كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
وبخفة أدارت لوسى رقم صديقتها بردى روش مساعدتها فى محل العاديات الصغير على ضفاف النهر فى أطراف المدينة وأصاب صوت صديقتها الآتى عبر آلة الرد على المكالمات لوسى بخيبة الأمل وهويخبرها بأنها قد مدت إجازة نهاية الأسبوع إلى يوم الأثنين ولم يصبح أمام لوسى سوى أحد الخيارين أما أن تقضى الليلة حيث هى وهو أمر لم يكن قابلاً للتصور أو أن تأخذ طريقها للمدينة فى هذا البرد القارس لتبيت فى شقتها أعلى متجرها وصاحت :
-هذا اليوم بالتأكيد هو يوم نحسى
-لم تحصلى على غرفة ؟
كادت تصعق هلعا وهويظهر مرة آخرى من الظلام وحملقت إليه :
-هل التصنت أحدى هواياتك ؟
-لا !وقف على عتبة الباب واضعاً يديه فى جيبه :
-ولكن من أجل هدوء بالى فقط ,أفضل أن أعلم أين ستقضين ليلتك قبل أن أمضى إن قصدى شريف أعدك بذلك لقد أنتظرت بغية أن أوصلك بسيارتى إلى أى مكان تريدين
ودت لو تقول له أنها تفضل السير حافية القدمين ولكنها آثرت أن تكبح كبرياءها وقالت :
-فى هذه الحالة ربما توافق أن تأخذنى إلى المدينة حيث أقضى الليلة فى متجرى
-على كرسى أمام النافذة ؟
تحكمت لوسى فى غضبها بصعوبة :
-لا بل فى الشقة التى تعلوه
رفع حاجبيه :
-وهل أثثت أذن ؟!!
-ليس بالكثير ولكن بها كهرباء ومن ثم فهى أفضل من هذا المكان
هز رأسه هزه خفيفة :
-حسنا.سأنتظرك فى السيارة إلى أن تجمعى حاجاتك
-شكراً
هلاعت لوسى إلى أعلى والمصباح فى يدها ثم جمعت بعض الملابس والأطعمة وأغلقت الباب الخارجى وكانت السيارة اللاند روفر الخاصة بـ(أبو ستوود) منتظرة لدى البوابة وجوس متكئ عليها يدخن.ألقى سيجارته حين ظهرت لوسى وتناول عنها حقيبتها فى دماثة ثم أجلسها فى المقعد المجاور للسائق وأنطلق بها وهى مقطبة الجبين:
-بالمناسبة كيف حدث ورأيت سيارتى يا جوس ؟أنها بعيدة عن منزلك؟
-كنت عائداً من عند تود كارتر فوجدتها ساقطة فى الحفرة فتوقفت بطبيعة الحال لأنظر أن كان أحد بها يحتاج للمساعدة وقرأت رقمها فعلمت أنها سيارتك
سألته بفضول:
-وكيف عرفت أنها ملك لى؟
رماها بنظرة جانبيه :
-أنا أعرف.من السهل على تتبعك يا لوسى
حدقت لوسى إلى الجمود فى الزجاج الأمامى :
-نعم بالتأكيد إن أسم لوسى دراموند من الأسماء ذائعة الصيت فى (أبو تسبريدج)
-نعم بأطيب صورة ممكنة
-بالقطع كل أنسان عطف على
تنهدت وتابعت:
-شئ يدعو إلى الأختناق لكم أتوق لأن أعيش مجهولة فى مدينة كبيرة ولكن ذلك ضرب من المحال فتوم يحب هذا المكان وهنا مصدر رزقى .فأنا هنا باقية وربما يكتب على شاهد قبرى("لوسى دراموند"ولدت وترعرت وماتت فى "أبو تسبريدج")
وكانت تعلم أن مرافقها لم تفته نبرة المرارة فى صوتها ولكنه ظل صامتاً إلى أن هتفت وهى تنحنى محملقة إلى الطريق :
-جوس لقد تخطيت مكان الألتفات
-أعلم وفى هذه الحالة الأفضل أن أخذك إلى (أبو تسوود)
-ماذا؟!
