كاتب الموضوع :
منى توفيق
المنتدى :
رجل المستحيل
باقي قصة ( ثعلب الثلوج ) العدد رقم 20
ها أنا ذا أصدقائي أكمل لكم باقي أحداث قصة
( ثعلب الثلوج ) وأرجو بعدها أن أرى رأيكم بها
** بسم الله الرحمن الرحيم **
<< نتابع أحداث قصتنا >>
13 ـ قاهر المستحيل ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا أحد يجد تفسيراً لما حدث بعد ذلك .. لعلها الرياح الشديدة القوية أو سرعة القطار الشديدة ، أو كما يبالغ البعض .. إرادة ( أدهم صبري ) الفولاذية .. فقد اندفع جسده إلى الأمام ، وكأن هناك مغناطيساً يجذبه نحو
السلم الصغير المصنوع من الحبال ، ولم تكد أصابعه تمس طرف السلم حتى قبض عليه بقوة مذهلة ،
وتدلَّى منه متعلقاً بذراع واحد ، وجسمه يتمايل بشدة مع الرياح ...
مضى جزء من الثانية قبل أن يقذف ( أدهم ) بذراعه الأخرى ليتعلق بالسلم ، ثم واصل صعوده حتى أصبح داخل الطائرة ..
صاحت ( منى ) بانفعال :
ـ حمداً لله .. لقد كاد قلبي يتوقف عندما أفلتت يدك من السلم .. كيف نجحت في التعلق به مرة ثانية ؟
هز رأسه بحيرة ، ثم ابتسم وهو يقول :
ـلست أجد جواباً لذلك يا عزيزتي .. إنها إرادة الله ( سبحانه وتعالى ) فحسب .
ثم أزاحها برفق وجلس أمام عجلة القيادة قائلاً :
ـ سنحاول الآن أن نسبق القطار إلى النقطة التي اخترناها مسبقاً يا ( منى ) .. ولو نجحنا سنكون قد وضعنا حدَّاً لمشكلة الشحنة الملعونة .
* * *
زأر محرك الطائرة الصغيرة ، وكأنه يعترض على السرعة التي يجبره ( أدهم ) على الانطلاق بها ، ولكنه أطاعه باستسلام ، وواصلت الطائرة انطلاقها ، حتى حلَّقت فوق منحنى غاية في الخطورة ، تسير إلى جواره قضبان القطار الحديدية ، يطل على هوة سحيقة ، تنتهي بـأكثر أجزاء بحر الشمال عمقاً ووعورة ..
تخلَّى ( أدهم ) عن عجلة القيادة لـ ( منى ) ، وأحكم رباط المظلة حول كتفيه وساقيه ووسطه وهو يقول :
ـ عليك القيام بدورة واسعة أيتها النقيب ، ولكن بسرعة ، فسيصل القطار إلى هنا بعد سبع دقائق تقريباً ، أما القاطرة فستعبر المنحنى بعد دقيقة واحدة .
قالت ( منى ) بقلق :
ـ ألا تظن أن الهبوط بالمظلة يشتمل على كثير من الخطر ، خاصة في مثل هذه المنطقة الوعرة ، وهذا الوقت من الليل .
ابتسم ببساطة وهو يتناول حقيبة صغيرة ، ويفتح باب الطائرة قائلاً :
ـ لقد هبطت بالمظلات كثيراً يا عزيزتي في وضح النهار وظلام الليل ، ولكنها فرصتي الوحيدة للهبوط في ليل تزينه شمس منتصف الليل .
وضحك بسخرية وهو يلقي بنفسه من باب الطائرة ، دون أن يتردد لحظة واحدة ..
شعر ( أدهم ) بالرياح القوية الباردة ، وبأطرافه تتجمد ، ولكنه لم يدع المجال لمخاوفه ، بل جذب حبل المظلة التي انفتحت بقوة ، وجذبتها الرياح بعيداً ، ولكن أيدي ( أدهم ) الخبيرة المدربة جذبت حبال المظلة بدقة ومهارة ، أجبرت المظلة على الانصياع لرغبته ، فهبط في المنطقة التي أرادها تماماً ، وأسرع يحل أحزمة المظلة من حول جسده ، وتركها تسقط في الهوة السحيقة ، في نفس اللحظة التي عبر ت أمامه فيها القاطرة بسرعة رهيبة .
