وعملت كلاريسا كل ما في وسعها لتأخذ الحديث باتجاهات أخري, أعدتا الحلوي وسمعتا شريط الأغنية الجديدة الذي أحضرته ستيفاني وضحكتا كثيرا علي الزهرة التي أحضرها كايل وهي تتمايل علي أصواتهما, وفي الوقت الذي شاهدا فيه فيلم الأطفال للمرة الثانية توقفت ستيفاني عن سؤال أمها اذا كانت تعتقد أن كايل سيأتي.منتديات ليلاس
نظرت الي ساعتها باهتمام وتنهدت, مع أنها لم تكن متأكدة تماما من الوقت الا أنها أصبحت تجيد الساعة والنصف ومما رأته تستطيع القول أن الساعة قاربت علي العاشرة وكايل لم يأت, نظرت الي الخارج من وراء النافذة وقالت" لا أعتقد أنه سيأتي"
انضمت الي ابنتها قرب النافذة وحاولت أن تظهر في صوتها كل الفرح لتنسي ابنتها خيبة الأمل لعدم قدوم كايل" انظري عزيزتي, ألا ترين أن الثلج رائع الجمال"
لمعت عينا الفتاة بالحماسة وقالت" السيد أبرناتي يقول أن ضوء القمر والثلج لهما قدرة غريبة علي الاحساس بالفرح"
ابتسمت كلاريسا فهي تؤمن بالسعادة والحماسة التي تشعر بها ابنتها ,حاولت ألا تفكر بالعملية الجراحية القادمة أو بالألم الذي ستتحمله ستيفاني وبدلا من ذلك تصورت ابنتها تركض وتلعب وللحظة تخيلت نفسها ترقص.
تثاءبت ستيفاني وبعد فترة قصيرة قادتها كلاريسا بعيدا عن النافذة ,أخذت وقتها وهي تمشط شعرها الطويل وتساعدها علي ارتداء قميص نومها وقرأت لها قصتها المفضلة, وضعت الغطاء حتي ذقن ستيفاني وقبلت ابنتها متمنية لها ليلة سعيدة وتمتمت "أحلام سعيدة"
سألت ستيفاني ما أن وصلت كلاريسا عند الباب" ماما؟"
"نعم"
"اذا أتي كايل بعد أن أنام هل تسألينه أن يأتي غدا؟"
همست كلاريسا" الناس لا تزور بعضها في وقت متأخر عزيزتي"
"لكن ان فعل, هل تدعينه للعودة؟"
كان طلبا بسيطا ولم تستطع أن تجد طريقة لتمنع ابنتها أن كايل لن يأتي, في هذه اللحظة, ستفهم ستيفاني ذلك بنفسها" حسنا"
"تعدينني؟"
"نعم,أعدك"
عندما عادت الي غرفة الجلوس, رتبت الوسائد وطوت كنزة ستيفاني ووضعت الصحون والأكواب فوق بعضها وحملتها الي المطبخ, بعد ذلك أطفأت الضوء في الزاوية وأضواء الشجرة ثم جلست وفتحت دفتر مواعيدها للأسبوع القادم, كانت الساعة قد جاوزت الحادية عشر والنصف قبل أن تنتبه للوقت.
أغلقت الدفتر بعد أن كتبت ملاحظاتها, وأعادته للمكتب, دخلت الي غرفة الحمام وغسلت وجهها وأسنانها وارتدت قميص النوم وروبها. ذهبت للتأكد علي ستيفاني وتذكرت آخر كلمات قالتها لها لهذا النهار, كلمات جعلتها تلتزم بأن تدعو كايل الي المنزل اذا مر بمنزلها.
شعرت بقلبها يخفق بقوة من الألم فتمنت لو أنها تستطيع حماية ابنتها من الألم وخيبة الأمل.
تركت الباب مفتوحا قليلا وشدت الروب علي خصرها وسارت نحو الغرفة لتطفئ النور. شدت انتباهها الي النافذة ووجدت نفسها تحدق بألوان الشتاء الأبيض والفضي والسماء الصافية. منذ خمس سنوات وهي تصارع بقوة لتبني حياة جديدة لها ولابنتها ومع تصميم ستيفاني القوي والعمل القاسي الدائم كانت دائما لا تشعر بالوحدة مطلقا, لكن في الليالي ومثل هذه الليلة بالذات عندما يكون المنزل هادئا وضوء القمر مشعا تشعر بالوحدة كوحدة الظلال التي تسقط علي الثلج.
وقفت كلاريسا أمام النافذة لوقت طويل وهي عاقدة يديها علي صدرها وأفكارها تجول بدون أي أهداف خاصة مستسلمة لشعورها أكثر من عقلها.
في مكان ما خلف البيت القديم لمعت أنوار سيارة من خلال الأشجار, ضائعة في أفكارها بقيت واقفة أمام النافذة منتظرة أن تمر السيارة أمامها.