والتفتت إليه مذعورة ولكنه ظل فى قيادته بدون أن تهتز له جارحه
-ارجوك أنت تعلم أن هذا غير مناسب
هز رأسه :
-لماذا؟بالنسبة لى يبدو غباء مطلق أن تستلقى على الأرض بينما هناك العديد من الغرف فى منزلى تستجدى النزلاء وإذا كنت قلقة بشأن اللياقة فآل بنسون يقطنون معى وبذلك سمعتك ستكون فى أمان
رفعت ذقنها :
-قد يبدو الأمر مسلياً بالنسبة لك ولكنه لشخص مثلى له ‘عتبار جوهرى
رد موافقاً فى هدوء:
-نعم يا لوسى ولكنى مصر أن تقضى الليلة فى راحة وأمان
منتديات ليلاس
أذعنت لوسى عاجزة -لشدة أرهاقها-عن المزيد من الجدل ولو كانت صادقة مع نفسها فهى لا تتوق لقضاء الليل على أرض صلبة وحيدة ولو كان هذا العرض قد أتى من شخص غير جوناس وودبريدج لقفزت له طرباً أن التعقل فقط هو الذى يدفعها لأن تتحمله لهذه الليلة فقط,فالمشاكل العويصة تملأ حياتها فى تلك الأونة ولا باس من أن يحمل عنها أحد عبء بعضها لساعة أو ساعتين ليعطيها فرصة أن تخفف قليلاً من همومها التى تبدو متراكمة يوماً بعد يوم.
-هل أخذ السكوت على أنه موافقة؟
-نعم حسنا.وشكراً لك
دعكت عينيها :
-ربما يخيل لك أن هذا بسبب أنك فأجاتنى وأنا فى ظروف سيئة ولكن فى الحقيقة هى أنى مجهدة بصورة لا تسمح لى بالجدال
ضحك ضحكة قصيرة وهو يقول :
-لابد أنها حالة أستثنائية
دار بالسيارة ليدخل المنحنى المؤدى إلى (أبو تسوود)وترجلت لوسى من السيارة فور أن توقفت وقد تملكها التوتر وهى تنظر للمنزل الذى تعرفة تمام المعرفة .أخذ جوس بذراعها يقودها إلى داخل المنزل ورحب بقدومها ضوء ساطع على زجاج نوافذالمنزل مشيعاً جواً من الدفء ولكن لوسى كانت ترتعش.سألها وهو يفتح الباب:
-أتشعرين بالبرد؟
أشار لها إلى الصالة ولم تكن تشعر بالبرد بل بتسلط الذكريات وقف فور أن خطت داخل المنزل تتطلع فى أرجائه الأرضية الخشبية اللامعة والواسعة...السجاجيد الفارسية المألوفة لها السلم الداخلى المزين باللوحات على حوائطه المكسوة.أبتلعت ريقها بصعوبة كان المنزل على هيئته تماماً ولم تصدق أن سيمون لن يقبل هابطاً السلم مرحباً بها وأبتسامته العريضة تملأ وجهه الوسيم وكأنما قرأ جوس أفكارها فمد لها يده ولكنها تراجعت عنه جافلة فقال بسرعة :
-سأحضر مسز بنسون
ومضى عبر باب فى آخر الصالة وما أن أختلت بنفسها حتى بدأت تتأمل نفسها فى تقزز فإذا كان الصدار الذى ترتديه جديداً نسبياً فإن تنورتها التى من صوف التويد وحذاءها ذا الرقبة الطويلة كانا فى الخدمة منذ فترة كما أنه لم يكن خافيا عليها حالة وجهها وشعرها فوسط الظلام والرطوبة داخل (هولى لودج) كان آخر ما تفكر فيه أثناء ذعرها هو مظهرها أما هنا فى هذه الصالة المتناسقة بجمال وما فيها من مدفأة رخامية ومرايا تزين المكان فقد شعرت بنفسها متسخة ومنخفضة المعنويات
