صحيح انها لم تر اوسكار الا مرة او مرتين لمدة ساعة في مقهى قريب من المستشفى, الا انها كانت تخرج في ايام العطل للتنزه مهما كانت متعبة, لم يكن امامها خيارات كثيرة, فاكتفت بنزهة قصيرة كان الطقس رائعا وجميلا في نهاية اذار, فكان مريحا ان تتمشى في الحديقة الخضراء حيث يوجد الكثير من الاشجار والزهور الجميلة. تذكرت ميغان بفرح انها ستذهب في الاسبوع القادم مع اوسكار الى بيتها, وفي الاسبوع الذي يليه ستحصل على شقتها الخاصة, اذ ان احدى الممرضات ستتزوج, وهكذا فسوف تشغر الشقة الصغيرة التي عاشت فيها لسنوات عديدة, صحيح ان اوسكار لم يرحب بالفكرة, الا انها وجدت انها فرصة رائعة ليكون لها مكان تذهب اليه حيث تستطيع ان تطهو وتتحدث مع اوسكار. وهما نادرا ما يجدان وقتا للحديث.
عاد الجناح الى طبيعته الرتيبة, طلبات ادخال مرضى وتسريح الذين انتهى علاجهم, بالاضافة الى المعاينات وتحضير الوجبات, وتوزيع ايام العطل بين الممرضات ومواصلة صارعاتهن مع المسؤول عن الغسيل, الا انها اصبحت بعد اربع سنوات قادرة تماما على ادارة الجناح بكل تعقيداته.
كان اوسكارمشغولا حتى يوم الاحد, وعلى الرغم من انها كرهت ان تمضي يوم العطلة في البيت, وجدت الفرصة سانحة لتذهب الى الشقة وتجري التحضيرات اللازمة للانتقال اليها, كانت قد قابلت صاحب المبنى الذي يشغل الطابق السفلي ويؤجر الطابق العلوي لسيدة رصينة ارستقراطية, وهي , برايه, تضفي صيتا حسنا على الشارع المهمل.
منتديات ليلاس
على كل حال, سواء كان مهملا ام لا, فهو قريب من المستشفى, وفي الواقع كانت ميغان تتوق لكي يصبح لهاا شقة حتى ولو كانت في بهو, امضت ميغان معظم يوم السبت في ترتيب وتوضيب محتويات الشقة واغراضها مع المستاجرة السابقة, ووافقت على الاحتفاظ بالمفروشات البسيطة والاهتمام بقط شريد موجود في الشقة, اذ انه لامر جميل ان يكون لها في الامسيات رفيق لطيف ودود, عادت الى المستشفى ذلك المساء باكرا, متشوقة لكي تنتقل الى الشقة, وقد لاحظت برضى شديد ان قطع المسافة استغرق خمس دقائق فقط من البيت الى المستشفى.
انطلقت هي واوسكار باكرا في صباح اليوم التالي, بيت اهلها يقع في باكنغ هامشير في قرية صغيرة شمالي مدينة تايم, ويعمل ابوها كشريك في مؤسسة محاماة, وقد عاش معظم حياته في سوينلي, متنقلا بين مكتبه في التام وايلزبري, لقد ولدت هناك كذلك اخوها واختها, وعلى الرغم من انها تحب عملها الا انها كانت في اعماقها فتاة قروية, كانت تملك في الماضي سيارة صغيرة وتمضي عطلة نهاية الاسبوع في البيت, لذلك املت ان يحظى اوسكار على عمل في القرية, تصميمه على العمل في لندن ازعجها قليلا, كم تتمنى لو انه يمضي يوما في بيتها مما قد يحمله على تغيير رايه.
تبعد قرية سوينلي عن مستشفى الريجنت حواليستة اميالد قرية سوينلي عن مستشفى الريجنت حوالي ستة اميال, سلك اوسكار عندما خرج من الضواحي الطريق رقم 41أ وعندما وصل آيلزبري اتجه نحو طريق التام قبل ان يسلك الشارع الضيق المؤدي الى سوينلي.
"كنا وصلنا اسرع لو سلكنا الطريق 40م."
