كاتب الموضوع :
هدية للقلب
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
الفصل الرابع
تنهدت مارنى وتركت رأسها يغرق فى الوسادة الناعمة على الصوفا واغمضت عينيها .
هكذا اذا ، وبعد مرور اربع سنوات من الراحة والامان ، عادت الى الرجل الذى بامكانه ان يجعل حياتها كالجحيم للمرة الثانية. الحياة مع غاى فى المرة الاولى كانت مليئة بالالم والحزن . انه يملك طبعا مرحا يجعل كل من يعرفه يحب صحبته ، وهى كانت حساسة جدا لتكون اكثر من شرارة صغيرة فى محيطه .
هل يعتقد ان اجبارها على العودة اليه سيشفى جراحها بطريقة اوتوماتيكية؟ ام انه لا يهتم لذلك طالما انها عادت الى ما يعتقد المكان الذى تنتمى اليه.. انه يملك كبرياء ، ولقد أساءت اليه كثيرا عندما غادرته وابتعدت عنه . وعودتها الان سيصلح تلك الاساءة ،وستظهره غاى فرابوزا الذى لا يقاوم كما يفكر به اى شخص يعرفه.
عاد الى الغرفة، وسيطرت مارنى على نفسها لتتمكن من الوقوف، قالت ببرودة:- احتاج الى الذهاب الى الحمام.
- بالطبع. بدت قساوة جديدة فى شخصيته بعد ان انتهت المعركة الاساسية . فتح باب غرفة الجلوس ثانية وانتظر كى تسير امامه ، واشار الى باب صغير فى القاعة الصغيرة، ورأت غرفة نوم ما ان دخلت اليها ، قال لها:- هناك غرفة حمام عبر الباب المقابل ، وبينما تغتسلين ، سأذهب لاطلب شيئا ما لنأكله . اومأ براسه ثانية وخرج ، مغلقا الباب وراءه بينما تنهدت مارنى بارتياح .
عندما عادت الى غرفة الجلوس كان غاى يتحدث على الهاتف ، كان صوته جارحا ، صلبا ومتكبرا هذه اللهجة التى يستعملها عندما يصدر اوامره الى موظفيه ، ابتسمت، متمنية انه يتكلم مع تلك السكرتيرة ذات الصوت المطاطى التى تكلمت معها عند الصباح . شعرت باحساس حقيقى من الرضى ان تعلم ان تلك اللهجة فى صوته لم تسمعها مطلقا لها، هذا من حسن حظها ، لان مجرد الاصغاء اليها جعلتها ترتجف من الخوف .
لم يلاحظ عودتها ، كان رأسه منحنيا على احدى اطراف المكتب الكبير الذى يطلبه بصورة خاصة فى اى فندق ينزل فيه . توقفت فى وسط الغرفة ، وكأن الاحساس الفنى فى داخلها جعلها تراقب عن كثب قامته الطويلة والمميزة .
لم يتغير كثيرا خلال الخمس سنوات الماضية . لقد رسمت غاى فى عدة ازياء ومظاهر .كبطل سباق السيارات فى بذلة فضية ، وعلى راسه خوذة لم يترك مجالا الا لعينيه للظهور ، تلمعان من تحت الاطار لحظة تسلقه المقود . لكن ، بينما هو ينتظر ، تلك العينان ستتقدان وتلمعان بفقدان صبر عما سيحدث لاحقا . كذلك هناك صورة ساخرة رسمتها له بينما كان مستلقيا مرتديا روبا طويلا، وشعره اشعث .وذقنه غير حليق، مركزا انتباهه على قراءة جريدة الصباح. وهى تفكر بالصورتين ، شعرت بالسخرية من التناقض بينهما لكن كليهما يحملان ميزة خاصة لجماله ووسامته المميزة ، هذا ما فكرت به وهى تنظر اليه ، لكن لن تسمح لقلبها ان يتأثر به ثانية .
تمتم بشئ ما ، ورفعت نظرها لتلتقى بعينيه ، احمر وجهها خجلا لانه رآها تحدق به بوضوح . شعرت وكأنها تتجمد مكانها ، رفعت ذقنها كدفاع عن التعبير الذى رآه على وجهها قبل ان تبعد نظرها عنه، لكن عينيه سخرتا منها وهو يضع ببطء سماعة الهاتف مكانها .
تبا له يسيطر عليها ، وتبا لها لانها تسمح له بذلك . قالت ، وهى تبعد نظرها عنه وتبحث بعينيها عبر المفروشات الجميلة :- لقد نسيت ان اخذ حقيبتى معى ، هل رأيت اين وضعتها عندما دخلت ؟ انى متأكدة اننى وضعتها هنا. تمتمت ، وهى تسير نحو الصوفا لتعود غاضبة عندما لم تجدها فى المكان الذى توقعته.
