تمرنت وهي في طريق عودتها مساء الاحد على ما كانت ستقوله لاوسكار, فستكون هادئة ومتعقلة ولن تدعه يلاحظ شعورها بالمهانة. بعد ان تفعل ذلك ستضطر لان تخبر اصدقاءها بالريجينت ولكن لن يكون سهلا, صحيح انها كانت محبوبة من الجميع في المستشفى, ولكن مهما يكن من امر سيثرثرون كثيرا. الحمد لله لن يدوم ذلك طويلا, لذلك عليها ان تتحمل حتى تطرأ اخبار جديدة في المستشفى.
قررت ميغان بعد تفكير طويل الا تنتظر حتى يتصل اوسكار بها, ولكن قبل ان تتصل هي به, اعطاها البواب رسالة من اوسكار يعلمها فيها انه سيكون حرا بعد السادسة مساء يوم الثلاثاء ليتقابلا حول شراب.
بدا يوم الثلاثاء ابديا, ليس لتشوقها لميعاد الليلة, بل لانه كان مليئا ببعض النكبات الصغيرة, فقد ألغى قسم الاشعة احدى نتائجه, وجرحت احدى الممرضات المتمرنات يدها بكاس مكسور... بعد ان انهت عملها تمنت اخيرا لو دام هذا اليوم السيء الى الابد, فقد نسيت ميغان كل ما كانت قد استعدت له من كلام, وخشيت ان تنفجر بالبكاء حين ترى اوسكار. ولسوء الحظ التفت الاستاذ وهي تغادر المستشفى, كان داخلا فامسك الباب واقفا في طريقها.
"هل انت حرة هذا المساء؟ وهل انت ذاهبة لمقابة الدكتور فيلدينغ؟ رائع..." ابتسم لها بعذوبة لدرجة انها رغبت في الارتماء على صدره والبكاء بحرارة, قال بصوته الهادئ: "اهدئي الان, لن يكون الامر سيئا كما تتصورين. ستخبرينني كل شيء لاحقا."
نظرت اليه باندهاش قائلة: "كيف عرفت؟"
منتديات ليلاس
"لدي معلومات عن جدول الطاقم." ربت على كتفها واضاف: "اذهبي وانهي الامر."
بدا وكانه يتكلم مع فتاة صغيرة, بدلا من امراة رائعة البنية في الثامنة والعشرين من عمرها.
شعرت ميغان بارتياح شديد, فهو لم ينتقدها او ينتقد اوسكار, بل خلاف ذلك, كانت تعليقاته غير شخصية ومريحة دائما. اعدت لنفسها كوبا من الشاي واطعمت ميريدث ثم امضت وقتا في اختيار ما سترتديه, فقد شعرت انه من المهم ان ترتدي شيئا مناسبا لهذه الليلة. قررت ان ترتدي تنورة صوف سوداء مع قميص وكنزرة وردية اللون لتخفف من حدة سواد التنورة. وبما انها كانت ليلة كئيبة اختارت سترة سوداء. تمنت لو ترتدي شيئا صيفيا جميلا, ولكن تغير الطقس منعها. على كل حال, كانت الثياب التي ارتدتها جميلة.
كان اوسكار بانتظارها عند بوابة المستشفى, اخذها بيدها وسارا الى المقهى معتذرا لانه لن يبقى سوى نصف ساعة, جلسا في صالون المقهى حيث سالها: "ماذا تشريبن؟"
"تونيك لو سمحت."
ابتسمت له فيما كانت تدرس وجهه. يا له من وجه لطيق ستفتقده, على الرغم من انها ستضطر لرؤيته كثيرا في المستقبل داخل المستشفى وخارجه. بدا قلقا لا شك انه كذلك فعلا.
"اذا لم يكن لديك صوى نصف ساعة فقط اريد ان اقول شيئا بسرعة, لذا ارجول الا تقاطعني... انا اعرف موضوعك مع ميلاني... لا اوسكار طلبت منك الا تقاطعني. ذهبت الى البيت وتكلمت معها في الامر وكل شيء على ما يرام الان. اظن انك احببتني ولكن ليس كفاية. انت تحبها فعلا أليس كذلك؟"
احتست شرابها وتمنت لو انها طلبت شيئا اخر.
خلعت الخاتم من اصبعها ووضعته امامه على الطاولة: "سيسعدني جدا ان تكون صهري. ارجوك لا داعي لان تشعر بالذنب, قد يحدث هذا لاي انسان."
"انت يا ميغان لا تمانعين. ألم تحبيني بدا؟ اردت ان اخبرك ولكني لم اشأ ان اكدرك... اعتقدت ان قلبك سيتحطم."
شعرت ميغان بنفاذذ صبرها: "طبعا انا امانع, وبالتاكيد احببتك ولكن كما اعتقد ليس كفاية, اما بالنسبة للقلب المحطم, فقلبي مخدوش قليلا."
"اه ميغ, انا اسف جدا. كان يجب ان اخبرك منذ اللحظة الاولى التي رايت فيها ميلاني وعرفت اني وقعت بحبها. انها جميلة جدا ورقيقة. ننوي ان نتزوج قريبا. ساجد عملا بالريف..."