"اجل اعرف ولكن هذه الطريق اجمل, فانا لا احب الطرق السريعة, لكن يمكننا ان نسلك تلك الطريق في العودة اذا اردت."
شعرت ميغان بخيبة لقلة اهتمامه بالريف, فبعد تلك الطرق المضجرة حول المستشفى كان من الممتع ان ترى كل تلك الحقول الخضراء المملوءة بازهار الربيع والاشجار الصغيرة المخضرة, فقد اتى الربيع باكراهذه السنة.
بعد هذا المنظر الرائع سلكا طريقا اضيق من السابق يؤدي الى القرية, شعرت ميغان بسعادة عارمة عند رؤيتها قرميد البيوت الصغيرة وقالت: "نر من داخل القرية, بيتنا له بوارة بيضاء, انه الاول الى اليسار."
كانت البوباة مفتوحة, فسلك اوسكار الطريق القصيرة وتوقف امام باب بيتها المفتوح, كان بيتها من الطراز الفكتوري يعود الى القرن السابع عشر, فالجدران بيضاء ونوافذ خشبية تمتد امامه مروج مملوءة بورد الدفلى ومحاطا باشجار خضراء كبيرة.
نظرت بوجه مشرق الى اوسكار: "لقد وصلنا الى بيتي, ادخل فامي تنتظرنا."
كانت امها قد اصبحت فعلا على الباب, لا تزال امراة جميلة, بطول ابنتها تقريبا: "حبيبتي اتيت اخيرا وقد احضرت اوسكار معك ايضا." ثم حضنت ميغان وسلمت على اوسكار: "لقد سمعنا عنك الكثير ونشعر كانك واحد منا, تعال وقابل زوجي."
دخل السيد رودنر الى الصالة يحمل جريدة الاحد في يده ويضع نظارات على انفه. كان اكبر عمرا من زوجته بكثير ذا شعر ابيض كثيف وعينين رماديتين ووجه مربع.
حضنت ميغان اباها قبل ان تقدمه لاوسكار: "اخيرا تمكنتما من ان تاتيا معا, هل الباقيان هنا؟"
قالت امها: "انهما بالكنيسة ولكن سيكونان هنا خلال نصف ساعة, سنشرب فنجان قهوة ونتحدث قليلا قبل ان يصلا."
وصلت ميلاني وكولن بعد ذلك بقليل, كانت ميلاني بخلاف امها واختها, فهي فتاة خجولة ورقيقة, ذات جسم صغير نحيل, بشعر ذهبي وعينين زرقاوين, اعجب ابها كثيرا االى حد انه لم يبعد عينيه عنها. فرحت ميغان كثيرا لرؤيتهما, وشعرت بالحال انهما صديقاها. بعد قليل تركتهم ميغان يتحدثون وذهبت الى الحديقة لترى ارانب كولن ولتساعد امها في اعداد طعام الغداء.
لاحظت بارتياح شديد ان اوسكار يتصرف وكانه في بيته وان والديها احباه, كانت قد خططت لنزهة في الحديقة بعد الغداء ليتكلما قليلا عن مستقبلهما, الا انها عدلت عن الفكرة بعد ان لاحظت سعادته برفقة والدها.
وفيما كانتا تحضران الشاي قالت لها امها وهي تلمع الكؤوس: "لقد اعجبني خطيبك, يبدو انه حساسومستقيم. انا متاكدة يا حبيبتي من انه سيكون زوجا رائعا."
قالت ميغانبتردد: "اجلولكن لا اظن اننا سنتزوج قريبا, فهو مصمم على الاستقرار في لندن, وانا افضل لو انه يجد عملا في الريف امي. انا احب عملي ولكنني لا احب لندن, على الاقل الجزء الذي نعمل فيه."
منتديات ليلاس
"ربما يمكنك ان تقنعيه بتغيير رايه, فهو لا يريد ان يتخصص أليس كذلك؟"
"لا لكنه مصمم على الحصول على اكبر قدر ممكن من المؤهلات مما يعني العمل في المستشفيات لوقت طويل."
"حبيبتي هل اعجبت والديه؟"
قالت ميغان وهي تجفف اخر سكينة: "في الحقيقة والده هادئ ولطيف, الا انني حاولت جاهدة ا ناحب والدته, ولكنها لا تحبني, فهي كما تقول لا تحب النساء العاملات."
