كاتب الموضوع :
فداني الكون0
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
ادارت لين ظهرها له وهي تكمل شرحها للمجموعة المتحلقة حولها عن التمثيليات التاريخية التي تخرجها دائرة اللغة الانكليزية بمعاونة دائرة التاريخ. وذكرت لهم ايضاً ان دائرة الموسيقى تنظم حفلات موسيقية ممتازة تقيمها في هذه القاعة بالذات. كما وان المدرسة تشجع وتعتز بفرقة شبيبة المدرسة الموسيقية. اكملوا جولتهم بعد ذلك وزاروا مركز الجمباز والاستاد ومختبر العلوم والمكتبة وكل زاوية تستوجب الرؤية، وهذا يعني انهم زاروا وتجولوا في كل مكان. وحان وقت تناول الشاي فدعاهم مدير المدرسة الاستاذ بنستون الى مكتبه لتناوله هناك.
مشوا جميعهم عبر الممر بكثافة اجبرت اي شخص آت في الاتجاه المعاكس لهم على التراجع أو الانتظار. كان اندفاع موكب المفتشين في الممر وهم في طريقهم الى مكتب المدير مثيراً للضحك. ابتسمت لين لنفسها وهي تراقبهم.
حين اقتربت الموكب من غرفة الاساتذة، فتح الباب وظهر كين. وقع نظره على لين وغمز لها مازحاً. ابتسمت له ابتسامة ساخرة وتمنت ان لا يكون احد لاحظ مابينهما. ومع ذلك وجدت ان مفتش اللغة الانكليزية ابتسم ايضاً. وتغيرت تعابير وجهه قليلاً مما يدل غلى انه لاحظ نظراتها العابثة الى كين. وللفور تطلع عبر النافذة يشغل نفسه بالنظر الى الملاعب. وبعد قليل نظرت اليه لين من جديد لتجده قد استعاد تعابيره الصارمة القاسية. واعتقدت ان خيالها هو الذي صور لها ضحكة صامتة في عينيه.حملت لين فنجان الشاي بيد وصحن الكعك باليد الاخرى،ودارت بنظرها تفتش عن مكان فارغ تجلس فيه.امسك الاستاذ يورك بذراعهادون استنذان وقادها الى كرسي مريح في زاوية الغرفة البعيدة.انزعجت لين لأنها شعرت انها العمل وشكرته مكرهة.حمل لها فنجان الشاي والصحن ووضعهما قربها على طاولة صغيرة.
-والآن يا آنسة هيوليت.
وقف الاستاذ يورك امامها مباشرة وقطع عليها الطريق الهرب وكأنه صمم ان يحتفظ بها حتى ينتهي من حديثه معها. وضع احدى يديه في جيبه وحمل فنجان الشاي باليد الثانية. اخبريني.
كانت عيناه الرماديتان القاسيتان تتفحصان وجهها بدقة: وسأكون مهتماً بجوابك.
تكلم ببطء شديد وكأنه يصيغ سؤاله بتأن.
-ما هو الدور الذي يجب ان تلعبه التقاليد في هذا العصر في حياة المدرسة باعتقادك؟
فكرت لين قليلاً. لماذا يستجوبني؟ عبست وهي تشك في الأمر. هل تخبره حقيقة شعورها وتسلمه رأسها وتعرض نفسها للخطر؟ ام تكتفي ببعض الملاحظات التافهة التي لا تؤثر في الموضوع ولا تؤثر في الموضوع ولا تظهر له حقيقة تفكيرها؟ فضلت ان تقول الحقيقة لأنها كانت واثقة انه لن يقتنع الا بها.
-اعتقد ان التقاليد(بدأت تجيبه ببطء) في المدرسة تشبه الدرع الحديدي للجندي المحارب.
-اوه؟ رفع حاجبيه الى اعلى متسائلاً:
-ولماذا؟
ابتسمت له ابتسامة عريضة:
-لأن التقاليد تغلف وتقيد كل شئ تحتويه كالدرع. اذا خلع الجندي درعه شعر بحرية الحركة. ما اعنيه ان على المدرسة ان لا تتمسك كثيراً بالتقاليد بل تتكيف مع النظريات الحديثة في التربية.
حدقت به متمنية ان يحاول فهم قصدها. شعر الاستاذ يورك ان توازنه قد اختل وهو ينظر الى عينيها العسليتين الواسعتين وهي تترجاه.
-هل تقصدين ان التقاليد تقيد الانسان الى الماضي؟
انضم الاستاذ ويلكنز رئيس دائرة اللغات اليهما وبدأ يستمع الى المناقشة وهو يشرب الشاي. وعلق دون استئذان:
-هل تعلن لين افكارها الثورية في التربية والتعليم من جديد؟ هي دائماً معارضة.
فضل الاستاذ يورك ان يتجاهل ملاحظة الاستاذ ويلكنز. ونظر الى لين واصر ان يسمع جوابها هي.
-نعم. هذا ما اقصده. التقاليد تمنع التقدم. الطرق القديمة في التربية كانت دون شك تناسب الزمن القديم. واذا استعملناها لزمن آخر ستكون مفارقة تاريخية في غير موضعها.
