" كلا , لم تكن كذلك , أذ سيواصل الحاضرون اللعب حتى الصباح خاسرين أثناء ذلك مئات الجنيهات , هل كنت مستعدة للخسارة؟".
" وكأنك أنقذتني من جحيم مقامرة يجري في بيتك".
لم أنقذك من شيء يا عزيزتي , كل ما في الأمر أنني رغبت في الحديث معك".
وعاودها الأحساس بالخوف مرة أخرى , وراقبته وهو يهيء لها قدح العصير المثلج , ولم تستطع منع نفسها من الأرتجاف بعد أن وضع القدح بين يديها , ونظرت الى وجهه متسائلة :
" العقد؟".
" فيما بعد".
وفتح علبة سجائره المعدة له خصيصا في مورلاندز , وعرض عليها واحدة , حين هزت رأسها رافضة , أغلق العلبة دون أن يتناول أيا منها , ونظر الى كأسه مفكرا قبل أن يتأملها بحدة:
" ما هو رأيك في مجموعة ستيوارت؟".
وجمدت لوهلة دون أن تجرؤ على الأجابة على السؤال غير المتوقع .
" إنهم , إنهم...... لا بأس بهم .... صحبة ممتعة أذا كنت ترغب بالمتعة".
" ألم يثيروا أهتمامك؟".
" لم أقل ذلك , لم تسألني ؟ أذ لا داعي لأبداء رأي في أصدقاء ستيوارت".
تلفّظت بذلك بعد أن أحست بأن السؤال لم يكن عرضيا , ولا مجرد فاتحة للحديث.
" أردت معرفة رأيك ".
" ولكن لماذا رأيي أنا؟".
تجاهل جوردان حيرتها , ووضع كأسه على الطاولة , مما أحدث ضجة هزت هدوء الغرفة.
" ما رأيك بسوزان؟".
وأنتابتها الدهشة مضاعفة هذه المرة , ولكن مع أحساس غريب بالتحذير.
" ما الذي تريد الوصل اليه يا جوردان ؟ يبدو كأنك تريد الحصول على رأي يثبت صحة بعض الشكوك".
" أنني لا أوجه الأسئلة لغرض المتعة , لكنني , بالتأكيد , لست بحاجة الى ما يثبت صحة رأيي".
وأثار قلقها شيء بدا واضحا في عينيه , وخطرت في ذهنها فكرة مفاجئة كادت أن تدفعها الى التقيؤ , ترى ما الذي أكتشفه؟ هل أخبره ستيوارت؟ ولكن ذلك مستحيل : وماذا عن ستيوارت؟
" كان علي طرح السؤال بصيغة أخرى لأعرف أنطباعك عن علاقة ستيوارت بسوزان".
" يبدو أنها مولعة به , ولكن كيف أستطيع الحكم خلال يوم واحد؟".
وترددت مثل سائر يحاول تلمّس طريقه في الظلمة.
" ثم ماذا هناك للحكم ؟ ستيوارت شاب وبحاجة الى صحبة شابة مثلها , أذ لا بد أنه يعاني من الوحدة المخيفة".
" نعم , لكنه ليس بحاجة الى سوزان".
" أنك لا تودها , أليس كذلك؟".
" أن تأثيرها عليه سيء , وأسوأ بكثير من تأثير أمي عليه".
وصدمت جيردا للهجته فقالت:
" أنك لا تعني ما تقول : أذ لا وجود لأي تأثير سيء على ستيوارت ".
" ماذا ؟ أنظري الى ما يحدث كل نهاية عطلة أسبوع حين يكتظ المنزل بهؤلاء الشباب المجانين , ومعظم الأسبوع أحيانا , أنهم يشربون ويقامرون وسوزان أول من يشجعهم".
" إلا أنه بحاجة الى الصحبة , ثم إنه كان دائما......".
" نعم , واصلي حديثك وقولي ما خطر ببالك , كان متهورا دائما , إلا أنه كان قادرا على أستخدام ساقيه في تلك الأيام , ولم يكن يعاني من نوبات الكآبة المؤدية الى الأنتحار كلما ترك وحده , أتعلمين بأنه حاول الأنتحار مرتين ؟ هل تعتقدين أن لهذا تأثير جيدا عليه؟".
" كلا".
أستنكرت جيردا بقوة ثم وضعت كأسا جانبا بعض أن لاحظت أرتجاف يديها.
" ولكن هل أنت واثق من صحة أتهامك لسوزان ؟ خاصة أنك تتهمني بخذلان أخيك؟".
" أظن بأنك تعرفين رأيي بصدد هذا الموضوع ولا أود مناقشته من جديد".
لمحت النظرة القاسية في عينيه وأقشعر جسمها خوفا من عاقبة أنتقامه, كلا , ليست مخاوفها وهمية , أذ تجسّد خوفها حقيقة واقعة في وجهه الغاضب.
منتديات ليلاس
وقف الى جانب المنضدة ثم أستند بيد واحدة على رف الكتب وأظهرت حركته البسيطة مقدار أكثر من أي أستعراض متعمد للقوى.
" ستتزوج سوزان ستيوارت غدا أذا ما رغب هو بذلك ولن يهمها كثيرا حقيقة كونه مقعدا".
