أطلقت صرخ صغيرة وهو يجذبها إليه بغلظة (( إذاً أبقي
هنا! لا تعودي إلى أميركا , أبقي هنا وتزوجي مني أيتها
المتفائلة الصغيرة الحمقاء.))
كانت قبلته لها متوحشة وذراعاه متوحشتين آلمتاها
ولكنها لم تبال .
إنه إذاً لا يحب لورين. هكذا كل ما كانت تفكر فيه. و دار
رأسها بما قاله .
أحاطت عنقه بذراعيها وهي تهمس: (( أوه نعم نعم يا
حبيبي. نعم سأتزوج منك.))
نظر إلى وجهها وشعرها ووجنتيها المتوهجتين, ثم
قال: (( هل تعنين ذلك حقاً أم أن ذلك من وحي جلستنا هذه؟))
قالت وقد شعرت بالخوف من أن يكون طلبه الزواج منها
نتيجة شعور مؤقت : (( هل أنت كذلك؟ )) ولكن قبلته على
جبينها ذهبت بقلقها وهو يقول بهدوء: (( كان عليك أن
تكوني على معرفة جيدة بي حتى الآن يا ساشا, وإنني لا
أمزح في الأشياء المصيرية. ))
فكرت في أنه كذلك حقاً ... في أن التصاميم المؤقتة
ليست من طباعه... حتى و لو كانت أكثر الوسائل عاطفية
في العالم .
قالت باسمة: (( ولا أنا أفعل ذلك. )) وكانت عيناها تشعان
حباً وهي تهمس بذلك. ولكنها أجفلت قليلاً وهو يمسك
بمعصمها بقوة قائلاً وقد بان الشك على ملامحه: (( هل
تدركين جيداً ما أنت بسبيله؟)) فابتسمت في وجهه في
محاولة لتبديد مخاوفه: (( إنني أكل لحم الخيل وأستمتع
بأسطورة شياطين القمح. ))
فجأة بان عليها الجد وهي تقول: (( على كل حال فإنك لن
تبقى هكذا بقية حياتك ريكس. ))
قال: (( وافرضي أنني بقيت هكذا؟ )) كانت قبضته على
معصمها قاسية لا ترحم. وقد جعلت هذه الكلمات التي تفوه
بها أسارير وجهه بالغة الجمود .
فكرت بألم في أنه بطبيعة الحال, لم يحاول أن ينظر
إلى الأمور بتقبل ومرونة. وقالت: (( لا شيء يمكن أن يغير من
موقفي هذا ولا من شعوري نحوك.))
فكرت بقلب عامر بالإخلاص أن لا شيء يمكن أن يهمها
ما دام هو بحاجة إليها وهي بحاجة إليه.
منتديات ليلاس
ضحك هو قائلاً: (( يا حبيبتي الصغيرة الطبيعية. إنك
تعرفين كيف تشعرين الرجل بأهميته, أليس كذلك؟ )) وسكت
برهة يتأملها ثم قال: (( هل تعارضين في خطبة قصيرة
نعلنها للتو؟ )) وعندما لم تستطع الجواب من شدة سعادتها,
عاد يقول: (( إنني ببساطة أريد أن أجعلك زوجتي وملكي
بأسرع وقت ممكن, وأن يعلم الناس جميعاً بذلك. ))
كانت المشاعر التي تضمنها قوله ذاك تزيد من اضطرام
شعورها نحوه . إنها تعلم ما ينتظرها من صعوبات. ولكنها
تعلم أن ليس ثمة شيء لا يمكن التغلب عليه. ولم يكن الأمر
مجرد حب أعمى بصرها, كما يحدث مع صغار السن, عن
الصعوبات التي ترافق الزواج برجل معوق. وفجأة قالت:
(( وما الذي ستقوله لــ لورين؟ ))
كانت تنظر إليه بقلق وفزعت حين قال بخشونة: (( فلتذهب
لورين إلى الجحيم. ))
عندما رأى فزعها جذبها إليه بحنان, وقال وقد لانت
لهجته: (( ما أجمل أن تهتمي بمشاعر الآخرين في وقت كهذا.
ولكن, لا تقلقي... إنني لم أعطها قط أية إشارة إلى أن
شعوري نحوها هو أكثر من مجرد شعور أبن العم لابنة
عمه. في الحقيقة , لقد أظهرت لها في غير مناسبة أن ليس
لدي أي شعور نحوها غير هذا, فهي ستجتاز هذا الأمر.))
ابتسم لها بمنتهى الرقة. كان هذا الجانب الحنون من
شخصيته الذي يتعارض مع الجانب القوي, هو ما يفتنها به .
وقال وهو يقبل صدغها: (( دعي هذا لي أنا. و أنا سأخبرها
به بكل رقة. أعدك بذلك.))
في الصباح التالي, اتصلت ساشا بوالديها هاتفياً حتى
قبل أن ترتدي ثيابها لتخبرهما بخطبتها المقبلة من ريكس.
ومع أنها توقعت منهما التحفظ والاعتراض حين أخبرتهما
أن زوجها المقبل هو معوق إلا أنها سرعان ما شعرت
بالسرور حين أبديا الاحترام لرأيها, كعادتهما حين تصمم
نهائياً على أمر ما, وتمنيا لها كل السعادة .
