3- عينان تتفتحان
في الصباح التالي دخلت غرفة كليفورد لبدء العمل , فخالته ما يزال نائما ألا أنه نهض جالسا في وهن حين أحس بها تقف قرب السرير , لم يكن حلق ذقنه بعد , وبدا وجهه شاحبا قليلا , لكن صوته كان طبيعيا لمّا تكلم , ورأت أدريان بقايا فطوره على الصينية القريبة.
" أشعر اليوم بشيء من التوعك يا عزيزتي , وعلي أن أراعي صحتي كما تعلمين".
أمسك بيدها وقرّبها منه ثم ربت على خدها بيده الأخرى , فوجئت وأنتابها بعض القلق من هذا التصرف الغريب , وتابع هو يقول:
" هل تدركين أن حياتنا بعد الزواج سنختلف قليلا عن حياة الأزواج الآخرين بسبب أضطراب قلبي , وأضطراري الى وجوب الأحتراس؟ هل تدركين ذلك؟".
كرر السؤال , فيما بدت عيناه كعيني طفل وهما تنتظران تطمينها وتطالبانها بأعطاء الجواب المناسب . فأعطته أياه قائلة:
" بالطبع أدرك ذلك يا كليفورد".
فأومأ برأسه راضيا , ثم أشار الى أحد الجوارير وقال:
" ستجدين فيه فصلا جديدا كتبته بنفسي بعد ذهابك الى البيت مساء أمس , حيث تواردت علي الأفكار فسارعت الى تدوينها".
قالت معاتبة:
" لو أنك خابرتني لما ترددت في المجيء يا كليفورد".
فضغط على يدها وأجاب:
" خطر لي ذلك يا عزيزتي , لكن قلبي لم يطاوعني على أستغلال طيبتك الى هذا الحد".
وجدت الأوراق المطلوبة , وقال وهي تستعد للخروج:
" عندما تنتهين من طباعة هذا الفصل , أذهبي الى البيت , خذي أجازة بعد الظهر وعودي مساء , فلعلني أكون تحسنت عندئذ لأملي عليك أشياء جديدة".
ظهر موراي في الردهة , وسألها حين وصلت أسفل السلم:
" تبدين كئيبة , هل تشكين من شيء؟".
" أنا بخير , لكن كليفورد ليس على ما يرام".
فقال على الفور:
" مم يشكو؟".
" من قلبه , ألا تعرف أن لديه ضعفا في القلب؟".
" وهل أخبرك ذلك؟".
فأومأت وأحست بالغضب أتجاه هذا الرجل القاسي وكأنه ليس من البشر ,وقالت:
" لماذا لا تصدق أنه مريض؟ كيف تسمح لتحاملك عليه أن يعميك عن الحقيقة , ولماذا كل هذه القسوة على أخيك حتى في حالة المرض؟".
فأجاب ساخرا:
"تتكلمين كخطيبة نموذجية , ملؤها اللهفة والخوف على حبيبها , فيا فتاتي العزيزة , دعيني أطمئنك كزوجة عتيدة , بأنه ليس مريضا ولا يشكو أضطرابا في القلب , أنه يتوهم ذلك وهذا الوهم يخدم أهدافه".
أغضبها أرتيابه , فقالت حانقة:
" أصعد لتراه بنفسك , فلعلك تتأكد هندئذ من سوء حالته".
" سأفعل ذلك".
صعد الدرج قبل أن تقول شيئا آخر , وأستدار فسألها من فوق:
" هل عزف عن تناول الطعام؟".
" لا , لقد تناول فطوره ,ورأيت الصينية فارغة".
" كنت مصيبا في ظني , فعندما يفقد أخي العزيز العزيز شهيته للطعام أتأكد ساعتها من صحة مرضه".
في المساء بدا كليفورد أحسن قليلا ولكنه قال:
" لا أشعر برغبة في الكتابة يا أدريان ,ربما في الصباح أعود الى طبيعتي بأذن الله".
كان فليك ينتظرها في الردهة فقالت له وهي تربط المقود بطوقه:
" هيا بنا نخرج في نزهة أخرى".
" هل لي بمرافقتكما؟".
سألها موراي وكان واقفا عند باب الصالون.
فقطبت أدريان وتردد ت , لكنه لم ينتظر جوابها بل تبعها الى الخارج وسأل:
" الى أين؟".
" أذهب عادة الى الحقول".
" أذن هيا الى الحقول".
منتديات ليلاس
أخذ مقود الكلب من يدها فأمتعضت من تصرفه ألا أنها لم تقل شيئا.... لماذا تعجز عن الأعتراض , كأية فتاة أخرى؟
كان الدري يمتد متوازيا مع السياج ,وأخذ يضيق لدى مروره بجانب القمح المزروع بكثرة , تركها تسير أمامه ,ومشيا صامتين لبعض الوقت فيما سبقهما فليك بمراحل ثم أختفى عم بصرهما.
ولما أتسع الدرب ثانية ,سارا جنبا الى جنب , فتطلعت اليه فأبتسم لها , وسألت بشيء من الخجل:
" ماذا تعمل يا موراي؟".
فضحك وأجاب:
" أستغربت تأخرك في هذا السؤال لغاية الآن , حاولي أن تحزري".
" حسنا , عندما ألتقيتك أول مرة حسبتك صحفيا أو حتى رجل تحر".
ضحك ثانية فقالت تبرر تحليلها:
" أنك تطرح أسئلة كثيرة".
" أبتعدت كثيرا عن الهدف , أنا أعمل في أبحاث جامعية معينة ".
فسألت بأهتمام بالغ:
" حقا , وما هو موضوع البحث؟".
تردد لبضع ثوان قبل أن يجيبها مبتسما:
" دعيني أشرحه لك في كلمات بسيطة مع أحترامي بالطبع لذكائك , المشروع المذكور , يبجث في التأثيرات الغذائية على أجزاء معينة من جسم الأنسان".
أنتظرت مزيدا من الشرح فخاب أملها , وعادت تسأل لتستحثه على أشباع فضولها:
" هل تحاضر في الجامعة؟".
تردد ثانية لكنها لم تلحظ , وقال:
" نعم , أنا أستاذ محاضر بشكل ما".
أقتنعت بهذا ألا أنها طرحت سؤالا مختلفا:
" أنت.....لست متزوجا ؟".
" كلا".
ضحك للمرة الثالثة وأضاف:
" هل أنت مهتمة بي لأنك ستصبحين زوجة أخي , وتشعرين بالتالي بمسؤولية معينة أتجاه مصالحي , أم أنك تريدين فقط أن تعرفي لأسباب خاصة بك؟".
حيّرها السؤال لكنها وفقت بين الشقين وقالت:
" هذا وذاك معا".