الفصل التاسع
وعاد الاثنان من شهر العسل مغتبطين ذات صباح من شهر آب,فبدت لهما لندن حزينة كئيبة تغطيها غيوم رمادية. تذكرا حينها شمي مايوركا الدافئة بحنين وحب.
بات عليهما الان المكوث في منزل اهله ريثما يتم تجهيز منزلهما, لم ترق لكريسيدا الفكرة وفضلت البقاء في منزل اهلها, لكن نزولا عند رغبة سام وافقت على مضض.
حدق سام بها طويلا ثم طبع قبلة على يدها وقال: "لا تحزني حبيبتي, غدا نسافر الى مكان اخر ريثما تيسر الامور المادية."
بادرته: "كم تملك من المال سام؟"
اجابها: "اعتبر نفسي منتميا الى الطبقة الوسطى في المجتمع, لدي بعض المال سانفقه على مستلزمات المنزل وما شابهها من امور في اطار عملي, ستشعرين بان الامور صعبة بالنسبة اليك لكن يمكننا تدبر المسالة, انت تعملين في المنزل وانا اعمل خارجه. تعرفين هناك مصاريف كثيرة تنتظر, كاستقبالات افراح ورياضة في ناد وهدايا ودعوات عشاء, كلها تتطلب مالا."
قالت: "ساساعدك على تخطي تلك الصعاب, ساقوم بتوفير كل قرش ونبني هذا البيت معا. تبدلت تلك الايام, كانت والدتي توفر كل ما استطاعت من اجلي ومن اجل اخي. والدتك تبدو مسرفة, تهتم بالاصحاب والسهرات والماس والفراء الثمين وما الى ذلك."
اجابها قائلا: "لا تياسي سوف اعمل بجد كي اوفر لك السعادة, ساعتمد على نفسي فقط لاني لا اريد الاعتماد على امر في توفير طلباتي."
ثم عادت ذكريات شهر العسل تتراءى امام مخيلة سام وبادرها: "ألم اسعدك اثناء شهر العسل لحظات وجيزة؟"
"بلى, ايام وليال حقا جميلة, كل شيء كان رائعا,وانت ما احلاك عاشقا ولها كما زوجا حبيبا."
تنهد مرتاحا لا يصدق انه اصبح رجلا لديه مسؤولية بيت وزوجة.
في بعض الاحيان كان يحس بها كئيبة حزينة ومزاجها في اسوأ احواله. ثم م تلبث ان تصبح اكثر فرحا ولطفا, اغضبه ذلك الامر وجعله يفكر في مشاكل قديمة تراكمت منذ طفولتها وتركت اثرها في نفسها, قرر العمل جاهدا ليؤمن لها الاستقرار والرفاهية منذ تلك اللحظة.
بعد زيارة تفحص لمنزلهما توجها الى منزل والدنه, كانت تمطر بغزارة, وقفا امام الباب ينتظران وبدت كريسيدا باجمل حلتها, كانت تشع فرحا وجمالا.
استقبلتهما فتاة سمراء اللون تعمل لدى فراني, وتعجب سام اذ رآها, وافتكر والدته للتو التي تبدل خدامها كما تبدل ثوبها كل يوم.
دار حديث بين سام وتلك الفتاة, كانت تتكلم الاسبانية والانجليزية معا, وشرحت لسام ما اصاب السيد غايمن وعكة صحية بلكنة غريبة, عرف سام حينها ان خطبا ما قد حدث في المنزل.
قال: "اذهبي انت هات الحقائب وانا اتفقد عمي وامي."
وبعد ان تفقد عمه عاد الى كريسيدا حزينا وقال: "لقد تعرض زوج امي البارحة لانسداد شرياني في قلبه. وجهه اصفر شاحب وشفتاه زرقاوان وحالته لا ترضي."
في تلك الاثناء ظهرت فراني باناقتها وحسن هندامها وقد عقدت في شعرها شالا من حرير, وقامت تستقبل العروسين بالترحاب, لكن بدا على وجهها التعب. بعد ان قبلت سام بادرته:
"شكرا على قدومك بالسرعة اللازمة فقد عانيت كثيرا, وقضيت الليل الى جانبه اشعر بالقلق, لقد تم نقله البارحة الى المنزل على اخررمق, وبعد ان كشف عليه طبيب القلب اشار بوجوب نقله الى المستشفى مخافة ان يصاب بازمة قلبية اخرى, لكنه رفض مغادرة المنزل, وهو الان في سريره كما ترى."
"يسرني انك لم تنقليه الى المستشفى في سيارتك والا كان قد قضي عليه, ربما من الافضل ابقاؤه في المنزل هنا بدلا من المستشفى."
"علينا بارساله الى المستشفى للعلاج, من لصعب علاجه هنا, والخادمة قد تتعرض لمزيد من المتاعب." قالت فراني ذلك غاضبة.
اشعلت كريسيدا سيجارة واخذت تفكر في امر ذلك المسكين الذي سيقضي ضحية استهتار هذه المراة القاسية القلب.
منتديات ليلاس
جلسا لتناول عشاء خفيف مع والدة سام, ودارت احاديث شتى من ضمنها الحفلى التي كنت ستقام في النادي والتي الغيت بسبب مرض زوجها, وعطلة نهاية الاسبوع التي كانت الترتيبات من اجلها قد تمت للسفر الى البرتغال قد تاجلت. وان فراني بدات بالبحث بمساعدة الطبيب المعاين عن ممرضة تهتم بامور زوجها. ومن خلال حديثها تبادر الى ذهن كريسيدا كم عانت والدتها على اثر مرض ابيها وهي التي حولت المنزل الى مستشفى وتفانت في خدمته.