عاد جوس وبصحبته السيدة بنسون فاخرجها من شرودها بجفول وتهللت المرأة الطيبة المحيا ذات الشعر الرمادى بالترحيب بها :
-لوسى مرحبا بك يا لها من ليلة ليلاء لقد قال مستر جوناس إن هناك متاعب فى بيتك يا عزيزتى
أبتسمت لوسى فى أسى موافقة وأمدت السيدة بنسون بالتفاصيل المقبضة وهى تقودها إلى غرفة الضيوف الرائعة وأخبرتها أن مستر جوناس سيكون بأنتظارها بغرفة المكتب وتركتها تصلح من شأنها وبعد غسل جيد لوجهها وإعمال الفرشة فى شعرها المجعد بهمة ونشاط دفعتها غريزتها إلى أضافة شئ من اللون إلى عينيها ووجنتيها أهو خط دفاع؟!سألت نفسها ثم هبطت مسرعة إلى حجرة المكتب وقرعت الباب
دعاها جوس مرحبا إلى الدخول فى الحجرة الت لم تدخلها من قبل وكانت كتلة من الخشب المقطوع الأشجار خلف المنزل تطقطق داخل المدفأة الضخمة مدت لوسى يدها إلى الحرارة المتولدة وهى تنظر بعين الخبيرة إلى المكتب ذى الطراز الفنى وإلى المنضدة ذات السطح الجلدى المكدسة بالكتب والأوراق ودهشت إذ رأت جهازاً لمعالجة النصوص على مكتب جانبى وبدات الآلة العصرية غريبة وسط أكوام الكتب
-أذن فأنت تمارس الكتابة هنا
منتديات ليلاس
والتفتت إلى جوس تنظر مباشرة فى وجهه فى الضوء لأول مرة
فردعليها نظرتها بمثلها صاعداً ببصره من حذاءها المتاكل مروراً بتنورتها التويد البنية فسترتها الحمراء إلى أن أستقرت نظراته على وجهها زكان وجهه قاتماً لوحته شمس أجنبيه حامية وشعرت لوسى بوخزة غير متوقعة وهى تنظر إلى عينيه المسحوبتين الزرقاوين وما يحيط بهما من تجاعيد لقد كان قريب الشبه بقدر كبير من سيمون نفس الشعر الكث البنى ولكن اللمعان الذهبى الذى تتذكره جيدا قد أصبح يميل إلى لون الفضة مضيفاً ملامح النضج على وجهه كما لو كان تقدم به العمر فى ليلة واحدة عبر تلك السنين الطويلة لقد مرت أيام كان فيها جوناس وددبريدج أجمل مما يحق لأى رجل أن يكون أما الآن فهو مختلف فالأجهاد يكسو عينيه والتصلب يبدو واضحا على ثغره البديع ولم يكن أى من هذين العاملين ليقلل مقدار ذرة من سحره الذى يفتن جنس النساء
وسمحت له لوسى بإن يجلسها أمام النيران بالقرب من مائدة وضع عليها الشاى وبعض الشطائر فى أوعية وأطباق فضية وقال لها :
--لقد تصورت أنك لابد قد فأتك العشاء وسط كل ما واجهتيه من إثارة وهز كتفيه مبتسماً ثم أن مسز بنسون مقطنعة بأنك تتضورين جوعاً وقالت أنك كنت دائمة الجوع فى الأيام الخوالى
ردت لوسى بأسى :
-وأمامها جسد يثبت مقولتها ولكن أرجوك أن تشكرها فليس من الممتع أن يفاجأ شخص بضيف بعد حلول المساء
-أن هذا أمر نادر الحدوث بما لا يسبب أية مشكلة ثم ركز عينيه عليها ألست تميلين للنحافة يا لوسى لقد كنت أكثر أمتلاء فى تلك الأيام
