الفصل الخامس
بينما كان سام وكريسيدا يتناولان طعام العشاء في احد المطاعم المطلة على البحر ويستمتعان بمذاق الكركند الأمريكي, كانت كريسيدا تفكر بما ستؤول اليه الأمور. سام لا يعرف مدى علاقتها بـ دومينيك وهو صديق عزيز لخطيبها.
قال سام وهو يضحك:
"بالمناسبة, قابلت دومينيك عند الصباح وهو يرسل اليك تحياته, لكن... آه نسيت ان اخبره عن اسمك لا عليك, سألقاه غداً, على موعد عشاء وسأخبره بالأمر."
قررت ان تخبره بشأن علاقتها السابقة بدومينيك فالمصارحة افضل حل. وعليها قدر الامكان ابعاده عن حفل زواجهما. وجدت نفسها تغرق في بحر من المصاعب وعليها بالمزيد من الشرح.
قال:" عندما سمعت صوته سررت للغاية ما زلت أكن له الاحترام لانه ساعدني عندما كنت في محنة, والآن علي بعمل ما يتوجب كي اعبر له عن امتناني."
لم تعلق كريسيدا على الموضوع فشهيتها للطعام توقفت, على الرغم من حبها للمأكولات البحرية, الليلة عليها اما بالابتعاد والغاء الزواج او ان تقلق باله وتخبره بالحقيقة. لم تكن تريده ان يعلم قصتها كي لا ينزعج, فمجرد ذكر اسم دومينيك امامها قد يولد صدمة لها.
كانت قد اقسمت انها لن تهتم إلا لسام وتتناسى دومينيك وتفكر به ساعة تشاء في السر. الا ان حبها لسام اصبح مجرداً من كل غاية, فهو الحبيب والصديق لكنها لا تقبل الخداع في علاقة تربطها به وعليها بإثارة الموضوع معه.
اصر سام على تجديد الصداقة مع دومينيك, واصرت هي على فسخ تلك الصداقة الاخوية بينهما كي تبعد هاجس ذلك الرسام الذي احبته وافسد عليها حيلتها.
كان سام تلك الليلة يتفجر مرحاً وجيوية. بقي لساعات يتحدث عن العجوز دوم حسب ما لقبه. اخذ يتكلم عن صفاته وخصاله الحميدة, وهي صامتة, تنظر اليه لحظة ثم تنظر الى الطعام امامها وتعبث به بالملعقة.
شعرت انها على وشك الانهيار. فخطيبها لم يسكت لثانية بل تابع التحدث عته دون توقف.
"سأطلب منه ان يرسم وجهك, بعد عودتنا من شهر العسل." قال سام ذلك مبتسماً وتابع: "سأدعه يرسمك وانت مرتدية فستانك الاخضر السندسي تذكرين يوم زرنا قرابي. ذلك الرداء الجميل ينعكس لونه على عينيك. نسيت وقتها ان اسر اليك ان والدتي اعجبتها عيناك وقالت انهما تشبهان عيني القطة, لكن طمأنتها انك لا تشبهين القطة بشيء. لكنك في الواقع تشبهينها, انت قطتي التي احب, وضعت كريسيدا الشوكة والسكين على الطاولة امامها وارتجفت يداها من شدة التأثر. احست بغثيان جين سمعت سام يتفوه بكلام مثل الذي كان يقوله دومينيك حين كان يتغزل بها.
قال سام ممازحاً:"ايتها القطة الصغيرة. قطتي الخضراء العينين."
حقيقة سأجن ان استمر سام على مثل هذا النحو. قالت كرسيدا مخاطبة نفسها.
سام لم يكن يعلم ما يجري بالضبط. وتابع حديثه عن دوم يمدحه حينا ويتغزل بعينيها حيناً آخر.
فكرت كريسيدا الآن بات عليّ ان اقوم بعمل او قول شيء. لا يمكنني السكوت اكثر.
"حبيبي, لقد تحدثت عنه بما فيه الكفاية. هل لي بسرد اخباري عليك."
"اني آسف, لا تقدرين كم يفرحني ان اعرف ان العجوز دوم قد ظهر في حياتي من جديد. يا لها من لحظة حاسمة."