سال سام والدته: "هل تريدينني ان اساعدك في شيء يا امي؟"
التفتت فراني نحو كريسيدا وقالت: "تبدين سمراء يا عزيزتي بعد تلك الرحلة."
مرض زوجها لم يبدل من عاداتها واناقتها المعهودة, ثم تابعت: "هل ستبقيان هنا لمدة طويلة؟"
"ليلة واحدة امي, لا نود ان نكون مصدر ازعاج لزوجك. على كل حال سوف نذهب غدا الى كوفولد."
"متى ستعود الى مكتبك؟"
"الاثنين على ما اعتقد."
"يبدو لي ان بقاءكما هنا بضعة ايام سيريحني. زوجتك بامكانها المساعدة مع نينا هنا. تعرف سام الشغالات في مثل هذه الايام يتعذر الحصول عليهن, ونينا لديها الكثير من الاشياء لتقوم بانجازها.السيدة ايستمن لا تستطيع مساعدة نينا, فهي تقوم باعداد وجبات الطعام وتسير الامور جيدا."
"لا والدتي ظن اننا سنرجع الى منزلنا لناخذ قسطا من الراحة, ليس باستطاعة كريسيدا القيام بما تقولينه, لديك مجموعة من الخدم ويمكنك البحث عن ممرضة لزوجك."
قالت والدته بحزن: "لكن السيدة ايستمن قالت انها لا تستطيع ان تطهو الطعام للمرضة, انت تعلم ان طعام الممرضات يختلف عن طعامنا, فهن يعتمدن طعاما خفيفا للريجيم."
اجابت كريسيدا بلطف: "سنبقى ان شئت بضعة ايام, ألا توافق سام؟"
"انك متفهمة جدا." تمتمت فراني بصوت خافت. راى سام ان الامور ستنتهي فيما بعد الى اسوا, فقد فضل عدم البقاء نظرا لان عروسه قد عادت لتوها من شهر العسل, وعليهما استقبال الزوار والاقارب.
اقتربت فراني من ابنها وربتت على كتفه واصرت على موقفها, فهي تريد كريسيدا ان تبقى لتحل محلها في ادارة شؤون المنزل.
"لا عليك بني, لقد قضيتما معا اسبوعين كاملين, ان شئت اترك زوجتك هنا واذهب الى عملك."
بعد الغداء في غرفة النوم بادر سام زوجته: "ارى انك تسرعت في اتخاذ القرار, فانا لا اريدك ان تعملي في هذا المنزل, انت لا تفهمين فراني مثلي. انها تقضي الليل ساهرة قلقة تعتريها هواجس. انها لا تهتم الا بامورها الخاصة, فلتهتم بنفسها وزوجها المسكين ولو لمرة واحدة."
اجابت كريسيدا: "لا ارى من مانع في البقاء طالما الامر يعجبك."
غمرها وقبلها قائلا: "عزيزتي انت رقيقة القلب طيبة وتحبين المساعدة.اذاً سنبقى ليومين لا اكثر."
"يمكنك الذهاب غدا الى كوفولد لتهتم بامور المنزل, عندها يمكننا الذهاب الى هناك متى شئت."
اجابها مغتبطا: "اكاد لا اقوى على الانتظار."
عملت كريسيدا ما في وسعها من اجل الحفاظ على النظام في منزل فراني, حيث قامت بتنظيم وقت الطباخة والاشراف على وجبات الطعام ثم استقبال الضيوف والاهتمام ولو من بعيد بالسيد غاي المريض.
اتصلت كريسيدا بمنزل والديها واطمأت على صحة والدها وعرفت من والدتها ان اخاها سيمون بالف خير وكل شيء على احسن ما يرام.
تمنت كريسيدا مبارحة المكان باسرع وقت ممكن, لكن بعد ان اشارت عليها والدتها بعدم المثول لاوامر فراني المستبدة اطمأنت وهدا بالها.
بعد ظهر ذلك اليوم وفيما فراني تقوم بزيارة تقليدية لدار من دور الايتام, صعدت كريسيدا تتفقد غاي وتطمئن على راحته.
وفجاة اذ تطلعت وجدته مرميا على الارض وقد فارق الحياة. نادت سام على الفور, الذي اتصل بالطبيب. حين حضر الطبيب للمعاينة كان قد وصل متاخرا. حين وصلت فراني هرعت مسرعة الى الغرفة على اثر خبر وفاته.
بكت فراني تاثرا وهي تقول لسام: "يا لحظي التعيس بعد ان فقدت والدك ها انا الان امام نفس المصيبة, من سيهتم بي بعد اليوم؟"
بدات كريسيدا تهدئ من روع فراني المدللة التي ارتمت على الاريكة تبكي وتنوح ثم تهوي على كريسيدا باكية من شدة التاثر قائلة: "ليتني لم اتزوج ذلك العجوز الاحمق, ها انا قد اصبحت ارملة معدمة."
بادرتها كريسيدا قائلة: "عليك باخذ قسط من الراحة, اذهبي الى غرفتك واستريحي."
"لا استطيع البقاء في غرفتي وحدي فهي متصلة بغرفة غاي." ثم اجهشت بالبكاء.
قالت كريسيدا: "يمكنك الراحة في غرفتنا, فهي بعيدة عن غرفة غاي." وساعجت فراني على النهوض والذهاب الى غرفتهما, وساعدتها بتغيير ملابسها.
نزلت كريسيدا الى الطابق السفلي وامرت باحضار الشاي. لكنها دهشت حين رات السيدة ايستمن تبكي على السيد غاي قائلة: "اني متاكدة ان السيدة فراني تبكي الان تظاهرا بانتظار الحصول على ارث دسم."
