الفصل الثاني
[COLOR="rgb(25, 25, 112)"]استيقظت ميغان باكرا لانشغالها في كثير من الامور, تناولت فطورها واطعمت ميريدث ثم رتبت بيتها الصغير وذهبت لتتسوق. استقلت الحافلة الى شارع مايل رود حيث ملأت سلتها بالاطعمة وعادت مسرعة الى الشقة.
اضفت باقة الدفلى التي احضرتها معها الاشراق الى الغرفة المعتمة التي اضيئت قليلا باشعة شمس خفيفة منبعثة من النافذة, فكرت ميغان بسرور وهي تفرغ السلة, ان ستائر صفراء مزركشة واضواء خافتة بدلا من تلك الالوان الساطعة التي اختارتها المستاجرة الاخيرة. ستضفي بعض اللمسات اللطيفة على الشقة, كل ذلك يمكن ان ينتظر المهم الان هو اعداد العشاء. اعدت لنفسها بعض القهوة مع توست وزبدة, واطعمت القط, ثم بحثت عن قطعة صوف ليجلس عليها.
منتديات ليلاس
فرشت مشترياتها بعد ذلك في المطبخ الصغير لتبدا باعداد الطعام.شرحت البصل الخاص بحساء البصل, وقشرت البطاطا وقطعت الجزر, ثم تبلت اضلاع الخروف. بعد ذلك اعدت كل شيء لتحضير الكاسترد. سينتهي عمل اوسكار عند السادسة مما يعني انه سيصل في السادسة والنصف, اذن امامها متسع من الوقت. لذلك باشرت في اعداد عوامة بالجبنة ووضعتها في الفرن. ثم دخلت الغرفة لتجهز الطاولة وتشعل النار, بعد ان تاكدت من كل شيء ورضيت بانجازاتها, ارتدت احد فساتينها الجميلة, ورتبت شعرها ووجهها. بعد ذلك حضرت فنجانا من الشاي وتناولت احدى قطع العوامة وباشرت بالطبخ. كانت حرارة الفرن ملائمة ولكن سعته قليلة, مما اضطرها لاعداد الحساء اولا لتشغر مكانا لوعاء الصلصة.
وضعت ميغان بعض غصون حصا البان حول اضلاع الخروف ووضعته في الفرن ثم حضرت الكاسترد. لم تكن متاكدة من نوع المشروب الذي عليها ان تشتريه لذلك, قررت ان تشتري بضع زجاجات الجعة.
عادت لتلقي نظرة على الطاولة فشعرت بالرضا لان الغرفة بدت رحبة ومرتبة بكرسيها وطاولتها قرب المدفاة. اما باقي الغرفة فكانت مفروشة بطاولة الطعام الموضوعة تحت النافذة بالاضافة الى كرسيين وخزانة رفوف على طول الحائط. باختصر بدت الغرفة بكل محتوياتها مع المصباحين المضاءين مريحة وجميلة, فتحت شباك المطبخ لتدع ميريدث يخرج واعدة اياه بعشاء لذيذ عند عودته. سيصل اوسكار خلال نصف ساعة.
باشرت بتحضير كوكتيل الفواكه. كل شيء اصبح جاهزا الا ان اوسكار لم يظهر بعد. مرت عشر دقائق على الموعد حين رن جرس الهاتف, بدااوسكار فرحا: "ميغان لقد طرا شيء, لن تمانعي اذا لم آت أليس كذلك؟ احد العاملين معنا اعلن خطبته, ونحن نقيم له حفلة صغيرة."
هذا صحيح, فقد سمعت اصوات ضحك وغناء من خلال الهاتف, بالاضافة الى اصوات نساء. الا انها لم تدع الغيرة تاكلها, فهناك الهديد من الطبيبات في الريجينت, سالته اذا كان سياتي لاحقا.
"غير ممكن, فالحفلة ستستمر لعدة ساعات, انا مسرور لاني لست في الخدمة."
قالت والدم يغلي في عروقها: "للاسف العشاء اصبح جاهزا..."
"ضعي البازيلاء في العلبة, سوف نستعملها مرة اخرى."
كان ذلك لا يحتمل فاقفلت الخط.
الروائح التي انبعثت من المطبخ كانت مسيلة للعاب, اطفات ميغان الغاز وهي ترتجف من الغضب وخيبة الامل. فكرت في ان تحتسي الشراب فيما كانت الدموع تتساقط على خدها, لكنها مسحت دموعها بانفعال, عندما سمعت طرقا على الباب, لا بد ان اوسكار قج اتى. فتحت الباب بسرعة فوجدت الاستاذ فان بلفيلد يحمل ميريدث بين يديه.