"ولكنك لن تعملي عندما تتزوجين, أليس كذلك؟"
"لا اوسكار لا يريد ذلك, فهو يرى انه من الافضل ان يحصل على عمل فياحد المستشفيات التعليمية بينما اقيم انا مع والديه..."
قالت امها بحدة: "لكن ذلك لن ينفع, فماذا ستفعلين طوال النهار, كما انه لن يكون بيتك. ميغان بعد ان استلمت ادارة جناح لسنين طويلة لن يكون من السهل عليك ان تخضعي لام اوسكار, خاصة انك لا تحبينها..."
"ماذا سافعل؟ انها مشكلة أليس كذلك؟"
"اصبري يا حبيبتي, اعرف انه امر صعب ولكنها الطريقة الوحيدة."
عادا الى الريجينت بعد ان ودعا عائلتها وقبلتهم فردا فردا, والقت نظرة على كلب العائلة السلاقي المسن وعلى القطة كاندي, ثم قطفت باقة من ورد الدفلى لتزينبها شقتها.
سالت بعد ان استقلا السيارة: "حسنا, هل اعجبتك عائلتي؟"
"كثيرا, اخوك ذكي جداأليس كذلك؟ لا شك انه متفوق في المدرسة."
"اجل لحسن الحظ, فوالدي يريده ان يستلم مكانه في المؤسسة فيما بعد."
"اما اختك انها اخاذة كملاك خجول, انت لا تشبهينها ابدا." ثم اضاف عندما ضحكت ميغان: "ارجوك لا تسيئي الظن بي, فانت تعرفين ما اعني,هل تعمل؟"
"لا انها تساعد امي في البيت, ولكنها تطرز الابرة بشكل رائع, كما انها تلون وترسم وتصنع قفازاتها بنفسها, والاهم من ذلك فهي طاهية ماهرة."
"كانت العوامة التي تناولناها مع الشاي شهية, احب ان اتخيلها وهي تعمل في المطبخ..."
ارتبكت ميغان من الملاحظة, الا انها فضلت الا تخبره انها هي التي حضرت العوامة فيما كان يتحدث مع ميلاني في غرفة الاستقبال, انه امر طبيعي ان يظنها تجهل فن الطهي طالما انها مشغولة دوما في الجناح.
قل اوسكار بحرارة: "لقد كان يوما رائعا, لم استمتع هكذا منذ وقت طويل."
فرحت ميغان كثيرا بهذه الملاحظة فقالت: "اذاا يجب ان نعيدها مرة اخرى,لا تنس انني سانتقل الى شقتي هذا الاسبوع, اذا لم تكن مشغولا مساء الخميس يمكنك ان تاتي للعشاء."
منتديات ليلاس
بما انه لم يكن هناك احد,لثمها اوسكار على خدها قائلا: "ماذا سناكل؟ بازيلاء مع توست وقهوة طازجة."
"على الارجح, من الافضل ان تحضر معك زجاجة شراب, تصبح على خير."
قبل ان تذهب الى النوم, وضعت ميغان لائحة طعام ستجعل اوسكار يغير رايه عن البازيلاء.
غادرت المستاجرة السابقة يوم الاثنين, وفي مساء الثلاثاء هبت ميغان الى الشقة, واحضرت واحدا لينظفها لذلك لم يبق عليها سوى توضيب الشقة, وبما ان ميغان كانت غير مشغولة تلك الليلة, عادت الى المستشفى ووضعت معظم ثيابها في حقيبة وملات حقيبة اخرى بالكتب وعادت الى الشقة. عندما وصلت الى مدخل المستشفى تقدم منها الاستاذ بلفيلد واخذ الحقيبة من يدها.
"اسمحي لي, السيارة قريبة من هنا."
وقفت ميغان تنظر اليه ثم سالته بغباء: "السيارة؟ ولكنني ذاهبة.."
"الى شقتك الجديدة بلا شك, ساوصلك اليها في طريقي."
"هذا لطف منك ولكن في الحقيقة لا حاجة لذلك."