منتديات ليلاس
تابعت تقول وكريسيدا تصغي باهتمام: "يا لها من امراة طائشة مجنونة, تركت ذلك العجوز ليلفظ انفاسه وخرجت مع اصحابها وهي تمتم لا استطيع البقاء اليوم مع جثة في هذا المنزل."
قالت كريسيدا: "لا يمكنك التحدث عنها بهذا الشكل يا سيدة ايستمن."
حاولت كريسيدا تهدئة السيدة ايستمن فقامت باعداد الشاي بنفسها ثم اتجهت الى غرفة فراني.
على الفور اتصل سام بطبيب زوج امه الخاص السيد كريسبن, الذي صدم لخبر وفاة غاي واكد لسام ان وفاته اتت صدمة, اذ انه لم يكن يحس بمرض في يوم من الايام, وبعد ان اخذ وصفة مسكن لوالدته جلب لها الدواء واطمأن لنومها العميق.
بعدئذ جلس مع كريسيدا يتناقشان بمجريات الامور شارحا لها ما قام به من ترتيب للمنزل من كهرباء وتصليحات وغيرها, راى زوجته متكدرة الى حد ما اذ طلبت العودة الى كوفور بعيدا عن مشاكل ذلك المنزل, لكن سام ربت على كتفه قائلا:
"لا يمكننا المغادرة الان حبيبتي, والدتي تحتاج الينا, فلنتريث قليلا."
ارتدت فراني ثوبها الاسود وقبعتها السوداء استعدادا لاستقبال المعزين, وعرفانا اهدت كريسيدا سوارا ماسيا كانت لا تزال تحتفظ به هدية لها من والد سام.
تمنعت كريسيدا عن قبول تلك الهدية بلطف ثم قبلتها فيما بعد لانها ستسعد سام.
بعد الانتهاء من مراسم الدفن عادت العائلة الى المنزل مع محامي وصديق العائلة السيد نيجونت, ودخلوا الى الصالون الكبير حيث ستتلى وصية السيد غاي.
بدا السيد نيجونت بالقراءة قائلا: "تعلمون جيدا ان غاي رجل ثري جدا, وعلى ما اظن فالسيدة فينيل ستتاثر عقب ما ستؤول اليه الامور."
نظرت اليه لسيدة فراني بتعجب وهي تقلب محرمة في يدها, اخذت نفسا عميقا ثم بادرته قائلة: "لا افهم ما تعني."
قال: "للسيد غاي فينيل شقيق اصغر منه وقد توفي منذ عدة سنوات وبعده بقليل توفي والده فحصل غاي على الارث, بعض المال المنقول وغير المنقول كان بحوزة الرجل. على الاثر تزوجت والدته من السيد جورج بيكرانغ الثري الذي كان يعمل في تجارة الخضار في موطنه ميدلاند. بقي امر زواجها سرا نظرا لما كانت تتمتع به من لقب وثراء اثناء زواجها الاول. بعد سنوات توفي السيد بيكرنغ تاركا مبلغا يسيرا من المال لزوجته وابنها غاي. وحسب الوصية القائمة على غاي بعد وفاته تجيير الثورة لعائلة بيكرانغ التي تتالف من ثلاثة اشخاص يعيشون في برمنغهام.
اثناء المدة التي قضاها السيد غاي مع زوجته فراني, لم يبح خلالها بان الثروة لن تعود اليها. لكن لم ينس قبل وفاته ان يترك لك سيدة فينيل مبلغا من المال وان كان ليس يسيرا فباعتقادي يغطي مصاريفك الشهرية."
نظر سام حائرا الىوالدته التي كانت ترتجف غضبا ورثى لامرها شاعرا بغصة حيال ما حصل. اما كريسيدا فتمنت حينها مبارحة المكان هربا مما سمعته, لكن لم تستطع الهروب بعيدا لان الواجب يحتم عليها البقاء حيث هي والمساعدة. كان قد حضر في ذلك الوقت عدد من الضيوف المعزين, من بينهم اثنين من اعمام غاي الفقيد وعدد من الاصدقاء من بينهم السيد رفينغتون وكولن اللذين ابديا اسفهما للسيدة فينيل التي لم تصدق ما فعله زوجها بحقها.
شرعت تبكي وتشرح لابنها انها تزوجته طمعا في ماله وليس حبا به, لكنه خدعها بسلبها حصتها من الثروة العائدة الى عائلة بيكرانغ.
عاد المحامي يقرا على مسامعهم ما عرفه من تلك الوصية, قال: "الوصية تقول ان الثروة هي ملك لعائلة بيكرانغ فقد لا غير, وقد استفاد منها غاي خلال فترة حياته اذ كان محظوظا جدا."
امتعضت فراني وانفجرت غاضبة: "لقد خدعني طوال فترة زواجنا, بماذا ينفعني ذلك المبلغ الضئيل؟ علي الان بيع المنزل والسيارة وكل ما املك كي افي ديوني, لم اتخيل قط ان غاي يمكن ان يفعل هذا بي."
منتديات ليلاس
شعر المحامي بالاسى لما حصل, خاصة انها ساعدته منذ سنين باعطائه مبلغا من المال ليس باليسير لانه كان على وشك الافلاس.
حزن سام لدى سماعه تلك الاخبار وحاول مواساة والدته, فضمها الى صدره وهو يقول لها: "ارجوك هدئي من روعك, لا اعتقد ان غاي على علم بما كان سيحصل بعد وفاته, لكن خطأه انه لم يقل شيئا عن عائلته او عن الارث."
بكت الى ان شعرت بارهاق كبير, كان ابنها يحاول التخفيف عنها بقوله ان غاي لم يقصد الاساءة اليها, دفعت ابنها عنها وهي تقول بغضب: "لا تحاول تبرير تصرفاته."
