كاتب الموضوع :
جمره لم تحترق
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
لم يغفل هو ملاحظة تلك الرعشة الخفيفة في صوتها .
والأسوأ من ذلك, كما أدركت , هو تفكيرها المتردد فيه
كرجل. وبدت إمارات السخرية حول فمه برغم نظرته
الصوانية. وشعرت أيضاً بتوتر أصابعه وهي تشتد فجأة
على ذراعي الكرسي, وهو يقول: (( وما الذي جعلك واثقة إلى
حد تفرضين فيه أنني في وضع يمكنني فيه من ...
استغلالك؟. ))
جرضت ساشا بريقها وقد تورد وجهها. إنها بالطبع , لم
تفترض أن حياته يمكن أن تكون قاحلة في شكل أعمق مما
يبدو لأول وهلة . ولابد أن هناك آثار جروح عاطفية بالغة
العمق والمرارة . ألم تفكر هي نفسها في مبلغ قسوة الأقدار؟
قالت متلعثمة: (( إنني ... إنني لم أكن أعني... )) وتلاشت
الكلمات من ذهنها . لماذا هي تقول دوماً الأشياء الخطأ ؟
قال باقتضاب: (( دعي ذلك الآن. )) وأغفل اعتذارها متحولاً
إلى أمه التي دخلت تبلغه بأنه مطلوب على خطه الهاتفي
الخاص. واستدار هو خارجا بعد ما طلب من أمه أن تأخذها
إلى غرفة الحديقة .
تبعت المرأة في الممر الطويل وقد تملكتها الحيرة .
وكانت الغرفة التي دخلتها يغمرها الضوء والهواء الطلق
وكانت تقع خلفها حديقة مغروسة بالأشجار تمتد إلى الغابة
وتخرخر فيها الجداول إلى الوادي الخصيب .
قالت: (( كانت هذه قاعة واسعة جداً ولكن ريكس
حولها إلى جناح خاص به بعد...حسن بعد حادثة
الإصطدام التي حصلت له... )) ودخلتا من الباب المفتوح إلى
الغرفة, غرفة نومه, وأدركت ساشا أنها الغرفة ذاتها التي
سبق أن وضعوها فيها الليلة الماضية . وعجبت لماذا طلب
هو من أمه أن تدخلها إليها .
تأملت ساشا المكتبة الممتدة من الجدار إلى الجدار .
الأثاث الخيزراني والمدفأة الرخامية .
قالت المرأة: (( لن يتأخر ريكس. )) وابتسمت ساشا شاكرة
بينما خرجت المرأة , وأخذت هي تمرر يدها على احد
الكراسي تلامس نعومة الخيزران . وبدت الغرفة بالسجادة
الخضراء التي تغطي أرضها, وألوان الأثاث الطبيعية
والنباتات الخضراء في أركانها , وكأنها امتداد للحديقة...
جاءها صوته: (( هل تعجبين أم تنتقدين بنظرتك
الفنية هذه؟ ))
كانت مستغرقة في ما حولها, فلم تنتبه لاقتراب الكرسي
ذي العجلات الصامتة . والتفتت . لترى ابتسامة ريكس الباردة
المتفرسة فقالت: (( الاثنين معاً . )) كانت مثقلة بمشاكلها
بحيث لم تستطع مبادلته الابتسام , مما قد يكون فسره على
أنه توتر في أعصابها بعد ما نظر نحو الغرفة المجاورة
وهو يقول بجفاء: (( ألا يجعلك إغلاق ذلك الباب تشعرين
بأمان أكثر؟ ))منتديات ليلاس
لم تتحرك ساشا من مكانها, وقد تضرج وجهها بعد ما
تذكرت ملاحظتها تلك في قاعة الجلوس . ولكن, قبل أن تعود
إلى طبيعتها , تابع ريكس قوله: (( إنك أردت معرفة ما الذي
أردته مقابل ضيافتي لك. ولكي أنفي أي تصور مخطئ عن
سبب تقديمي سريراً إلى أية امرأة شابة قد تكون بحاجة
ماسة إلى العون.. ))وأشار بيده إلى مكان خال إلى جانب
المدفأة قائلاً : (( أترين هذه الخلوة هنا ؟))
اقتربت ساشا من المدفأة وهي تشعر بصعوبة في
مقاومة جاذبيته الأخاذة: (( نعم ما الذي كان في هذا
المكان؟ ))
قال: (( كان يقوم تمثال. وكنت أتساءل دوماً عما يمكن أن
أقيم مكانه. وقد قررت الآن شيئاً قد ينال إعجابك. إنني لا
أستطيع أن أذهب إلى المناطق الريفية كما ترين, ولهذا
قررت احضار المناطق الريفية إلى منزلي هنا. أريدك أن
ترسمي على جدار تلك الخلوة لأجلي, ترسمي شيئاً يمثل
المناظر الخارجية , ليكون امتداد للغرفة. وسأمنحك
الحرية لتصميم ذلك ويمكنك إنجاز ذلك في أوقات
فراغك. وحسبما تشعرين بالرغبة, وهذا لا يتعارض مع
أية خطة أو عمل يعرض عليك في أثناء وجودك هنا. قومي
بهذا لأجلي وسأمنحك أنا المنامة والإقامة إلى نهاية
إجازتك .))