أخرج ( أدهم ) من الحقيبة الصغيرة أربع أسطوانات مفجِّرة ثبتها بوساطة القرص المغناطيسي في قضيبي القطار ، ثم أخذ يعدو مبتعداً عن المنطقة ، وتوقف على بعد مائة متر تقريباً ، وأخرج مسدسه وهو يقول لنفسه بلهجته الساخرة :
ـ من المؤسف ألا تشاهد عزيزتنا ( سونيا جراهام ) فشلها بعينها .
وصل إلى مسامعه صوت القطار وهو يقترب ، وقد انخفضت سرعته إلى ما يقرب من المائة كيلومتر ، بعد انفصاله عن القاطرة ، فصوب مسدسه إلى أسطوانات المفجِّر بإحكام وهو يقول بسخرية ، وكأنه يحدِّث رجلاً آخر :
ـ تُرَى .. هل يمكنك إصابة المفجِّر على بعد مائة متر يا عزيزي ( أدهم ) ؟
ثم ضحك بسخرية ، فقد كان يعلم أنه قادر على ذلك .. كانت ثقته بقدراته تفوق الحد .. كانت ثقته عارمة لائقة بمن يحمل لقب .. ( رجل المستحيل ) ..
وفي نفس اللحظة التي قرر فيها ( أدهم ) الضغط على الزناد ، وصل إلى مسامعه صوت مدفع رشاش ينطلق ، وصوت رصاصاته ترتطم بجسم معدني ، فرفع رأسه إلى السماء في حدة ، واتسعت عيناه جزعاً عندما رأى ما يحدث فوقه ..
كانت هناك طائرة صغيرة أخرى ، تطارد الطائرة التي تقودها ( منى ) في إصرار ، ومن بابها برز مدفع رشاش لا يكف عن الانطلاق ، وخلف زناده وجه مألوف ، دفع ( أدهم ) إلى أن يهتف بلا وعي :
ـ يا إلهي !! ( سونيا جراهام ) ؟!!!
* * *
كان موقفاً شديد الخطورة لا يحسد عليه ( أدهم صبري ) .. فالقطار يقترب من النقطة المطلوبة ، وسيعبرها بسرعة ، و( سونيا جراهام ) تطلق رصاص مدفعها الرشاش على ( منى ) بسخاء ، والوقت يمر بسرعة .. بسرعة رهيبة .
خفق قلب ( أدهم ) بشدة .. كان أمام خياران أحلاهما مرٌّ للغاية .. إما أن يخسر المعركة .. أو يفقد زميلته
( منى توفيق ) ، التي تحتل في قلبه مكانة خاصة .
التفت إلى القطار الذي اقترب إلى درجة الخطورة ، ثم عاد ينظر بحنق إلى طائرة ( منى ) ، التي تحاول الإفلات من مطاردتها بيأس ، و( سونيا ) التي تطلق النار بحقد وغلّ .. وشعر بغضب عارم يملأ نفسه ، وبكيانه يرتجف من الغيظ .
شعر بمرارة شديدة تصاعدت من قلبه على لسانه وشفتيه ، وقفزت من أعماقه صيحة غضب هائلة ، ارتجفت لها ثلوج المكان ، وتحركت يده بسرعة مذهلة ، وضغطت أصابعه على الزناد في تصميم رهيب .
* * *
14 ـ عملاق الثلوج ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قالت ( سونيا جراهام ) ، فتاة المخابرات الشرسة الحسناء ، في تقريرها المختصر الذي قدمته إلى مخابرات دولتها المعادية لمصر ، أن ضابط المخابرات المصرية( أدهم صبري ) الذي يطلقون عليه في دولتها لقب ( الشيطان المصري ) ، قد أتى عملاً أقل ما يوصف به هو أنه خارق لكل القواعد والقدرات المألوفة ، وحتى المهارات الخاصة المألوفة عن البشر .. واعترفت أن هذا الضابط المصري يفوق جهاز بقدراته مخابرات دولتها بأكمله ..