جلست كريسيدا صامتة لا تدري ما تقول تنظر الى اصدقاء فراني وهم يحاولون تهدئتها بشتى الوسائل, وهي تصرخ في وجه طبيب العائلة السيد كريسبن. في وقت متاخر من تلك الليلة وبعد ان نامت فراني, خرج سام وكريسيدا للتنزه والسير قليلا في احد الشوارع القريبة.
دار الحديث عن الذي حصل في المنزل, فقال لها معتذرا: "حبيبتي انني اعتذر منك عن الشيء الرهيب الذي حصل اليوم, انها صدمة لنا." بدا سام متوترا ومؤنبا لوالدته التي اساءت التصرف خلال السنوات الاخيرة ولم تهتم بغاي العجوز مطلقا.
تضايقني حقا بماديتها وحبها للسلطة والمال. ليت العالم يتحول الى جزيرة نائية من جديد, لكن العم غاي كان عليه مصارحتها بشان ما يملك من ثروة ويوضح لها الامور."
اجابت كريسيدا: "لكن بظني ان مبلغ الف باوند شهريا لا يستهان به, انه يعجبني, ربما لاني لست غنية مثلها وغير متطلبة."
نظر اليها نظرة اعجاب وشكرها على حسن معاملتها لوالدته, اجابها: "لكن ماذا سيحل بوالدتي الان, ستبيع كل ما تملك وتصبح بلا الماس ومعاطف فراء. ما العمل قولي؟"
"ارى ان عليها العيش معنا, فالمنزل يتسع لثلاثة."
"كلا حبيبتي دعينا لا ناتي بالمشاكل وفراني هنا. والدتي لا يروق لها العيش في الريف ولا تحبذ الحياة البسيطة."
كانت كريسيدا تفكر بالوضع الماساوي الذي توصلت اليه فراني وبمصيرها السيء, فهي حتما ستحتاج المزيد من المال كي تغطي حاجاتها وستشكل عبئا ثقيلا على ابنها سام.
طوق سام خاصرة زوجته بيديه الاثنتين وقربها منه وقال: "تعالي نذهب الى بيتنا حيث الهدوء التام. لقد تعبت كثيرا عقب قدومك من شهر العسل ويكفيك ما مررت به حتى الان."
اجابت قائلة: "يمكنني تحمل المزيد."
قال: "احبك بكل قواي."
اجابت: "وانا احبك ايضا."
وفجاة سمعته يقول: "بالرغم مما حدث علينا العودة الى منزلنا, انا اعلم ان والدتك سوف تقدم المساعدة, اما انا فسوف اتي يوما بعد يوم الى هنا, لاني ساكون منهمكا بوالدتي التعيسة الحظ. ما رايك ان نتصل بدوم العجوز نساله القدوم الى هنا كي يساعدنا في بعض امور المنزل؟ قد يطيب له ذلك."
تجمدت في مكانها وابتعدت عنه قليلا قائلة: "لا لا اريده معنا, والدتي واخي يكفيان."
لم يلاحظ سام دهشتها وتابع قائلا: "انت لا تتفهمين الامر جيدا, علي في الايام القليلة المقبلة البقاء بجانب والدتي لترتيب بعض الامور ولايجاد من يحل مكاني.
في بادئ الامر علي الاتصال بالسيدة ويلكنز ابنة عم والدتي, امي لا تستهويها لكن وجودها معها في مثل هذا الظرفالزامي... يمكن الاعتماد عليها للتكلم مع المحامي بخصوص التركة حيث يمكن الحصول على المزيد من المال بالاضافو الى التقصي عن امور اخرى منها مسالة التامين وغيرها. لان هناك فواتير مستحقة تنتظر."
اصغت كريسيدا اليه وتفكيرها منشغل بدومينيك الذي يجب التخلص منه باسرع وقت وابعاده عن منزلها. اختلطت الامور عليها وباتت لا تدري ما عليها ان تفعله, وعاودتها الكآبة من جديد.
الفصل العاشر
صباح ذات يوم ماطر وغائم من ايام ايلول الكئيبة, نظرت كريسيدا من نافذة منزلها فرات الازهار التي كانت منتعشة من قبل قد ذبلت وانحنت ووقع بعضها على الاحواض التي امتلات ماء.
دخلت كريسيدا الى المطبخ تحضر طبقا من السمك الطازج لزوجها سام. كادت تختنق من رائحة السمك لكن ام يحبه وعليهاا تحضيره له. عادة كانت والدتها تساعدها في الطهي لكنها الان مشغولة بتحضير حفلة لشقيقها سيمون واصدقائه بعد عودته اليوم من العطلة الصيفية.
قامت مدبرة منزلهما السيدة بارسلو بتنظيف الغرف في طابق منزلهما العلوي وبعد ان انتهت اخذت تخبر كريسيدا عن ابن ابنتها جاك حيث ولد من اسبوعين. احب سام تلك السيدة للطفها واناقتها وحسن معشرها وكان يقضي معها دقائق من الضحك المتواصل.
كما كانت السيدة بارسلو تتحدث عن خصاله الحميدة لجيران الحر وانها احبت ذلك البيت.
استقرت كريسيدا في منزلها الجديد,وكانت جدا مغتبطة لكنها كرهت الطبخ. كانت سعيدة بما لديها وقد شغلت نفسها بترتيب المنزل, علقت ستائر جديدة واهتمت بالحديقة يساعدها سام بقلع الاعشاب وتشذيب الاغصان الى جانب تسوية ديكور البيت.
منتديات ليلاس
كان حي دوريانس من الاحياء الراقية التي سكنتها عائلات عريقة منذ اقدم السنين. اما برينغتون التي يقع فيها ذلك الحي لا تزال ماثلة للعيان حتى يوم سكنها سام وزوجته.