-لقد كانت أكثر فى أشياء كثيرةلم أعدها الآن.ومن منا ليس كذلك؟
صبت لنفسها بعض الشاى ثم غيرت الموضوع :
-أين كنت أخيراً يا جوس؟ منطقة حارة كما يلوح على وجهك
-فى فيجى
-ولقد عدت لتكتب كتاباً عنها؟
نعم لعدة شهور ثم ابدأ بعدها فى تأليف كتاب كلفت به عن البرازيل عن تأثير إزالة الغابات فى الحياة القبلية البدائية فى حوض الأمازون وتمطى بجسده أمام النار محملقاً إليها شارد اللب
-لقد شاهدت برنامجك التلفزيونى كان عن موريشيوس أليس كذلك؟
-وهل أعبجك ؟
-جداً (تنهدت) ولكن برامج كهذا تشعرنى بالأكتئاب فالبلدان البعيدة ذات الأسماء الغريبة تثير القلق فى نفسى
أستدار ناظراً إليها :
-ألا تسافرين فى الإجازات يا لوسى أبداً؟
-حين يكون بإمكانى ولكن دائما داخل هذه البلاد لم يكن فى أمكنة غريبة قط
سادت لحظة صمت قال بعدها بصوت هادئ :
-لقد حزنت لوفاة والدك فقد كنت أحبه حباً جماً لابد أنه ترك فراغاً كبيراً فى حياتك
وخيمت غمامة على عينيها :
-لقد مضى فى الطريق الذى أختاره كما تعرف فبعد عشاء مع رفاق سلاح الطيران القدامى عاد ليرقد فى فراشه رقدة لم يصح بعدها لقد هزنا المصاب أنا و توم فقد كان رحيله مفاجئاً أقصد لم يكن بلغ من العمر عتياً ثمانية وستون عاما فقط كان لايزال يدب بالنشاط والحيوية
-وهل لهذا السبب تعرضين منزلكم للبيع ؟
-نعم مع أسباب أخرى وتلفتت حولها تستلهم ما تغير به الموضوع ثم قالت متهللة :
-أرى لديك وحدة معالجة النصوص إنى بصورة ما كنت أتخيالك ممسكا بقلم ذهبى تكتب على مكتب من ذلك الطراز الفنى هناك وليس لأنى لم أقترب من هذه الغرفة على الأطلاق فقد كنت تأبى أن أقترب منها أنا أو سيمون وكنت تبقى بابها موصداً على الدوام
-وهو ما يعنى أنى تصرفت بحكمة فى أمر واحد على الأقل لأنه ماعدا ذلك لم أخطى فى حق سيمون أليس كذلك؟ولا فى حقك أنت يا لوسى وتلاقت العينان الزرقاوان مع عينيها بما لا ينكر معناه وتوتر الجو على التو بأشياء لم تقال ,وحملقت إليه لوسى مسلوبة الإرادة لا تقوى على تحويل بصرها عنه وتدفق الدم على وجنتيها ثم ما لبث أن فر تاركا وجهها فى شحوب الأموات والذكريات تكتسح عقلها وبدأ من النظرة التى كست وجه جوس أنه يفكر فى نفس الشئ يتذكر ذات يوم حين وجدا نفسيهما وحيدين على غير توقع فى ذات المنزل ولكن وقتها كان الجو صيفاً حاراً عالى الرطوبة وكانت هى فتاة صغيرة قليلة الحيلة واقعة فى حب بلا أمل...أخذت شهيقاً طويلاً مرتعشاً بينما هب هو عن كرسيه ليركع أمام كرسيها برشاقة عرفت بها حركاته وتعتبر سبباً من أسباب جاذبيته وأخذ بيدها وهو يميل عليها وقد أربد وجهه من فرط الأهتمام .هتف بصوت أجش :
-لوسى ....
