كان يعمل وهو يتكلم من دون اي جهد واضح في موضوع لطيف وغير معقد. شعرت بشيء من رضىً افتقدته منذ انفصالها عن اوسكار, انضم والدها اليهما وشارك في الحديث فيما كان يجلس على عربة يد ويدخن الغليون بارتياح لقيام احد غيره بهذا العمل الشاق. انجزا نصف العمل قبل ان يدعيا لتناول العشاء. وفيما كان يساعد ميغان في توضيب المعدات قال الاستاذ: "يا له من استرخاء رائع."
اضافوهو ينظر الى وجنتيها المتوردتين: "كنا نحن الاثنان بحاجة اليه."
سبقته ميغان لتغتسل وترتب نفسها فتبعتها ميلاني الى غرفة النوم, وقالت فيما كانت جالسة على السرير تراقب ميغان وهي تسرح شعرها: "استاذك لطيف جدا."
"انه ليس لي يا حبيبتي, فعندما نعود الى الريجينت سيتجاهلني عندما نلتقي. على كل حال تعرفين انه متزوج."
"امر مضحك, اعني انه لا يبدو كرجل متزوج أليس كذلك؟"
وقفت قرب ميغان واضافت: "كم اتمنى ان يحباني والدا اوسكار..."
"عزيزتي سيحبانك انا متاكدة من ذلك.أتعرفين؟ اوسكار يحبك فعلا وعندما يلاحظان ذلك سيحبانك ايضا."
"ألهذا السبب لم تعجبي السيدة فيلدينغ؟"
"اجل اعتقد ان هذا هو السبب."
"ميغان انت لست تعيسة."
"لا يا حبيبتي, اعدك بذلك."
"اه رائع, فانا واوسكار لن نرضى بذلك, لا زلت اظن انه من الافضل ان تغيري عملك, شاهدي العالم قابلي الناس..."
ضحكت ميغان قائلة: "ميلاني تتكلمين وكانك امي! من يدري ما قد افعل, سارى."
نزلا فوجدا الجميع في غرفة الاستقبال يحتسون الشراب. بدا الاستاذ وكانه في بيته تماما.
غادرا الساعة الثامنة بعد ان تناولا العشاء بشهية.
لم تتردد ميغان في مغادرة البيت مثل هذه المرة, ولم يتكلما في طريق العودة كثيرا اذ لم يكن هناك حاجة للكلام. جلست ساكنة بعد ذلك العشاء اللذيذ. سلك الاستاذ الطريق السريع حيث كان السير خفيفاا. صحت ميغان عندما وصلا الى اطراف المدينة ولكنها التزمت الصمت الى ان وصلا الى الشقة.
بدا الشارع كئيبا والشقة موحشة.
"أتريد كوبا من الشاي او القهوة؟" اخرجت ميريدث من السلة واضافت: "شكرا جزيلا لاخذي واعادتي الى البيت. كان يوما جميلا."
وقف ينظر اليها وقال: "لم تتعافي بعد أليس كذلك؟ نامي جيدا ميغان, كان يوما جميلا بالنسبة الي ايضا, تصبحين على خير."
لم تره بعد ذلك لعدة ايام, الى ان طلبه السيد برايت ليكلمه عن الجناح حين دخله صامتا نظرت ميغان الى عينيه الباردتين وهي ترد تحية الصباح, فاحست بتلك الرهبة التي تشعر بها الممرضات اتجاهه. من الصعب ان يكون الرجل نفسه الذي وقف في متجر السيدة سلوكومب يرد على السيدة تومسون بلطف.
قابلت اوسكار كثيرا في الايام التالية فبعد ان نسي موقفه المربك بعد فسخ خطوبتهما, اصبح يكلمها بانطلاق كأخت زوجته المستقبلية عن مشاريعه وعن كمال ميلاني. وافقته ميغان على ذلك فميلاني كانت فعلا فتاة رائعة. شعرت ميغان بالسعادة لرؤية اختها سعيدة, الا انها زجدت صعوبة في الاستماع الى مشاريع كان من الممكن ان تخططها مع اوسكار لمستقبليهما. طبعا هذا لا يعني انها تتمنى الزواج منه, فقد لاحظت ان شعورها اتجاهه كان مجرد انجذاب واعجاب عميقين. وهي لا تزال تشعر بذاك الاعجاب, فهو شخص محبوب من الجميع لطبيعته الهادئةواللطيفة, مما يجعله مناسبا لميلاني. بدات ميغان تفكر جديا بايجاد عمل اخر, فهي ليست مستعدة لان تاخذ فرصة طويلة وتبدا من جديد. هذا ما قالته ميغان لميريدث, بعد ان اخبرها اوسكار عن عطلته الرائعة التي امضاها مع ميلاني في بيت والديه. قال لها وكانه يعتذر ان ميلاني كانت رائعة ونالت اعجاب والديه.
قالت ميغان لميريدث: "انه الشيء الذي لم انلهانا في الحقيقة لا اظن اني انال اعجاب احد."
