تململت وساورها خوف من الصورة التي كان يرسمها..... كانت واقعية ودقيقة التفاصيل الى حد كبير , بل كانت لقطة فوتوغرافية أكثر منها لوحة أبتدعها خيال فنان.
وأستفسر بلطف وعمق كما لو كان جراحا يجري عملية :
" أترغبين في أنجاب الأطفال؟".
" بالطبع أريد أطفالا".
" أذن , حظك سيء , فقد أقسم كليفورد مرة ألا ينجب , وبرر ذلك بأنه لا يطيق ضجيج الصغار , ألم يخبرك....؟ أن بعض الرجال يخلون تماما من الغريزة الأبوي , كما تعلمين".
فعادت تحيط ساقيها بذراعيها , وألصقت ذقنها بكبتها , كانت متوترة وقلقة , تحاول جاهدة أن تهرب مما كان يقول.
كلماته كانت تعذبها كدبور يطن في غرفة مقفلة مهددا باللسع , وأدركت الآن سبب خوفها الغريزي حين قال أنه يبغي التحدث معها , وسألته:
" أمن الضروري أن تستمر في الحديث؟".
فأجاب لطف:
" أريدك أن تواجهي الحقيقة يا أدريان , أخي رجل ضعيف , وهو ما أبتغى الزواج منك ألا لأنك شابة نشيطة , سيتمكن من مراقبتك وأنت تقومين بالأشياء التي لم يسمح لنفسه أبدا بأن يقوم بها , أي أنه سيعيش من خلالك , هو من الناحية الذهنية متفوق , ويسبق عمره بعشر سنوات..... هل تصغين الى ما أقول يا أدريان؟".
لم تجبه أذ خشيت ألا يخرج صوتها من حلقها المختنق.
وتابع موراي ملحا:
" أذا رزقت طفلا في يوم , فقد يستطيع كليفورد أن يشاركك أنجابه لكنه لن يكون أبا له يشاركك رعايته وتربيته".
أستلقى على ظهره مسندا رأسه على يديه , ثم أغمض عينيه ومضى الى القول:
" على كل , بأمكاني أن أؤكد لك شيئا هو أنكما ستنامان في غرفتين منفصلتين وليس فقط في سريرين منفصلين , زواجكما لن يكون حقيقيا ".
" هل لك أن تصمت؟".
هتفت بعدما عجزت عن كبح غضبها , وتابعت:
" لماذا تتحدث الي هكذا ؟ لتنال ثأرا جديدا من أخيك؟ لتؤلمني وتجرحني كما قلت لي قبل أيام؟ أم لتشقيني حتى قبل أن أتزوجه؟".
فأجاب بصراحة:
"بل لأن توقع الشر خير من وقوعه , يا حلوتي".
أستدار رأسها بسرعة الرصاصة , وحدقت في جسمه المسترخي.... كلمة ( حلوتي) , وطريقة حديثه الشخصية جدا , وقربه منها , أثارتها كلها الى حد كبير.... فقالت بما يشبه الصراخ:
" لا تسمني هكذا!".
فأستلقى على جنبه وقال ناظرا اليها بتكال:
" ولم لا؟ هل هذه الكلمة تثيرك؟ تزعجك , تحرك فيك مشاعر معينة هي في الواقع طبيعية تماما لكنها تصدمك بسبب تأثيرها عليك؟ مشاعر لم يحركها أخي أبدا لكونه يجهل أحتياجات النساء؟ مشاعر تصيبك بالخيبة لأنها متى أستيقظت فيك قد يصعب عليك ضبطها ولا تعرفين الى أي منحدر ستؤدي بك؟".
فسألته وكأنها تتعلق بقشة:
" كيف تتحدث بهذه السلطة في موضوع لا تعلم عنه شيئا؟ أنت لست رجلا متزوجا".
صمت قليلا وبدا أنه يحاول أيجاد الرد المناسب , قطف عشبة وطفق يمزقها نتفا صغيرة , وأجاب:
" طالما رأيت عواقب زيجات كهذه في مجرى عملي , حيث كنت شاهدا على العديد من الأضطرابات النفسية والجسيمة التي يوجدها عذاب الحرمان في النساء وفي الرجال كذلك".
أخذ يدها اليمنى في يده فلم تحاول سحبها , وتابع يقول:
" أصغي الي يا أدريان , الزواج لا يعني المشاركة في الأمور المادية فقط بل يعني أن تهبي نفسك كليا للرجل الذي تحبين , أنه عملية حميمة ....".
فسحبت يدها من يده وغطت أذنيها بكفيها وهتفت:
" كفى! أتحسب أنني لا أعرف ذلك؟".
أرتدت كنزتها بعصبية ونهضت تسير بعيدا عنه , فتبعها فليك الذي كان يحوم حولها ملولا , وبعد قليل لحق موراي بهما , شعرت بذراعه تحيط كتفيها , ومع أن لمسته جعلتها ترتج بشراسة , ألا أنه لم يتزحزح , وقال:
" آسف لأضطراري الى أيلامك مجددا يا أدريان , أنما لم يسعني السكوت على ما قلته لئلا تقدمي على الزواج كالعمياء ومن دون أن تطلعي على الحقيقة".
" لا أعتقد أنها الحقيقة, بل أنك تكره كليفورد الى حد يجعلك تحاول أقصى جهدك لأن تسمم أفكاري أتجاهه".
فصمت لوقت طويل حتى أضطرت للنظر اليه , كان يقطب في تفكير عميق , وأخيرا قال:
" يؤسفني ان تتهميني زورا, فليس صحيحا انني ابغي الايقاع بينكما.ليتني أستطيع أقناعك بأنني أتكلم بموضوعية تامة".
صمتا طوال الطريق , وحين أقتربا من بيتها , سأل:
" هل أثر عليك حديثنا؟ هل جعلك تغيرين رأيك؟".
فأجابته في عزم:
" هذا ما تريدني أن أفعله كي تستطيع التبجج على كليفورد , وتسجل أنتصارا آخر! جوابي هو ( لا) , وأنا مصممة على موقفي أكثر من أي وقت مضى".
وبرغم عتمة الغسق رأت عينيه تقسوان , وأجابها بفم متقلص:
" لا تختلفين أبدا عن بنات جنسك ! دائما تعطفن على المساكين مهما كان ذلك العطف طائشا ,الحق عليّ لأنني لم أتذكر هذا".
أشاح عنها وسار مبتعدا , والغضب يواكب خطواته.