عادت جينا الى الوراء , وهى تشعر بغضب ساخط , وقالت : " هذا ليس امرا جيدا , بروتس , ارى انى سأستعمل سيارة قديمة افضل منك فى المستقبل " ضغطت على دواسة البنزين , حاولت ثانية , اكثر من ذلك . مع ذلك لاشئ . ألقت جينا رأسها على المقود وأخذت تستجمع أفكارها . لديها خيارين , إما أن تجلس حتى يقلق عليها رينيه ويأتى للبحث عنها . أو أن تبدأ بالسير . افترضت ان المركز التجاري الذى يحتوى المطعم الذى ستلقاه فيه ليس بعيدا . مع انه يبدو بعيدا كثيرا ان ذهبت اليه على قدميها وليس فى السيارة .
نظرت جينا الى حذائها . لم تكن تنتعل ما يناسبها لتمشى على الطريق العام . لكن مع ذلك , لم ترتدى الثياب المناسبة كي تسير أو تركض , لقد ارتدت ما يناسب عشاء عمل . فالعمل هو السبب الرئيسى لهذا الموعد .
كلمات جعلتها هى وشريكها تركضان لهذه الفرصة . لقد سمعا ان ممولا كبيرا قد اشترى فندق فى البيكوركيو ويريد اعادة فرشه وترتيبه . ولأن لديه ارتباطات كثيرة ومواعيد عمل , طلب نيكولاس جيمس منهما ان يلقياه فى مطعم للعشاء , فكرت فى المال المضاف على راتبها ورات انها قادرت على مقابلته على ظهر موبى ديك اذا كان هذا الحوت موجودا فى الحقيقة . فكرت , بكل الاحوال . انه موعد , يتم الان بدونها .
قالت كلمات عدة الى بروتس اختارتها من عدة كلمات كان يمطرها بها والدها . نزعت جينا المفتاح من المحرك وخرجت من السيارة .
رمت بسلسلة حقيبتها الصغيرة على كتفها الرقيق ونظرت الى الطريق . ليس لديها اى خيار إلا السير الى هناك .
لم تكن تمانع بالسير على الطريق . فالرياضة مفيدة جدا بكل الاحوال . وعادة , فى الطقس الماطر او المشرق , وفى معظم الايام كانت تركض لوقت طويل حيث تعيش . اما الذى يزعجها الآن هى ان تسير هذه المسافة الطويلة وطول كعب حذائها أربع انشات نظرت جينا مطولا الى الطريق , لم ترى سيارة اخرى لعدة دقائق . وهذا امر غير طبيعى بالنسبة الى المكان لكنها ليست من النوع التى ترفع يدها طلبا لركوب اية سيارة . مهما كانت متفائلة , ومهما كانت تعتقد بحسن نية من سيوصلها , لكنها لن تخاطر بذلك . على عكس رأى تشايس بها , فهى ليست غبية , فالجرائد ملئ بحوادث من كل الانواع بسبب الثقة العمياء .
تشايس مرة ثانية . لما تعاود التفكير به هذه الليلة ؟ قطبت حاجبيها . وكأنها تحاول ان تبعده عن أفكارها . ما الذى يحدث لها بكل الاحوال ؟
تخلت عن افكارها . وركزت اهتمامها نحو الباب الكبير للمركز التجارى ,هى تتمتم : " ابدأ بالمسير , جاك " وبدأت جينا السير .
استدار تشايس بسرعة فائقة . جعلت دواليب السيارة تصدر اصواتا معترضة بينما هو استمر فى المحاولة لأن يعوض عن الوقت الضائع . لم يعد امامه الا ثلاثة أميال . وان ساعدته الاشارات الضوئية وكانت لصالحه سيتمكن من الوصول خلال خمس دقائق .
