عندما رفعت ساشا السماعة , سمعت صوت دي تقول: ((إن
ريكس يحضر اجتماعاً. لقد ذهب قبل مجيء البريد وأنا
أعلم أنه يتوقع رسالة مهمة في داخلها شيك. وهذه قد تكون
قد أرسلت إلى المنزل من طريق الخطأ, بدلاً من أن ترسل إلى
المكتب هنا. فهل تتكرمين بفتح ما عندك من الرسائل ثم
إعطائي خبراً عن ذلك؟ ))
سألتها ساشا ضاحكة: (( حتى الرسائل المكتوب عليها
( خاص وسري ؟ ) )) ولم تجد ساشا الرسالة التي سألت دي
عنها . وكان ثمة رسالتان بتلك الصفة , واحدة من مكتب
الضرائب, استطاعت أن تعرفها قبل أن تفتحها, أما
الثانية فقد كتبت بخط منحدر على استعجال .
قالت دي وهي تضحك : (( إنها حقوق السكرتيرة. ))
وتناولت ساشا الرسالة مرة أخرى لتفتحها .
فكرت و هي ترتجف بعد ما قرأت محتويات الرسالة ,
ولكنها ليست حقوق الخطيبة ...
كانت رسالة شخصية للغاية, تتوسل إلى ريكس أن يرد
على الرسائل الهاتفية التي سبق أن أرسلت من دون جواب,
وتتوسل إليه أن يتصل بها لإشعار قصير بالتسليم. وكان
الإمضاء ببساطة, روزاليند .
أجبرت ساشا نفسها على الخروج عن صمتها الذاهل,
لتقول: (( هذا كل شيء . )) من دون أن تتمكن من أن تقول لها,
إن حبيبة ريكس السابقة تكتب إليه مرة أخرى . وفكرت في
أنه قد لا يريد أن تعرف دي بذلك.. كانت متأكدة من هذا.
وشعرت أن عملها هذا كان تجسساً منها عليه , وتساءلت
عما ستكون ردة فعله إزاء فتحها للرسالة . ربما لم تكن دي
لتفتح رسالة مكتوبة بخط اليد. وساورها شعور بالذنب إذ
فكرت في أنها يجب أن تكون قد وضعت ذلك باعتبارها هي
نفسها . ولكن ريكس لن يهتم لذلك بالتأكيد إذا كان لم يعد
يهتم بتلك المرأة . ولكن, إذا كان ما زال يهتم بها...
عندما أقفلت دي سماعة الهاتف , ابتدأ عذاب الشك يشغل
ذهنها . ربما هذا ما كان يرجو حدوثه؟ لعل لورين كانت على
حق في أنه لما علم بعودة حبيبته السابقة , أسرع بإعلان
الخطبة انتقاماً منها ...منتديات ليلاس
تساءلت , وهي تستجمع شتات نفسها, عما إذا كانت
ستجن . إن ريكس يحبها! وإلا , لماذا طلب منها الزواج؟ إن
الناس الأذكياء لا يتعهدون بشيء لا ينوون الوفاء به .
و ريكس كان أذكى رجل عرفته .
مع هذا, لم تشأ أن تدعه يعلم بما وجدت في بريده هذا
الصباح, وعندما أعادت الرسالة إلى المغلف أدركت يائسة
أنها لا تستطيع أن تغلق المغلف ذاك في شكل لا يشعر ريكس
معه بأن الرسالة قد فتحت . ولكنها كانت قد فتحت المغلف
من أعلاه , ولذا لم يكن في المستطاع إغلاقه ثانية. حتى
أنها فكرت في أن تطبع مغلفاً آخر, ثم تعيده إليه بواسطة
البريد. ولكنها فكرت في أن ذلك سيبدو شاذاً حيث أن
الرسالة ذاتها كانت بخط اليد. إلى جانب أنها لا تريد أن
تتصرف في هذا الشكل من المخادعة , إذاً , فإن الأكثر تعقلاً
هو أن تجابهه بالأمر بصراحة. ولكن شيئاً ما منعها من أن
تفعل ذلك. وأخيراً, قررت ببساطة, أن تتركها على المكتب,
ثم تدع له هو أن يبدأ بمفاتحتها بالأمر أو لا حيث أنه لا بد أن
يفكر في ذلك بعد أن يراها مفتوحة .
هكذا, عندما خرج إلى الشرفة ذلك المساء حيث كانت
جالسة ترسم, شعرت بتوتر في أعصابها, إذ كانت تعلم أنه
قد أنهى , لتوه, الإطلاع على بريده اليومي .