لم ينتظر ان تدعوه بل تجاوزها, ووضع ميريدث على الكنبة.
"وجدته عند اخر الطريق, ضربته دراجة فيماكان مارا لا اظن انه مجروح ولكن يمكن ان اتفحصه ان اردت."
نظر اليها برقة فتمنت لو انه لم ير دموعها: "ارجوك ان تفعل, شكرا لانقاذه ظننت انه بمامن في الباحة ساحضر منشفة صغيرة."
اخذ الاستاذ وقته في معالجة ميريدث مما اعطاها الفرصة لتمسح دموعها وتصلح من هندامها من دون ان يشعر. كانت المرآة الوحيدة في البيت موجودة في الحمام, لذلك اعتمدت على الحظ كي تبدو طبيعية بقدر الامكان. على كل حال لم تبد طبيعية تماما بل متعبة ومحمرة حول انفها الجميل. لم يعلق الاستاذ على الامر بل قال ان القط لا يعاني من كسور بل من بعض الرضوض السيئة, ثم وضعه قرب النار.
"هل تتوقعين ضيفا؟ اسف اذا عطلت عملك في المطبخ."
"لا لا يهم, لن ياتي اوسكار. هناك حفلة في المستشفى..." رجفت شفتها كفتاة صغيرة: "حضرت العشاء, ولا يوجد احد سواي لاكله, لذلك انا اسفة..."
خلع الاستاذ معطفه قائلا: "هل انفع انا؟ تبدو رائحة الطعام شهية وانا جائع جدا." وعندما ترددت اضاف: "لم اتناول طعام الغداء."
منتديات ليلاس
"أصحيح؟ أتود ان تبقى؟ ولكن أليس لديك بيت...؟"
"اجل اجل طبعا لدي, لا انه لا يوجد احد هناك الليلة."
بدا مقنعا جدا بقوله هذا فقالت: "حسنا, سيكون امرا لطيفا ان تبقى, هل ستكون سيارتك بمامن في الخارج؟"
"اوصيت بعض الصبية بمراقبتها."
"ألن يبردوا؟"
"انهم يجلسون في الداخل." ذهب الى الطاولة واخذ الشراب:"اذا كان لديك مفتاح فسافتح هذه الزجاجة."
ذهبت ميغان الى الفرن واشعلته ثانية, وقدمت الحساء في الحال: "اسفة لا يوجد اي شيء لاقدمه لك, لا شيري ولا غيره, فانا لم استقر بعد."
"هذا الحساء لا ينقصه شيء. هل حضرته بنفسك؟"
"اجل فانا اجيد الطهي."
لقد اسعدها كثيرا انه احب الحساء المعد بطريقة ممتازة مع التوست والجبنة, اكل الاستاذ ضلوع الخروف واحتسى الشراب بالشهية والاستمتاع نفسهما. ربما كانت هذه هي المرة الاولى في حياته التي يشرب فيها بهذه الكثرة من شراب يبلغ ثمن زجاجة منه خمسة وعشرين بنسا. لقد وضع السعر على الزجاجة وشك ان لون الشراب كان السبب في شرائها له.
تصرف على سجيته فاندهشت ميغان لكونه رفيقا ممتعا على هذا النحو. في الواقع لم يتكلم كثيرا او يرفع صوته عاليا, الا ان ما قاله كان مثيرا جدا ولا يمت بصلة االى حياة المستشفى, انه الان انسان مختلف عن ذاك الذي حدق فيها بعينيه الزرقاوين عندما انكسر الصحن.
اكتشفت فجاة انها الان تستمتع بوقتها, بعد الانتهاء من التهام اضلاع الخروف الشهية احضرت ميغان بسكوتا وجبنة وبما انه لا يوجد مكان اخر للانتقال اله تناولا القهوة والعوامة بالجبنة الى جانب الطاولة.
لم تكن واثقة بعد تلك السهرة الممتعة عما تحدثا, لكنها كانت متاكدة من انها لم تعرف شيئا عن حياته الخاصة, اذ انها لم تجرؤ على السؤال, وهو لم يقدم لها اية معلومات, صحيح انه اخبرها انه لديها كلب وقطة, الا انه اتى على ذكر ذلك عندما كان ينظر الى مريديث وهو يستلقي بكسل امام النار بعد العشاء.