لم يفكر كايل بالتوقف, لكنه وجد نفسه يوقف سيارته بجانب الشارع, لقد ذهب الي الحفلة وتايلور كان علي حق, الفرقة الموسيقية كانت رائعة ومليئة بالحيوية وصاخبة, والنساء اللواتي رقصن كن كذلك, والمرأة الأخيرة كانت واضحة أنها لا تمانع أن تمضي ليلة رأس السنة برفقته. أبعد ذراعيها عن رقبته ولم يفكر حتي بما قالته مع أنها جذابة, وقال كايل لنفسه أن لا سبب لديه ليشعر أنه نكد المزاج, لكن ما أن أصبحت الدقائق تقترب من منتصف الليل...توجه الي الخارج بمفرده.
عندما صعد الي سيارته لم يكن لديه مكان خاص في فكره ليتوجه اليه, ببساطة انطلق ناحية الشمال وترك أفكاره تقود السيارة , أوصلته مباشرة الي كريكرتون ومباشرة الي كلاريسا.
قال لنفسه أنه مجنون, من المحتمل أنها نائمة, وذكر نفسه أن عليه أن ينهض الساعة الرابعة ليتمكن من قيام عمله الباكر, وعد نفسه أنه ببساطة سيسير علي مهل , ينظر الي نافذتها المظلمة ويتابع السير, لكن نافذتها لم تكن مظلمة...كانت تقف هناك. وهناك نور خافت يشع من ورائها ويلقي بالنور علي شعرها وحول رأسها وكتفيها, خافيا كل ملامحها في الظلام, وللحظة طويلة ,كل ما استطاع القيام به ....
هو التحديق بها.
تخلصت كلاريسا من تأملها ببطء, تعرفت علي السيارة الحمراء التي وقفت أمام منزلها وراقبت الضوء داخل السيارة وهو يتقلب , تنفست بعمق وما أن أغلق كايل الباب وسار عبر الرصيف , وقف ينظر اليها بدون أن يتحرك وهذا ما جعل دقات قلبها تتسارع.
كان ضوء القمر هو الضوء الوحيد في الخارج ومع ذلك لم تشك مطلقا أن نظرات كايل كانت متجهة تماما الي عينيها.
قال" مرحبا" وهذه الكلمة البسيطة جعلت نبضها يتسارع
"لم أكن أتوقع أن تمر من هنا الليلة"
بدا أنه بحاجة لقدرة كبيرة ليتمكن من ابعاد عينيه عن وجهها, وعندما فعل ذلك أخيرا, نظر في عينيها مباشرة قبل أن يقول" حاولت أن أفعل ريسا, لكنني لم أستطع البقاء بعيدا"
تسارعت أفكارها لكنها لم تجد جوابا واحدا.
"هل أستطيع الدخول؟"
تنحت جانبا ودخل كايل ,بالكاد ترك لها مسافة لتغلق الباب خلفه"لم أكن متأكد أنك مازلت مستيقظة"
وقف من دون حراك يبعد عدة خطوات فقط,كانت رائحته باردة كالثلج في الخارج, لكن النظر في عينيه جعلها تتأكد أنه بعيد جدا عن أي برودة
همست"كدت أن أنام, أتيت لأطفئ النور" حاولت أن تستجمع شجاعتها وتراجعت خطوة الي الوراء, سألته بصوت هادئ" لم أنت هنا يا كايل؟"
لم يرفع صوته عن الهمس" لأنها ليلة رأس السنة وليس لدي امرأة لأقبلها"
"اعتقدت أن لديك حفلة الليلة"
"هذا صحيح"
"اذا كان هناك العديد من النساء؟"
"أردت فقط تقبيلك"
سمعت صدي هذه الكلمات في رأسها, وداخل أفكارها متعقبة مقاومتها., راقبته وهو يقترب منها ويعانقها.
تمتمت" ما كان علينا أن نفعل ذلك"
احتاج كايل لكل ما لديه ليبتعد عنها وبعد أن التقي بنظرات عينيها لاحظ الحزن العميق فيهما ولا علاقة له مطلقا بالفرح والأعياد, لقد رآها من قبل عندما نظرت الي القضبان المعدنية علي ساقي ستيفاني.
قالت وهي تبتعد أكثر" الوقت متأخر"
"هل تعلمين ما أنت بحاجة اليه, ريسا؟" وكاد أن يبتسم لنظرتها المترقبة" هل قال لك أحد أن لديك أفكار غريبة؟"
"فقط أنت"
لسبب ما كلماتها أسعدته......فقط أنت.
لم ترتبك تحت نظراته, فكيف لها أن تفعل ذلك وهو ينظر اليها كأنه يري المرأة الأكثر جمالا في حياته كلها؟
وبخت كلاريسا نفسها لعدم تحفظها, فهي تعلم أولوياتها , وهي تعلم أن تكون حكيمة وتفكر بذلك دائما, سألته" هل انتهيت؟" وشدت علي حزام روبها بقوة, كان بامكانها أن تسمع دقات قلبها في أذنيها وهي تنظر في عينيه.
سألها" انتهيت؟ آه, ريسا, نحن بعيدان جدا عن النهاية"