كانت ميغان تبحث في الخزانة عن شيء للعشاء عندما قرع الباب. قد يكون احد من المستشفى, ولكن كان بامكانهمالاتصل. فتحت الباب لتجد الاستاذ امامها.
"اه مساء الخير استاذ."
"اريد التحدث معك ولكن ليس هنا, ربما قد تاتين معي لتناول الطعام."
"عمّ؟"
"اذا اتيت معي ساخبرك."
لاحظت نفاذ صبره ولكنها قالت: "كنت على وشك ان اتناول العشاء."
دخل الشقة ليتفحص المطبخ وعندما لم يجد شيئا رفع حاجبيه مستفهما, فقالت بسرعة: "كنت على وشك اخراجه من الخزانة,ولا اعرف في الواقع لماذا يجب ان افسر لك اي شيء."
قال بهدوء: "هندامك مناسب, ضعي معطفا عليك فقط, فلن نذهب بعيدا."
بدات بالاحتجاج: "لا..." ولكن عندما نظرت الى عينيه تمتمت: "أه حسنا اذا اصررت, هل حدث امر مريع في المستشفى؟ لقد ارسلت كل العينات التي طلبت."
"اذا كان الامر متعلقا بالمستشفى او بعملك لكلمتك في المستشفى."
جلبت ميغان معطفها وطلبت من ميريدث ان يحسن التصرف,وقالت: "انا جاهزة."
رافقها الاستاذ الى الخارج واقفل الباب,ثم دخل السيارة ولوح بادب لبعض الجيران الذين كانوا ينظرون من النوافذ. قاد السيارة الى طريق ميل اند ثم عبر المدينة باتجاه جسر بوتني فالى ريتشموند.
منتديات ليلاس
"لماذا احضرتني الى هنا؟"لم يتكلما طوال الطريق, فقد كان الاستاذ مستغرقا بافكاره كما كانت هي كذلك.
"انا اعيش هنا." كان يقود الان في شارع هادئ ماهول ببيوت كبيرة مطلة على النهر. توقف امام البيت الاخير وخرج من السيارة وفتح لها الباب. فعل كل شيء بكثير من الهدوء ولكنه لم يقل شيئا.
توقفت ميغان امام المدخل وسالت: "لم لم تخبرني؟ هل هو سر؟"
ظننت انه لو اخبرتك اني ساصطحبك الى بيتي كنت سترفضين."
"انتمحق."
ابتسم قائلا: "أرايت؟" وضع يده تحت مرفقها وقال: "هلّا دخلنا؟ انا جائع ارجو وان تكوني كذلك."
فتح الباب وقادها الى الصالة وفي الوقت نفسه فتحح باب داخلي وظهر رجل سمين بشعر ابيض وعينين صغيرتين. يرتدي بزة سوداء انيقة, القى تحية المساء على الاستاذ وانحنى لميغان مكررا التحية نفسها بصوت رزين.
قال الاستاذ: "اقدم لك ثرامبل, هو وزوجته يعتنيان بي. ثرامبل دعوت الانسة رودنر لتناول العشاء.اخبر السيدة ثرامبل وخذ معطف الانسة رودنر من فضلك."
حدقت ميغان بالاستاذ بغضب, فقد انزعجت من اصطحابها بلا سابق انذار على هذا النحو, وقد انزعجت منه اكثر لانها كانت ترتدي قميص قطن وتنورة جيرسي عاديين. صحيح انها تبدو جميلة حتى لو ارتدت كيسا من الخيش, لكنها كانت تفضل ان تكون متانقة دائما.
قادها الاستاذ عبر الصالى الى غرفة واسعة بنوافذ كبيرة مطلة على النهر. كانت غرفة جميلة باثاثها الانيق المؤلف من خزانة رائعة بطول الحائط, وطاولة مع كنبة من المخمل خوخية اللون, بالاضافة الى طاولة من خشب الموغانو مغطاة بمفرش حريري مقصب خوخي اللون. كان هناك ايضاا كراسي انيقة والى جانبها مصابيح موضوعة على طاولات صغيرة.
قالت ميغان: "انت لا تعيش هنا أليس كذلك؟" احمرت لسخافة سؤالها فاضافت: "بمفردك؟"
قدم لها الاستاذ كرسيا وذهب ليشعل المدفاة, كان هناك قط امام المدفاة فانحنى ولاعبه.
"اجل اعيش هنا بمفردي باستثناء آل ثرامبل, ورثت هذا البيت منذ زمن وعندما اكون في لندن اقطن هنا. اقر انه كبير جدا علي ولكن يمكن معالجة ذلك."
"أه اجل, عندما تاتي زوجتك واولادك للعيش هنا."
"كما تقولين عندما تاتي زوجتي واولادي هنا."
جلس بقربها على الكرسي فقالت: "كنت تريد التحدث معي عن شيء ما."
"اجل يا ميغان, انت بحاجة للابتعاد تعرفين هذا أليس كذلك؟ اظن انه بامكاني مساعدتك, فانا عضو مجلس ادارةاحد المياتم في هولندة الذي ياوي اربعين طفلا من الصبيان والبنات وتتراوح اعمارهم ثلاثة اشهر واثنتي عشرة سنة..."