ألقت عليه بنظرة جانبية, وقد تهدل شعرها الحريري
الأسود على كتفيها, وهي تقول: (( وما الذي جعلك تظن أن
لدي الكفاءة لهذا العمل؟ ))
قال باسماً: (( شهاداتك. ))
أدركت أنه يعني تخطيطاتها التي كانت لا تزال موضوعة
على المنضدة في القاعة , إذاً فقد أعجبته عندما رآها هذا
الصباح برغم أنه لم يقل شيئاً عليها ذلك الحين.
قالت: (( ولكنني... )) كانت لا تزال تجد صعوبة في قبول
عرضه هذا. واقتربت من ذلك المكان الضيق ومررت يدها
على الجدار الناعم وهي تقول: (( إنني لم أقم بأي عمل من
قبل على مثل هذه المساحة العريضة. )) وشعرت بالفزع .
كيف يمكنها أن تتصرف مع هذه الزخارف؟ فتضيف
بألوانها المائية البسيطة رسوماً تكمل بها رسم تك الغرفة
التي لا عيب فيها؟ وانتبهت لكرسيه يقترب منها. ويقول:
(( ما هي المشكلة؟ ألا تنوين مواجهة التحدي؟ ))
استدرت إليه رافعة رأسها بكبرياء قائلة: (( ليست تلك هي
المسألة. ))
كيف يمكنها أن تخبره أنها تجد في السكنى معه, تحت
سقف واحد, رهبة أكبر من رهبتها إزاء العمل الذي يكلفها
به ؟
عاد يسألها: (( ما هي إذن لقد رأيت من تخطيطاتك
ورسومك أن دراسة الطبيعة هي مجالك. إذا وضعنا غصون
أشجار أو أي شيء أخر هنا... )) ومال إلى الأمام يشير إلى
قصده, ويتابع: (( وربما إذا جاءت الأعشاب من هذه
الناحية... شيء لافت للأنظار هنا... هنا في الوسط... ))
وأشار بيده بحركة دائرية (( ... ربما لون رمادي أو أصفر
باهت .... ))
قالت وقد قطبت جبينها إزاء اقتراحه إضفاء صبغة حية
على هذه الخلوة: (( هذا صعب إذا أردت أن تراه. ربما كان
هذا المكان منعزلاً, ولكن قد يدخله الضوء من النافذة...
وسيبدو من دون لون إذا ما انعكست أشعة الشمس على ذلك
الجدار. ))
كانت تشرح ذلك وهي تقترب من جدار قريب من القاعة
وتتابع: (( وفي أوقات أخرى تضيع الألوان في الظل . إن فكرة
الأعشاب هي رائعة ولكن ما تحتاجه في الوسط هو منظر
صارخ, إما أسمر ضارب إلى الحمرة وإما قرمزي. لمسة
واحدة فقط, وإنما من القوة بحيث تجذب النظر لأول وهلة. ))
ابتسم لها ببراءة وهو يقول: (( إذاً, فستقومين بذلك. ))
وظهرت في عينيه نظرة ماكرة أدركت هي منها أنه تعمد أن
يثير حماسها بآرائه تلك التي ينقصها الذوق , عالماً بأن
كبرياءها الفنية لن تجعلها تمتنع عن التدخل لتقويم رأيه .
قالت تعاتبه وقد شعرت بالخجل إزاء مهارته في ذلك :
(( لقد تعمدت ذلك, أليس كذلك؟ )) وتأكدت من ظنها هذا, حين
رأت ذلك الفم القاسي يفتر عن ابتسامة منتصرة .
قالت بقلق: (( افرض أن عملي لم يعجبك؟ ))
منتديات ليلاس
قال ببرود: (( إنني عند ذاك, أطلب أن يطلى الجدار تماماً
بالدهان, وعليك بعد ذلك أن تجدي طريقة أخرى لوفاء
ديني عليك. )) وابتسم بطريقة جعلت خفقات قلبها ترتفع.
مد يده وهو ينظر ساخراً إلى وجنتيها المتضرجتين
وقال: (( هل اتفقنا؟ ))
ترددت ساشا لحظة ثم تمتمت موافقة واضعة يدها بيده.
وكانت من قبل قد لاحظت بروداً في قوة يده هذه, أما الآن
فهذه الأصابع أمسكت بأصابعها مدة أطول قليلاً مما بعث
التوتر في أوصالها .
فكرت في ما بعد, أن هذا المكان ردة فعل قوية تجاه كل ما
حدث. وقبل كل شيء لوسامته المفرطة. ولكن, لو كان بن لا
يزال حياً , لكانت الآن زوجته السيدة ريتشاردز . وساورها
الألم عند هذه الفكرة, مهما يكن من قوة تأثير ريكس
تمبليتون , فإنها ببساطة لا تستطيع أن تسمح لنفسها
بالإقتراب من أي رجل مرة أخرى , بعد كل ما حدث... إن
شعورها بالذنب لن يسمح لها بتكرار ذلك الأمر.
(( نهاية الفصل الثانـــي )) ..
|