مر بسرعة امام سيارة باج متوقفة الى جانب الطريق وبدون أن يفكر تساءل ما الذى حصل لها . معظم الوقت تتوقف السيارات لعدم وجود ما يكفى من الوقود فيها . مهما كان السبب , على من تركها يجب ان يترك الأضواء فيها مضاءة . والا , قد يصطدم بها احد خلال الليل . انه شخص عديم المسؤولية . هكذا حكم عليه .
هذا الشخص يماثل جينا . وفى الحقيقة , السيارة تشبه كثيرا السيارة التى تملكها جينا .
فاجئته الفكرة التى لمعت برأسه . لماذا يحدث هذا معه الان . من كل الاوقات ؟ لما تخطر على باله كثيرا هذه الليلة ؟ لقد اعتقد انه تخلص من التفكير بها . قبل اليوم , توقفت عن التسلل الى افكاره فى لحظات معينة . متى كان يفكر بها , عندما كان يخرج برفقة امرأة ما .
من المضحك كيف كانت المواعيد تنتهى بعد ذلك , مع ان تلك النساء , حسب رأيه أفضل من زوجته السابقة .
من الواضح انهن لسن كذلك .
ربما , كالمصاب بمرض الملاريا , لن يتخلص ابدا من العوارض التى تسببها له . لكنه يأمل ان يشفى , فقط يأمل بالشفاء .
* * *
وصلت جينا اخيرا الى المطعم , وهى تلعن حظها السئ الذى عطل سيارتها الليلة من بين كل الليالى . دخلت , وهى تشعر انها ليست بحالة جيدة .
كان المدخل مضاء وشعرت على الفور بالهدوء والراحة يسيطران عليها . لقد اختار نيكولاس جيمس ان يدير اعماله هنا . واذا كان المكان لديه أية صلة بالشخص نفسه , فانهما سيتفقان معه بالتأكيد .
اقترب منها رئيس الموظفين ما ان اقتربت من البهو الكبير وقال : " طاولة لشخص واحد ؟ "
لم يكن لديها اي فكرة لما شعرت بوحدة قاتلة من سؤاله . كان هناك العديد من المرات حيث طلبت طاولة لشخص واحد , ولم تفكر حتى بالامر . اما الليلة , ولسبب ما , يبدو الامر مختلفا .
قالت مصححة له : " لا , اننى على موعد مع نيكولاس جيمس "
لمعت عيناه وقال : " آه . نعم , معظم الرجال قد حضروا "
قالت بحيرة : " معظم ؟ " على حد علمها . انه ما عداها , هناك فقط رينيه مع جيمس سيحضران للعشاء الليلة . فاذا كانا هنا معا , فمن اين اتت كلمة معظم اذا ؟ لكن رئيس الخدم كان قد التقط قائمة الطعام الصغيرة والمذهبة وسار أمامها الى الطاولة فى مكان خاص .
رأت جينة بدهشة , ان رجلا ثالثا كان يجلس الى الطاولة . لم يكن لديها فكرة بوجوده . من المحتمل انه احد مساعدى جيمس .
التقت عيناها بعينى رينيه وهى تقترب من الطاولة فابتسمت له ابتسامة اعتذار . لقد اعتاد عليها ان تصل دائما متأخرة , لكن لم يحصل هذا مطلقا فى موعد عمل . رأت جينا ملامح الضيف واضحة على وجهه وعلى شفتيه المطبقتين . هز رينيه رأسه باتجاهها قائلا : " حسنا . آنسة ديلمونكو وصلت متأخرة "
وقف نيكولاس جيمس بجسمه الطويل والضخم ليحيها . واضعا كوبه جانبا ليصافحها قائلا : "آه . آنسة ديلمونكو , كنت للتو اقول للسيد دوف هنا ...
" دو بوا " صحح رينيه للرجل بصبر واضح .
ضحك جيمس , من دون ان يعطى الملاحظة اى اهتمام وقال : " مهما يكن ... كنت بالتأكيد سأفتقد لرؤية ضحكتك الحارة .