منتديات ليلاس
لكن مع سماع صوته زال السحر عنها فجذبت يدها وأنكمشت مبتعدة عنه مشيحة برأسها عنه فهب على قدميه متمتماً بالسباب وعاد إلى كرسيه وضمت لوسى يديها الواحدة إلى الآخرى بقوة لمنعها من الأرتعاش وهى تلوم نفسها أن تقبل العودة للمكان الذى كان مسرحاً لما شهدته من شقاء فى الماضى .ومن سعادة أيضاً حتى تكون عادلة وطال الصمت بينهما هذه المرة ولكنه كان مختلفاً عن سابقه ولم يعد مشحوناً بالإعجاب وبعد برهة تجرأت بأن تلقى نظرة فى أتجاهه كان يحملق إلى النا ر بعينين حزينتين وقد إستحال وجهه خطوطاً تعبر عن المرارة ودهشت لوسى لما شعرت به من تعاطف غير متوقع تجاهه وراحت تتلفت إبتغاء الحصول على موضوع حديث يبدو طبيعياً ثم قالت :
-لا أاك تتمتع بشتاء هذه الأيام فى (أبو سبريدج)يا جوس وبدأ سؤالها تافهاً حتى لأذنيها وأحمر وجهها وهو يوجه إليها نظرة ساخرة:
-لا يا لوسى والطقس الأن سيئ حتى بالنسبة لهذا الوقت من العام الا ترين ذلك؟أسوأ يوم من أيام شهر مارس أتذكره والتوت شفتاه فى إبتسامة مرحة ماذا سنفعل نحن البريطانين لو لم يكن تقلب الطقس يسعفنا فى لحظات حرجة
فأنبرت ترد عليه :
-ربما لهذا السبب قاطنى الأمكنة الأكثر إعتدالاً فى الطقس يتميزون بسرعة الإنفعال فليس لديهم موضوع كهذا ينفسون به عن حرجهم
خفف من توترها أن ترى شيئا من الأرتياح قد بدأ يلوح على وجهه ولكنه أستمر ينظر إليها ممعنا فى تفكير فسألته :
-ماذا هناك ؟هل تغيرت أنا كثيراً؟
فرماها بنظرة حذرة :
-نعم ولكن ليس هذا ما يجول فى خاطرى (وبدأ متردداً وهو يستطرد)لست أريد أن أقحم نفسى فى أمورك الشخصية يا لوسى ولكن ألم تجر عليك وفاة والدك كثيراً من الصعوبات المادية؟
-مادامت المادة لم تكن شيئا وافرا فى حياتى فإنه لم يحدث أى تغير
سألها جوس بسرعة :
-ألا يعمل المحل جيداً؟
-ليس سيئا ولكن....ثم توقفت محمرة الوجه وأكملت يجب ألا أشغلك بمتاعبى .متى عدت؟
-بالأمس وكنت أود رؤية توم قبل سفرى
-يمكنك أن تراه حين يعود المرة المقبلة لو كنت مقدراً أن تظل مدة هنا
تململت فى جلستها ونهض جوس وتمطى بجسده بادباً ضخماً ومسيطراً فى سترته المنقوشة وبنطلونه السميك وأرتعش وهو يضع المزيد من الخشب بالمدفأة :
-لقد كنت على حق بخصوص الطقس أن شعورى بالبرد زائد بعد طول إقامتى فى الأمكنة الحارة كان حرياً بالدم أن يتجمد فى عروقى هذه الليلة يا لوسى يا لها من فوضى!!!
بل فوضى أكثر مما تتصور .فكرة لوسى بإكتئاب وهى تحملق بالنار إن ما تحتاجه بالفعل هو مصباح سحرى مع جنى قوى ليحي لها كل مشاكلها وجفلت حين أنتبهت إلى أنه يكلمها وقال مكرراً:
-أتريدين شراباً يا لوسى ؟يبدو أنك محتاجة لشئ من
وجدت أنه على حق كانت بحاجة ماسة إلى شئ يعطيها الشجاعة
ولو كانت شجاعة الشراب الزائفة وقالت بدون تفكير :
-لا باس بقليل منه وبدت أسنانه ناصعة
-مذاق رجولى بصورة تدعوا للدهشة فهزت كتفيها :
-الشراب الوحيد الذى كان والدى يحتفظ به فى المنزل وكنت أشاركه فيه كرفيقة لشرابه ولكنه لم يكن مفرطاً فقد كان ضغط دمه مشكلة فى أواخر أيامه
منتديات ليلاس
تقبلت منه الشراب شاكرة وتجرعة نصفه دفعة واحدة مثيرة عجب جوس وخطر لها فجأة ما فى الموقف من عدم ملاءمة فهى فى البيت الذى أقسمت ألا تطاه بقدمها مرة أخرى مع الرجل الذى أقسمت ألا تحدثه مرة أخرى طوال حياتها ومع ذلك فهما معا أمام نيران المدفأة كرفيقين معتادين ذلك كل ليلة وأبتسمت فنظر إليها جوس متحيراً
-أبتسامة حقيقية يا لوسى؟لقد بدأت أعتقد أنك نسيتها
-لقد خطر بذهنى فجأة غرابة الموقف
-تقاسم الخبز مع العدو ؟ومضة عيناه بزرقة
-لماذا لا تتناولين معى عشاءاً كاملاً معى غداً ؟ فردت وقد شحبت ابتسامتها :
-لا أظن أنه أمر حكيم
-ومتى كانت هذه الأمور تؤخذ بحكمة ؟
لقد أرسلت إلى هدية من السماء هذه الليلة مع عطف كريم من الطقس لأمد يد العون الممدودة لك على الدوام
نظرت إليه بثبات تريد أن تقرأ ملامحه بدون نجاح :
-أتمنى أن أصدق أنها ممدودة بحسن نية أو أنها ممدودة إلى.لو كنت صريحاً لأعترفت أن توم من ترمى إليه
هز جوس رأسه ثم بدأ يقول بعناية :
-لا أنكر تعلقى برؤية توم على الدوام
-لماذا ؟
-لأنى متعلق به ومن ليس كذلك ؟ثم تجمدت ملامحه ولكنك كنت حريصة على إبعاده عنى أليس كذلك يا لوسى ؟أنت تنكرى على أية علاقة معه عدا ساعة أو ساعتين مرة كل حين وحين
نظرت إليه ببرود :
-ولكنك أنت من أنكر العلاقة يا جوس حينما علمت بأننى حامل أعلنت بوضوح قاطع أنه ليس لى أن أدعى نسبته لسيمون وهو ما لم أفعله قط إنك رفضي أن تكون عمه منذ أحد عشر عاما يا جوس أتريد منى أن أبدى تعاطفا لأنك بصورة ما غيرت رأيك؟
لقد تلفظت بألفاظ لا تفتقر فى وجهى وقتها
غار الدم من وجه جوس ومست نظرته وترا عميقا فى نفس لوسى على الرغم منها وقال لها :
-لقد طار عقلى وقتها حزنا على سيمون وكانت كارولين قد فرت مع عشيقها قبل مصرعه بعدة أيام أتذكرين؟ لقد كانت كبريائى محطمة فى ذلك اليوم النحس يوم اتصلت من المطار
-بل كانت ثلاثة أسابيع فى الواقع
عبس لها :
-ثلاثة أسابيع !ماهذا الذى تتكلمين عنه؟
-ثلاثة أسابيع بين فرار كارولين ومصرع سيمون
-إنك تتذكرين جيدا إذن
-أوهـ بالتأكيد لقد أنغمست فى الشرب وقتها إن أمورا كهذه يتذكرها الإنسان جيدا
-أحقا؟!!