(( هذا جميل )) قال ذلك وهو ينظر إلى الدفتر الموضوع
على ركبتيها والشكل الملون الصغير لـ ( دمية القمح ) التي
كانت تضع في شعرها حلية حمراء متألقة, وتابع يقول:
(( إنها ستخطف قلوب الأطفال جميعاً, من هنا إلى القطب
الجنوبي. ))
فكرت قائلة, كما خطفت أنت قلبي ... كانت مسلوبة اللب ,
كالعادة بجاذبيته وهو يمعن النظر في عملها, وتأملت
أهدابه المسبلة وبشرته الدافئة وتلك الابتسامة الكسول.
قالت ضاحكة: (( أتظن أنها ستجلب لي ثروة ؟ )) وكانت
تشعر بالاضطراب في أثناء ضحكها وهي تنتظر منه أن
يقول شيئاً على تلك الرسالة, ولكنه لم يقل شيئاً.
تساءلت عما إذا كان هذا يعني أنه لم يقرأ الرسالة بعد ,
ولكنها ارتابت في ذلك, وحاولت أن تخفي عدم ارتياحها
خلف ابتسامتها وهو يأخذ يدها ليطبع قبلة شاردة
وهو يقول: (( إذا لم يكف هذا , فهم يريدونني أن أجيب.. )) ثم
قال بلهجة عادية: (( أرجو المعذرة يا عزيزتي, إذ أن علي أن
أقوم بعدة اتصالات هاتفية في الداخل, استمتعي بالرسم
وببقية هذه الأمسية الجميلة . ))
بدا عليه, على غير عادة , الاسترخاء و الرضى عن النفسي
وهو يتأمل الورود وراء الشرفة ثم تابع قائلاً: (( سأذهب لأبدأ
بذلك وسأراك عند العشاء . ))
فكرت ساشا وهي تضع فرشاتها جانباً بعد ما فارقها
الإلهام مع ذهابه.. إذاً, هذا ما كان ... لقد قرأ الرسالة حتماً .
لقد وضعتها فوق بقية الرسائل في وسط المكتب, وربما هو
ينتظر فرصة أفضل لينفذها ,وفي هذه الحالة , لن يكون ذلك
في أثناء العشاء , , كما فكرت في ما بعد, إذ أن شيلا جاءت
لتناول العشاء معهم لتسأله النصيحة في ما يتعلق بحصان
للسباق .
بينما جلس ريكس غافلاً عما تشعر به من توتر, كانت
ساشا تنظر إليه وقد أنهكها تمالك أعصابها . ثم بعد ذلك,
بقي يتحدث هاتفياً مع زبون ذي أهمية قرابة ساعة كاملة .
وذلك بعد ما اتصلت بها أمها كما تفعل أحياناً للإطمئنان إلى
أن ابنتها سعيدة وبحالة طيبة.. ثم استغرق ريكس في أعماله
المكتبية . بعد ذلك لم تسمح لهما فرصة يرتاحان فيها معاً
مرة أخرى .
استيقظت مبكرة في الصباح التالي , وقد صممت على أن
تراه قبل أن يخرج حيث أنه كان قد أخبرها أنه سيمضي في
مكتب لندن معظم أيام الأسبوع .
في الواقع, لم تكن قد نامت جيداً , وقد صممت على أن
تخرج لتتمشى قليلاً حالما يبزغ الفجر. وهكذا كانت قد
عادت من جولتها عندما انضمت إلى ريكس على مائدة
الإفطار في غرفة الطعام. وبدت متألقة متوردة الوجنتين
حين رأته, وقد لطخت بقع الوحل حذاءها نتيجة توغلها في
الغابة .
قال ببطء, وهو يضع صحيفته إلى جانبه ويسحبها من
ذراعها يجلسها إلى جانبه: (( إنك أكثر المخلوقات التي
رأيتها إشراقاً وحيوية. )) وقال لها وقد ابتدأت تخلع السترة:
(( كلا دعيها, فإنك ستشعرين بالبرد بعد فترة . )) وأطاعته فهي
تعلم أنه ذو خبرة, لقد أخبرها مرة أنه كان معتاداً التمشي
في الغابات بانتظام كل مساء قبل أن يحدث له ذلك الحادث ؟
كانت تلك التقطيبة بين حاجبيه تناقض ما أظهره من سرور
برؤيتها, وكأنما كان يفكر في أمر ما , وتساءلت وهي
تجرض بريقها, أهي تلك الرسالة ؟
جازفت بالسؤال وهي تسكب لنفسها عصير البرتقال,
متظاهرة بعدم المبالاة : (( هل اطلعت على البريد هذا
الصباح ؟ ))
قال: (( نعم. شكراً . )) قالها بذهن غائب تقريباً. مما جعلها
تلقي عليه نظرة سريعة. ولكنه لم يكن ينظر إليها, بل كان
يحدق إلى عبارة على صحيفته المطوية وهو يمسح الزبدة
على الخبز بهدوء
قالت بصوت مضطرب بعد ما روت عطشها بجرعة كبيرة
من العصير: (( يجب أن أبدأ بالتفكير في رحلة إلى الوطن.))
