأخيرة، كما يحتّم القانون..

ووافق القاضى على تأجيل الجلسة، وحدَّد موعداً للجلسة التالية..

وكان هذا يعنى عودة الجميع إلى زنازينهم الانفرادية، فى سجن (غزة) المركزى..

وفى محبسه، راح (عبد الحميد) يستعيد كلمات والده القوية..

"لا تحن رأسك لأى مخلوق.."..

وتنهَّد قائد مجموعة (العريش)، وهو يسند ظهره إلى جدار سجنه فى ارتياح غامر..

إنه لم يحن رأسه لأى مخلوق بالفعل..

لا هو، ولا أى فرد آخر، من أفراد المجموعة كلها..

لا أحد منهم استسلم، أو فقد إيمانه بالله سبحانه وتعالى، أو ثقته فى قيادات أمن (مصر)، وفى أن الوطن لن يتخلّى عنهم أبداً مهما كان الثمن..

الوطن، الذى بذلوا كل ما بذلوه من أجله، سيجد حتماً وسيلة لإخراجهم من محنتهم، وإعادتهم إلى أحضانه، مهما بذل من جهد أو تضحيات، فى سبيل هذا..

وتوالت الأيام، وظلّ أفراد المجموعة هادئين واثقين، مطمئنين إلى أن الوطن لن يهدأ له بال، ما داموا فى محابسهم..

لن يهدأ له بال أبداً..

ولقد سخر الإسرائيليون من إيمانهم هذا، وبالذات رجال مخابراتهم، الذين أخبروهم أن هذا مستحيل، وأن دورهم بالنسبة لوطنهم (مصر) قد انتهى بسقوطهم، ولن يبحث عنهم، أو يتذكَّرهم، أو يبذل من أجلهم مخلوق واحد أدنى جهد، فى (مصر) كلها..

ولكن فجأة، وفى الصباح الباكر، من الرابع من (مارس)، عام 1974م، فوجئ الرجال بالحراس الإسرائيليين يخرجونهم من زنازينهم، ويخلعون عنهم ملابس السجن، ثم يسلموهم الملابس التى كانوا يرتدونها، عند إلقاء القبض عليهم، وبعدها حملوهم جميعاً إلى فناء السجن..

وعندما وصل ضباط المخابرات الإسرائيلية إلى المكان، فوجئوا بالمجموعة كلها فى ثياب مدنية فى الفناء، فصعدوا إلى مكاتبهم، ثم استدعوا (عبد الحميد الخليلى)، و(سعد عبد الحميد) إليهم شخصياً دون الآخرين..

وفى قلب المخابرات الإسرائيلية، داخل سجن (غزة) المركزى، سألهما أحد الضباط الإسرائيليين فى عصبية: "هل تعلمون إلى أين أنتم ذاهبون؟‍!"، وأجابه الاثنان بأن المجموعة كلها تجهل هذا تماماً، وهنا، هتف بكل خنق وسخط الدنيا: "أنتم عائدون إلى (القاهرة).."..

وتفجَّر ألف انفعال وانفعال، فى أعماق (عبد الحميد) و(سعد)..

ولدقيقة أو يزيد، عجز عقلاهما عن استيعاب العبارة، أو حتى الموقف كله..

أمن الممكن أن يكون هذا حقيقة؟‍!..

هل تحقَّق المستحيل!..

هل سيعودون بالفعل إلى (القاهرة)!..

وبكل غضب الدنيا، وبعد مجموعة من الاتصالات العبرية، التفت إليهما ضابط المخابرات الإسرائيلى، قائلاً: "لو أن الأمر بيدى، لما خرجتكم من هنا أحياء، ولكنها أوامر عليا.."..

وكان موقفاً لا يمكن نسيانه أبداً..

ويضحك عم (سعد)، وهو يقول: "علمنا فيما بعد أن (مصر) كانت قد أوقعت بضابط مخابرات إسرائيلى فى (اليمن)، ويدعى (باروخ)، وأنها قد عقدت صفقة مع الإسرائيليين، لاستبدال (باروخ) هذا بمجموعتنا كلها، وبعدد آخر من المعتقلين والمسجونين أيضاً.. ومن الواضح أن (مصر) كانت صارمة تماماً فى صفقتها، وأنها قد طلبت القائمة كلها أو لا شئ، حتى أن الإسرائيليين كانوا قد أفرجوا بالفعل عن بعض المعتقلين، فأعادوا اعتقالهم، حتى تكتمل القائمة، وإلا رفضت (مصر) إتمام الصفقة..".

