كاتب الموضوع :
هدية للقلب
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
نظرت مارنى اليه بشفقة وقد فقدت صبرها . كان محقا ، انه رجل اعمال فاشل انه تماما كالعالم المهووس عندما يضع راسه فى اى عمل جديد . لكنها اعتقدت انه تخلى عن ذلك التصرف عندما استلمت كلارا الاعمال الجانبية لمهنته .
غضبت من الفكرة التى لمعت فى خاطرها ، متسائله لما لم تتأكد كلارا من تجديد بوليصة التأمين على اعماله . لم يكن من عادة زوجة اخيها ان تنسى شيئا مهما كهذا .
تمتم جامى فى ذلك الصمت المقلق الذى يحيط بهما :- اذا لم تساعدينى يا مارنى لا اعرف ما الذى سأفعله . يهددنى المالك باسترداد كل ما أملك اذا لم ارجع له ماله .
تنهدت :- آه، جامى . واخذت تفرك بدون وعى منها جبهتها .
لكن ليس هذا كل شئ ...
- لا؟ تساءلت بسخرية . هل يعقل ان يكون هناك المزيد؟
قال :- الامر يتعلق بكلارا .
رفعت رأسها بسرعة وقالت :- كلارا ؟
- انها ... انها حامل للمرة الثانية.
- ماذا ... الان ؟. ظهر القلق والاهتمام على عينى شقيقته، شحب وجهها وهى تحدق به وهمست :- الم تزل ضعيفة ومريضة لتقدما على ذلك ؟
تنهد وقال :- نعم . نظر اليها وتنهد ثانية وعاد ليجلس الى جانبها وهو يقول :- هذا الامر جعلنى قلقا جدا عليها .
شعرت مارنى بغصة فى حلقها ، تبخر غضبها من اخيها بهذا القلق الجديد والاشد خطورة . لقد مرت كلارا بما يسمى اسوء كوابيس المرأة ، فلقد فقدت طفلها بعد حمل ثلاثة اشهر بسبب نصيحة الاطباء ان هذا اضمن لصحتها . لقد تقبلت الامر بمرارة . ليس هناك شئ من الامان والفرح بهذا الموضوع . طبيعة الامومة والقدر هما حياتها.
كما ان الاطباء نصحوها بعدم الاستعجال للحمل مرة ثانية، قالوا لها :- اعطى جسدك وقتا ليشفى وقلبك وقتا ليتخلص من حزنه .
بالكاد استطاعت ان تقول :- كم ... كم مضى عليها من الوقت ؟
قال :- شهران ، مارنى عليك ان تفهمى الان ان كل ما حدث اتى فى اسوأ الاوقات. لا يمكننى ان اخبر كلارا بذلك حتى .
اخفض راسه وهو يمرر يده بشعره الاشقر ويقول:- انها قلقة وتكاد تنهار ، متسائلة ، خائفة ...
هزت برأسها فهى لا تشعر انها تقدر على الكلام اوالحركة.
قال واعدا :- اذا وجدت انك تستطيعين مساعدتى هذه المرة ... أقسم لك مارنى ، اقسم لك ...
قاطعته بسرعة :- لا تقل ذلك . وامسكت بيدها المرتجفة رسغه بقوة وهى تتابع :- حتى لا تفكر بذلك ابدا !
قال بألم وهو يدرك فداحة ما كان سيقوله :- لا! لا ادرى ما الذى يحدث لى . لا استطيع التفكير بمنطق بسبب قلقى على كلارا، ولم اكن اهتم حتى للسيارة الجاغوار . انا ...
