هذه ضربة أخرى في ورطتها هذه . وقالت مرتبكة : (( نعم,
كلا . أعني , كنت أعلم انه لن يكون لي هنا مكان معين
فخشيت من المجازفة بإحضارها معي مخافة أن يحدث لها
ما حدث الآن وتفقد , لهذا تركتها في البيت. ))
قال: ((ولكن, لا بد أن أرقامها عندك. )) قامت متهيبة:
(( كلا. )) لتتلقى منه نظرة أدركت منها مقدار البلاهة التي
يظنها بها .
منتديات ليلاس
هذا ما ابتدأت هي تشعر به حقاً , وهو يسألها (( هل
تملكين أي مبلغ آخر من النقود؟ ))
قالت وهي تلقي بنظرة إلى حزامها ذي الجيب الذي
يحتوي مبلغاً لا يكاد يكفيها: (( عندي بعض النقود. ))
كان عليها أن تتصل بأمها لتحملها عناء الذهاب
إلى بيتها هي, حيث ترسل إليها تلك الوصولات. وأدركت
يائسة أنها يجب أولاً أن تقوم بذلك قبل أن تقوم بأي اتصال
بالمصرف لإبلاغه بما حصل .
قال : (( إنك في ورطة أيتها السيدة. )) والتفتت هي تتطلع من
النافذة إلى الجو الغائم في تلك المنطقة الريفية, فلم تلحظ
ما بدا على ملامحه من التوبيخ العنيف. ثم بعد لحظات قليلة
سمعته يقول: (( هل يمكنني إلقاء نظرة؟ )) ومد يده إلى دفتر
التخطيطات الذي كان على المقعد بينهما. أومأت هي
برأسها وقد شعرت بتشنج في معدتها . وفكرت في أن
مشكلاتها لا تؤثر فيه كما تؤثر فيها هي .
نظرت إليه وهو يقلب أوراق الدفتر , ويمعن النظر في
رسوم الأزهار بالألوان المائية وكذلك النباتات
والحشرات , بكسل ولا مبالاة. وذلك نتيجة أخطائها
وحدها. كما أنها لم يعجبها عند وصولهم إلى البيت أن
يعيد إليها الدفتر من دون أي تعليق. كان واضحاً أن رأيه
في تخطيطاتها تلك كان يشبه رأيه فيها... وشعرت
بالإكتئاب من ذلك .
قال لها: (( أدخلي أنت وسأوافيك أنا بعد دقائق. ))
لم يستغرق وصول الشرطة أكثر من هذه الدقائق لتشعر
إزاء أسئلتهم المتعاطفة معها نوعاً ما بمقدار مضاعف لما
كانت عليه من استهتار. وكانت أسئلتهم لا بأس بها لولا ما
أبدوه من احترام فائق لــ ريكس. كانت تجلس في تلك القاعة
الجميلة بألوانها الخضراء والمشمشية . تراقب شيلا
تمبليتون وهي تسكب الشاي. مما جعل ساشا تتمنى لو
كانت في أي مكان آخر عدا هذا المكان الذي تفرض فيه
نفسها على ضيافتهم الكريــمة .
قالت لها المرأة بعد ما رحل رجال الشرطة: (( لماذا لا
تتصلين بأمك هاتفياً يا عزيزتي؟ ))
سألتها ذلك وهي تجمع أكواب الشاي الثمينة لتضعها على
الصينية . وأجابت ساشا: (( إلى نيويورك ؟ ))
لم تكن ساشا تريد أن ترزح أكثر من ذلك تحت دين
ضيافتهم. فهي غير متأكدة مما إذا كانت النقود التي في
حوزتها تكفي ثمناً لتلك المخابرة .
منتديات ليلاس
جاء صوت ريكس الآمر يرن صداه في تلك القاعة العالية
السقف يقول بلهجة لا تقبل المناقشة: (( إفعلي ذلك. ))
هرعت ساشا شاكرة إلى الهاتف الموجود على المنضدة
الأثرية إلى جانب الأريكة , لتتأوه وقد ساورتها الخيبة وهي
تسمع الرنين الموحد النغم الذي أجابها.
التفتت إلى ريكس قائلة: (( لابد أنها خارج المنزل إذ ليس
ثمة جواب. ))
قال وهو ينظر إلى ساعة يده: (( إذاً حاولي مرة أخرى
واستمري بالمحاولة إلى أن تتلقي جواباُ. أما أنا فعلي أن
أذهب. ))
قال لوالدته وهو يحرك كرسيه: (( أبقيها هنا إلى حين
عودتي ولن أتأخر هذا المساء. )) ثم نظر إلى ساشا التي
تحولت لتجلس على الأريكة, وقال : (( لا تقلقي.)) كان ثمة
لمحة من التفهم والتعاطف في ذك الصوت القوي وهو
يعدها قائلاً: (( سنتدبر الأمر. ))
شعرت عند ذهابه بالوحدة . ومع أنها حاولت عدة مرات
الاتصال بأمها فقد كانت تنتهي بالخيبة في كل مرة ثم
اتصلت بالسفارة الأمريكية لتبلغ بسرقة جواز السفر.
جاء بعد الظهر خادم شاب لآل تمبليتون يبلغه بأن
اللصوص اتلفوا أثناء سرقة المذياع من سيارتها
الأسلاك الكهربائية في السيارة, ولهذا تلقوا الأمر من السيد
ريكس تمبليتون بإدخال السيارة إلى المرأب لإصلاحها .