منتديات ليلاس
اغمضت عينيها وكادت تضحك بمرارة. لحظة جميلة.لكن لما يظهر دومينيك في هذه اللحظة بالذات بعد غياب طويل. بدا الامر واضحاً, فالمسألة ان سام عاطفي جداً لا ينسى حسنة احدهم, فكيف بصداقة عمر!؟ كيف سيلتقي الاثنان وكيف لي بلقياه بعد ان خذلني. بادلني حبه وبعد اخلاصي له تركني اتألم وحيدة واختفى من حياتي دون ان يشعر بحنين لتلك الايام الماضية. انه لا يحترم المرأة, امقته. سوف يصاب سام بالذهول لو عرف القصة.
حاولت تناسي الماضي بكل آلامه لكنها بدت متنبهة للغاية.
وقالت معترفة:
"قد يفاجئك ما سأقوله لك. التقيت دوم العجوز في روما حين كت مدرسة لغة."
لمعت عينا سام فرحاً وقال:
"ليس بالأمر الصحيح, اتمزحين؟!"
قالت بهدوء:
"التقينا في روما, وهو رسام مشهور."
"نعم! انه امر شيق. حاولت ذكر اسمك اثناء مكالمتي معه, لكن الوقت لم يكن ملائما و لاذ بالصمت وفضل مناقشة الموضوع في اليوم التالي."
اطرقت كريس تفكر, ماذا عساه فكر حين علم اني العروس... ليته يعلم بمقدار حبي له.
"قولي لي كيف ومتى التقيت دوم؟ هل هو رائع كما تتصورين؟"
"نعم, اظن ذلك."
"اذاً تعرفين انه رسام متفوق؟"
"تعرفت اليه في منزل سيدة كنت مدرسة خاصة لابنتيها. ثم زرته في محترفه."
"هل احترف الرسم؟ يبدو لي العكس."
"والدته صديقة للسيدة لورين وقد طلبت منه رسم ابنتيها."
"ظني انه لو كانت السيدة لورين شابة صغيرة لامضى معها بعض الاوقات الحلوة."
انتفضت كريسيدا لتوها, وشعرت بدوار في رأسها كانت ملمة تماماً بعبث الشبان وتصرفاتهم الصبيانية اثناء دراستهم الجامعية ودوم واحد من هؤلاء. واعتبرت انه على الارجح قد قام بمغامرة شبيهة في وقت من الاوقات.
سألها:"هل اثار اهتمامك من هذه الناحية؟"
اجابته:"كلا , لكن يبدو انه لعوب."
"هل شاهدت احد اعماله؟"
"نعم."
"ما رأيك؟"
"ارى ان رسوماته مميزة, ومن المؤسف ان يتوقف عن الرسم. عمله متقطع, احياناً يرسم برصانة, واحياناً كثيرة يلهو غير مكترث لأي شيء."
"لكنه ليس بالعابث المستهتر, اعتبره احد المثقفين القلائل. اثناء دراسته في الجامعة كان يحضر المحاضرات على جميع المستويات الثقافية كالفلسفة وغيرها, واجتماعات اخرى. تعرفين..."
سرحت بخيالها بعيدا, كانت تفكر بكل تلك الاشياء التي يتحدث وهي حزينة منكسرة.
في جعبة سام اخبار كثيرة تتعلق بزميله الجامعي, غير انه أحب معرفة اخباره عن طريق كريسيدا.
شعرت كريسيدا بضيق وحرج اذاك وقررت تغيير الحديث.
فقالت:"اخذت موعد مع الكهربائي في غولفد. سيوافينا الى هناك يوم الجمعة لاضاءة المصابيح المعطلة في غرفة الجلوس."
اجابها سام:"حسناً,سنوافيه الى هناك." ثم التفت الى الصحن امامها فوجد انها لم تقبل على طعامها بشهية بل تناولت منه القليل.
"الم يعجبك الطعام, حبيبتي؟"
"بلى,لكني لست جائعة الليلة."
"هل تتناولين الفاكهة ام قهوة؟"
"لا شيء سوى القهوة."
"سأتناول عصيرا منعشاً."