بعد تلك الاعوام التي مرت سكن المنزل الذي يقيم فيه سام وكريسيدا امراة متقدمو بالسن لمدة اربعين عاما, وها هو الان يعود هذا المنزل الى عائلة اخرى تقوم على اعادة ترميمه واصلاحه كي يتماشى مع نمط العمارة الحديث.
كل تلك السنين ومتانة المبنى لا زالت كما كانت فيما عدا اصلاحات طفيفة طرات على المطبخ وحمام الضيوف, اضافة الى غرفة جعلاها مكان استراحة. مكان جميل لا يعكر صفوه سوى ما خلفه موت السيد غاي.
كان سام يقضي ايام الاسبوع في دار والدته يهتم بشؤونها. وفي عطلة نهاية الاسبوع يعود الى منزله لياخذ قسطا من الراحة بعد تعب متواصل بقضية ترتيب شؤون تتعلق بوصية زوج والدته التي امست لا تطاق. فعصبيتها قد ازدادت اثر ما حصل, مما جعله في ضيق مطبق.
ازدادت مخاوفه اثر مطالبة والدته بمنزل جديد في المدينة, لا سيما وقد باعت جميع مجوهراتها وحتى المنزل الذي يعود لغاي. بات الان في حيرة من امره, كون الشقق السكنية في المدينة غالية الثمن. قص ما حصل على مسامع زوجته التي نهرته بعنف قائلة:
"لا اريد السكن مع والدتك بعدما عرفته عنها."
وافقها سام الراي واتفق الاثنان على ان تسكن منفردة.
هواجس الماضي ما زالت تخيم على كريسيدا الا انها شغلت نفسها بامور منزلية تناست معها هواجسها, لا سيما ان دومينيك قد غادر لبعض الوقت الى البرازيل على اثر ارتباطه بعقد عمل, وهناك متسع من الوقت كي يعود الى لندن.
بدا سام يشعر بالارهاق نتيجة ما حصل في المدة الاخيرة وبدات زوجته تستاء من الوضع.
كان على سام ان يهتم بامور والدته من ديون متراكمة وانتقال من منزل الى اخر, وعليه فض الخلافات التي باتت قائمة بين فراني وكوت ابنة عمها المحامية اللامعة.
اصبح متذمرا حياته لا تطاق, فبات عليه مساعدة والدته ماديا وتاجيل رحلة قد وعد كريسيدا بها. لكن كريسيدا حافظت على هدوء اعصابها وتفهمت الموضوع برحابة صدر.
قام نقاش حاد بين الزوجين بسبب فراني وبدا سام حزينا.
قالت: "لا ارى ان عليك اعطاء والدتك المال, احوالها المادية جيدة وهي تاخذ راتبا شهريا من العائلة, انا اعلم انك ستقول لي هذه امي... اجل لكنها ليست بحاجة اليك."
اجاب: "ساعطيها طالما انا قادر على ذلك, انها والدتي وليس من العدل التخلي عنها الان."
قالت: "لكنك تبدلت في المدة الاخيرة والحياة لا تطاق نعك."
قال: "عزيزتي ما كان عليك ان تتزوجي بي, ديانا كما تقول والدتي كانت الانسب لي, ولكانت اعانتني في محنة كهذه."
وساد صمت خانق اذاك. حدقا ببعضهما والغضب يتطاير من عينيهما. كل المشاكل التي باتت مستعصية سببها فراني اللئيمة الجشعة, التي لا تعرف الشبع. فهي تحاول ابقاء سام معها لاطول وقت ممكن وايضا تاخذ الكثير من ماله الذي يجنيه من تعبه. وها قد حل فصل الشتاء البارد وليس باستطاعتهما راب الاعطال بسبب بذخها وترفها.
في اليوم التالي قررت الذهاب الى بيت والديها للاطمئنان عليهم. هناك تفقدت الحديقة وجالت بين الازهار المتفتحة العطرة. احست براحة واسترخاء لكنها لم تبح بما تعانيه لوالدتها التي علمت ان ابنتها قد تاثرت جراء ما جرى لوالدة سام. قررت كريسيدا اخيرا ان ما بينها وبين سام لا يمكن ان تلغيه مشاكل مادية مهما جرى.
بعد ان عادت الى منزلها قامت تهتم بهندامها وتستعد من اجل استقبال سام بحلة جديدة وابتسامة مشرقة وهي التي ابتعدت عنه لفترة بعد شهر العسل, والان اشتاقت اليه وستعوضه ما فاته من حب واشواق, وفي الوقت نفسه ستعمل جاهدة كي تنسيه مشاكل والدته.
منتديات ليلاس
ارتدت فستانا اصفر وانتعلت حذاء ابيض جميل, عقدت شعرها الاسود الطويل في اعلى راسها وتبرجت تبرجا فاق الوصف. وقفت تعد طعام العشاء وبدت في احسن حالها في مطبخها الذي يلمع نظافة. حضرت السمك بالمايونيز والى جانبه حساء ثمار البحر مع بعض الخضر الشهية, وجبة سام المفضلة.
كانت لا تزال تعد الطعام حين سمعت صوت محرك السيارة في الخارج. تلفتت فرات سيارة مرسيدس بيضاء اللون تقف امام المنزل, ورات دومينيك يتقدم نحو المنزل بلباسه الازرق يومئ لها بمنديله الازرق. وقفت مذهولة وبادرتها احاسيس تراوحت بين الكراهية والحب, انها لا تريده ان يحضر اليوم, لا تريده ان يقتل العواطف التي حضرتها لزوجها فهي لم تكن تتوقع قدومه في تلك الامسية, واختلط الامر عليها.