وفى فناء سجن (غزة) المركزى، تمت مراجعة أسماء الجميع، فى حضور مندوب منظمة (الصليب الأحمر)، ثم اقتادهم الحرَّاس إلى الباب الخارجى، حيث كانت فى انتظارهم سيارة أتوبيس ضخمة، محاطة بحراسة قوية، وصعد الكل إليها، ثم قام الجنود الإسرائيليون بتقييد يد كل فرد إلى يد زميله، بقيود من البلاستيك القوى، وتم وضع حراسة مشدَّدة داخل الأتوبيس نفسه، وكانت نوافذه كلها مطلية بطلاء داكن، لا يسمح بالرؤية، فى حين تم فصلهم عن السائق بحاجز خاص، تم طلاؤه باللون نفسه، حتى لا يدرك أحد إلى أين يتجه الأتوبيس.

ومرَّ الوقت بطيئاً ثقيلاً، مع انعدام الرؤية، وعدم السماح بتبادل الكلام والأحاديث، والأتوبيس ينطلق فى قلب (سيناء)، وينطلق، وينطلق..

وأخيراً، توقف الأتوبيس فى منطقة البرج، شرق مدينة (القنطرة)، وساد صمت تام رهيب..

فعلى الجانب الآخر، الخاضع تماماً للسيطرة المصرية، كانت تقف سيارة أخرى مقفلة، تقل ضابط المخابرات الإسرائيلى (باروخ مزراحى)، الذى وقع فى قبضة المخابرات المصرية، منذ عدة سنوات سابقة، ورفضت (مصر) أكثر من عرض لإعادته إلى (إسرائيل)، حتى سقطت مجموعة (العريش)، وعندئذ رأت المخابرات المصرية، تقديراً لجهد وخدمات هؤلاء الرجال، أن تعقد صفقة مع الإسرائيليين، للقيام بمقايضة سرية، فتمنحهم ضابطهم الفاشل، وتستعيد أبطال (العريش) كلهم..

وفى موقع البرج، الذى يبعد ستة عشر كيلو متراً، شرق مدينة (القنطرة)، حضر (باروخ) فى السيارة المغلقة، وحضر الأتوبيس الإسرائيلى، الذى يحمل الأبطال..

وتمت عملية التبادل..

تمت خلال خمس عشرة دقيقة، انطلق بعدها (باروخ) إلى (إسرائيل)، وعاد الأبطال إلى (القاهرة)..

فى عاصمة وطنهم، كانت بانتظارهم سلسلة من المفاجآت..

الأجهزة الأمنية المصرية استقبلتهم، بكل الحفاوة والترحيب، واستضافتهم استضافة كريمة لعدة أيام، ما زالوا يشيدون بها حتى يومنا هذا، ثم منحتهم الدروع والميداليات..

والتقى الأبطال بعد طول فراق..

التقى (عبد الحميد)، و(سعد)، و(رشاد)، بزميلى الكفاح (فضل) و(حجاب)..

وفى اللجنة المركزية العليا للاتحاد الاشتراكى، أقيم حفل كبير، فى القاعة الرئيسية، حضره كبار رجال الدولة، ومختلف أجهزة إعلامها ؛ للاحتفاء بأبطال مجموعة (العريش)..

ثم أقامت جمعية الشبان المسلمين حفلاً آخر للأبطال، فى مقرّها العام، حضره نخبة من رجال الدولة، على رأسهم السيد (حسين الشافعى)، نائب رئيس الجمهورية - حينذاك - والإمام الأكبر، الشيخ (عبد الحليم محمود)، وغيرهما..

وبعدها أقامت (منظمة سيناء العربية) حفلاً كبيراً، حضره كبار القادة، والأجهزة الأمنية، وتم خلاله تسليم أنواط ودروع المنظمة إلى أفراد المجموعة.