"حسناً." اجابته مبتسمة كعادتها, تأملت وجهه ملياً, واطرقت تفكر كم هو جميل بتصرفه ولبق. تمنت لو ان دومينيك لم يظهر من جديد في حياتها, فقد كرهته وفي قرارة نفسها تشتاق اليه, اتى في الوقت المناسب كما قال سام وتدخله ليس في مصلحتها هذه المرة. لن تسامحه عن تخليه عنها حين كانت في امس الحاجة اليه.
بعد ان ارتشفت قهوتها طلبت من سام العودة بها الى المنزل. وفي طريق عودتهما, جرى حديث تطرق سام خلاله الى موضوع متعلق بدومينيك.
"سيندهش حتماً حين اذكر له اسم خطيبتي."
"بالطبع." قالت كريسيدا ذلك وهي منقبضة قانطة.
بادرها قائلاً:"ليس هناك متسع من الوقت للقائكما مع بعض قبل حفل الزواج, لكن بالامكان دعوته الى العشاء ذات امسية."
اجابت بسرعة:"لا تفعل سام."
نظر اليها سام متعجباً وهو يقود سيارته بسرعة فائقة.
"لم حبيبتي؟"
فكرت قليلاً ثم قالت:"اني منشغلة, لدي الكثير من العمل حتى يوم السبت القادم. سأساعد امي في حزم حقائبي , اتمنى رؤيته في يوم الزفاف."
اجاب مسروراً:
"بالطبع حبيبتي."
احست ان عليها اخبار سام بكل ما حدث بينها وبين دوم, فهو يحبها كثيرا ولا بد ان يسامحها على هفوة قامت بها بالماضي. لن تكون نهاية العالم فيما لو عرف ان علاقة ما كانت بينها وبينه في روما. لكن, ماذا سيحصل ؟ هل علاقتي بـ سام ستنتهي اثر ذلك؟ تعرف جيدا انه يحبها وثقته بها لا حدود لها. لكن هل ستدمر تلك الثقة ان هي باحت بالحقيقة الجارحة. اضطربت وبقيت مكتوفة اليدين حيال مشكلة لا تنتهي وقررت ان تخفي سرها كي لا تؤذيه.
منتديات ليلاس
قررت اخيراً ان لا تخبره بشيء وتدعه يفكر في دومينيك حسب ما يشاء. فهي لن تقابل دومينيك الا ليلة زفافها قد يبدل رأيه ولا يأتي الى الحفلة وهذا افضل حل يمكن ان يحصل.
فجأة,احست برغبة بالاتصال بدومينيك قبل ان يلتقي بسام على الغداء, لا تعتقد كريسيدا ان دوم سيخذلها. على الرغم من علاقته الكثيرة والمتعدده الا انه احبها بشغف لكن لم يصارحها بخصوص زواج او ما شابه لذا قررت الابتعاد عنه. حتماً سيتفهم الموضوع جيداً . سوف تبحث عن عنوانه للالتقاء به دون معرفة سام, وشعرت انها تخون رجلاً احبها. عرفت انه عضو في نادي جامعة كامبريدج وفي جامعة اكسفورد حيث يقيم لفترة قصيرة.
قال سام ببساطة:
"اتصلي به, لا بد انه متشوق لسماع صوتك." عانقها بحرارة وقبلها من صميم قلبه وهي تذوب حباً في قبلة طويلة.
تحسرت للبؤس الذي ستخلفه ان صارحته بالحقيقة لكن لا, مثل هذا الامر لن يحصل!؟
"حبيبتي, انت جميلة جداً." وبكل قوة شدها اليه وضمها.دمعت عيناها املاً وبؤساً في آن معاً.
"احبك سام." قالت له ذلك بصوت مرتجف.
شعر ان امرا ما يزعجها لكنه اكتفى بحبها له ولم يسألها عن السبب.
صورة دومينيك لم تغب عن خيالها وظل القلق يرافقها, لم يكن لديها اي فكرة عن كيفية التصرف في حالة كهذه.
استيقظت عند الصباح باكراً وحدقت تتصفح كتابا بعينين تعبتين في انحاء غرفتها حيث تبعثرت الاشياء هنا وهناك. وقع نظرها على صورة فوتوغرافية لسام بجانب السرير, على ضوء النور القوي ظهرت ملامح وجهه جميلة جداًز فكرت قليلاً ثم قررت نهائياً ان لا تنبس ببنت شفة فيما يتعلق يتعلق بالموضوع.