سألت وكأنها اكتشفت شيئا بسرعة :- أهذا هو سبب عدم قيامك بالتأمين ؟ هل توقفت كلارا عن القيام بالاعمال المكتبية منذ ان عرفت انها حامل ؟
هز راسه وقال بحيرة :- لقد كان الامر صعبا على للعودة الى المنزل مع يد مضمدة ووجهى ملئ بالجروح ... كادت ان يغمى عليها من الخوف ! لم أجرؤ ان اخبرها انها نسيت ان تجدد عقد التأمين ! هذا كان عملها ... اختفى صوته ، وجلسا صامتين ، بينما كان قلبيهما يخفقان بعنف فى صدريهما .
تمتمت مارنى بصوت ضعيف :- حسنا ، سأذهب لرؤية غاى اليوم .
ظهر احساس جامى بالراحة بوضوح على وجهه . لم يكن لديه اية فكرة ... لم يكن يعلم كم سيكلفها هذا.
قال بسرعة ، محاولا جهده ان يجعلها تشعر بوضوح افضل :- اسمعى ، قولى لغاى ان لدى سيارة ام جى ك 3 ماغنيت رائعة ! اخبريه انه يستطيع ضمها الى مجموعته عندما انتهى منها ، انها ليست مثل تلك التى يملكها ، ولن تغطى المبلغ الذى سأدين له به لكن ... غص بكلامه ، وقد احس ان عاطفته تخنق صوته ، تابع :- سأعيد له كل قرش هذه المرة ، يا مانى . هذا وعد. وشكرا لك ... شكرا لك للقيام بهذا المعروف لاجلى للمرة الاخيرة .
انا لا افعل ذلك من اجلك ، بل من اجل كلارا . لم تدرك لماذا قالت له ذلك ولم تحاول ان تحلل لماذا ، لكن من خلال شحوب وجه اخيها علمت ان كلامها واضح ... وانه ربما يقصد كل ما قاله . لكن فى هذه اللحظة وجدت مارنى انها تكره كل الرجال على الارض .
قال وهو ينهض :- اعلم انك وغاى لا تعتقدان اننى استحق عناء اى تعب منكما .
تنهدت مارنى :- هذا ليس صحيح ، وانت تعلم ذلك . اصبح صوتها اكثر نعومة وهى تقول :- لكن اعتقد حقا انه حان الوقت لتهتم بأعمالك وشؤونك بالطريقة الصحيحة ، يا جامى ... وأقصد بقولى ان تقوم بذلك بنفسك ، وان لا تترك كل شئ على كلارا .
قال بصوت مصمم :- ارغب فى القيام بذلك من الان وصاعدا ، وبعد كل شئ ، انها فى حالة لا تسمح لها بالاهتمام بأحد غير نفسها من الان وصاعدا .
اصبح بجانب الباب الان ، متحمسا للمغادرة بعد ان اخذ وعدا قاطعا من مارنى . قال ببساطة لكن باصرار :- هل تتصلين بى ما ان تتكلمين مع غاى ؟.
نظرت مارنى اليه بحدة وقالت بغضب :- بهذه السرعة ؟
احنى رأسه وقد احمر وجهه ثم قال معترفا :- الرجل يلاحقنى باستمرار ويريد القضاء على .
تماما كما تفعل معى ، هذا ما فكرت مارنى به وهى تراقبه يغادر . بعدها ابعدت هذه الفكرة عنها وهى تقضم شفتها بعصبية ومرارة , لاشئ يستحق كل هذا العذاب . انها تحب اخيها ، وللمرة الاولى كل هذا الامر العصيب الذى يمر فيه ليس من صنعه بل من اهمال كلارا المسكينة .
اغمضت عينيها قليلا وهى تفكر بزوجة شقيقها اللطيفة وبالقلق الكبير ، الذى يشبه السير فى حقل الالغام ، الذى تعيشه فى الوقت الراهن . كما وان جامى على حق فكلارا ليست بأية حال تستطيع تحمل اى ضغط او قلق جديدين .