وكنت سأفقد الأمل من نعمة وجودك بيننا "
اعادت يدها بسرعة , وجلست بامتنان على مقعدها وقالت تتحدث مع جيمس , مع انها بالحقيقة ترغب فى قول ذلك لرينيه .
قد يكون لها اسم الآن فى عملها , لكنها تحترم رينيه كمثل الطالب الذى يحترم استاذه . ارادته ان يعلم انها لم تتاخر بطيبة خاطر منها : " لقد توقفت سيارتي بالكامل فى بولفار ماك اثر "
" تعطلت ؟ ثانية ؟ " هز رأسه من كلماتها وتابع : " لقد كانت منذ فترة قصيرة فى قسم الصيانة , أليس كذلك ؟ "
" كان على ان ارميها , واعتقد ان هذا هو الخيار الأمثل
"كلامها هذا جعلت الرجل غير المعروف بالنسبة لها يبتسم . نظرت اليه وتساءلت من يكون ولماذا اختار جيمس ان يدعوه فى ذات الوقت الذى يريد التحدث فيه مع مهندس الديكور .
يبدو ان نيكولاس جيمس لاحظ الفضول فى عينيها لكنه يبدو انه ليس فى عجلة ليشبع ذلك الفضول
. كان من الواضح انه مهتم اكثر لوضعها . قال : " وهل اتيت الى هنا سيرا على الأقدام ؟ "
" نعم , لم يكن هناك اى خيار آخر . مع انه لو ان سيارة مرت بي ما كانت لأطلب ان تقلنى الى هنا "
هز جيمس رأسه بالموافقة بطريقة اهتمام أبوي . وقال : " الان هذا تفكير ذكى . فتاة بجمالك يجب ان لا تقبل الصعود فى سيارة مع غريب . فقد تحدث أشياء سيئة , كما تعلمين "
لم تنخدع جينا للحظة بالسيد نيكولاس جيمس الريفي الشهير . فتحت هذه المظاهر من الاهتمام هناك ذهن حاد وصاف , جعلت من هذا الرجل من تكساس مليونيرا وذات سيطرة لا تقاوم. لكن يبدو ان الوضع يسره وهي لا اعتراض لديها على ذلك .
وافقت بفرح : " نعم , اعلم ذلك " استدارت نحو الرجل الثالث وتابعت : " اننى اسفة , لم نتعرف على بعض " صافحته ولاحظت انه يضع طلاء على أظافره ., انها لا تهتم للرجال الذين يلمعون اظافرهم . " انا جينا ديلمونكو "
حرك جيمس يده من جانب جينا باتجاه الرجل عن يمينه وقال : " اين هى عاداتى الحسنة ؟ انسة جينا ديلمونكو , هذا ريد لوسون , رئيس شركة الحسابات لدى . " لكنه تابع بصوت أعلى : " اين هو الشاب الذى يعمل لديك , ريد ؟ اتمنى انه ناجح فى حساباته اكثر من حساب الوقت "
قال ريد مؤكدا للرجل : " هذه ليست من عاداته مطلقا " نظر ثانية الى ساعته . كان يفعل ذلك باستمرار فى النصف ساعة الاخيرة . كان متفاجئا لدرجة انه لا يصدق الذى يحدث , تابع : " عادة , انه شخص دقيق جدا . يمكنك ان تضبط الساعة على مواعيده " تماما مثل تشايس . قالت جينا لنفسها . من اين اتت هذه الفكرة ؟
قال رينيه مقترحا , وهو ينظر باتجاه جينا : " ربما لديه مشاكل مع سيارته
قال ريد موافقا : " ربما " وهو يشعر بالانزعاج من كلمته . تابع براحة اكثر وهو يقول : " لا , ها هو الان "
أومأ ريد برأسه نحو الباب الرئيسى للمطعم واستدارت جينا لتنظر , كما فعل البقية , لكن جينا وحدها اصبحت شاحبة .