خرجت الى الحديقة وهي تشعر بدوار في رأسها , الامر اصبح لا يحتمل وعليها التخلي عن التفكير به.
مشت حوالي ساعة من الوقت فوق الحشيش الاخضر المغطى بقطرات الندى وشعرت بانتعاش وتجدد وسعادة قصوى.
وعند الساعة السابعة قامت كريسيدا باحضار ابريق من الشاي الى غرفة والديها حيث كانت والدتها تنهض من فراشها فيما والدها ما زال نائما .
سألتها والدتها:"ما الذي ايقظك في مثل هذه الساعة؟"
"لم استطع النوم جيداً."
رمقتها فريدا بعين الرضى اذ كانت تبدو نحيلة رشيقة وجميلة بشعرها الطويل الذي غطى كتفيها . ورثت كريسيدا عيناها الخضراوين الرائعتين عن جدتها لامها الروسية الاصل وكذلك عن امها النمساوية اما سيمون شقيق كريسدا, فقد ورث ملامح انكليزية عن جده بشعره الاشقر المحمر وانفه المنمش.
كادت امها تهم بسؤال كريسيدا عما دهاها لكنها احجمت في آخر لحظة مداراة لعواطف ابنتها التي اصبحت فتاة مختلفة بعد قدومها من روما.
جلست الام وابنتاه لاحتساء الشاي وهما تتكلمان عن التحضيرات لحفل الزفاف وكذلك الفستان. ثم بعد ذلك عادت كريسيدا الى المطبخ لتحتسي فنجاناً من القهوة وتفكر ملياً في مما يجب عمله.
اعتراها ما يشبه الخوف حين فكرت بدومينيك. من فرط رغبتها في رؤيته مجددا وآلمها الذي عانته في الماضي, احست ان الدنيا تدور بها وبما حولها.
أحبت اثنين حباً جنونياًز والآن هي ى تدري ماذا تفعل. قالت بصوت عال:"لا لريده بعد اليوم في حياتي." ثم حركت قهوتها بغضب وجالت بنظرها في محتويات المطبخ.
شمس حزيران(يونيو) سطعت وبثت بهجة في كل ما كان في المطبخ من صور ومقتنيات باللونين الازرق والابيض.
على نافذة المطبخ وقف عصفور صغير لفت نظرها , منظر اخبته منذ كانت صغيرة واعتادت عليه.
منذ خطوبتها احست ان حياتها كلها تغيرت, فقد وجدت شخصاً بجانبها يتوق لبناء بيت سعيد معها.
قررت التشبث بـ سام لانه احبها بكل جوارحه.
ذهبت الى حيث وضع الهاتف في الصالة الواسعة, اقتربت وطلبت رقم هاتف دومينيك في النادي سمعت صوته, كأنه صدىً قد اتى من بعيد , حاولت التككلم بثقة وقوة.
"مرحباً."
"مرحباً. من انت؟"
"انا كريسيدا, القطة الصغيرة."
ارتجفت وهي تتمتم ذلك اللقب.
"نعم, اني كريسيدا."
اجابها مذهولاً:"كيف عرفت عنواني ومكاني في النادي الجامعي؟"
"اكلمك من منزلي في بريتون وعلمت بوجودك هنا من سام."
"لا تقولي, سام بول؟"
"انه هو بالذات, نحت على وشك الزواج, ويوم السبت هو موعد الزفاف."
ساد صمت مرير عقبه عتاب.
"اذاً انت عروس سام, وانا من سيصبح مرافقاً له."
هتفت قائلة:
"تماماً, وانا اتصل بك لأخبرك بأني لا احب ان تحضر حفل الزواج."
"لم لا؟"
توردت وجنتاها خجلاً وقالت:
"اعرف انك حساس وتأخذ علاقتنا السابقة بعين الاعتبار."
"اعرف ذلك حق المعرفة."
"حقاً, دومينيك!"
"على الرغم من علاقتنا السابقة في روما, سام صديقي ومعرفتي به قد سبقت علاقتي بك."
"ربما."
"طلب مني سام الحلول مكان صديقه المريض, كيف علي التملص من ذلك؟"
"صحيح ما تقوله, غير اني لا زلت مصرة على عدم حضورك."
"اسمعي عزيزتي, لا يمكننا مناقشة الموضوع على الهاتفز علينا مناقشته وجهاً لوجه."