انه يحب ميلاني فعلا, فقد تخلى عن مشاريعه المستقبلية بلا تردد,سيفعل ما كانت تريده ان يفعل بالضبط ولكن ليس من اجلها بل من اجل شقيقتها. وفجاة لم تعد تحتمل. وقفت بسرعة وهي ترسم ابتسامة على شفتيها وقالت: "يجب ان اذهب فلدي موعد ساراك بالجوار. ارجوك اتصل بميلاني باسرع وقت ممكن فهي قلقة جدا."
خرجت مسرعة من المقهى واتجهت الى شقتها حيث رات الرولز واقفة في الخخارج. كان الاستاذ يتكلم مع مجموعة من الصبية ولكنه تركهم عندما رآها واخذ منها الامفتاح ليفتح لها الباب.
لم تنظر اليه فقد كانت تقاوم دموعها. قالت بصوت مخنوق: "لا تتجرا وتدخل الغرفة."
دخلت الغرفة ورمت بنفسها على الكرسي.
قال الاستاذ برباطة جأش: "ما تحتاجينه هو كوب شاي ساخن. فقد اكتشفت ان التاس في هذا البلد يتعافون بسرعة عندما يشربون شايا قويا مغليا محلى بالسكر والحليب."
وضع ابريق الشاي على النار واحضر الفنجانين فيما كان يصفر: "طبعا هذا اجراء مؤقت فبعد ان تشربي الشايوتبكي جيدا, ستغسلين وجهك وترتبيننفسك ثم نذهب الى مكان ما نتناول فيه الطعام ونشرب."
"شراب؟ ولكنه للاحتفال, اه ارجوك ان تذهب."
لم يعر كلامها اي اهتمام, بل قدم لها منديلا كبيرا واحضر ابريق الشاي ووضعه على الطاولة بقرب كرسيها, سكب لها الشاي وقال: "اشربيه ساخنا وتوقفي عن البكاء, على الاقل كي تشربيه."
قالت باكية: "لا اريد شايا..."
"لا لا هذه ليست طريقة للكلام, هل صرخت بوجه الشاب فيلدينغ؟"
"بالتاكيد لم افعل. اظن ان بامكاني البقاء وحيدة ان اردت ذلك."
اخذ منها المنديل ومسح دموعها: "اشربي الشاي, لا حاجة لمزيد من البكاء فقد انتهى الامر." عندما شربت الشاي مطيعة اوامره اضاف: " الان انت فتاة عاقلة. هل فكرت بالامر؟ كان هناك حتى هذا المساء ثلاثة اشخاص تعساء, اما الان فيوجد واحد فقط."
منتديات ليلاس
شربت الشاي واضافت برقة: "انت لطيف جدا, انا اسفة لاني مزعجة وفظة."
"لا تهتمي انهي الشاي ثم اغسلي وجهك لنخرج, فانا جائع."
"لا اقدر ابدو مخيفة."
"مخيفة وجميلة جدا. ضربة مشط في شعرك كع مسحة من البودرة على وجهك وستبدين اجمل بكثير."
ذهبت الى المطبخ ونظرت الى المرآة, انها تبدوبحالة مزرية بالاضافة الى ان هناك شيئا ما يقلقها.
"انه للطف منك ان تدعوني للخروج معك, ولكن ألا تظن انه يمكنني ذلك, ألن تعترض زوجتك؟"
نظر اليها برقة وقال بعدم اهتمام: "انا متاكد تماما ن زوجتي لن تعارض."
"ألا تعتقد انني سخيفة ومحافظة؟"
"لا ابدا فانا نفسي محافظ."
شعرت ميغان بالرضا, فدخلت الحمام وغسلت وجهها مما انعشها قليلا: "يجب ان اوضب شعري ووجهي في المطبخ اذا لم تمانع."
"لا ابدا."
انه لامر غريب حقا, فعلى الرغم من ضخامة حجمه, تصرفت وكانه غير موجود.
"هل انفع هكذا؟"
"رائع, لن نذهب الى مكان فخم."
اخذها الى فندق داتشت الذي يقع في قرية وندسور خارج لندن, يطل الفندق على قرية جرين, وقد لاحظت بارتياح انه مطعم ريفي هادئ يتلاءم مع ما ارتدته من ملابس.
اختار الاستاذ الطعام. كانت غرفة طعام جميلة حيث يتناول كثير من الناس عشاءهم بهدوء الى طاولات بعيدة عن بعضها. تناولا شرابا في المقصف قبل ان يؤخذا الى احدى الطاولات, القيا نظرة على لائحة الطعام قبل ان يسال: "هل تريدين شيئا معينا؟"
عندما هزت راسها بالنفي قال: "هل نبدا بالسلطة؟ البط المشوي مع البرتقال لذيذ جدا هنا..."
"هل اتيت الى هنا من قبل؟"
"انه لامر طبيعي بالنسبة لمتجول."