حتى ولو يعنى هذا ان على مارنى ان تضع نفسها بين يدى عدوها الوحيد !شعرت برجفة فى اوصالها، وببرد شديد مع ان اشعة الشمس تملأ الغرفة نورا وحرارة، الذكريات الصعبة والغير مرغوبة فيها اخذت تزحف على فكرها ، دافعة عينيعا الى ان تغمض قليلا لتتخيل صورته امامها .
فكرت بشوق ، غاى ، هى غير قادرة على حجب صورته من امامها . رجل كبير ، لكنه رشيق ورياضى ،بشرته السمراء تناسب تماما ملامح وجهه الغامضة والوسيمة. عيناه البنيتان دائما تعطيك وعودا لا تتحقق ، وتلك الابتسامة الكسولة التى كان يحتفظ بها اليها فقط ... تنهدت بقوة كى لا تنجرف اكثر باحساس عميق من الالم متذكرة حبيبها الايطالى بحزن. الرجل الوحيد الذى تمكن من الحصول على قلبها وتركها حزينة وتشعر بالمرارة دائما .
كان غاى رجلا ذا قوة وجمال مسيطر واعطته سيطرته على النساء كبرياء لا يستطيع احد ان ينكره. كانت شهرته الكبيرة تناسب تماما الهالة التى تحيط به .فهو يمثل الفكرة الواضحة عن الرجل الحقيقى ... الرجل الذى يهزء من احلام المرأة العاطفية . والانانى المغرور ! هذا ما فكرت به بمرارة . هو يعلم تماما ما يريده ، ليعود ويرمى كل ذلك الحب فى وجهها! لايمكنها ابدا ان تسامحه على ما فعله بها ، ابدا .
منذ اربع سنوات، عمل غاى على الحاق الاذى والالم بها بعمق جعلها تتمنى ان لاتقع عينيها عليه ثانية. لكن بتصرفه المتكبر دائما رفض ان يسمح لها بتلك الامنية الصغيرة ومنذ ، تلك الفترة ، وهما يشاركان بنوع من العلاقة ، تجعلهما يدوران بطريقة ما حول بعضهما ، يتشاجران دائما بعداوة ولكن قريبان ... أمر غريب جدا ، لكنهما قريبان ، فمنذ اربع سنوات عندما افترقا عن بعضهما بغضب والم ، لم يسمح غاى لها ان تبعده تماما عن حياتها ، كان يملك طريقة ما جعلتها تشعر بالدهشة ، من رجل لديه القدرة على الحصول على كل ما يريده فى الحياة باشارة من اصبعه ، بدا لها غريبا انه لايزال يريدها . فقد كانت ، بعد كل ما حصل ، تذكره باحدى خسائره فى الحياة ولو كانت قليلة وهو بكل ما يملك من شهرة وهالة غير معتاد على ذلك .
الان ، ولاول مرة بعد فترة طويلة ، اخذت تشعر كم هى ضعيفة وهشة ، عادت ابسامة لتظهر على وجهها... ابتسامة تحمل كل الاسى والحزن فى حياتها.
كان غاى دائما يخبرها ان جامى سيكون مصدر ايقاعها بين يديه ثانية . ويبدو ان سنوات صبره قد اثمرت اخيرا.
نظرت عبر مرسمها المكتظ بالاشياء الى مكان الهاتف على الطاولة الصغيرة قرب الباب ، وببطء وعناية اخذت تلطف من قلقها ومن حدة عواطفها ، لتعيد ملامح وجهها الى برودتها المعتادة ، ولتلبس ذلك القناع الهادئ . لتحضر نفسها لما سيحدث لاحقا . لان جامى قد يقدمها على صحن من فضة لغاى لكن هذا لا يعنى لن عليها الجلوس بهدوء وصمت .
رافقتها تلك الافكار لتدافع بها عن نفسها وهى ترفع سماعة الهاتف ولتطلب الرقم الذى لم تنسه مطلقا لمنزل السيد غاى فرابوزا فى لندن .
نهاية الفصل الاول
اتمنى للجميع متابعة ممتعة وشكرا
|