وببادرة متهورة مررت ذراعيها تحت سترته وأحاطت بهما خصره , لم تكن تعي تماما ما تفعل وكانت تشعر فقط أن الظرف يثير فيها أندفاعا غريبا عن طبيعتها , وأن هناك رغبة غير مألوفة تتحكم فيها وتجعلها تقترب منه قدر أستطاعتها.
وقفا متشابكين في عناق يائس تقريبا , فيما التوتر يمتد بينهما الى حدود غير محتملة .عيناه الجديتان غاصتا في عمق عينيها الملهوفتين المتساؤلتين , فنسيا العاصفة ونسيا كليفورد والخطوبة وكل شيء سوى أنهما رجل وأمرأة متوحدان ووحيدان على جزيرة ظمأى وسط تدفق المطر.
ووصلتها همسته كهبة نسيم من أعالي الشجر :
" ماذا تريدين مني يا أدريان؟".
فهزت رأسها لأنها لم تفهم حتى ما تريده هي , وخبأت وجهها في كتفه وهي تسمع ضربات قلبه تحت أذنها.
ناداها وهزها بلطف وكرر السؤال بهمس رقيق وملحاح , فرفعت رأسها وحاولت الكلام لكن النطق خانها.
قصف الرعد فما سمعته , أنما سمعت موراي يقول وهو يقربها منه أكثر :
" لا تهربي مني يا حلوتي".
كيف تقاومه وهي لا تشعر ألا برغبة العطاء ثم العطاء بلا مقابل؟ ضربات قلبها تملأ أذنيها وقلبها أصبح مركز كينونتها وفي وسط العناصر البدائية الثائرة في الخارج تجد في نفسها أستجابة لهتاف الحب ولعواطفه الفطرية الثائرة في داخلها.
ثم أدركت من خلال غيوم العاصفة التي تلبد ذهنها أن هذه هي لحظة أتخاذ القرار , لحظة الفراق , كما لو كانت هناك خلية تنقسم ما بين حياتها القديمة والجديدة, كان عليها هي أن تقول لا أو تقول نعم.
وعاد يهمس لها ملحا:
" هل ستكونين لي يا حلوتي؟ أخبريني....الآن وبسرعة".
سمعت لهاث كلبها المنتظم وهو يضطجع نائما في الزاوية , وبدا لها القرار المصيري كصفاء الأرض قبل المطر ....فكل ما تربت عليه , وكل قناعاتها الخاصة وكل قواها المنطقية , صوتت لحظتها ضد كلمة ( نعم) و لا و لن تدعه يمتلكها هكذا وبدون كلمة حب واحدة.
لقد سألها ( ماذا تريدين؟) توردت خجلا من مدلول السؤال , كانت ستكون ملكه لو أذعنت , وكان سيأخذها من أخيه الى الأبد , وهو ما أبتغى ألا هذا من خلال همساه وتقرباته!
أدرك موراي جوابها قبل أن تعطيه , فتقلص جسمه وتوحش فمه قبل أن يبتعد عنها , فهمست تتوسل:
" كليفورد يحتاجني ولا يسني أن أتخلى عنه ...زيجب أن تفهم هذا ".
ثم أشتدت نبرات صوتها وهي تتهمه قائلة:
" أعرف لماذا أغريتني , لأنك حقود وتكرهه الى درجة لم تكن لتتورع فيها عن تجريده من كل شيء حتى عن أخذي منه كي لا أنسى ما حييت.... ومهما يكن قد يحصل بيني وبين كليفورد بعد الزواج ... أنك كنت أول رجل يمتلكني .... يا لهذا الأنتصار الذي كنت ستفرح به , يا له من أنتصار دنيء تعيس!".
أنحنى رأسها حتى لامس ركبتيها , فوقف يعلو عليها كما المارد وزمجر قائلا:
" وهكذا أنتصر.....زللمرة الثانية أنتصر كليفورد..... لقد عرف كيف يختار فتاته أليس كذلك؟ الفتاة المخلصة , المطيعة التي تضحي وتعتز بتضحياتها!".
كلماته وقعت عليها كحصى تقذفها يد شرسة بكل قواها... أخذ ينظر اليها من فوق بأزدراء وأحتقار , وقلب الطاولة عليها بقوله:
" أنني لأتساءل , ماذا كنت تحاولين أن تفعلي ؟ أن تتخذي لك حبيبا قبل أن تلبسي خاتم الزواج؟".
" كف عن أهانتي وعن التلميح بأنني رخيصة......".
لم تجبه على سؤاله لأنه ما كان بحاجة فعلية الى جواب , وبدلا من ذلك أتهمته في عنف لم تستطع ضبطه:
" منذ عرفتك وأنت تسعى الى ايقاظي , بقسوة وتعمد , أنا أعرف لماذا! بما انك تعرف كره أخيك لأمور كهذه فقد فعلت ذلك لتضمن ضمانا تاما , شعوري بالحرمان بعد زواجي منه , وهكذا رحت تبين لي الأشياء التي سأفتقدها".
" يا لفطنتك وذكائك! بالطبع سعيت الى ايقاظك- على حد تعبيرك –فبأي طريقة أخرى كنت سأتمكن من أنتشالك من براءتك وسذاجتك الفطرية وجهلك المحزن لمتطلبات الزواج الحقيقي؟".
وتابع يقول بوحشية :
" ولم ألتق في حياتي فتاة أكثر منك لهنفة وأستعدادا لأن توقظ".
أبتسم أحتقارا للغضب الذي أثارته كلماته فيها , وأكمل ساخرا:
"وهل تعتقدين أنك سوف تستغني عن الحب وأنك لن تكوني بحاجة اليه؟ صدقيني يا حلوتي , أنك تمتلكين من العواطف الكامنة ما تعجز الكثيرات عن أمتلاكه وهذا ما تحققت منه بنفسي........ والآن , أخبريني , ماذا ستفعلين بتلك العواطف عندما تتزوجين أخي ؟ دعيني أخبرك أنا , سوف تدفنينها تحت الأرض , ستخبئينها في مخزن ذهنك حتى يأتي يوم تنفجر فيه كقنبلة موقوتة مدمرة , فتنسف عالمك الصغير المتماسك حتى يصبح كدسة من الركام المشوه , لكن قبل أن يحصل ذلك – أتكلم فقط كطبيب- سأريك لمحة مسبقة عما سيكون عليه مستقبلك , سأعطيك خلاصة لما سيحدث بعد مرور سنة أو أقل على حياتك مع أخي".
وقف في فتحة الزريبة فسد بقامته ما بقي من ضوء النهار , وأردف قائلا:
" لا تتوقعي أن أحضر زفافك , سأبذل قصارى جهدي ألا أقترب منك لمدة طويلة من الزمن ".
أولاها ظهره وأخذ يتطلع الى المطر , فقالت بصوت رفيع وغير مألوف:
" لا يمكنك أن تخرج تحت المطر".
ثم أردفت وهي تنشج متوسلة :
" لا يمكنك أن تتركني هنا لوحدي".
" حقا؟".
رفع ياقة سترته ودس يديه في جيوبه ثم خرج الى المطر المتدفق.