هتف والدها بصوت مفعم بالعاطفة : (( حسن إذا كان هو
يحبك حـقاً. )) وأجابته بسعادة وقد تألق وجهها : (( طبعاً. ))
وشعرت بالسرور إذ كانت تتكلم من غرفتها حيث لا يرى
أحد مقدار البهجة و الإثارة اللتين تتجليان في صوتها
ومظهرها واللتين كانت هي نفسها مفعمة بهما هذا
الصباح .
إنها لا تذكر أن ريكس قال لها حرفياً أنه يحبها, ولكنها
أدركت ذلك من الطريقة التي حدثها بها وتصرف بها معها...
إن مجرد رغبته في الزواج منها آذنتها بشعوره نحوها. ثم
إنه من طلبه المفاجئ الزواج منها, عرفت أنه كان يائساً من
إبقائها معه بمقدار يأسها هي. وعادت تقول : (( شكراً يا
أبي . )) وأقفلت السماعة, ثم جلست لتسكب سعادتها في رسالة
إلى صديقتها جولييت, وعندما وصلت الردهة’ متألقة
في قميصها الأبيض و تنورتها البرتقالة , توقفت وقد
سمعت حركة في غرفة المكتبة .
هتفت: (( ريكس؟)) لم تكن قد رأته هذا الصباح. لم تره منذ
أعادها إلى غرفتها مرغماً الليلة الماضية, بعد ما أعادهما
كليم. وتوجهت نحو غرفة المكتبة وقد ازداد خفقان قلبها
لتقف مصعوقة عند العتبة .
لم يكن ريكس هناك بل لورين واقفة تنظر إلى حاجز
المدفأة. وعندما استدارت إليها وقد ظهر الحقد جلياً على
وجهها أدركت أنها كانت تبكي .
قالت: (( إنني آسفة يا لورين. )) كان هذا كل ما استطاعت
أن تفكر في قوله . كان لهذه الكلمات التي لا جدوى من
ورائها, التأثير عديم الجدوى ذاته في لورين وهي
تجيب: (( آسفة؟ وعلام تأسفين؟ لقد ظفرت بما تريدين,
أليس كذلك؟ )) وأطلقت ضحكة قصيرة جافة محاولة بذلك
الظهور بمظهر الرصانة وهي تسألها: (( لنتكلم, بينما الآن
فقط نحن الأثنين يا ساشا, هل هو إغراء المال ؟ أم حقيقة
أنك أردت رجلاً قد لا يتمكن من السير على قدميه بقية
حياته؟ ))
دخلت فراشة من النافذة , لتتخبط على الزجاج من دون
هدى ... كانت جميلة قد وقعت في الشرك مثل لورين تماماً
التي تملكتها فكرة الإستحواذ على ابن عمها , ولم تتمالك
ساشا من تشبيها بتلك الفراشة. وبمزيج من التأثر والغيظ
معاً , لما قالته عن ريكس أكثر مما قالته عنها هي, قالت
بضيق: (( إنني لا أريد أن أبدو قاسية جافة... )) وسكتت
هنيهة لتعود فتقول برفق: (( ... يجب أن تدركي ذلك يا
لورين . ))
بدا الألم في عيني الفتاة وبان لــ ساشا وكأنها على وشك
الانهيار ... عندما وثب الهر فجأة على النافذة في أثر
الفراشة . ورغبة منها في إنقاذ الفراشة , أسرعت تقبض على
الهر تبعده عنها لتكافأ بخدش من مخلبه وهو يقفز من بين
يديها إلى أرض الغرفة .
قالت لورين: (( لا بأس , وهكذا انتصرت.)) شعرت بغيرة
لورين وهي تنظر إلى البقعة الحمراء على يدها متابعة
قولها: (( ولكنك لا تعرفين ريكس كما أعرفه أنا. إنه قاس
وعديم الرحمة. وإذا ظننت أنك استطعت المجيء إلى هنا
وسلبه مني, فإنني أتمنى أن تذوقي إلى أي حد يمكن أن
تكون وحشيته. وخير الأمور عاجلها.))
عندما خرجت كانت تشهق, حتى كادت تصطدم بعمتها.
قالت شيلا بأسى وهي تدخل غرفة المكتبة: (( إنني آسفة
لآجل لورين... فهي كانت تعتبر ريكس بطلها المعبود منذ
حداثتها . ولكنه بطبيعة الحال, لم يظهر لها أكثر من شعور
الأخ الأكبر ورعايته. وعندما حدث له الحادث... ))
وانخفض صوتها الرقيق وهي تتابع: (( ... ولم يستطع
السير... أظنها شعرت أنه فجأة, قد أصبح أسهل منالاً
بالنسبة إليها على نحو ما ...))
تقدمت وقبلت ساشا على خدها وهي تتابع قائلة: (( على
كل حال فأنا سعيدة جداً بك يا عزيزتي .)) قالت بلطف
ولكن بذلك التقطيب البسيط بين عينيها ذاته الذي بدا في
الليلة الماضية عندما أخبرها ريكس بالأمر. ولكن ساشا
كانت هذا النهار أكثر سعادة من أن تهتم بأشياء تضايقها .
وشكرتها باسمة وهي تتقدم فتفتح النافذة لكي تسمح
للفراشة بالخروج إلى نسيم الصباح .
((
نهاية الفصل السابــ ع ))