قفز متجها إلى خزانة الشراب وسألها :
-أتريدين كأس أخرى ؟
فتحت فمها لترفض ولكنها أطبقته ومدت له يدها بكأسها الفارغة
-أيمكن أن نصل لتسوية ودية يا لوسى ؟
أستدار لها وأكمل :
-مادام والدك قد توفى فلابد أن توم يفتقد صحبة رجولية فى المنزل أن لم يكن فى المدرسة,هل قضاء ساعة أو أثنتين معى بين وقت وأخر يعتبر أمرا أكبر من أن أطمع فيه؟
سألته:
-لماذا لا تتزوج وتنجب لك ولدا من صلبك؟
دهشت لما بدى على وجهه من قتامة وقال متصلبا :
-إن لدى أسبابى وليس منها ما يعنيك بأية صورة على ما أظن
نظرت إليه شاحبة فقابل عينيها بعينين خاليتين من الأنفعال ثم قال يستحثها :
-حسنا!هل ستدعينى أرى توم فى المستقبل أم لا ؟
خفضت بصرها ليديها كما لو كانت لم تراهما من قبل تدقق النظر فى كل أنملة من أصابعها ثم قالت أخيراً:
-إذا أراد ذلك فإنى لن أمنعه من زيارتك ولكن ذلك متروك له
نهض جوس ثم أنهضها من على كرسيها ناظراً إليها بتركيز :
-هل أنت جادة يا لوسى ؟
هزت رأسها بعلامة الأيجاب فأنحنى بحنان ومس جبهتها بشفتيه ثم قال :
-أشكرك.أن لهذا معنى كبيرا بالنسبة لى,كأنى بسيمون قد عاد أخيرا
-ولكنك كانت لك مشاعر أخرى يوما ما
كانت تعلم أنها تتصرف بسخافة ولكن جرحاً غائراً عمره أحدى عشر عاماً ليس من السهل نسيانه :
-لو لما يأخذه والدى لصيد السمك بالقرب من منزلك لما حدث وعرفت به قط
-إن نظرة واحدة لوجهه كافية يا لوسى
وأستدار ليتكئ على جانب المدفأة محملقاً إلى نيرانها :
-ألا تصدقين مدى حبى لتوم؟حتى ولو لم يكن أبن سيمون لاحببته بنفس القدر
وضحت له :
-أنه ليس قريب الشبه بسيمون إنه أقرب شبهاً بوالدى......وبى
-عدا عينيه (وأستدار ليواجهها):
-أيصعب عليكى تماماً أن تغفرى لى يا لوسى؟
نظرت إليه بأمعان وتفكير عميق:
-إنك تسأل الكثير لقد قدمت ما يكفى من تنازلات بالنسبة لتوم فلماذا تهتم بعد ذلك بغفرانى؟
-إلى هذه الليلة بكل صراحة لم أكن أظن أن له أهمية
عبس وفى عينيه ما يشبه الدهشه:
-لقد أنقضى ما حدث بيننا منذ وقت طويل ومع ذلك ما أن رأيت سيارتك واقعة فى تلك الحفرة حتى شعرت أن لكمة قاسية سددت إلى بطنى
-أتقصد أنك أعتقدت أن توم معى؟
-لا لم يخطر هذا ببالى إطلاقاً لقد كان كل خوفى أن يكون قد أصابك أذى وأنطلقت كطائر أفزعته النيران إلى (هولى لودج)لأتلقى ضربة على وجهى جزاء ما تجشمته من عناء
-لقد ظننتك مقتحماً كما أن قطعة من السقف كانت قد وقعت على رأسى ولا تتوقع من أحد تصرفاً منطقياً فى مثل هذه الظروف (نظرت فى عينيه بجد)أذن فأنت تشعر بالندم وجئت مكفراً عما أقترفت ؟عمل طيب يا جوس وشكراً لك والآن أفكر فى الأنسحاب إلى الغرفة الرائعة التى أعدتها مسز بنسون فغداً الأثنين ليس أفضل أيامى وسيزداد سوءاً بتفكيرى فى منزلى
-أتركى معى المفاتيح وسأرسل السباك والكهربائى
نظرت إليه بشك :
-لست أريد أن أسبب لك المتاعب
منتديات ليلاس
فأبتسم لها إبتسامة خالية من المرح قائلاً:
-أقل ما يمكننى عمله فالله يعلم مدى حاجتك للمعاونة
فأبتسمت بخجل وهى تخرج المفاتيح
-إنها الحقيقة هاك المفاتيح والآن تصبح على خير وشكراً لك مرة أخرى
أصر على أن يصحبها إلى غرفتها وشعرت بحرج وهو يضيئ لها الغرفة ويسألها أن كانت محتاجة شيئاً ما
-لقد قامت مسز بنسون بكل شئ فماذا أحتاج فوق ذلك؟
-نوماً هنيئاً إذن
مال وقبل ثغرها فحملقت إليه بحيرة كما لو كان قد صفعها:
-أهو حق الليلة الأولى ؟
أربد وجهه :
-لم يكن سوى تصرف برئ أما مادمت ذكرت حق الليلة الأولى فلست مؤهلة له أليس كذلك فلعلك تذكرين أن هذا الحق كان يمارسه رئيس القبيلة مع العذارى فقط من العرائس
نهاية الفصل الأول
|