"كلا, لا أود لقائك."
"انت تعالجين الامر بمأساوية على ما اظن."
"انت تبالغ, الا يمكنك الاحساس بما أشعر به؟"
"حبيبتي كرسيدا, ما حدث بيني وبينك قد ولى, وأصبح من الماضي."
"لا بد ان ما حصل كان مسألة لهو ومرح ليس الا, وليس حباً بالمعنى الحقيقي."
كريسيدا, دعيني اوضح لك الموقف. كنت حينها جباناً اذ لم أنهي الموضوع مواجهة معك وقد كرهت نفسي لتصرفي الاناني والجبان. وانت الآن لديك نفس الشعور, احببتك واحببتني في الماضي وانتهى الامر."
ودت لو انها تصرخ في وجهه, لكنها قالت بلهجة مضطربة:
"ما فعلته لا يغتفر لن اناقشك الآن, وكفى."
"اني جداً آسف قطتي الصغيرة." قالها بصوت مرتجف.
اجابت:"انتهى كل شيء بيننا, الآن سام هو كل شيء بالنسبة لي."
"صحيح اوافقك الرأي, سام حياتك واكثر, لكنه صديقي ويريدني ان احضر حفل زفافه."
"لكنك تستطيع الرفض."
"بالطبع, لكن سام صديق عزيز علي وانت احسنت الاختيار بزواجك من سام."
"اعرف ذلك."
"الآن, بعد ان توضحت الامور , وعرفت من هي عروس صديقي, اظن علي القيام بالواجب."
"لا افهم تماماً ما تقول."
"حبيبتي, انت تبالغين في تقدير الامور وتتصورين اوهاماً."
اصابها ما يشبه الذهول وكادت تؤذي نفسها من انقباض في يديها, وتمنت صفعه لو كان بالقرب منها.
قالت:"لا ارى اننا على اتفاق في الرأي."
اجابها:"لا بد انك تحبينه حباً لا مثيل له."
"صحيح, اظن انه اروع رجل قابلته."
"اذاً, لم انت تثيرين مفروغ البحث منه؟"
"انت لا تفهم ما اقول." قالت ذلك وقد ألم بها تعب شديد.
"انا لست مثلك."
لم تقو على التفوه بالمزيد.
باتت مترددة فيما ستفعله, يريدها ان تنسى الماضي الأليم بتجاربه المرة. وهواليوم يشكل خطراً ويهدد مستقبلها. مسألة ليست بسهلة وهل بالامكان تسويتها, باتت في شك من أمرها.
قال حين طال صمتها:"هللو كريسيدا. الا زلت على الخط؟"
"نعم."
"في الحقيقة, سعدت لسماع صوتك من جديد, إشتق اليك واريد لقائك للتحدث."
احست بان الحواجز التي بنتها لصده قد انهارت بالكامل بشكل لم تعهده من قبل وايقنت انه خدعها بمراوغته المعهودة. نسيت آلامها الماضية حيث عرفت خداعه وعدم اهتمامه بها.
سألها بود:"هل حقاً تكرهينني لما بدر مني؟"
راودها احساس ان تضع حداً لكل تلك المهزلة التي لم تعد تفيدها في شيء. قصتها معه أصبحت من الماضي وعليها بتدبر امرها والاجابة على اسئلته.
"لا اكرهك البتة, اشعر الآن بارتياح."
"قطتي الصغيرة, لم تتبدلي ابداً."
"تبدلت بما فيه الكفاية, ليتك لا تلقبني بالقطة الصغيرة."
"آسف, آنسة راي."
"انظر, فلنتصرف بخكمة. نحن كنا فقط اصدقاء في روما, وهذا ما أريدك ان تقوله لسام انت تعلم اني مقدمة على الزواج من سام."
"ارى ان نبقى صديقين وهذا افضل حل, فسام صديقي وسأصبح مرافقه على ما يبدو."
"افعل ما تراه مناسباً, لكن لا تجعل الامور تسوء بيني وبينه."
"سأتصرف بلباقة."
"اعرف ذلك."
"اعتذر عن مناداتك بحبيبتي, فقد اعتدت ذلك حين كنا في روما."