لم يجب بل وضع يده الكبيرة تحت مرفقها واخذ حقيبة الكتب وقادها نحو السيارة, انه لامر مريح ان تجلس بقربه, الا انها لم تستمتع كثيرا فلم تستغرق الطريق اكثر من دقيقة.
توقف امام بيتها العتيق, واخذ منها مفتاح الشقة ليفتح الباب ثم اضاء الشقة وعاد لياخذ الحقيبتين. صحيح بان الشقة بدت خالية الا انها كانت نظيفة ولا تحتاج سوى لبضع ارائك وازهار وصور ومدفاةصغيرة, كانت ميغان تقف في الصالة تشكر الاستاذ عندما مر القط به مسرعا.
"لك؟"
"اجل فقد قالت المستاجرة السابقة انها كانت تعتني به, ساحضر بعض الحليب, لا شك انه جائع."
تجمع بعض الصغار حول السيارة, ونظر الاستاذ اليهم ونادىاكبر ولد: "اذهب الى المتجر عند نهاية الطريق, اظنه ما زال مفتوحا, اشتر علبتين من طعام القطط وبعض الحليب." اعطى الصبي بعض المالوقال: "ستحصل على خمسين بنسا ان اسرعت."
"في الحقيقة لم يكن هناك حاجة..."
قال الاستاذ بكل ثقة ناهيا المناقشة: "الحيوان جائع, انت لا تنوين البقاء هنا هذه الليلة؟"
"لا سانتقل الى هنا غدا... عندي عطلة يوم الخميس, ساطهو عشاء رائعا فاوسكار سياتي, دكتور فيلدنغ."
قال ببرودة: "اجل اعرفه." بدا مستعجلا فارتاحت عندما عاد الصبي بسرعة حاملا الحليب وطعام القطط: "اعطها للسيدة." ثم اعطاه بعض المل قائلا: "أشتر لك ولاصدقائك بعض الحلوى."
نظر الصبي بسعادة الى المال وصرخ باتجاه الاولاد: "انت رجل طيب."
شكرت ميغان الاستاذ على مساعدته وتمنت له امسية سعيدة, ثم راقبته وهو ينطلق بسيارته, قبل ان تدخل الشقة لتطعم القط وتفك امتعتها.
بعد ان شبع القط جلس يراقبها, كان نحيلا جدا ومهملا, ولكنه سيصبح بقليل من العناية والدلال رائعا: "ليس لك اسم؟ بما انك تنتمي الى هذا البيت يجب ان يكون لك اسم. ترى من اين اتيت؟ منذ متى وانت تتجول في شارع ميريدث؟"
ربتت على راسه وقالت: "بالطبع هذا هو اسمك, ميريدث."
كان هناك باحة مهملة خلف البيت حيث يحتفظ المستاجرون بسلال المهملات, فتحت ميغان شباك المطبخ كي يتمكن القط من الدخول والخروج متى يريد, ثم وضعت له طعاما وتمنت له ليلة سعيدة, لم تكن مرتاحة لفكرة ترك الشسباك مفتوحا, الا انها لم ترد ان تبقيه في الخارج لمدة طويلة. على كل حال كان حائط الباحة عاليا جدا.
كان الجناح مشغولا جدا في اليوم التالي, واقتربت ايام العطلة ثانية. شعرت ميغان بالذنب لانها ستاخذ عطلتها والعمل في المستشفى متراكم, ولكن جيني ستاخذ عطلة نهاية الاسبوع, مما يعني نهماكها في العمل لساعات طويلة.كانت ميغان متعبة جدا في المساءالا انها اكنت حرة حتى صباح الجمعة لذلك اخذت باقي اغراضها الى الشقة حيث استقبلها مريديث, رتبت السرير الذي يتحول الى كنبة في النهار وتناولت العشاء واطعمت القط ثم جلست قرب النار لتضع لائحة بالاغراض التي ستحتاجها للعشاء يوم غد.
ابح كل شيء جاهزا الان مدت السريرثم اخذت حماما ساخنا ونامت بهدوء الى جانب ميريدث الذي تسلل الى السرير ونام على حافته.
فتحت ميغان عينيها حين تسلل الى السرير وتمتمت: "تحتاج الى حمام جيد." ثم اقفلت عينيها ونامت.