لم تكن تريد أن تتحدث عن ذلك, وإنما أرادت أن تسأله
عن تلك الرسالة , لا بد أن يكون قد قرأها الآن, وإذا كان ذلك
قد حدث فلماذا لم يقل شيئاً حيث أنه قد عرف أنها
فتحتها ... وقرأتها ؟ وأحست بحيرة جارحة .
منتديات ليلاس
قال: ((هل يجب أن تذهبي ؟ ))
لقد استحوذت الآن على اهتمامه كلياً, ولكن, لأمر ما ,
شعرت بارتباك غريب. وأجابت: (( لا بد أن أذهب يوماً ما . ))
ومنحته ابتسامة سريعة , وهي تتساءل عما إذا كان ما
شعرت به في صوته هو أسف حقيقي , وتابعت: (( إنني
بحاجة إلى مواد للرسم , ومن السخافة أن أشتريها من هنا,
بينما عندي منها الكثير في البيت, كذلك أمي وأبي يريدان
أن يعرفا كل شيء عنك .. )) ولم تستطع أن تنظر إلى وجهه
وهي تقول ذلك , وتابعت: (( هذا عدا رؤية صديقتي
جولييت. كذلك الشقة المغلقة من دون فائدة في حين
أنها يمكن أن تكون ذات فائدة لزوجين يبحثان عن منزل
بثمن معقول. هذا إضافة إلى أنه يمكنني أن أنجز إجراءات
بيع مقتنياتي بنفسي, إنني أريد أن أخرجها إلى السوق
إذا ... إذا كنت تعتزم أنني سأعيش في هذه البلاد بعد
زواجنا. )) قالت ذلك بهدوء وبشيء من عدم التأكد إذ أنه
تحدث كثيراً عن حفلة الزواج في البداية , إلا أنه لم يأت
على ذكر ذلك منذ أيام . وتابعت: (( لا يمكنني ترك كل شيء
لأبي أو أمي لإنجاز ذلك كله. إن هذا ليس لائقاً . ))
قال وهو يتنفس بعمق: (( معك حق .))
تساءلت هي عن السبب الذي يجعله حزيناً وهو يتحدث
عن ذلك. وتابع قائلاً: (( إنني أوافقك على أن من الواضح أن
العروس هي عادة بحاجة إلى نقود. ولكن لا تستعجلي في
التخلص من منزلك الآن, فهذا الوقت غير مناسب للبيع.إن
بلادك تعاني ركوداً تجارياً... وأثمان الممتلكات هابطة
إلى الحضيض, ومن الأفضل لك أن تدعيه بعض الوقت
وفكري في البيع بعد أن تنتعش السوق. ))
فكرت في أن الحق معه. وراقبته وهو يأكل الخبز
المحمص. ولكن , لماذا تملكها شعور غامض بأن عنده
أسباباً أخرى عدا الأسباب التجارية التي ذكرها ؟ هل تراه
قد تراجع عن طلب الزواج منها ... وقوى من تراجعه هذا
تسلمه تلك الرسالة ؟
قالت تذكره: (( إنك تعرف أنني كنت قد رهنت بعض
أشيائي . وهنا, أو في أميركا, ذلك الممول يطالب
بنقوده ... ))
قال: (( إذاً فسندفعها إليه.))
فكرت ساشا في أنه, إذا , ما زال مصمماً على الزواج.
وفتحت فاها تحاول الاحتجاج عندما مسح هو يده
بالمنشفة. ثم رفع إصبعه إلى شفتيها يمنعها من الكلام
وهو يقول بحزم: (( إنني أصر على ذلك. )) وأدارت رأسها
رائحة كولونيا بعد الحلاقة المضمخة بها يده , وتابع هو:
(( إنني لا أريدك أن تقلقي بالنسبة إلى النقود . إن هذا ينقص
من إبداعك . وموهبتك النادرة ينبغي ألا تبدديها في التركيز
على أشياء أخرى , للمناسبة.. )) وأمسك بيدها يمر بشفتيه
على رؤوس أصابعها, وهو يتابع قوله: (( لن يكون في
إمكاني أن أخرج باكراً بعد الظهر كما سبق أن خططت لذلك ,
ولهذا, فإننا سنتناول الشاي معاً بعد الظهر . على كل حال,
إذاً كان لا يزال في نيتك أن تأتي إلى المدينة اليوم , فتعالي
وقابليني بعد الساعة السادسة, وسأكون قد أنهيت عند ذاك
عملي , و سأصطحبك إلى العشاء .))