تكلم في موضوع بسيط حتى قدمت السلطة, ولم يتحدث طوال العشاء سوى بمواضيع خفيفة, شعرت ميغان بعد هذا العشاء اللذيذ بقليل من الراحة. فيما كانا يحتسيان القهوة سالها اذا مان لديها دوام في الصباح, وعندما ردت بالايجاب قال: "في هذه الحالة يجب ان نعود. انت بحاجة لقسط من الراحة."
لو كان لديها اخ اكبر لعاملها بالطريقة نفسها, ولكنه بالطبع دعاها للخروج لانه رجل لطيف, ولانها كانت منزعجة. كان سيفعل ذلك مع اي شخص اخر وليس لانه يفضل صحبتها بشكل خاص.
خرجت معه الى السيارة وهي تشعر قليلا بدوخة. جلست بجانبه بصمت فيما قاد عائدا الى الشقة. حيث خرج. فتح باب الشقة كالعادة وتفحص المكان ثم قاطع شكرها بالطف الطرق الممكنة وذهب. لم يكن من النوع الذي يضيع وقته في حديث لا معنى له. فلم يمنحها مجالا لتقول اي شيء غير الشكر.
قالت لميريدث: "كما اعتقدت فهو لم يدعوني لانه اراد ذلك. اؤكدلك انه لن يكلمني لعدة ايام."
منتديات ليلاس
كانت محقة اذ انها لم تر الاستاذ لعدة ايام, لكنها رات اوسكار الذي حياها بوجه خجول مما جعلها تترجاه بالا يكون سخيفا. علم المستشفى بما حصل, فقد لاحظ ان هناك الكثير من الثرثرة. ولكن اصدقاءها حاولوا ان يساعدوها. فقد كانوا يدعون نافسهم في امسيات اجازتها لى العشاء, او يقترحون التسوق. على كل حال انتهت الثرثرة الان واصبح اوسكار يتصرف طبيعيا حين يلتقيان. لا تزال تشعر بالضياع والحزن ولكن من الواضح ان اوسكار كان سعيدا, اما ميلاني فقد كانت تظير من الفرح حين اتصلت بها. طمأنت ميغان نفسها انه في خلال شهر او اكثر ستشعر بحكمة تصرفها.
لذلك لم تسمح لمشاعرها ان تؤثر على عملها. فقد كانت تتعامل باعصاب هادئة ووجه باسم مع الممرضات والمرضى. باستثناء اسف جيني الهادئ, لم يقل احد لها شيئا, حتى السيد برايت اكتفى بالقول بعد ان انهى جولته: "اسف لما حصل بينك وبين اوسكار."
لا بد ان هناك اجماع على تناسي ذلك الحدث المشؤوم, او هذا ما اعتقدته الى ان قابلت الاستاذ في صباح احد ايام مناة=وبتها. تمنى لها صباحا سعيدا وسالها: "هل رايت الشاب فيلدينغ؟ اظن انه امر صعب ومربك في البداية, ولكن المرء يتعود مع مرور الوقت على ذلك." كان واقفا كالعادة امامها بحيث لم تتمكن من المرور بسهولة الا قبل ان تدفعه قليلا."
تمنت له ميغان ببرودة صباحا سعيدا, لماذا كان علي خان يجعل نهارها سيئا في الوقت الذي اوشكت فيه على نسيان الموضوع باكمله؟ بما انه كان ينتظر جوابا قالت: "اجل رايت اوسكار عدة مرات, فهو وميلاني سعيدان جدا وانا ايضا."
رفعت وجهها باتجاهه فانزعجت من ابتسامته.
"هذه اخبار حسنة فانت صغيرة جدا على الياس, فمن الافضل ان تقعي بالحب عدة مرات وهكذا عندما تواجهين الحب الحقيقي ستعرفين الفرق, تماما مثل الشاب فيلدينغ."
"انك تتصرف بخبث. اعرف انك الدكتور الاستشاري ومن المفروض ان احترمك, ولكنني لست مناوبة بعد ولا انت."
"اه هذه هي الروح التي اريدها ميغ, اخرجي ذلك الحزن من صدرك الجميل, ساقلك الى بيتك يوم عطلتك لتثبتي لعائلتك انك تعافيت جيدا."
بدات بالقول: "لأا اريد..."
"الجمعة أليس كذلك؟ ساكون خارج شقتك في الثامنة والنصف, كوني جاهزة."
"حسنا لن اكون."
كانت ميغان ترتجف غضبا ولكنها تمكنت من اجتيازه واسرعت الى جناحها. لقد اخرها واتعب اعصابها ايضا.
تفحصت تقرير الممرضة المناوبة ليلا بتوتر, مما جعل الممرضة تكرر الملاحظة مرتين. الامر الذي لم يحصل سابقا, كذلك لم تنتبه لملاحظة مساعدتها التي ربما قالت ان السيدة بريجز تتذمر من طعام الافطار.
"اسفة فانا مرهقة قليلا... ما بها السيدة بريجز؟ انها متعبة أليس كذلك؟ اعتقد ان علينا نقلها الى غرفة اخرى قبل ان تزعج السيدة كوك التي بجانبها. والان من سنرسل مع الحالة الاولى الى غرفة العمليات."