"مرحبا كريسيدا لقد اتيت لتوي من البرازيل, اتصلت بسام بمكتبه ولم اجده فقررت القدوم الى هنا كي اراك. اعتذر لعدم اعلامك بقدومي قبل الان."
"تعال ادخل, تفضل."
وقف صامتا للحظة ثم جال بطرفه حول البيت والحديقة, وهو الفنان الماخوذ بكل قديم. فتنه منظر البيت بابوابه الخشبية وسقفه القرميدي الاحمر الداكن, واسترعى نظره اضاءة خافتة وضعت فوق الابواب.
اما الحديقة الغناء فقد احاطت بها شجيرات الياسمين وازهار التوليب بمختلف الوانها الهاية, ثم قال دهشا: "يا لهذه الحديقة الخلابة وهذا المنزل الرائع, ارى انك محظوظة اذ حصلت عليه."
"نعم بالفعل فقد حصلنا عليه صدفة, كان هناك شخص اخر على وشك ان يشتريه. ثمنه باهظ جدا ويحتاج الى تصليحات جمة ولكننا نقوم بذلك تدريجيا."
نظر اليها نظرة عرفت مغزها فادارت وجهها عنه ثم بادرته: "فلندخل, سوف احضر القوة لنا وسيوافينا سام بعد قليل."
"اتيت لاراك انت فقط. أتعلمين؟"
"دعك من تلك السخافة."
دخلا الى غرفة الجلوس وبدات تقص عليه مصدر كل قطعة اثاث فرشت بها البيت. "السجادات الثلاث الفارسية من بيت والدة سام والصوفا اتينا بها مستعملة, اما الارض فقد فرشناها بالخشب المصنع والستائر الجميلة اخترناها باللون الاصفر الذهبي."
علق دومينيك قائلا: "سوف لن تريني المنزل باكمله على ما اظن يا قطتي الصغيرة."
نهرته كريسيدا بشدة ثم طلبت منه ان يكف عن مناداتها بذلك اللقب.
جلس دومينيك على الكنبة واشعل سيجارة ثم قدم العلبة لها. رفضت اذ هزت راسها غاضبة.
"اه كريسيدا, كريسيدا لقد تبدلت حقا, كنت في روما بسيطة جدا لا تهمل مباهج الحياة وعظمتها, أعلينا ان نظل نداري حبنا والى متى؟ لم تضيعين الوقت في اشياء سخيفة, تنتظرين قدوم سام وتجلسين تراقبين التلفزيون وتتلهين بقراءة قصص الحب وغيرها."
"اني مقتنعة بما انا عليه وسعيدة مع زوجي."
"من الصعب تصديق كلامك, تبجين الان اجمل من قبل ببشرتك البنية وعينيك الخضراوين, لا بد ان شهر العسل وشمس الصيف قد اضفا عليك جمالا باهرا... يتوجب علي رسمك من جديد سيدة غوفلد... يا قطتي الصغيرة."
"لم اعد قطتك, بل قطة سام."
"كريسيدا لم احلم في يوم من الايام ان اتحرش بزوجة صديقي, قصدي بريء."
"لست متاكدة جدا."
"ولست بدوري متاكدا من حبك لي كما من قبل."
"ليتك لم تات الى هنا وتفسد علي حياتي, ما كان بيننا اصبح من الماضي ومضى, وعليك الرحيل."
تابع الضحك ساخرا: "عزيزتي كريسيدا ليس بقصدي ان اضايقك, انت تعرفينني جيدا منذ كنا في روما."
"انت صديق سام الحميم, وشهدت على زواجنا, لماذا تتفوه بمثل هذا الكلام؟"
"ما رايك لو علم سام بالامر؟"
"سام لا يعلم البتة بكلمة عن موضوعنا."
"تعلمين اني لم اتفوه بكلمة بهذا الموضوع."
توترت من جديد ولم تدر ما عليها قوله.
فقال دومينيك: "دعينا لا نضيع الوقت بالتكلم عن الماضي, انت الان متزوجة من سام وهذا بيتك وانا ضيف هنا, هذا اذا كان مرحبا بي, فلنبقى اصدقاء فقط."
"سام سيرحب بك صديقا اني واثقة من هذا الامر."
مد دومينيك يده اليها وقال: "اصبحنا من الان اصدقاء فقط."
"في الحقيقة لا استطيع الكذب, سوف لن نصبح اصدقاء."
"من المضحك انك ارتبكت."
"كلا."
"حبيبتي عليك بالحفاظ على اسمك بان تخلصي له."
"اسمي, لا اعلم ما تعنيه!"
"ألا تدرين الى ماذا يرمز اسمك, كريسيدا؟"
هزت راسها ولم تدر ما عليها القول.
عرفت دومينيك انسانا مختلفا غرا لا يناوره احد. وقف يقلب اشياء الغرفة ويرتبها بذوقه الرفيع وهو يشرح لها مغزى اسم كريسيدا, قال:
"انه اسم قديم وينتمي الى اسطورة اغريقية تقول ان كريسيد ابنة لرجل في معبد ابولو المعروف بالحب والجمال, وقد خطفها اغامنون بعد ان احبه ثم اعادها الى والدها مقابل فدية من المال. وقد عرفت انذاك باستهتارها وعدم اخلاصها لمن تحب."
منتديات ليلاس
استمعت كريسيدا لشرحه ثم اشاحت بعينيها عنه وقد شحب وجهها: "اظن لو عرف والدي بالامر لاستبدل اسمي باسم احر, وما معنى اسم دومينيك؟ اعتقد ان معناه الاخلاص."
"حبيبتي لا تستهزئي... فهذا غير جميل منك. بالبرازيلية تسميته دومينغو ويعود الاسم الى المحترم سان دومينيك."
"يا له من اسم!"