ولدهشتها ساعدها في غسيل الاواني قبل ان يشكرها على العشاء الشهي والسهرةاللطيفة. كانت ميغان ممتنة لانه لم يذكر كلمة عن اوسكار.عند انتهاء السهرة غادر متجها نحو سيارته, فاعطى الصبية بعض المال وانطلق وهو يرفع يده ليحييها.
لم يكن هناك من امل لترى اوسكار في اليوم التالي, فالجناح كان ممتلئا بكثير من الحالات, الامر الذي اراحها لانها تحتاج الى يوم او اثنين كي تنسى خيبة املها بسبب تصرف اوسكار السخيف. وبالفعل لم تره الا بعد يومين بطريق عودتها من الغداء.
قال: "ميغان انا اسف بسبب تصرفي تلك الليلة, كنت اعرف انك ستتفهمين, ما رايك بيوم عندي, فانا حر في المساء, الا اذا حصل اي طارئ."
"لا لدي عمل, وساكون متعبة جدا حتى لفتح علبة بازيلاء." ثم قالت بابتسامة صفراء: "لا يمكنني التلكؤ اكثر, فهناك حالة تحتاج لعملية, الى اللقاء."
جلست ميغان في مكتبها تبحث عن دوام جيني في جدول العطل: "ارغب في الحصول على عطلة بعد ظهر غد, هل تمانعين بالتغيير؟"
رحبت جيني بالاقتراح فعادت ميغان الى طاولتها وهي تشعر بانها ردت جزءا بسيطا على الاقل من اهانته لها, واعترفت لنفسها ان ذلك لم يكن لطيفا منها خصوصا وانها طيبة القلب وحلوة المعشر. لكن اوسكار اساء اليها وجعلها تشعر بالاحباط. لم يتقابلا كثيرا منذ وقت, ولكن أليس صحيحا ان البعد يلهب المشاعر؟ أم لا؟
بعد تلك الامسية الجميلة لم تر الاستاذ, الا ان ذلك كان طبيعيا, فهو نادرا ما ياتي الى الجناح, وعندما كان ياتي لم يكن ليضيع الوقت في اي حوار. الا اذا كان متعلقا بالعمل, سمعت ميغان صدفة من السيد برايت وهو يخبر ويل جنكن زان الاستاذ غادر الى هولندا.
قال السيدبرايت: "لن يعود قبل عدة ايام, اظن انه يريد رؤية عائلته من وقت لاخر."
اذا هو متزوج, ولكن لدهشتها التفكير بذلك جعلها تشعر وكانها فقدت شيئا.
انتهى يوم العطلة وعادت الى الجناح بطبيعته المشغولة دائما,امضت ميغان احدى الامسيات تتناول العشاء مع اوسكار في احد المطاعم الهادئة قرب حديقة فيكتوريا. تمتعت كثيرا بتلك الامسية, فقد كان اوسكار لطيفا جدا الى حد انها شعرت بالاسف لانها غيرت عطلتها في الاسبوع الماضي. وافقت ميغان بسرور على اقتراح اوسكار بالذهاب الى بيتها في عطلة نهاية الاسبوع القادم.
منتديات ليلاس
قال اوسكار: "لا يمكنني الحصول على عطلة نهاية الاسبوع, الله اعلم كم اتوق لواحدة."
"سيكون ذلك رائعا, هل يمكننا ان نذهب يوم السبت ونبقى حتى مساء الاحد؟"
رافقها الىالشقة وبقي حوالي عشر دقائق: "انها لا تعتبر شقة, أليس كذلك؟"
حاولت ميغان ان تعترض على تلك الملاحظة, كل شيء يبدو جميلا, فقد وضعت الستائر الجديدة مع بعض الارائك التي تتناسق معها,ووضعت بعض الازهار الجميلة بالاضافة الى الكتب المرتبة على الرفوف, حتى ميريدث بدا جميلا. ربما بالنسبة لرجل لا تتوافق هذه الشقة مع ما يعرف بالبيت المريح والمناسب. مهما يكن من امر, فهي سعيدة بها جدا.
"على الاقل اذا اردت ان آوي الى الفراش باكرا يمكنني ذلك. في بيت الممرضات هناك دائما الكثير من الضجة, اناس يدخلون ويخرجون واخرون يلعبون بالات التسجيل. لن تصدق كم هو هادئ هذا الشارع."
ضحك اوسكار وعانقها: "اهتمي بنفسك فستتحولين الى عانس عادية اذا لم تنتبهي."