وأحست جيردا بالضعف يسري في جسمها فجأة , وبدت لها فكرة زواج ستيوارت من أي فتاة , غريبة , إلا أنها فكرت ثانية ولم تجد سببا يدعوها للأستغراب , أذ سمعت الكثير عن حالات زواج تمت بين المقعدين , زواج تم على أساس الفهم المتبادل والحب المشترك , وأمتلاك القوة للأنتصار على العاهات , إلا أن سوزان ..... هزت جيردا رأسها بلا تعمد , أنها تعرف القليل عن سوزان , إلا أن هذا القليل فيه الكفاية ليقنعها أن سوزان لا تملك الصبر والثبات للأستمرار بزواج موضوعة أمامه العقبات مسبقا , أنها شابة , وطائشة , مندفعة وتشبه بذلك ستيوارت الى حد كبير , نظرت بخوف الى وجه جوردان وتساءلت:
" هل ستتدخل بينهما ؟ حتى ولو كانا يحبان بعضهما؟".
" أتدخل ؟ بالتأكيد سأتدخل وسأمنع الزواج حتى ولو كان آخر شيء سأفعله في حياتي , أنه أسوأ ما يمكن أن يحدث لستيوارت ".
" ولكن , هل أنت متأكد بأنه سيحدث؟".
" نعم , رغم أن ستيوارت أتخذ موقف صحيحا حتى الآن برفضه الزواج , إلا أنه سيستسلم في النهاية , وسيندم فيما بعد كما ستندم هي لذلك ".
" وكيف تستطيع التنبؤ بفشل زواجهما مسبقا؟".
" كفى هراء , أنها مجرد طفلة , طفلة مدللة..... أستحوذ عليها وهم اسيطرة عليه وجعله معتمدا عليها في كل شيء , أستخدمي مخيلتك , هذا أذا كنت تمتلكين أي مخيلة".
قال بأحتقار مقاطعا نفسه ثم واصل الحديث:
" على ستيوارت مواجهة الواقع , ولن يستطيع ذلك ما دامت هناك فتاة مجنونة تقنعه بأن في مستطاعها الأنعزال عن العالم والعيش في أرض المستحيل , أذ بناء على رأي سوزان نحن جميعا مقعدون روحيا وما الجسد إلا غلاف لا أهمية له , أنها مجنونة , ويجب أن أوقفها عند حدها".
" ألست عدائيا بلا مبرر ؟ كيف تستطيع الحكم بجنونها ؟ كيف تستطيع رؤية العالم والحكم عليه بدلا من ستيوارت ؟ أنه في حاجة الى وجود شخص يساعده على الثبات , أنه عالم مختلف بالنسبة اليه , كيف تثق الى هذا الحد بأن سوزان ليست قادرة على أسعاده ؟ ليس في مستطاعك أبعادها عنه..... ومن القسوة.......".
" أنك تبدين أهتماما فائقا بوضعه , فجأة , وأنا مسرور لتأثرك , أذ سيجعل هذا الأمور أسهل".
" أسهل ؟ ماذا تعني؟".
أبتسم وأستقام في مكانه ثم سار ليقف الى جوارها , متفحصا وجهها عن قرب قبل أن يقول:
" أن عطلة نهاية الأسبوع هذه نوع من تجربة أردت أجراءها , وأعتقد بأن التجربة ناجحة".
توقف , مراقبا أياها وكأنه رأى تحت بشرتها خضوعها السهل لقوته , فواصل حديثه متعمدا:
" أردت أن أرى أذا كان ستيوارت لا يزال مهتما بك , راقبته طوال اليوم عن قرب وأعتقد بأنك ما زلت مفضلة لديه , قد يكون أهتمامه مجرد أعتزاز بماض أحبه أو بوجه جديد إلا أنني لا أعتقد ذلك صحيحا , أن أخي كان مولعا بك منذ سنوات وضحّى بحياته بسبب ذلك ولا أعتقد أنه نسيك ..... هل نسيت أنت؟".
مدت يديها بأستسلام , عاجزة عن الصراخ وأنكار ما قاله خوفا من الحقيقة , تذكرت ستيوارت ومحاولته عناقها في اليوم السابق وكيف فشلت في تحمّله , وأحست بالمصيدة تلتف حولها ولم تجد طريقة للهرب.....
" وهكذا يا عزيزتي جيردا , عليك الآن التكفير عن خطاياك".
" التكفير . عن ماذا؟".
" ستحلين محل سوزان , قلت قبل قليل أن ستيوارت بحاجة الى صحبة فتاة , فلم لا تكونين أنت الفتاة؟".
فصرخت فجأة :
" لكنني , لكنني لا أستطيع .... كيف أستطيع ذلك؟".
" أنك حرة الآن وتمثلين الحل الأفضل".
" كلا........"
ورفعت يدها لتحاول أسكاته مدركة بأنه لن يحس بالرحمة أتجاهها .
" نعم , وأذا صح ما سمعته بأنك تزوجت من بليز شفقة به.. فم لا تتزوجين أخي؟".
" هل تعني..... تعني بأن علي الزواج من ستيوارت؟".
" هذا بالضبط مت أعنيه!".
ومدت يدها الى عنقها أذ أحست بالأختناق.
" لكنني لا أحبه..... أنه ليس .......".
" حب؟".
وبدا الأحتقار واضحا في عينيه:
" ما أهمية الحب في مسألة كهذه".
أنكمشت في مكانها وقالت بصوت عال:
" أنك مجنون".
" كلا يا عزيزتي جيردا , قد أكون حاملا للعديد من الصفات السيئة , إلا أن الحنون ليس واحدا منها".