التفت نحوها وقال ببرودة: "لقد تبدلت حقا, ما رايك بشرب كوب من العصير؟"
"ساقدم لك كوب عصير, لا بد ان سام في طريقه الى المنزل الان."
"هل اعددت طعاما شهيا لضيفك الذليل؟"
"ابقى لو اردت, لست طاهية ماهرة كما تعلم, اتدبر الامر."
"لم اطلب اليك في يوم اعداد وجبة لي, بل كنا نذهب الى تلك المطاعم الفاخرة حيث نفوز بوجبة لائقة وشراب منعش."
عاشت حياة سعيدة من دونه. في غيابه تحولت حياتها الى صفاء على الرغم مما شابها من ذكريات مؤلمة. الان انقلبت نعمتها الى نقمة وايقنت انها تحبه من صميم قلبها, وليس بامكانها نسيانه. رات ان بزواجها من سام اصبح دومينيك اكثر تعلقا بها.
احست بالضعف والغضب معا وهي تقدم له العصير, لم يلاحظ ما خباته من مشاعر عنيفة نحوه. اشعل سيجارة اخرى وراح يتمشى في الغرفة. يقف امام الزجاج البراق يمعن النظر في لوحة علقها سام فوق المدفاة, شغلت على القماش بالوان الزيت.
"اه مرفا البحر, اتذكره جيدا لا تليق ببيتك مثل هذه اللوحة."
بقيت صامتة فيما حاول حاول هو اعادة الذكريات التي كانت بينهما, تابع يقول: "اقول انها لفنان مجهول, هل هو من اختيارك او من اختيار زوجك؟ الوانها جميلة غير انها لم تشغل بمهارة. حاول من رسمها تقليد فان غوغ الرسام العالمي الشهير ولم يفلح."
"انه ليس بالرسام الشهير الشاب, انها عمة سام التي رسمت هذه اللوحة اثر زيارتها المتكررة الى المرفا وهي الان متقدمة في العمر."
ابتسم ثم قال: "بعد ان انفصلنا اصبحت ملمة بجميع انواع الفنون, تلميذتي النبيهة!"
"اجابته ساخرة: "حقا!"
"لا تتظاهري باني لا اعرف م تحاولين اخفاءه عني, تتذكرين يوم كنا حبيبين."
"اسكت." ورمقته غاضبة.
ضحك قائلا: "ما اجمل عينيك الخضراوين اللتين تشعان بالبريق حين تغضبين. هل يحبهما سام؟"
"يا لك من انسان مراوغ."
"هل تحاولين اقناع نفسك بانك لم تحبيني قط؟"
"لم يكن في يوم من الايام حبا صادقا."
ضحك ثانية وقال: "عزيزتي كم احترمك, كلمات تنطقين بها كاللؤلؤ, انك سيدة متزوجة الان وتخافين من الماضي ومقتنعة بان ما حصل كان خطا."
نظرت دهشة وبعد ان وضعت كوبها على الطاولة قالت: "ببساطة لا استطيع ان افهمك دومينيك, انا لا اخاف من الماضي لكني اؤمن بان مستقبلي اجمل من الماضي."
"هل نسيت تلك الايام؟"
"كلا, لكني لا اريد التفكير بذلك. انا احب سام ومتزوجة منه وهذا منزله, لا اعرف كيف تصف نفسك صديقا له وانت تتكلم معي بهذا الشكل."
"انت محقة في كلامك ولكنك تستفزينني."
"يبدو انك غبي وغير مخلص لصديقك, هل تحاول حثنا على الانفصال؟"
"سوف لن اكون مصدر تعاسة لك حبيبتي, وستظلين كريسيدا التي اعرفها."
تلونت خجلا وقالت: "لو كنت تحبني لتزوجتني."
وقف صامتا للحظات ثم قال: "لا يعرف المرء قيمة الاشياء الى ان يفقدها."
"اراك تتكلم الغازا مبهمة."
وراح يسرد اخبارا لا تنتهي.
"حين كنت في البرازيل كانت صورتك دائما في مخيلتي, خصوصا وانت بفستان الزفاف الابيض تتقدمين بفرح نحو سام, ليتني لم ادعك ترحلين من روما ومن حياتي."
شعرت بحرارة جسدها وانتفضت قائلة: "لا اريد ان استمع اليك اذا بقيت تذكر اشياء كهذه."
"متاسف حبيبتي لكنك تعرفين انني اهوى الصراحة."
"وما الفائدة."
رفع يده ملامسا خدها الاحمر الناعم. "انت تملكين اجمل عينين من بين كل النساء, تعرفين اني لم اتركك واغادر الى البرازيل عن عبث, فقد قصدت ذلك, لو ابتعدت قليلا حينها وابديت هدوء اعصاب كما تبدين عليه اليوم, لتمنيت ان اتزوجك وكنت فعلت. لكني اناني قاس واحب مهنتي كثيرا, اراك بعينيك الجميلتين تملكين شعورا وعاطفة لا يمكنني تصورها."
"حسنا قد يكون ما تقوله صحيحا, لكن لم تتكلم عن كل تلك الامور الان؟"
"يمكنك تفسير الاشياء بنفسك يا قطتي الصغيرة."
صمتت واحست ان قنبلة انفجرت, فتلك الاحاسيس التي عرفتها في روما لم تكن في يوم من الايام صادقة, الا ان هذه الساعة تتبين لها اشياء لم تدركها سابقا وهي انه حين قبلها وضمها اليه انذاك كأن بريقا ساطعا هد كيانها لمرة تلو الاخرى. وهاهي الان تقف مرتبكة حائرة وتخشى الانتظار."
منتديات ليلاس
تقدم منها وهو يقول: "اريد ان اقبلك." تراجعت الى الوراء قائلة: "ارحل من هنا دومينيك, ارجوك اخرج من هذا البيت ولا تعود اليه ابدا."