فقد أطلق الرصاص على حد قولها من مسافة تقدر بنحو الأمتار المائة ، في تسديد مذهل ، ليصيب عبوة ناسفة على شريط القطار ، الذي كان يحمل شحنة اليورانيوم ، محدثاً انفجاراً هائلاً ، أدى بالقطار إلى الانحراف عن مساره ، والسقوط في الهوة السحيقة ، في نفس الوقت الذي أخذت فيه عرباته تنفجر فيه واحدة تلو الأخرى ، بطريقة تؤكد أنها قد زوّدت بشحنات ناسفة مسبقاً .. وانتهى الأمر بتحطم القطار تماماً ،
وتدمير الشحنة عن آخرها ، وغرق بقاياها في أشد مناطق بحر الشمال عمقاً ووعورة ..
ولكن الأكثر مدعاة للذهول ، هو أن ( أدهم صبري ) بعد إطلاقه الرصاصة الأولى ، التي حطمت شرط القطار بجزء على عشرين من الثانية ، استدار بسرعة يقدر علماء القدرات البشرية استحالتها ، وأطلق ثلاث رصاصات متوالية بسرعة على طائرة ( سونيا ) ، التي تطارد طائرة فتاة المخابرات المصرية بسرعة وإصرار ، فأصاب خزان البنزين فيها برصاصة ، وحطم محرك الجناح الأيمن بالرصاصتين الأخريين ، مما أدى إلى فقدان السيطرة على الطائرة ، واشتعال النار في ذيلها ، مما كان معه من المحتَّم سقوطها في البحر ، وقد لقي قائدها مصرعه ، ونجحت ( سونيا جراهام ) في النجاة بأعجوبة .
* * *
ولو أننا عدنا إلى اللحظة التي حدث فيها ذلك ، فسنجد أن ( منى ) قد أصيبت بالذهول مما حدث ، فتطلَّعت بدهشة عارمة إلى طائرة ( سونيا جراهام ) ، وهي تهوي مشتعلة في بحر الشمال ، ثم انطلقت من حنجرتها صيحة انتصار عظيمة ، وهي تهتف مقاومة دموع الفرح التي انغمرت غزيرة من عينيها :
ـ لقد فعلتها .. لقد فعلتها مرة أخرى يا ( أدهم ) .. لقد حققت نجاحاً جديداً رائعاً يا ( رجل المستحيل ) .
ولم يكن ( أدهم صبري ) نفسه أقل دهشة مما حدث ، فقد تطلع إلى مسدسه الذي ينبعث الدخان من فوهته ،
في قبضة يده ، وربَّت عليه براحته اليسرى ، وهو يقول في سخرية عجيبة ، وكأنه يحدِّث صديقاً عزيزاً :
ـ عجباً .. كيف نجحنا في ذلك يا صديقي العزيز ؟
ثم رفع رأسه إلى السماء ، وابتسم براحة وسعادة عندما شاهد طائرة ( منى ) تدور حول المكان ، ولوَّح لها بيده التي تحمل المسدس ، وهو يقول في سخريته المألوفة :
ـ فلنؤجل إجابة هذا السؤال حتى نعود إلى مصر يا صديقتي .. هذا إذا ما وجدنا له إجابة مقنعة .
وبمهارة شديدة هبطت ( منى ) بالطائرة إلى أدنى ارتفاع ممكن ، وألقت نحو ( أدهم ) السلم الصغير المصنوع من الحبال القوية ، دون أن يراودها الشك لحظة في أنه قادر على التعلق به ، والصعود إلى الطائرة ، بنفس البساطة التي يصعد بها شاب رياضي سلم منزل صغير ، مكوَّن من ثلاث درجات على الأكثر .