"هذا امر يمكن تسويته. يمكن ان نتزوج." لم تعرف لماذا قالت ذلك الا انها ندمت على قولها عندما اكفهر وجهه.
"امامنا متسع من الوقت لمناقشة ذلك, عندما انتهي من هنا واحصل على عمل اخر."وعانقها ثانية عندما راها مرتبكة.
بعد ان تركها وحيدة فرشت ميغان الكنبة واعدت فنجانا من الشاي. ثم نظفت ميريدث الذي بدا سمينا ولطيفا. فمنذ الحادثة التي وقعت له لم يعد يغادر باحة المنزل. لعق الحليب الذي قدمته له وتمدد امام النار الا انه في اللحظة التي تطفئ فيها الضوء وتاوي الى فراشها سيتسلل اليها وينام طوال الليل عند طرف السرير.
لم تر الاستاذ ثانية الا بعد عدة ايام. بدت متعبة وغير مرتبة بعد ظهر ذلك اليوم المرهق, حين راته واقفا مع السيد برايت في المدخل منهمكين في احدى المناقشات, رآها السيد برايت وحياها: "عمت مساء اخت رودنر." نظر اليها الاستاذ الا انه بدا وكانه لا يتذكر اين التقاها, فحياها تحية مبهمة. تابعت طريقها منزعجة قليلا. لقد تناول عشاء شهيا عندما دعته, او بالاحرى عندما دعى نفسه. صحيح انها لم تتوقع ان تتوطد العلاقة بينهما, اذ انه على حد علمها لم يكن يوطد علاقته باحد, ولكنها تستحق على الاقل تحية احسن من ذلك.
عبرت عن استيائها الى ميريدث فيما كانت تتانول العشاء, قالت وهي تعد الطعام لميريدث: "هذا فظ جدا,لكن ربما يشعر بالحنين لبيته, اذ انه عاد للتو من هولندا."
كانت ميغان ستذهب واوسكار الى بيتها في عطلة نهاية الاسبوع, راته صباح ذلك اليوم متحمسا جدا للذهاب, وقد اسعدها حماسه وادهشها في ان معا, لانها تعرف كم من الترتيبات عليهما ان يتخذا للحصول على اكثر من يوم عطلة في الوقت نفسه.
منتديات ليلاس
اقترح اوسكار ان يغادرا الجمعة فيصلا حوالي الساعة العاشرة, هذا اذا لم يكن وقتا متاخرا بالنسبة لوالديها. وافقت ميغان على هذا الاقتراح بكل سرور. سيكون لديها متسع من الوقت غدا لتشتري سلة لميريدث, فقد توقف عن التجوال في الشارع. واذا تركته بمفرده يمكن ان يشرد ثانية. الامر الذي سيزعجها حتما لانها اصبحت متعلقة به الان, ثم ان هذه النزهة الى الريف ستفيده كثيرا.
بدا يوم الجمعة سيئا, كانت تدخل المستشفى عندما رات الاستاذ يخرج من سيارته, كانا قريبين كفاية ليتبادلا تحية الصباح, الا انها كانت لا تزال منزعجة منه الى حد انها دخلت من الباب كما لو انها لم تره. تبعها الاستاذ مبتسما بلطف وهدوء. لم يكن الاستاذ يبتسم كثيرا لذلك نظر اليه رئيس البوابين باندهاش, وقال لاحد عماله: "يبدو الاستاذ فان بلفيلد مختلفا هذا الصباح." ثم اضاف: "لا بد ان شيئا هزه."
علمت ميغان ان الليلة السابقة كانت سيئة في الجناح, فقد وقعت احدى المريضات من على السرير, لا يعتبر هذا خطا احد الا انه يجب ارسال تقرير عن الموضوع واستدعاء طبيب لفحص السيدة. كانت بداية سيئة لليوم على الرغم من ان السيدة السمينة التي وقعت عن السرير لم تصب باي اذى. ميغان التي كانت ترغب في ان تعرف كل شيء كاي انسان ذي مسؤولية, وجدت اعصابها بخلاف العادة متوترة جدا. وقد غضبت اكثر عندما تاخر السيد برايت نصف ساعة عن موعده, مما اضطرها لابقاء عشاء المرضى ساخنا فيما كان يقوم بجولته عليهم بكل بطء.
قالت ميغان بتوتر ظاهر: "كان لا بد لرائحة السمك مع اللحم المشوي بالجزر ان تذكرك بان هناك مرضى بحاجة الى الاكل..."[/COLOR]