2- ها نحن نلتقي
في صباح اليوم التالي , وقبل أن تتوجه أدريان الى عملها , دخلت على أمها لتطمئن عليها , كانت ما تزال في سريرها وقد فرغت من تناول الفطور الذي حملته اليها أبنتها باكرا.
وجدتها جالسة على فراشها , مغمضة العينين , تشبك يديها على الغطاء وهي تصغي الى موسيقى هادئة تنبعث من راديو ترانزستور الى جانبها , كانت شقراء الشعر ذات بشرة شاحبة باهتة , أنما تبدو فتية رغم سنواتها الأربع والخمسين , كان وجهها مكرسا لحب الذات ,قالت وهي تتنهد:
" سأنهض بعد قليل .... لقد دعوت بعضا من أعضاء لجنة المهرجان لشرب القهوة , وليتني ما فعلت .... هل....؟".
" تقصدين الصحون؟ نعم , جلبتها ورتبت غرفة الأستقبال وحضرت الفناجين والحليب , وعيّرت القهوة في الأبريق فلم يبق عليك ألا أن تشعلي النار تحته".
فمدت يدها ولمست يد أبنتها قائلة:
" ماذا كنت سأفعل بدونك؟".
فهزت الفتاة كتفيها وأجابت مبتسمة:
" لا موجب لقلقك , سأبقى دائما هنا , أليس كذلك؟".
هذه هي الحقيقة , قالت في نفسها وهي تقطع المسافة القصيرة بين بيتها ومنزل كليفورد ديننغ ... وحتى عندما تزوجه وتسكن معه ستظل قريبة من امها لتكون قادرة على مسادتها في كل ما تحتاجه.
هتفت لكلبها الذي كانت تأخذه معها يوميا بناء على ألحاح أمها ورفضها العناية به في غيابها , لأنه في نظرها أكثر أزعاجا من طفل.
ولما مرّت حيث أقترح الغريب أن يلتقيا , أشاحت بوجهها عن المكان كما لو أن جريمة رهيبة قد أرتكبت فيه.... ضميرها ما أنفك يعذبها , ويصرخ مؤنبا كأب غاضب , لأنها خذلت الرجل ليلة أمس.
كان فليك قد سبقها بمراحل لمعرفته الجيدة بالطريق , كليفورد من جهته , لم يعترض مرة على وجود الكلب مع أن لا مكان للحيوانات في حياته , لكنه تحمله لغاية الآن لئلا يخسرها كسكرتيرة جيدة , وبما أنها أصبحت الآن خطيبته , لم تعد لديه حجج كثيرة ليمنع دخول الكلب الى المنزل , وهكذا أستمرت تصطحب فليك تبعا للأتفاق السابق.
كان منزل كليفورد كبيرا وأقدم من بيت أمها , أنما أفضل منه حالا , النوافذ الخلفية تطل على حدائق منسقة , فيها ورود ومقاعد خشبية وممرات ديدة , وفي وسط هذه الغابة المصغرة يقوم كوخ صغير كانت أدريان تستعمله كمكتب , فكليفورد ما كان يطيق ضجيج الآلة الكاتبة ولذا أختار لها هذا المكان لتطقطق فيه بعيدا عن سمعه الحساس.
منتديات ليلاس
وكان فليك دائما معها , في الصيف ترك الباب مفتوحا ليدخل ويخرج على هواه , وفي الشتاء يخدش بمخالبه الباب المقفل , فتترك الطباعة لتفتحه له.
كليفورد لم يأت أبدا الى الكوخ , وكانا يعملان في غرفته حيث يملي عليها أفكاره , وتنتظر هي في صبر حتى ينسق عباراته وينطقها وينقحها أذا أقتضى الأمر , لم تكن لديها ساعات عمل معينة , فأحيانا يطلب اليها ألا تأتي قبل الظهر وأن تشتغل عصرا ومساء ,والآن وقد أصبحت خطيبته , صارت تراه أكثر , وسؤاله لها :
" هل تتزوجينني يا أدريان؟".
لم يحدث أي فارق في علاقتهما , سوى أنه صار يتذكر بين الحين والحين أن يحيطها بذراعه حين تصل صباحا أو تودعه مساء.
لما فتحت الباب الأمامي العتيق وصعدت الدرج , وجدته في سريره , لكن ذلك كان أمرا طبيعيا بالنسبة لها , فهو لا يغادر فراشه الا قبيل الظهر , وكثيرا ما برر كسله بأن أفكاره تتخلى وتتدفق عندما يكون في منتهى الأسترخاء , ولا يتم له ذلك ألا في سريره , قال كذلك أن قلبه ليس سليما كقلوب الناس , وعليه بالتالي أن يريح جسمه قدر المستطاع ويدلل نفسه قليلا من باب الأحتياط.
لحق بها فليك وقفز في أرجاء الغرفة وهو يحمل خف كليفورد بين أسنانه ويهزه حتى نهرته سيدته فأعاده الى مكانه , ثم تزحلق على جلود الخراف المطروحة على الأرض الخشبية الملمعة , وقذف سلة المهملات عاليا وراح ينهمك بتقطيع الأوراق التي تبعثرت على الجلود.
كانت أدريان ما تزال تحس بالخجل من خطيبها , فترددت في معانقته ألا أن الكلب ضايقه الى حد جعله ينسى قضية العناق هذه.... قال لها ساخطا:
" أخرجيه من هنا!".
فدفعته أدريان بالقوة خارج الغرفة ووقفت على العتبة ترقبه وهو يتلصص من بين قضبان الدرابزين ويشمشم أبواب الغرف المقفلة , ثم يتوقف عند باب معين ويبقى قبالته لبرهة من الوقت.