كان الوقت تجاوز التاسعة والنصف لكن كلاريسا شعرت بأنها مرهقة ,احتاجت لارادة من حديد لتتمكن من ألا تنهمر دموعها وهي تستحم, ما أن انتهت حتي دخلت غرفة الجلوس لكن كلمات ستيفاني بقيت تدور في بالها.
منتديات ليلاس
"هل تعتقدين أن أبي كان سيسمح لي بالذهاب الي المستشفي؟" تلك الكلمات تعذبها وترغب كلاريسا في اعطاء أي شيء لتبعد ستيفاني عن الألم, وكانت لتأخذ ذلك الألم لو أنها تستطيع, كانت لتفعل أي شيء لتؤمن السعادة لطفلتها ولتجعلها قوية آمنة,
لقد فعلت كل ذلك بمفردها والآن ومن بين كل الأمور, ها هي ستيفاني تسأل ان كان والدها سيفعل مثلها, والدها, الذي لم يأت مرة لرؤية طفلته الجميلة.
دخلت كلاريسا الي المطبخ لتحضر كوبا من الماء متمنية أن تتخلص من تلك الدموع التي علي وشك الانهمار, وبخطي بطيئة عادت الي غرفة الجلوس وهي غارقة في أفكارها, لا يمكنها القاء اللوم علي ستيفاني علي مخاوفها من المجهول, علي خوفها من الألم والإبر والمستشفيات, ولا تستطيع لومها لأنها سألت عن والدها, لكن كلاريسا لا تعرف كيف تخبر ستيفاني أن والدها لن يجبرها علي اجراء العملية لأن جوناثان لن يكون هناك عندما تستيقظ من الجراحة وعندما تسير أول خطواتها بمفردها ,تماما كما لم يكن موجودا طوال السنين الخمس الماضية. ظهرت في مخيلتها صورة زوجها السابق وهي لم تفكر في جوناثان منذ وقت طويل
كانت تعمل علي تقديم الجزء الراقص في مسرحية برودواي في أول مرة قابلته فيها, كان يعمل مصورا في الجريدة وخدمة لصديقه ,كان يصور المسرحية. الانجذاب بينهما كان قويا ومتبادلا, قدمت دورها الصغير وأصبحت هي وجوناثان زوجان بسرعة قصوي, فقد كان جوناثان كوهاغن ملئ بالحيوية .
لديه شعر أسود وكذلك عينيه, من السهل عليه ايجاد الأصدقاء, لكن رغم الحياة التي عاشتها معه فهو لم يتحدث مطلقا عن حياته, كانت تعلم أنه ولد وحيد وأن والديه توفيا منذ عدة سنوات بعد معاناتهما من المرض لسنوات عديدة, أحب جوناثان كلاريسا والي هذا اليوم هي تعلم أن هذا كان صحيحا, لكنها تعلم أيضا أنه كان هناك دائما جزءا منه مخفيا عنها.
أول اشارة أنه لا يستطيع تحمل رؤية الدماء عرفتها كلاريسا عندما كانت حامل ب ستيفاني, عندما أخبرها أنه لن يكون معها يوم الولادة, تقبلت ذلك مع أنها لم تفهمه مطلقا.
أتي لرؤيتها ورؤية ستيفاني عدة مرات في المستشفي وفي كل مرة كانت كلاريسا تشعر بالقشعريرة حتي عظمها, وكأنه يطير بعيدا, بعيدا عن متناولهما. لم يحمل ابنته ولا مرة مع أن كلاريسا كانت متأكدة أنها رأت الحب في عينيه في أول مرة رأي فيها ابنتهما.
آخر مرة رأته فيها عندما أتي الي غرفتها في المستشفي ليخبرها عن الفرصة التي كان بانتظارها طوال العمر, لديه عقد عمل مع مجلة مشهورة جدا ليسافر حول العالم وليصوره من كل الزوايا وقال انه سيسافر.
ومن ثم, وكما فعل والدها, رحل,قال أنه سيبقي علي اتصال, وبعد مرور سنة وصلت أوراق الطلاق, ومثل والدها, لم يكن لديه القوة ليبقي ولا الرغبة في الحياة المستقرة, ومثل والدها كان واضحا أن جوناثان لم يحبها بما فيه الكفاية لأنه لو كان يفعل , لرجع اليها والي ستيفاني.
عادت كلاريسا من تأملاتها ببطء ووجدت نفسها تحدق بكوب الماء, بكل الأحوال ما هو الأمر الجيد بشأن الرجال؟
بامكان الرجال أن يجعلوا المرأة تضحك وأن يجعلوها تشعر بأنها محبوبة وغالية, ولسوء الحظ بامكانهم أيضا أن يحطموا قلبها ومرتان في الحياة أكثر من كفاية.
لم تصدق أن هدف الرجال هو التباهي بقوتهم, فمعظم أطباء ستيفاني رائعون وهي تعلم أن هناك العديد من الرجال الجيدين في هذا العالم, السيد أبرناتي واحد منهم, كايل أيضا واحد منهم.
أتت الفكرة بصورة خاطفة ومع ذلك في قلبها علمت أن ذلك صحيح, فكايل رجل جيد, ماكر أحيانا, و عنيد لكنه لطيف أيضا, مع أنها تشك أنه سيقدر هذا الوصف.
لم ترغب كلاريسا بالتفكير في الرجال الليلة, لا تريد أن تفكر كم هي وحيدة, وكم ستكون حياتها موحشة لما تبقي من عمرها في هذه اللحظة.
كانت تفكر في اطفاء المصباح عندما استقرت عيناها علي الساعة الموضوعة علي المكتب, كانت الساعة العاشرة وسبع وأربعين دقيقة, أبعدت يدها عن زر المصباح وأدارت الراديو بدلا عن ذلك ووضعتها علي المحطة التي يعمل بها كايل.
سمعت الصوت الساحر" انها العاشرة وثماني وأربعين , لقد طلبت طلبا غير عادي من صديقة غالية جدا علي"
أصغت كلاريسا وهي تتساءل ما الذي يفكر به كايل
"الأغنية التالية لامرأة مميزة جدا"
بقيت كلاريسا جامدة تماما ,لم يعد صوت مقدم الأغاني يصل اليها عبر الهواء, كان هناك صوت آخر , صوت الرجل الوحيد الذي لديه القدرة للتأثير عليها هكذا....كايل.
"أصغي ومن ثم أنظري الي الليل"
أصغت كلاريسا وهي تترنم داخل الغرفة الهادئة, شعرت كلاريسا بعينيها تغمضان وشعرت بنفسها تترنح مع الموسيقي ووقفت في الغرفة الخافتة الضوء, تصغي الي كلمات ا\أغنية الحب القديمة, أحنت رأسها وشعرت بقلبها يضطرب حتي سمعت آخر سطر من الأغنية( اذا,عزيزتي, اتركي الرقصة الأخيرة لي)
الطلب ذكرها ب جوناثان ودموع ستيفاني, كان كل ذلك كثيرا عليها, لم تشعر يوما أنها وحيدة هكذا وبأن روحها قلقة ومعزولة, ليس عندما غادر والدها ولا حتي عندما رحل جوناثان.