وهكذا لم تصبح ساشا من دون جواز سفر أو نقود فقط
بل من دون سيارة أيضاً. وشعرت باليأس وهي تفكر في أن
الأمور لا يمكن أن تكون أسوأ مما هي عليه الآن
مع حلول المساء . وبعدما كررت ساشا محاولة الإتصال
بأمها لتخرج بالنتيجة ذاتها, إذا بها تتذكر , أن أمها كانت قد
أخبرتها بأنها ستسافر في رحلة قصيرة في أثناء وجود
ابنتها في انكلترا .
شعرت بالخوف يعتصر قلبها. وما لبثت أن أخرجت من
مفكرتها رقم أقرب جارات أمها التي وجدتها لحسن الحظ
ولكن لتؤكد لها مخاوفها وهي أن أمها غائبة حقاً عن
المنزل . ولكنها, الجارة, لا تملك أي عنوان يمكن ساشا
الإتصال بوالدتها عليه .
أعادت ساشا سماعة الهاتف إلى مكانها وقد صدرت
منها آهة عميقة . ثم جلست وقد قوست كتفاها في يأس . ما
الذي يمكنها أن تفعله الآن ؟ كانت تتساءل بحيرة بالغة عندما
سمعت صوتاً عميقاً عند الباب يسألها: (( هل ثمة متاعب؟ .))
قفز قلبها عند رؤيتها ريكس من دون أن تعرف السبب .
ليس في إمكانه مساعدتها في وضعها هذا. لكن ثقتها
البالغة به جعلتها تشعر بالارتياح عند رؤيته. وقالت: (( الأمر
أسوأ مما توقعت. ))
قال: (( هل أمك غائبة؟ ))
لا بد أنه استنتج ذلك من حديثها هي في الهاتف وقالت:
(( ليس هذا فقط , وإنما لا أعرف مدة غيابها ولا استطيع
الإتصال بها. )) وزاد على كل مشاكلها , ولو أن هذا لم يقلقها
كثيراً , عودة الألم إلى كتفها .
قال: (( إنه درس قاس لك ,أليس كذلك؟ . )) وكان لومه هذا
لها كرش الملح على الجرح الحي .
قالت له وهو يدخل كرسيه: (( إذا كنت ستلقي علي
محاضرة في المسؤولية, فوفر ذلك على نفسك. إنني
أعرف مدى حماقتي وأشعر لذلك بالغثيان , من دون حاجة
إلى من يخبرني إلى أي مدى كان إهمالي. ))
والآن ؟ فليلق بها خارج منزله. فكرت في ذلك شاعرة
باليأس من وضعها هذا الذي يكاد يحطمها . كانت تشعر
بنظراته النافذة تنتقل بين قميصها وسروالها الجينز
وبشرتها المتوهجة من الحدة. وأمرها بهدوء:
(( إجلسي. ))
أطاعت وهي تشعر بالدهشة والضيق وهي ترى نفسها
تفكر برغم كل مشاكلها , كيف تسقط المرأة بسهولة فريسة
لهذا الصوت العميق . وشعرت بالإختناق بينما كان هو
يستدير ليغلق الباب خلفه .
قال وهو يلقي نظرة قصيرة على كتفها المصابة: (( إنك لم
تجدي أية راحة حتى الآن في بلادي, أليس كذلك ؟ ذلك
الإصطدام في البداية , ثم الآن هذه المشكلة . أظن أن كل شيء
كان مؤمناً عليه في شركة تأمين. ))
قالت: (( نعم. ))
قال: (( وما الذي تنوين فعله الآن؟ ))
قالت: (( أظن أن علي الذهب إلى السفارة. ))
ماذا يفعل شخص وحيد في بلاد غريبة وقد فقد كل شيء
وخصوصاً جواز سفره؟ الشيء الوحيد الذي في إمكانها
عمله هو أن تبيع سيارتها حالما تخرج من المرأب, ثم
تشتري تذكرة سفر إلى بلادها!
قال: ((يمكنك أن تمكثي هنا. ))
أجفلت من عرضه هذا ورفعت رأسها إليه مصعوقة
كانت ملامحه صارمة وجادة إلى أقصى حد .
قال: (( إن الغرفة التي رقدت فيها الليلة الماضية
شاغرة.)) وتابع حين منعتها الحيرة البالغة من الجواب :
((لقد نقل كليم حوائجك إلى تلك الغرفة, في منتهى اليسر. ولا
بد لك من سقف يظلك في أثناء عملك للخلاص من ورطتك
هذه.. فلا تقلقي بعد الآن على إقامتك ... وعلى بقية إجازتك
إذا كان يعجبك هذا .))
أنهي كلامه مبتسماً وهو يمسد عضلات رقبته. وتابع:
(( حسن؟.)) ولم تترك لها عيناه الرماديتان فرصة للتفكير.
قالت مترددة: (( لا أدري. إنني...)) وعضت شفتها .
لقد كان عرضاً كريماً. ولكن, من غير المعقول أن يكون قد
عرض عليها البقاء هنا من غير مقابل, وهي لا يمكنها أن
تدفع تكاليف إقامة مرفهة في مثل هذا المنزل. وقالت:
(( تعني في إمكاني أن أقيم معكم حتى أحصل على بديل
لشيكاتي المفقودة؟ ))
دقت ساعة الحائط ببطء وثبات تؤكد الصمت الذي ساد
بينهما... قبل أن يجيب : (( إن دفع الأجر ليس هو بالضبط ما
يجول في ذهني. ))
سرى في عروقها توتر ضئيل وهي تنظر إليه قائلة وقد
التوت شفتاها: (( وما الذي يجول في ذهنك بالضبط؟ ))