بسم الله الرحمن الرحيم
" أن هذا أخـا لهذا .... بقلم محمود غسان "
* * * * * * * * * * * * * * *
سوف اذكر لكم قصة طريفة شاهدتها بمسلسل سوري بعنوان مرايا للمخرج سيف الدين سبيعي , سوف انقلها لكم بأسلوبي الخاص , فلقد حرصت ألا أطيل عليكم بهذه القصة كي اصل الى الهدف منشود منها ....
سعد و سعيد , أخان من أب و ام واحدة , و لكن شتان ....
البطن لا تلد روحا واحدة , هذه البطن أنجبت أخوان , سعد و سعيد
سعيد شاب في رابعة و العشرون من العمر , شاب ناجح تعدى مرحلة الثانوية العامة بجدارة ثم التحق بكلية الطب كي يصبح طبيبا ناجحا ...
سعد شاب يئوس , يبلغ من العمر اثنان و عشرون , دائما يلحق المتاعب لوالده , فلا يكل و لا يمل عن اختلاق المشاكل , ترك الدراسة في المرحلة الابتدائية , و لجأ للعمل مع أصدقاء في أعمال لا يعلمها والده و لكن دخله كان ضعيف للغاية ....
يتحرك رجل في الأربعين و هو يجر سيارة خشبية صغيرة كي يبيع الحلويات للأطفال و للصغار مرتديا ملابس فقيرة تنم عن شخصيته , حتى رآه مسعود في دكانه الصغير يبيع الخضراوات لفتاة شابة .....
فصرخ مسعود إليه و قال : " يا زهير , تعال "
فأقترب إليه عم زهير بعدما عدل موضع عربته الخشبية , فأزاح نفسه قليلا كي تخرج تلك الفتاة من الدكان ...
جلس عم زهير على الكرسي و قال له : " السلام عليكم , كيف حالك ؟ "
خرج عم مسعود خارج الدكان و احضر له زجاجة مياة غازية و دخل بها إليه
- " و عليكم السلام , الحمد لله بخير "
فتناولها منه زهير و قال : " لم يكن له داعي لذلك "
فرد بيأس و قال : " هذا واجبنا , تفضل بالهناء و الشفاء "
فأخذ زهير رشفة من زجاجة المياة الغازية فراه فجأة ينظر الى الأرض بيأس , فسرعان ما ترك الزجاجة و قال له باهتمام شديد : " ما الأمر يا مسعود ؟؟ , لقد شغلت بالي "
حرج رأسه كناية عن كثرة همومه ثم قال : " لا اعلم ماذا أقول لك ؟ "
بحيرة شديدة و بلهفة قال زهير : " ما الأمر , هل حدث لك ثمة مشكلة ؟ "
نظر إليه بشدة و قال : " و أي مشكلة , حسبي الله "
تنهد قليلا ثم قال : " ولدي سعد , لقد سئمت منه و من تصرفاته التي سوف تهلكنا جميعا يوم ما "
حرك زهير كرسيه كي يصبح في مقابلته و قال : " ماذا حدث مجددا , آخر ما أنا اعرفه ان يعمل مع أصدقائه .... "
قاطعه بسرعة مسعود و قال : " ماذا يعمل .... "
ثم سكت و قال بسرعة : " و مع من ؟ ........ لا أعرف "
- " حسنا , ماذا حدث مؤخرا "
- " أمس , اتصل بنا محقق من قسم الشرطة و أخبرني بأنه قبض عليه مع أصدقائه و هم يتعاطون المخدرات و لكن لم يثبت عليه انه تعاطي أي مواد مخدرة , لذلك خرج معي بكفالة كسرت ظهري "
ثم أردف و قال : " و أنت كما تراني رجل بسيط , لا أتحمل التعب و المشقة على كبر سني , أنا أسعى ان اقضي آخر أيام حياتي دون مشاكل , و لكن هيهات ... "
سكت لمدة دقيقة حتى قال عم زهير : " و سعيد ؟؟ "
و هنا ابتسم عم مسعود و قال : " سعيد , و هل هناك مثل سعيد , الأخلاق و القيم و المبادئ و النجاح و لا يشعر احد بوجوده ... لقد تمنيت من الله انه لم يرزقني سوى بسعيد "
أصدر زهير صوتا ينم عن رفض كلامه و قال : " لا لا , هذا قدر الله "
فقال بتردد : " اعلم , أعلم .... و المصيبة إن هذا أخـا لهذا , لماذا لم ينشئ مثله "
- " أصابعك ليست متشابهة "
تناول عم زهير الزجاجة و اخذ رشفة منها ثم قال : " أين هو الآن ؟ "
ابتسم عم مسعود و قال بهدوء و لهفة : " انه في كلية الطب الآن , ما شاء الله سوف يصبح طبيبا بعد سنتين من الآن "
ابتسم عم زهير و قال : " الله يبارك لك فيه "
- " أشكرك "
فدخل زبونا يطلب بعض الخضراوات فستأذن من عم زهير و قام ليخدم زبونه ..
