وكأنما تخلص من ديانا , أستدار ولم يخاطب شخصا معينا بل قال بشكل عام:
" أرجو أن يطلب أحدكم من السيدة بي جلب شراب مبرد لي حوالي الساعة السابعة".
أستجاب ليون لطلبه , ثم غادر المكان ليتوجه الى مكتبه حيث يستطيع أنجاز عمله.
بقيت ديانا معهم حتى الخامسة ثم غادرتهم , ولم يحاول أحد أقناعها بالبقاء وتملكت جيردا الرغبة بمغادرة المكان هي أيضا , لكنها , بدلا من ذلك , توجهت لمساعدة ليون لأزالة الصحون والأكواب بعد تناول شاي العصر , وشعرت بالأمتنان لأنها وجدت عذرا يبعدها عنهم حتى لة تطلب العذر أن يقوم الضيف بغسل صحون مضيفه.
وأستمر المطر بالهطول وكان لوقع سقوطه على النافذة تأثبر منوّم , سيطر عليهم جميعا وأشعرهم بالضجر , قال ستيوارت معلقا:
" أنه يوم أحد أنكليزي نموذجي".
وكان هذا أسوأ عطلة قضتها جيردا في حياتها , وحاولت جهدها تعزية نفسها بأنه لم يبق غير ساعات قليلة لأنقضاء اليوم كله وساغادر غدا صباحا في وقت مبكر , عائدة الى روتين حياتها العادي.
جلس الآخرون لمشاهدة فيلم تلفزيوني بعد أن أعدوا كؤوس شرابهم وصحونهم مملوءة بالفستق وشرائح البطاطا المقلية , وإذ حل الظلام أصبحا جيردا أكثر قلقا وتخلت أخيرا عن جهدها في محاولة التركيز على شاشة التلفزيون ونهضت من مكانها , لم يلحظ أحد تسللها فتوجهت الى جزء الحديقة المزود بسقيفة تمنع المطر.
وأخيرا توقف المطر عن السقوط , وأصبح الهواء منعشا وتمشت ببطء في الممر المحيط بالحديقة , لم ترغب بالبقاء فترة طويلة في الخارج , خاصة حين برد الهواء وأحست برعشة برد تسري في أوصالها , وقررت , بعد دقائق العودة الى الغرفة فسارعت خطواتها ولكنها توقفت جامدة في مكانها لحظة وصولها باب الشقة.
أراحت يديها على مقعد الحديقة وواجهت سبب قلقها , كان جوردان بلاك في المنزل الآن وأحست بوجوده دون أن تدخل , رغم الحائط الفاصل بينهما , وغزت أفكارها صورة ديانا , وقررت ألا تذكرها لأي شخص آخر , كانت مشاعر كراهية مختلطة بالحسد والشفقة والغيظ الطفولي , كرهتها لأنها كانت واثقة من نفسها ويطغى حضورها على حضور بقية النساء في أي مجتمع , أحست بالغيرة لأن ديانا جزء من حياة جوردان وربما لأنه أحبها بقدر ما سمحت له طبيعته بحب أي أمرأة , ولأنها عرفت معنى وجوده العاطفي والأنساني أكثر من أي شخص آخر , إلا أن جيردا أحست بالشفقة لأنها أدركت أن ديانا ستعاني من علاقتها بجوردان عاجلا أم آجلا , إذ أن أي أمرأة حمقاء تحب جوردان ستتأذى بطريقة ما , ما لم تكن ديانا عاقلة بما فيه الكفاية لئلا تحبه , ربما كانت ذكية , مستعدة للأخذ والعطاء دون السقوط في فخ الحب, ربما تمتعت بالشكل الظاهري المناسب للعلاقة والمشاركة , خاصة أن جوردان سخي من الناحية المادية وكانت جيردا واثقة من ذلك.
أرتجفت وأستدارت بسرعة لتتهرب من أفكارها فوجدته واقفا خلفها , شهقت وتراجعت بشكل لا إرادي:
" لم أسمعك ".
" كنت على مبعدة أميال من هنا".
ووضع يده على المقعد كما فعلت هي من قبل ونظر اليها:
" بدا عليك محاولة الوصول الى قرار..... أليس كذلك....؟".
" لم أحاول شيئا خاصا".
" هل وجدت العطلة مخيّبة للأمل؟".
" كلا , بل أنها مبتلة بالمطر".
" صحيح ". ودهش لأرتجافها : " ماذا حدث ؟ هل تشعرين بالبرد؟".
" كلا , نعم , أعتقد".
" قرري بسرعة , أو ربما تريدين مني أتخاذ القرار بدلا عنك؟".
وضع ذراعيه حولها وشدّها الى صدره رغم تشنجها.
" كلا , أن الوقت متأخر الآن , لو لم ترغبي بالحديث لهربت مباشرة , إلا أنك لست من النوع السريع في أتخاذ القرارات , أليس كذلك ؟ إلا أنك ترتجفين بردا........".
وبدأ بتدليك ذراعيها لامسا نعومة قميصها الحريري.
" لم لا ترتدين شالا؟".
" خرجت لأختناق الجو في الغرفة , جوردان , أريد أن أتحدث معك........".
" أخبريني بما تريدينه , أنا الى جانبك".
" نعم , لكن......".
وأمسكت ظهر المقعد بقوة حتى شحبت , كان أقترابه منها مدمرا لمشاعرها ولم تعد قادرة على التفكير بأي شيء.
" ليس هنا , ليس.....".
" ليس ماذا؟".
وأجبرها على مواجهته , شادّا ذراعيه بقوة أكبر فلم تجد أمامها غير النظر اليه بعينين يائستين.
وأنعكست السماء المظلمة على زجاج النافذة , فعثرت جيردا على تبرير موقفها.
" قد يرانا ستيوارت أو أي شخص آخر......".
" لا أعتقد أن لذلك أهمية , بل قد تكون هذه فكرة جيدة , أثارة غيرة ستيوارت قليلا , أنه سيساعد عل العودة الى المشاعر الطبيعية , لماذا أذن لا نقوم بذلك , أنك ما زلت حليفة لي..... أليس كذلك يا جيردا؟".
وجذبها نحوه أكثر , وأحست جيردا بخطورة موقفها وسيطرته الكاملة عليها وأدركت بأنه يعلم جيدا مدى قوته وبرغبتها فيه أيضا.
وساعدتها أفكارها الأخيرة على التصميم على مواجهته للمرة الأخيرة , بكل كبرياء فهمست:
" كلا , لست حليفة لك , لست سلاحا تمتلكه بين يديك لتؤذي به ستيوارت , أتركني".