* * *
14 ـ الختام ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وضع مدير المخابرات المصرية على سطح مكتبه التقرير الذي قدمه إليه ( أدهم ) ، بعد أن انتهى من قراءته ، وابتسم وهو يهز رأسه بإعجاب ، ويخلع منظاره الطبي ، ثم رفع رأسه يتطلع إلى ( أدهم ) و( منى ) بنظرات واضحة الإعجاب ، ومضى ينقر بأصابعه على مكتبه فترة تبادل فيها الجميع بالصمت ، قبل أن يقول بلهجة حرص على أن يجعلها تبدو هادئة عادية :
ـ إنجاز رائع أيها المقدم وأيتها النقيب .. لقد لقنتما المخابرات المعادية درساً قاسياً ، بنجاحكما المذهل في هذه المهمة .
ابتسمت ( منى ) بخبث ، وهي تقول :
ـ الجزء الأعظم من هذا النجاح يعود إلى سيادة المقدم يا سيدي .
ابتسم ( أدهم ) وهو يقول :
ـ لم أكن لأحقق هذا النجاح ، لولا قيادتك الماهرة للطائرة أيتها النقيب .
ابتسم مدير المخابرات في أعناقه ، وهو يلمح نظرات الإعجاب والود المتبادلة بين ( أدهم ) و( منى ) ، ولكنه حرص ألا تبدو هذه الابتسامة على شفتيه ، وهو يتناول التقرير ، ويسأل ( أدهم ) بجدية :
ـ كيف أمكنك إصابة الشحنة الناسفة وطائرة ( سونيا جراهام ) ، في أقل من ثانية وبدقة بالغة ، برغم المسافة الكبيرة التي كانت تفصلك عن كل منهما ؟
هز ( أدهم ) كتفيه بحيرة ، ومطَّ شفتيه وكأنه عاجز عن الإتيان بجواب مقنع .. فأسرعت ( منى ) تقول :
ـ إن الإنسان العادي تزداد قدراته مع الشعور بالخطر يا سيدي ، كما تعلمنا في دروس المخابرات ، وأعتقد أن ذلك بسبب زيادة إفراز مادة الأدرينالين في جسمه .. فما بالك برجل في قدرات المقدم ( أدهم
صبري ) ؟!!
ابتسم مدير المخابرات على الرغم منه ، وتطلَّع ( أدهم ) إلى ( منى ) بنظرة مرحة ، وهو يرفع حاجبيه إلى أعلى ، فشعرت هي بالخجل ، وتخضب وجهها احمراراً ، فخفضت وجهها وهي تقول :
ـ لا تنس يا سيدي أنكم تطلقون على ( ن ـ 1 ) لقباً خاصاً .
ضحك مدير المخابرات وقال :
ـ أنت محقة أيتها النقيب .. ولكن لدي سؤال آخر .. كيف نجحت ( سونيا جراهام ) في الهرب من رجال ( فريدريك أبسن ) بعد أن نبَّهتم أنت يا ( أدهم ) إلى مصرعه على يديها ؟
ابتسم ( أدهم ) بمكر ، وقال :
ـ لو أنني في مكانها يا سيدي لصرخت ، أؤكد أن الأمر خدعة ، وأن ( أدهم صبري ) هو الذي قتل ( فريدريك أبسن ) ، بدليل أنه يعرف مكان جثته .
صمت مدير المخابرات لحظة مفكراً ، ثم قال :
ـ هذا منطقي .. ولكن كيف لحقت بكم بالطائرة الأخرى ؟
قال ( أدهم ) بجدية :
ـ إن ( سونيا جراهام ) ذكية وشرسة للغاية يا سيدي ، ومن السهل عليها التفكير بعقولنا والوصول إلينا .
ابتسم مدير المخابرات وهو يتناول التقرير ويوقِّعه ، ثم يدفع به إلى أحد أدراج مكتبه وهو يقول :
ـ إن الكلمات لا تسعفني للتعبير عن امتنان مصر تجاهك أيها المقدم ، ولكن الجميع يعلمون مدى ما تتمتع به من قدرات خاصة .
ونهض وهو يضع منظاره أمام عينيه مكمِّلاً :
ـ إننا لم نطلق عليك عبثاً لقب ( رج المستحيل ) .
* * *
[ تمت بحمد الله ]
|