التفتت الى الحديقة فرات ضوءا ساطعا يعكس اشعته, ايقنت ان سام قد اتى وسيصل قريبا الى المنزل, وضحكت ضحكة هستيرية رن لها المكان.
"دومينيك انت تبالغ فيما تقول, ليس لديك فكرة كم انك مضحك, انا وسام نحب بعضنا وقد تزوجته الان, فلا تقف بيني وبينه بعد اليوم. لم اعد احبك ولن احبك ثانية."
لقد اقتنعت اخيرا بان دومينيك بعقله المتهور وارادته القوية سيبعدها عن سام مهما حصل, وسيدمر حياته لا محالة.
تراجع الى الوراء قائلا: "لن اعلن عن شعوري نحوك مجددا, واذا كنت تفضلين لن ابقى على العشاء. سوف اخرج قبل مجيء سام, لكني لا اعدك بعدم العودة فعلاقتنا الجديدة الان اراها منطقية وجيدة."
"كلامك منطقي." ليفعل ما يحلو له, اما هي فلن تؤذي سام فهو زوجها وتحبه, ثم بادرته: "اني اسمع صوت محرك سيارة سام, لننسى روما لبعض الوقت ونسعى لتناول طعام العشاء بسلام ارجوك."
وصل سام منهك القوى وما ان راى دومينيك قال: "علمت انك هنا اذ رايت سيارتك الفخمة متوقفة في الخارج. يا لها من مفاجاة جميلة."
اجابه: "اتصلت بك لاعلمك عن عودتي الى المدينة لكني لم اجدك."
"كنت مع والدتي, لديها بعض المشاكل, اعتقد ان كريسيدا قد اعلمتك بموت غاي وبما احدث من مآسي."
"كلا لقد وصلت منذ دقائق ولم نتكلم سوى قليلا."
قبل سام زوجته وغمرها مرحبا بها.
دخلت الى المطبخ تحضر العشاء مرتبكة وتركت الرجلين يتحادثان.
"انظر دومينيك اهدتني امي علبة سيجار كانت لغاي زوج والدتي."
"جميل جدا."
نظر سام الىزوجته وهي تقدم القهوة وقال لها: "يا له من فستان جميل, لم ارك به من قبل."
اجابته: "لقد اشتريته قبل زواجي مباشرة."
"انه غالي الثمن على ما اظن."
"الا ترى دومينيك اني موفق بزواجي؟" والتفت نحو دومينيك منشرح الصدر لرؤيته ونسي التعب والمشاكل في منزل والدته.
اجابته قائلة: "لا تربك ضيفنا فقد يضمر العكس."
قال دومينيك: "ان زوجتك جذابة جدا, والان بما اني عدت الى لندن اتمنى ان تسمح لي برسمها."
اجابه سام: "فكرة ممتازة, اتمنى ان ترسمها وتعطيني الصورة هدية لي في عيد ميلادي في تشرين القادم, هل يمكنك ذلك؟"
"عليها ان تجلس امامي لعدة مرات وتصبر لوقت طويل الى ان انتهي من رسم اللوحة."
"لا اعتقد اني ساوافيك الى لندن كي ترسمني, فلدي اعمال جمة علي القيام بها."
"ارسمك هنا اذا في المنزل." قالها ببرودة وعيناه تتاججان حبا, فامتقع وجه كريسيدا حقدا.
اجابت ممتعضة: "لا اريد رسما لي..."
قاطعها سام: "لا عليك اجلسي ما شئت وليرسم عينيك اللتين تشبهان في نظرتهما عيني الموناليزا حبيبتي."
اجابه دومينيك بفرحة كبرى: "لقد اصبت الهدف تماما."
جلست صامتة مرتبكة تفكر بتلك اللوحة التي رسمت لها ولم تكتمل بتفاصيلها الصغيرة, وتذكرت كلماته حينذاك وهو يقول: "عيناك كريسيدا واسعتان وابتسامتك هي ابتسامة الجوكوندا, وعنقك الطويل خلطة عادة احبها في المراة, انظر الى نظرتك المتلهبة التي تفوق نظرة الجوكوندا حسنا وذكاء."
بادرها سام: "حبيبتي انت صامتة, هل انت متعبة؟"
"نعم نعم اني متعبة." اجابت وهي تنظر الى دومينيك شذرا.
نظر دومينيك الى الساعة فوجدها قد تخطت العاشرة, ثم قال: "علي الان بالرحيل الوقت قد تاخر, كنت اشعر بالتعب حين وصلت وبات علي الرجوع لارتاح."
بادره سام: "ماذا؟ الوقت متاخر؟ لقد فاجأتني, السهرة لم تبدأ بعد, فلنذهب الى ملهى ونقضي بعض الوقت نلهو ونتسلى."
قالت كريسيدا على الفور: "لا عليك القيام باكرا ولديك مسؤولية كبرى."
قال دومينيك: "لا اني راحل يا سام وسامحني ان اطلت زيارتي."
قال سام: "لم ارك لوقت طويل؟" ضحك دومينيك ومد يده شاكرا تلك الجلسة الانيسة والعشاء الشهي.
صافحته دون النظر الى عينيه واستدارت منشغلة تلهو بورقة. ودعه سام بالقرب من سيارته ودعاه لقضاء عطلة الاسبوع التالي في منزلهما حيث هناك الكثير من الاعمال التي يمكن ان يساعده بها في الحديقة.
سمعته كريسيدا يجيب: "ساتي ان لم يكن هناك مانع."
صعدت كريسيدا الى غرفتها باكية, تبعها سام يهدئ من روعها دون ان يعرف السبب.