ثم كانت ذروة التكريم، عندما أصدر السيد (أنور السادات)، رئيس الجمهورية - آنذاك - قراراً جمهورياً بمنح الأبطال نوط الامتياز، من الطبقة الأولى (تقديراً للدور الذى أدوه، من صادق المعاونة المقدًّمة للقوات المسلحة، خلال حرب أكتوبر المجيدة) كما جاء فى براءة النوط.

وفى أحد نوادى القوات المسلحة بالقاهرة، أقيم حفل كبير، قام خلاله المشير (أحمد بدوى)، وزير الدفاع فى ذلك الحين، مندوباً عن رئيس الجمهورية، بتسليم الأنواط والميداليات التذكارية لأبطال (سيناء)..

ومع كل حفلات التكريم، والرعاية التامة، التى أحاط بها المسئولون وأجهزة الأمن الأبطال، إلا أنهم لم ينسوا ما فعله من أجلهم رجلان بالتحديد، كان لهما عظيم الأثر، فى مشوار الكفاح والنضال..

الأستاذ (حلمى البلك)، الذى أولى بياناتهم اهتماماً بالغاً، وبثها عبر برنامجه الشهير، الذى كان يذاع أيامها بانتظام (الشعب فى سيناء)، معلناً أنها صادرة من (لجنة أبناء سيناء الأحرار)، مما منحهم قوة أكبر، وساعد على انتشار أعمالهم، وبلوغ أهدافهم مداها..

ولقد اتفق الكل على أنهم قد اعتبروا الأستاذ (حلمى البلك) واحداً من مجموعتهم، خاصة وأنه من أبناء (سيناء) المخلصين، وأبناء الوطن، الذين لا يألون جهداً، فى سبيل رفعته وعلو شأنه..

أما الرجل الثانى، الذى يحملون له كل التقدير والاحترام.. بل والتبجيل أيضاً، فهو المرحوم اللواء (محمد عبد المنعم القرمانى)، محافظ (سيناء) حينذاك، والذى منحهم كل اهتمامه ورعايته، منذ كانوا يقاتلون فى (العريش)، وعند وصولهم إلى أرض (مصر)..

لقد تعامل معهم الرجل - رحمه الله - بأبوة صادقة، وعناية مخلصة، ورعاية بلا حدود، حتى أنهم كانوا وما زالوا يعتبرونه الأب الروحى لمجموعتهم، على الرغم من وفاته، ومرور كل هذه السنوات الطوال..

ومن الطبيعى ألا ينساه أحدهم قط، فقد بذل جهداً حقيقياً من أجلهم، منذ وطأت أقدامهم (القاهرة)، وقدَّم لهم ما لم يقدِّمه سواه..

فبعد حفلات التكريم، والرعاية البالغة، راح يخاطب كل المسئولين، حتى استصدر قراراً بمنحهم لقب (مجاهد)، والذى حملته أنواط الامتياز التى حصلوا عليها، وما زالوا يفخرون بها، حتى لحظة كتابة هذه السطور..

أضف إلى هذا أن اللواء (القرمانى)، رحمه الله، ترك تعليمات مستديمة إلى السكرتارية الخاصة بمكتبه، بأن المجاهدين مستثنون تماماً من ضوابط مقابلته، وأن مكتبه مفتوح لهم، فى أى وقت يشاءون..

ولا يذيع الأبطال سراً، عندما يقولون: إن المجموعة كانت على علاقة قوية، واتصال مباشر به، طوال فترة الاحتلال، وأثناء تنفيذ عملياتها، وقبل أن يعود أفرادها إلى (القاهرة)..

ولقد أولى اللواء (القرمانى) المصابين من أفراد المجموعة عناية ورعاية تفوقان كل وصف، حتى أن (فضل عبد الله) يقول فى تأثُّر: "لقد عين سيارة خاصة، لإحضارى وقت الحاجة، حتى لا أحتاج إلى من يعاوننى فى هذا، بعد أن فقدت بصرى، وذات مرة، لم تكن هناك أية سيارة متاحة، فأصر على أن تحملنى سيارته الشخصية إلى حيث أريد.."..

الرجل - رحمه الله - كان إذن حالة نادرة من البشر، يقدِّر البطولة، ويحترمها، ولا يدخر جهداً فى تكريم أصحابها، ورعايتهم، ومتابعتهم فى كل شئون حياتهم، المادية والتعليمية، وحتى الصحية..