كان عليها ان تحتقره لما تسبب لها من شجون ومآسي, وهي التي ما زالت تحن الى ماض ولى وتود التخلص منه بأي وسيلة. باتت تلوم نفسها على ما حصل, وفي الوقت نفسه تتمنى الارتماء بين ذراعيه اختلطت عليها الامور وبات عليها التصرف بوعي وحكمة.
سألها باهتمام:
"هل تسير الامور على احسن حال؟ وهل انت بخير؟"
"اني بخير, اشكرك." سكتت قليلاً ثم سألته:"علمت ان والدتك قد..."
قال بنعومة:"منذ شهرين توفيت والدتي, وغير نادم على بقائي معها كل تلك الفترة التي غبتها عنك.ط
"آسفة حقاً لما جرى لوالدتك."
"بقيت في البرازيل لبعض الوقت ثم سافرت الى بلد آخر. واليوم قررت الانقطاع عن السفر ريثما انهي عملاً اقوم به لىلدو كونلتي. المخرج الايطالي المشهور الذي اجتمعت به في فلورنسا , لذا تعذر علي الرجوع الى روما حيث كنت منتظرة, وانا اعني ما اقول.
فقد اردت العودة اليك لكن ظروفي لم تسمح لي بذلك, ان صدقت كلامي ام لا , امر رهن بك لوحدك."
تأثرت وامتقع لونها ثم ردت قائلة:"لن أعود الى روما مهما حصل, اكتفيت. لقد نسيت السيدة لورين والمجتمع الايطالي."
"اجد انك ستنتظرين زياراتي المتلاحقة فور رجوعك من شهر العسل, سام سيجمعنا معاً يوماً ما في وقت قريب, اني اقيم في المدينة وعملي مع كونلتي سيستمر للموسم القادم, ولدي عمل آخر في ميلان وسأقوم برسم لوحات لمعبد تاسكو فيما بعد, وبعدئذ سأذهب في زيارة الى لندن."
"انت تجيد ما تفعل اقولها ولست ابالغ , انت رسام ماهر بالطبع وقد علمتني ما كنت اجهله من فنون, واني ممتنة لك."
"كنت تلميذة نبيهة, اعترف بذلك عزيزتي كريسيدا."
حاولت قطع حديثه المزعج والتحدث عن سام.
"كنت محظوظة جداً, كوني قد تعرفت الى خطيبي يا له من شخص رائع."
"اوافقك الرأي, انه انسان رائع فعلاً. لكنك أذهلتني."
"لماذا؟"
"لطالما ذكرت انك تستائين من الشبان الرياضيين ويعجبك الفنان الماهر."
اجابت ممتعضة:"تغيرت مع مرور الوقت."
"آه. حسناً يسرني اللقاء بك من جديد."
"قبل ان اودعك, اردت فقط ان اشرح لك سبب اتصالي بك قبل ان تجتمع بسام اليوم وتقول له ما اتفقنا عليه. كما ارجو ان لا تذكر امامه اني تحدثت اليك ولا يهمني بعد الآن ان كنت ستحضر حفل زواجنا."
"هل اقول له انك لم تعجبيني؟"
"كلا لم تفهم ما قصدت, سام لا يعلم شيئاً عن قصتنا."
اجابها:"حبيبتي اسأت فهمي على ما اعتقدز لست سيئاً كما تتصوري, سأعلن اننا صديقان فقط."
ودعته بعد ان شكرته بلطف.
قال لها:"الآن لا يسعني سوى التمني لك بحياة زوجية هانئة, ويتوجب علي الذهاب لشراء هدية الزفاف التي ارجو ان تقبليها مني قولي ليو ماذا تريدين هدية؟"
اجابته:" لا اريد شيئاً لا حاجة لك الى ذلك."
وعلى الفور وضعت السماعة بغضب , غلبها تعب شديد عقب حديثها معه وتمنت لو انها حافظت على هدوء اعصابها كما فعل هو.
آخر ما تمنته ان تراه في حفل زفافها واقفاً الى جانب سام. بعد لحظات قصيرة, دخلت والدتها تحمل صينية في يدها. قالت :
"هل هو سام الذي كان يكلمك؟"
"كلا والدتي انه شخص آخر." ثم خرجت مسرعة واختفت قبل ان تسألها والدتها مزيداً من الاسئلة المزعجة.