بعد سنة تقريبا .....
جالس مسعود أمام دكانه في يده اليمنى معصم الشيشة و في يديه اليسرى عصاه من ريش الصناعي يهش به الذباب بحسرة ...
فلاحظ فجأة زهير يقترب منه فدخلت السعادة الى قلبه فنهض بحماس و رحب به بحرارة ثم دعاه للجلوس معه فابتدئ الحديث مسعود بقوله : " أين أنت يا رجل , لقد مضى وقت طويل منذ ان رأيتك آخر مرة "
فقال زهير : " الأطفال في هذه المنطقة لم يعودوا إلى شراء الحلوة مني , لذالك انطلقت الى مكان بعيد قليلا عسى ان أجد رزقا في مكان آخر , و ماذا عنك "
ضحك عم مسعود و قال : " انا كما انا ... "
حاول زهير ان يختلس النظر داخل الدكان ثم قال : " ما أخبار ولديك ؟ "
ظهرت فجأة على سحنته علامات اليأس و الضجر , فشعر زهير ان هناك مشكلة ما فحاول ان يغير الموضوع بقوله بمرح : " ما الذي جعلك تجلس خارج دكانك هكذا و تهش على الذباب ؟؟ "
و لكن عم مسعود لم يبادله ردا , و لكن نظرته ثابتة ..
حتى قال زهير : " ما الأمر يا مسعود , هل أصاب احد ولديك مكروه ؟ "
هز كتفيه ثم قال : " لا لم يحدث شيئا غير مألوفا , لدي زبونا يقطن بالقرب من هنا , الله انعم عليه من المال بكثرة , و لديه مصنع ملابس , فطلبت منه ان يجد لسعد فرصة عمل عنده في المصنع "
فقال زهير مبتسما : " هذا ممتاز "
فقال سعود : " لا يا عزيزي , بل سعد - سود الله وجه - بعد مرور على عمله اقل من شهر ، ضبطه احد العمال يختلس مالا ليس من حقه , فطرده رب عمله و اخبره أني اعمل على إعادة تربيته من جديد , و خسرت هذا الزبون الدائم و لم اعد أرى وجه بعد ذلك "
حاول زهير ان يهدئ من غضب مسعود فقال له : " إن شاء الله غدا سعيد سوف يحـُل كل هذه المشاكل ... "
فضرب مسعود على جبينه بشدة , فذعر زهير و قال : " ما الأمر ثانيا ؟ "
فقال بصراخ : " إن الذي سيصيبني بالجنون إن هذا أخـا لهذا , لماذا لم ينشئ مثله "
بعد مرور ثلاث سنوات ...
يتحرك رجل طاعن في السن يتكأ على عصا و يحمل بين يديه علبة خشبية صغيرة عليها بعض الحلويات و يصرخ و يقول : " حلويات طازجة ... حلويات لذيذة ... تعال و اشتر "
فجلس هذا الرجل على قارعة الطريق فأحس بالظمأ الشديد , فظل ينظر حوله حتى وجد متجر كبير فقرر ان يشتري شيئا ما كي يروي ظمأه ...
فتحرك نحو المتجر ببطء متكأ على عصاه فترك علبته الصغيرة خارج المتجر و دخل و طلب من المساعد - الشاب - زجاجة مياة باردة ..
فخرج الشاب خارج المتجر و احضر له الزجاجة و قال : " تفضل الدفع من هنا "
أشار إلى رجل يجلس خلف مكتب ..
فأقترب منه و قال دون النظر إليه : " أخذت زجاجة ماء " و ألقى إليه قطعة ورقية ..