لا عجب إذن أن يحمل له الرجال كل هذا الاحترام والتقدير، وأن يوصوا بأن تحمل كتاباتى عنهم مشاعرهم تجاهه، وأن أضيف إليها دعاءهم له، عندما يسألون الله سبحانه وتعالى أن يجزيه خير جزاء، وأن يدخله فسيح جناته..

ولأن الأبطال يحترمون كل من تأثَّروا به، وبما يطرحه من آراء، ويقدرون كل من اتخذوا من سلوكه وصفاته الشخصية مثلاً لهم، سواء أكان يعلم حقيقة ما يفعلونه أو لا، فقد رأوا ضرورة ذكر قائمة وفاء هنا، فى نهاية المقالات، تقديراً منهم لكل من لعب دوراً هاماً فى حياتهم الحافلة..

فضيلة المرحوم الشيخ (جاد المولى أحمد)، والمرحوم الأستاذ (إسماعيل فؤاد رضوان)، والمرحوم الحاج (مصطفى ديبان)، والمرحوم الأستاذ (على محمد الجعفرى)، والمرحوم الأستاذ (محمد عز الدين جبريل)، والحاج (محمد عبد العزيز حسين طروش)، والأستاذ (غريب أبو حمدة)، والمرحوم الحاج (سعيد حامد الطنجير)، والمرحوم الحاج (عبد السلام حمدى الكاشف)، والمرحوم الحاج (محمد فتحى رحال)..

وعلى الرغم من كثرة الأسماء، وتراصها على نحو لا يتفق مع الأسلوب الصحفى الأمثل، إلا أن الوفاء، الذى اعتبره دوماً سمة من سمات البطولة الحقة، جعلنى أتجاوز كل القواعد والأعراف، وأصرّ على تدوين كل الأسماء هنا..

بلا استثناء..

وفى نهاية اللقاء، وقبل أن أغادر أبطال مجموعة (العريش)، عائداً إلى (القاهرة)، متخماً بعشرات الأحداث والأفكار المثيرة، وبوجبة سمك لذيذة، أحضرها (عبد الحميد سعد)، ابن الحاج (سعد)، والذى يحمل اسم صديق وزميله كفاحه، تذكَّرت الفقرة التى أنهى بها هؤلاء الرجال مذكراتهم، التى أرسلوها إلىَّ..

"لم نكن الوحيدين فى الميدان، بل كانت هناك مجموعات أخرى عديدة، تعمل على أرض (سيناء)، وتديرها المخابرات المصرية بكل اقتدار، حتى غطت كل شبر من (سيناء)، وكانت من مفاجآت حرب أكتوبر، التى قال عنها (موشى ديان)، وزير الدفاع الإسرائيلى، فى مذكراته التى نشرت بعد الحرب: "نجح المصريون فى زرع رادارات بشرية، فى كل شبر من (سيناء)"، ونحن وهم أدينا واجبنا، كما ينبغى أن يكون الأداء، وستظل البطولات المصرية سطوراً مكتوبة بأحرف من (نور)، فى تاريخ (سيناء)، حتى يدرك الأبناء ما قدَّمه الآباء.."..

تلك كانت كلماتهم، ومشاعرهم، وكانت أفضل ختام لقصتهم، التى عرفتها منذ ربع قرن، وطالعت تفاصيلها من أيام..

قصة المجاهدين..

أبناء سيناء.. الأحرار..

والأبطال..

د. نبيل فاروق

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 31-10-11, 01:10 PM   المشاركة رقم: 9
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي

 
دعوه لزيارة موضوعي

تمت بحمد الله

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 31-01-13, 06:33 AM   المشاركة رقم: 10
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 238526
المشاركات: 56
الجنس ذكر
معدل التقييم: احمد خميس عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 23

االدولة
البلدEgypt
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
احمد خميس غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي رد: الأبطال - للد.نبيل فاروق - كاملة

 

عاشت مصر حره

 
 

 

عرض البوم صور احمد خميس   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الابطال, رواية, نبيل فاروق, قصة
facebook




جديد مواضيع قسم روايات أونلاين و مقالات الكتاب
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:47 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية