قال: (( بالضبط. تلك البراءة هي التي تجعلها مدمرة. ))
لم تعرف ماذا يقصد بقوله.ولم تستطع كذلك أن تفكر لأنه
كان مائلاً نحوها وذراعه ممتدة على مسند المقعد. وفطنت
إلى أنه حنى رأسه يحاول تقبيلها, وعندما أرادت أن
تتجاوب معه, رجع برأسه إلى الوراء فجأة وهو يقول
بهدوء: (( إن الزواج يتطلب شيئاً أكثر من ذلك.))
نظرت إليه بسرعة متسائلة عما يحاول أن يقول.
وانقبض قلبها وهي تتطلع إلى يدها الصغيرة في يده
وأصابعه حول خاتم الخطبة , وهو يقول: ((في تلك الليلة...))
سكت وكأنه يجد صعوبة في اختيار الكلمات المناسبة,
ثم أكمل قائلاً: (( لقد كان الحق معك. لقد كنت أنا أنانياً.
حسن, لقد تقدمت حالتي نوعاً ما, ولكن, ليس ثمة ما يضمن
أنني سأمشي في شكل طبيعي, ذلك شيء لن يعود تماماً كما
كان قبل حادث الإصطدام. )) ونظر إليها بوجه خال من
التعبير وتابع: (( ما أريد أن أقوله هو ... إنني لن أرغمك على
استمرار الخطبة. ))
كانت تعلم أن ذلك سيحصل. كانت تعلم ولو أن عقلها كان
يرفض الحقيقة. حتى هذه المعرفة لم تساعد على أن تقلل
من الصدمة التي أصابتها وهو يقول ذلك.
وانعدم اللون وشحب وجهها وهي تقول: ((تعني... أنك
تفسح الخطبة؟))
تساءلت عما إذا كان صوتها قد اظهر اليأس الذي يعتمل
في نفسها حين أجاب باكتئاب: (( كلا. سأترك الأمر إليك
كلياَ.))منتديات ليلاس
ولماذا؟ أرادت أن تصرخ بهذه الكلمة. وحدهما عيناها
المعذبتان ألقتا عليه هذا السؤال,لأنها تعرف لماذا. ربما
كانت قد صدقت كلامه على نفسه بأنه كان أنانياً...لأنه كان
قد تظاهر بأن هذا العمل إنما هو لأجلها هي, مظهراً أنه
يقدم إليها باب التحرر من الإرتباط به. ولكن, بعد ذلك
المشهد الذي شهدته بينه وبين روزاليند تلك الليلة, فلم يبق
لديها أي شك في أنه ما زال يحب تلك المرأة. والآن, عندما
لم يبق مرتبطاً بالكرسي تماماً ...
كان عليها أن تتمالك دموعها التي كانت على وشك
الانهمار , إنه يترك الأمر لها, كما قال, لأنه حتى لو كان يحب
امرأة أخرى, فإن كرامته وشرفه يمنعانه من الإخلال بوعد
قطعه على نفسه .
(( إذاً, فالأمر هكذا, أليس كذلك؟ )) كانت تشعر بشفتيها
ترتجفان, ولكن كان مما يبعث على الحيرة أنها كانت لا
تزال تستطيع أن تبتسم .
كان النسيم يعبث بشعره, وتشنجت أصابعها وهي
تتساءل لماذا لم تعد تستطيع أن تلمس شعره مرة
أخرى , وعبس وهو يقول: (( هل هذا هو كل ما تقولينه؟))
إنه طبعاً, لا يعرف أنها سمعت كل شيء في المكتب تلك
الليلة. ولكن, ما الذي توقع منها سماعه؟ أن تقول له أحبك؟
أرجوك ألا تصنع هذا معي ؟ إن لها كرامتها هي أيضاً.
قالت: (( ماذا أيضاً يمكنني قوله يا ريكس ؟ لقد اتخذنا,
نحن الاثنين , قراراً سريعاً إذ ارتبطنا بالخطبة. فلا حاجة,
إذن بنا إلى الاستمرار بتحمل صعوبته علينا نحن الاثنين
وذلك بإطالة أجل العذاب... )) واختطفت مجلتها واستوت
واقفة بعد إذ لم تعد تستطيع أن تبقى للتحدث في أمر إنهاء
الخطبة بالهدوء ذاته الذي يتحدثان فيه عن الطقس. إن
عليها أن تبتعد .
(( قفي.. )) وأمسك بذراعها يوقفها أمامه كحيوان يائس
وقع في الشرك. وقال : (( لا يمكن أن تذهبي هكذا... وكأن
شيئاً لم يكن. ثمة شيء ينبغي أن تضعيه في اعتبارك, وهو
أنك ربما كنت حاملاً. ))
لم تستطع النظر إليه وهي تقول: (( هذا غير محتمل.))
كانت خائفة من أن تنهار لذكرى ليلة الحب تلك .
كانت لا تزال مشيحة بعينيها وهزت كتفيها غير مدركة
ما تبدو عليه من عدم المبالاة إلى أن هزها قائلاً: (( ألا
تهتمين بما فيه الكفاية ولو لتؤمني مستقبل ابننا؟ ))
ضغط على ذراعها بقوة, وبغضب جريح انتزعت
ذراعها منه. كيف يتحدث عن الاهتمام في حين أنه هو
الذي يريد أن يدمر علاقتهما, في حين أنه هو الذي يعشق
امرأة أخرى؟
قالت وقد رفعت رأسها عالياً , وهي الطريقة الوحيدة
التي يمكنها أن تواجهه بها من دون أن تستسلم للدموع:
(( أولاً, أنه مجرد افتراض, ولكن, إذا حدث هذا فعلاً, فأني
قادرة تماماً للعناية بابني... ))
قطب جبينه وهو ينظر إليها كما لو أنها فقدت عقلها:
(( و هل تريدين أنت ذلك!))
قالت لاهثة : (( كلا , ولكن إذا حكمت الظروف ...))
قال: (( اللعنة على الظروف.)) ولدهشتها, وقف بسهولة
مستنداً إلى عصاه وهو يتابع: (( إذا أصبح لنا ولد... )) وقبض
على ذراعها بشدة مرة أخرى وهو يستطرد: (( فانا أريد
أن أكون جزءاً من حياته. ومهما كان شعورك نحوي فإنك
لن تتركي هذا المنزل حتى أتأكد أنا من ذلك. ))
يا للهول, كيف يكون بهذه القسوة؟ وبدا اليأس في
صوتها وهي تقول: (( لي الحق في أن أذهب إلى المكان
الذي أشاء متى أشاء.))
قال: (( إفعلي ذلك, وسأجدك أينما تذهبين.))
احتل الغضب مكان اليأس الذي بدا عليها منذ لحظات,
لتقول: (( حتى لو كان هناك امرأة أخرى؟ ))
لم تستطع منع نفسها من أن تقول ذلك. لقد انفجرت
عواطفها المحطمة مظهرة الحقيقة, بينما شعرت بقلبها
يعصره الألم , إذ بدا ليه تردد قصير قال بعده: (( حتى لو
وجدت امرأة أخرى.))
أحست بطعنة ألم في قلبها وهي تحاول تخليص نفسها
من قبضته مجاهدة ضد الإثنين . عذابها. وتلك القوة التي لا
تلين. بينما كان هو يقول مهدئاً إياها بصوت منخفض
خشن:
(( ساشا... أعطينا هذا على الأقل . إبقي إلى أن تعلمي ...
إما هذا , وإما ذاك . هذا كل ما أطلبه. ))
كان في وجهه نوع الألم , وهو يتحدث, لم يخف
عليها. ألم بالعمق ذاته الذي تشعر هي به, ولكن , كلا طبعاً ...
لقد كانت تتخيل ذلك بطبيعة الحال, كما فكرت. وإن ذلك
الظل تحت عينيه لا بد أنه من تأثير الشمس. وأومأت برأسها
وقد منعتها الصدمة من الكلام. فلتدعه يعتقد ذلك إذا شاء .
كيف يمكنها أن تتحمل عذاب البقاء وهي تعلم أن ثمة, منذ
الآن إلى حين سفرها, امرأة تنتظر رحيلها لتحتل مكانها؟
لكن , إذا هي ذهبت إلى نيويورك , ثم اكتشفت أنها حامل,
ماذا يحدث حينذاك ؟
منتديات ليلاس
جاءها هذا السؤال من قليل من التعقل في دخيلتها. إن
لـ ريكس الحق في أن يعلم ما دام هو والد الجنين . كما أن
ذلك الطفل سيكون له كل الحق في أن يستمتع بحب والده
وسنده. إنها لا تستطيع أن تنكر أياً من ذك, مهما سبب لها
البقاء من ألم. وربما, كذلك, لا تأخذ معرفتها بالأمر أكثر من
أيام معدودات ...
قال وهو يضع ذراعه على كتفيها: ((( إنك تشعرين بالبرد.
عودي إلى البيت. ))
أجفلت هي من إحساسها بذراعه تلك , فجذبت نفسها
مبتعدة عنه بسرعة , وقد شعرت بالبرد ينخر عظامها, ليس
من أي شيء مادي. ولكن من فكرة مفاجئة ساورتها وهي
إنها إذا كانت حاملاً , فربما أصر على الزواج منها برغم كل
شيء. وإذا هو فعل ذلك, فهل تكون هي من القوة بحيث
تستطيع الرفض ؟ أم أنها ستقبل لأجل الطفل؟ وإذا هي فعلت,
فهل تتمكن من احتمال العذاب الأبدي, وربما استيائه, إذ هي
تعلم بأن قلبه مع امرأة أخرى ؟
كانت تفكر في كل هذا, وهي تجتاز الممر نحو غرفة
الحديقة. إنها عقبة, عليها أن تجتازها, عندما تصل في
النهاية إليها .
(( نهاية الفصل التــاسع ))