-هل تعنين ان علينا ان نهمل كل شئ قديم لمجرد انه ليس جديداً؟
-لا. انا اعارض ان نقيد انفسنا بالتقاليد لمجرد انها تقاليد نعتز بها. مثلاً مدرسة جديدة ومؤسسة تربوية جديدة لاتربط بالتقاليد..... انها تتحرك بحرية دون التزامات بالماضي وبالتالي تتبنى طرق التعليم الحديثة دون شعور بالجرم لأنها لا تقيم وزناً للتقاليد.
-حسنا. لقد شرحت رأيك بوضوح. ولكن هناك شيئاً يذهلني في ملاحظاتك.
كان الاستاذ يورك يتكلم عن قناعة وهو يسألها كالعاصفة:
-بحق السماء! لماذا اخترت العمل في مدرسة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتقاليد وتعتز بتاريخها وماضيها المجيدين؟
شعرت لين كأن ضربة قاصمة قد سددت اليها. هل هذا ما كان يبتغيه من مناقشتها؟ انه ليس صديقاً وما اهتمامه بها الا من اجل الايقاع بها في الشرك الذي نصبه لها كي يستطيع ان يسلخها عن المدرسة.
-هذا ما نطلبه من الآنسة هيوليت دائماً.
قال موجهاً كلامه الى الاستاذ يورك:
-لماذا لاتترك المدرسة –المستنقع العفن- كما تسميها؟
صعقت لين من حديث زميلها وحاولت ان تدافع عن نفسها:
-انا لم اتكلم عن المدرسة هكذا ابداً.
قال الاستاذ سبنسر بهدوء:
-قيل لي انك قلت شيئاً من هذا القبيل......ربما هي اشاعة.
نهضت لين من مجلسها وقد نفد صبرها:
-انا اعمل هنا حباً بالتحدي. الجو الثقافي مشبع بثاني اكسيد الكربون الخانق ونحتاج للأوكسجين النظيف نحقن به الجو لننظفه. يحتاج الجو للتجديد، كما نقول في حياتنا العادية. يحتاج لهواء نظيف، هواء تربوي جديد.
قالت لين بتحد عاصف:
-وداعاً يا استاذ يورك.
ثم مشت باتجاه مدير المدرسة. وقبل ان تبتعد سمعت الاستاذ ويلكنز يضيف:
-حماس تبشيري في غير موضعه.
-شكراً لمساعدتك.
قال الاستاذ بنستون وهو يربت على كتفها بحنان ابوي.
ولم يكن قد تناهى الى سمعه بالطبع اي جزء من المناقشة التي دارت في زاوية مكتبه.
خرجت لين مسرعة دون ان تنظر الى الخلف. مشت عبر الممر الى غرفة الاساتذة. واحست براحة كبرى لأن الغرفة كانت فارغة. فجمعت اغراضها بسرعة وعادت الى منزلها بمزاج معكر للغاية.
بقيت لجنة المفتيشين اسبوعاً في المدرسة. كان المفتشون يدخلون ويخرجون من صف الى آخر مما جعل كل افراد الهيئة التعليمية والطلاب يشعرون بوجودهم بطريقة او باخرى. كانت لين تلتقي عدوها الاستاذ يورك في الممر وتخظى بنظرة غير ودودة منه. التقته مرة خارج غرفة الموسيقى يتكلم مع استاذ زميل. والتقته مرة ثانية يتحدث مع زميل له في هيئة التفتيش. رجل متوسط العمر ومرح. كانت لين في طريقها الى غرفة صفها. تحرك الاستاذ يورك قليلاً ليفسح لها مجالاً لتمر بسلام. لم تبتسم له ولا هو رفع نظره اليها. سلم زميله عليها بحرارة قائلاً:
-صباح الخير.
وسمعته لين يقول للاستاذ يورك:
-فتاة جميلة وجذابة وصغيرة لتتولى رئاسة الدائرة الانكليزية. الا تعتقد ذلك؟
اجابه الاستاذ يورك ساخراً:
-انها صغيرة جداً.
فكرت لين باسئلة الاستاذ يورك وحللتها يتأن فوجدت انها معقولة. شعرت ان غضبها في غير محله ولا يمكنها ان تصبه عليه. كان عليها ان تصب جام غضبها على زملائها الاساتذة الذين تناولوها بأقوالهم امام اعضاء التفتيش بعبارات قاسية وانتقادية. لماذا تلومه؟ هو مستاء لتصرفها وكلما التقته شعرت بأنه لا يغفر لها. يحزنها بل يزعجها لأنها كانت تأمل ان يكوّن فكرة حسنة عنها وعن عملها.
جلست مع ماري وكين وقت الغداء. واخبرتهم ماري ان الاستاذ يورك زارها مفتشاً على احد صفوفها.
سألتها لين باهتمام:
-وهل قدم لك بعض ملاحظاته؟
-تحدثنا طويلاً بعد الدرس. سأل عن المنهاج المقرر واسئلة اخرى. انه شاب معقول ولذيذ. رأيه صائب ومقنع. لقد تحاملت عليه مسبقاً يا لين.
شعرت لين ببعض الحسد وهي تقارن نفسها مع ماري. لقد اعطى ماري اهتماماً خاصاً في تعامله معها معاملة الند للند بينما اهملها هي كلياً..... مع انها تحمل شهادة علمية ارفع وبدرجة امتياز.
كانت سارحة بأفكارها حين لكزها كين في ذراعها. نظرت لترى كريس يورك حاملاً صينية طعامه في طريقه الى طاولتهم
|