فتحت فمها لتتكلم فرفع يده الكبيرة قائلا: "لادعيني اكمل, لديهم طاقم كامل ولكن احدى الممرضات غادرت الى كندا لزيارة اهلها. ستغيب حوالي ستة اسابيع, ستقومين بمهامها بكل جدارة فيم تفكرين بالخطوة التالية."
منتديات ليلاس
"ولكنني لا اتكلم ولا افهم كلمة من اللغة الهولندية."
"الاطفال يتجاوبون مع اي لغة, ثم ان الطاقم يعرف ما يكفي من الانجليزية لتتفاهمي معه. المعاش اقل مما تتقاضينه هنا, ولكن الميتم مؤمن بكل شيء, فلن تحتاجي لشيء. الميتم يقع على الساحل شمالي امستردام في قرية صغيرة قرب مدينة كاستريكوم. الاولاد يذهبون الى مدرسة القرية ولكنك ستهتمين بالرضع والاطفال. وستحصلين كالعادة على ساعات فراغ ويوم في الاسبوع. وكما قلت الوظيفة لمدة ستة اسابيع تقريبا." وقف قائلا: "فكري بالامر فيم احضر لك شرابا."
اخذت الشراب قائلة: "لا يمكن ان اتخذ قراري بهذه السرعة, وفي اي حال لا اظن انها فكرة جيدة, ثم انك فاجاتني بالموضوع."
"لقد قصدت ذلك, هل كان يومك شاقا بالجناح؟"
ردت ايجابا واضافت: "ما المفروض ان افعله عند انتهاء الستة اسابيع؟"
"انني مؤمن بان على الانسان ان يغتنم الفرص عندما تسنح له. اه هذا هو ثرامبل ليعلمنا ان العشاء جاهز."
تقدمها عبر الصالة الى غرفة اصغر تطل على النهر. كانت غرفة انيقة بطاولة مستديرة من خشب الموغانو تتسع لثمانية اشخاص وكانت الكراسي ايضا من الخشب نفسه. اما الجدران فكانت مكسوة بحرير اخضر بالاضافة الى صور كثيرة وستائر خضراء مخملية موشاة بالاحمر, ومربوطة الى الوراء بشرائط حمراء تتناسب مع السجادة تماما. اعجبت ميغان كثيرا بالغرفة والفضيات والزجاجيات اللامعة الموضوعة على الطاولة.
كنت السيدة ثرامبل طاهية ماهرة,تناولت ميغان الطعام بشهية فيم كانت تتحدث باشياء لا علاقة لها بعرض الاستاذ المفاجئ, لم يأت هو ايضا على ذكر الموضوع, يا له من رجل متعب, فكرت بذلك وهي تححتسي القهوة في غرفة الاستقبال, على كل حال يجب ان تتكلم في هذا الموضوع وترفض بالطبع...
قطع حبل افكارها قائلا: "هل لديك عطلة؟"
"اجل ثلاثة اسابيع, اضطررت لالغاء اسبوع من اجازتي في شباط فقد كانت جيني مريضة وكنا مشغولين. لذلك سيضاف ذلك الاسبوع الى الاسبوعين الحاليين."
"مما يعني ان بامكانك المغادرة اخر الاسبوع."
قالت ميغان بسرعة: "من قال اني مغادرة؟"
"انا, فانت تعلمين ان هذا ما تودين فعله, لكنك خائفة ان تتركي حياتك البائسة وتحاولي من جديد."
كان يبتسم فشعرت برغبة في رمي نفسها على صدره والبوح بكل ما يقلقها. قالت بتردد: "هل تظن فعلا انها فكرة جيدة؟"
"لما كنت اقترحتها. ولكن يجب ان تقرري بنفسك يا ميغان."
"يجب ان اعرف اكثر عن هذا العمل."
"طبعا اسكبي مزيدا من القهوة وساخبرك."
منتديات ليلاس
اعطاها كل التفاصيل والاجوبة التي تريدها, ربما كانت فكرة جيدة, فقد نصحها اربعة اشخاص على الاقل بترك الريجنت...
قالت فجاة: "وميريدث؟"
"يمكن ان يعتني به والداك؟ او يمكنه البقاء هنا.السيدة ثرامبل لديها قطة عجوز اسمها تبي, ستفرح برفقته. واذا رجعت يمكنك استعادته اينما كنت."
"لديك حل لكل شيء."
"افعل ما بوسعي, ساذهب خلال عشرة ايام الى هولندةويمكنك ان ترافقيني اذا اردت. اعلميني في الصباح ما رايك؟ فكري بالامر." جلس على الكرسي بارتياح واضاف: "اخبريني متى سيتزوج ميلاني واوسكار؟"
اصطحبها الى البيت ولكنه لم يمكث بل اقترب منها فجاة عندما كانت تودعه وعانقها. وجعلها ذلك لسبب ما تقبل عرضه بالوظيفة الجديدة.
نهاية الفصل الخامس
قراءة ممتعة للجميع