سألها :- ما الذى تريدينه منها؟
رفعت يدها بعصبية نحو شعرها، وهى تقول :- اريد مشطى . وقد حررته من ربطته القاسية وتركته يتدلى كالحرير على ظهرها ، لقد نزعت الرباط قبل ان ادرك اننى لم احضر مشطى .
- تفضلى . نظرت اليه ، متوقعة ان ترى حقيبتها متدلية من يده الممدودة، لكنها شعرت بغضب شديد عندما رأته يمسك مشطه الخاص ويقدمه لها .
رفضت بجدية :- لا، شكرا لك . واستدارت لتبحث عن حقيبتها، وهى تتابع :- لدى مشطى الخاص فى مكان ما اذا استطعت ان اجد ...
عندها فكرت بالامر ، لما يقف هكذا ينظر اليها ببساطة ، استدارت لتحدق به غاضبة ، وقالت تتهمه :- انت من اخذتها . ووضعت يديها على خاصرتيها بطريقة لا شعورية .
اخذ وقته وهو يتمتع بمنظرها المتوتر ، ابتسامة عدائية ظهرت على شفتيه وهو يراقب جمالها الواضح، قال مازحا :- هل لديك فكرة كيف تبدين وانت واقفة هكذا ؟
قالت :- مخيفة ، على ما اعتقد ، اعطنى حقيبتى ، غاى . انت من اخذها وانا اريدها . ومدت يدها مطالبة بها .
نظر غاى الى يدها ثم الى وجهها ، بعدها، هز رأسه وهو لا يزال يبتسم بكسل قائلا :- لا، اننى اسف مارنى، لكن حتى تصبحين مرتبطة بى قانونيا للمرة الثانية ، لن تحتاجى لاى شئ من تلك الحقيبة .
سألت باستغراب كبير :- وما الذى يعنيه ذلك؟
قال بصوت أجش :- تماما كما قلت لك ، ففى الايام القليلة القادمة لن تقومى بأية حركة بدون ان اكون بقربك . اى شئ تطلبينه سيتم تأمينه من قبلى ، بما فيه مشط لشعرك الجميل هذا.
قالت معترضة وهى لا تصدق ما سمعته :- لكن غاى ، هذا عمل ...
قاطع كلامها بسرعة :- غير قابل للبحث . نهض عن المكتب وبدأ بالسير نحوها ، وهو ممسكا بمشطه الصغير ، قال بوضوح :- انا لا اثق بك ، مارنى ، لتحافظى على عهدك فى اتفاقنا، وبما ان الجزء المطلوب منى قد تم عندما كنت خارج الغرفة، اشعر اننى بحاجة للتأكد انك لن تخدعينى، هيا ، خذى المشط. وقدمه اليها بقوة فلم تجد وسيلة ما الا اخذه لانه لم يترك لها اى خيار.
قالت مندهشة:- لكن هذا سخيف! غاى ، لا نية لدى فى خداعك ! توقف عن تصرفك الطفولى واعطنى حقيبتى ، هناك اشياء اخرى احتاج اليها غير ذلك المشط اللعين !
- احمر شفاه، مثلا؟ افضل ان ارى وجهك هكذا كما هو ناعم وبدون اى الوان اصطناعية . بكبرياء مد اصبعه ومرره على وجهها ، فشعرت بالغضب وابعدت يده بقوة ، بينما تابع :- او ربما تريدين دفتر حساباتك الذى بسهولة قد ينقلك من هنا.
صرخت بيأس :- لكن لا نية لى للذهاب الى اى مكان!
- وانا لا نية لدى فى اعطائك اية فرصة . وتابع بلهجة امرة باردة :- لذلك توقفى عن النقاش، لانك تعلمين جيدا اننى اتعلم من اخطائى. فالاختفاء امر تقومين به بطريقة جيدة لمضايقتى . لذلك اخذت كل الاحتياطات الضرورية للتأكد من منعك من ذلك.
انزوت جانبا لتحمى نفسها ، جلست على زاوية المقعد وتنهدت ، ملاحظته الاخيرة جعلت اعصابها تبرد اكثر من اى شئ اخر . منذ اربع سنوات وثق بها ان تبقى حيث اوصلها الى بركشاير وتركها هناك ، مقتنعا كالاحمق ان انتقالها من لندن الى منزله الريفى سيكون الطريقة الافضل لاعطائها الوقت كى تتغلب على تصرفه المشين نحوها . بقيت لكن للوقت الكافى كى تراقبه يغادر ، عندها ، وبينما والده مقتنع انها بأمان فى غرفتها، غادرت ، ولم تأخذ معها شيئا الا الثياب التى ترتديها وحقيبة يدها التى تحتوى ما يكفى من المال لتبتعد اكثر ما يمكنها عن اى تأثير لغاى.
|