فجأة صرخ هذا الرجل و قال : " زهير هذا انت , كيف حالك "
سمع هذا الرجل أحدا ينادي باسمه , فرفع رأسه ببطء نحو هذا الرجل و حاول أن يستدل على صاحب هذه المعالم و قال : " من .. من انت ؟ "
ضحك هذا الرجل و قال : " أنا مسعود , ألا تتذكرني , لقد اختفيت أيها الشقيّ و لم تعد تسأل عن أصحابك "
ابتسم زهير و قال : " نعم نعم .. انت . انت مسعود , مرحبا بك كيف حالك "
و اقترب زهير من هذا العجوز و عانقه و قال : " مرحبا يا مسعود , كيف حالك ؟ "
- " الحمد لله , تعال اجلس ... اجلس هنا ... "
فجلس زهير و قال : " كيف حالك يا صديقي العزيز , لقد مضى وقت طويل أليس كذلك "
ضحك مسعود : " نعم انه كذلك , "
ثم أضاف : " اشرب ... اشرب يبدو انك عطش "
بعد دقائق من الحوار الساخن قال زهير له : " و لكن يبدو ان الله قد أكرمك من وسع "
ابتسم مسعود : " بلى , قد منّ الله علينا و أعطانا من خيره كي نحمده دائما و نشكر فضله "
ضحك زهير و قال : " ماذا حدث لك , اخبرني هيا ... "
- " ولدي , فلذة كبدي أصبح تاجرا كبيرا , يشتري و يبيع كل ما يخطر على بالك "
- " ما شاء الله , هذا من دعائكم له ... "
فقاطعه مسعود قائلا : " الله يبارك له و لا يحرمنا منه و فهو اعز الناس دوما لأنه غير لنا مجرى حياتنا , لقد اشترى لي ثلاث متاجر "
ابتسم زهير و قال : " ما شاء الله , أرأيت لقد عانيت كثيرا من أجله و أنفقت عليه أموال طائلة و حتى و ان لم يعمل في الطب و لكنها كانت درجة له , و بالطبع بدون أكمال دراسته لم يكن يستطيع الوصول الى هذه المكانة ... "
فجأة اختفت الابتسامة عن وجه مسعود و قال باستغراب : " ماذا تقول ؟؟ أي كلية هذه ؟ , الجامعة في هذا الزمن لا تطعم أحدا , انه من الأساس لم ينهي الابتدائية "
فقال زهير باستغراب : " ولدك سعيد , انت أخبرتني ذات مرة انه التحق بكلية الطب كي يصبح طبيبا "
فصرخ غاضبا و قال : " من الذي ذكر سعيد الآن ؟؟ "
ثم أضاف بهدوء : " اقصد سعد ما شاء الله عليه , من أجمل الأشياء التي يشعر بها الأب عندما يرى ابنه أفضل منه "
- " لا إله إلا الله , سعد , سعد الشاب الذي كرهت الحياة لأجله , الشاب الذي افتقدت الأمل فيه "
فجأة انزعج و قال : " لا لا لا تقل هذا على ولدي سعد , حبيب والديه "
اندهش زهير و قال : " انت الذي قلت هذا منذ زمن , أليس كذلك "
ضحك مسعود و قال : " هذا منذ أمد , أيام الشباب و جنون الشباب , اما الآن فأصبح رجل ... رجل بمعنى الكلمة .. "
ثم قال : " و ما هو عمله ؟ "
فقال مسعود في خفاء : " في تهريب البضائع "
صدم زهير و قال : " ماذا قلت للتو ؟ "
أجابه مسعود بحذر : " ما الذي جرى لك , قلت تهريب البضائع "
هنا ضحك زهير و قال : " أهلا .. أهلا , كل هذا العز و جاه من تهريب البضائع اذا "
ابتسم مسعود و قال : " الله يحرسه و يصونه "
ثم قال بعد فترة قصيرة : " و ماذا حلّ بولدك سعيد "
ضحك مسعود و قال : " طبيبا غير قادر على إطعام أهل بيته , لقد تزوج و أنجب ولدا , و حتى الآن لم يشتري بيتا له "
- " معقول , الطبيب سعيد ؟؟ "
- " بلى , بالرغم ان سعد ولدي حبيبي عرض على أخوه سعيد ان يبني له مشفى خاص له و لكنه رفض ذلك الغبي "
- " لماذا ؟ "
- " لقد قال ان ماله حراما , و انه على مبدأ و لن يغيره أبدا... "
ضحك مسعود ثم أضاف : " مبادئه تلك لن تطعمه .. "
كاد زهير ان يفيض الدمع من عينه و لكن اكتفى و قال : " لا حول و لا قوة إلا بالله "
فقال فجأة مسعود : " و لكن الذي دائما يحسرها في قلبي إن هذا أخـا لهذا , لماذا لم ينشئ مثله "
* * * * *
تمت بعون الله
28/8/2011
كتبت بواسطة محمود غسان