كاتب الموضوع :
نيو فراولة
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
كانت أظافره شاحبة ولاحظت شعره السود الكثيف مغطيا رسغيه وإنتبهت الى ساعته الثمينة ، حرّك يده على المكتب وقال:
" صفحة هذا المكتب تعكس الضوء ومن الفضل أن تعملي على مكتب مختلف وأن يوضع المكتب في الجهة اليسرى هناك".
"عملت بكفاءة وراحة طوال الشهور السبعة الأخيرة، دون الحاجة لتغيير أي شيء".
" لم أحاول التشكيك بكفاءتك ، قلة من الناس يدركون خطأ مواقع عملهم الى ان يتم تصحيحها فيشعرون بالفرق ، والموافقة المبدئية على الفكرة تثير الحماس عادة".
تنفست بعمق وعلّقت:
" شكرا لنصيحتك يا سيد بلاك ، غنني اقدّرها ، لكنها ليست ضرورية".
ورفع يده عن المكتب لينظر اليها متسائلا:
" إذن قررت التوقف عن العمل هنا؟".
وتردد قليلا لكنه إستعاد برودته المعتادة وقال :
" يصح المبدأ في أي مكان ستعملين فيه ، بالمناسبة ، سيتزوج ستيوارت غدا".
لم ينتظر إستجابة منها ، وإذا أدارت رأسها أخيرا لم يكن هناك أحد غير ميرك سائرا في الممر الخارجي.
وغطّت خيمة سوداء الشمس ، إذ راقبت جوردان بلاك يسوق سيارته .
وبدا وكان البرودة قادرة على إختراق دفء المكتب.
توجّب على اليزابيث ترداد كلامها مرتين قبل أن تنجح في جذب إهتمام جيردا ، ثم طلبت منها التكرار مرة أخرى معتذرة بالصداع.
" قلت بان لحضوره وقع العاصفة ، وقد اصيبت إحدى العاملات في المكتب العام بالصاعقة!".
" كيف؟".
" حسنا ن ن حسناءنا ذات العينين الزرقاوين ستكون عاطلة عن العمل بقية اليوم لأنها لا تزال تنظر من النافذة متتبعة خطوات جوردان ، والتعبير على وجهها يماثل التعبير المرتسم على وجهك الآن ، بل اعتقد بأنها تنوي البقاء عند النافذة الى أن تراه ثانية مبتعدا قرب المنعطف.
" حقا؟".
" نعم ، أعتقد انه يمتلك جاذبية خاصة تدير رؤوس الشابات ، وإنني أشعر بالراحة لأنني جتزت تلك السن".
" سيشفيهن جميعا قريبا".
" بهذه السهولة !".
وإبتعدت الى الجانب الآخر من المكتب ثم قالت :
" آه ، ربما كنت محقة ، إذ يتوجب على الأرض مواصلة دورانها".
منتديات ليلاس
وبقي صدى ملاحظات أليزابيث يرن في رأس جيردا بقية النهار ، إضافة الى تفكيرها بحاجتها الماسة الى بدء حياة جديدة ، يجب ان تتمالك نفسها وان تغادر جيرنغفوردز ، أليس الان؟ لكن متى ! وإلى اين ؟".
وكان ستيوارت على وشك الزواج ، لا بد أنه سيتزوج سوزان ، وكانت ملاحظة جوردان القصيرة دليلا على شخصيته لمفاجأة الاخرين دون توقع ، هلل غيّر رايه الى حد أن وافق على الزواج وباركه ؟ أليس من المعقول تغيّره بهذه السرعة ؟
فكرت بوجوب إتصالها بستيوارت لتهنئه ولتتمنى لهما السعادة إلا أنها كانت تعاني من اكتئاب جمّدها في مكانها ، دون أن ترغب بالحركة لساعات طويلة ، الى أن عرض على شاشة التلفزيون برنامج وثائقي ممل ، فتحركت اخيرا متوجهة نحو الهاتف ، لماذا تستسلم للحزن والإكتئاب لمجرد فشلها في علاقة حب ، بينما يعاني الكثير من الناس من حالات مرضية مخيفة؟
لم تتعرف في البداية ، على صوت المجيب الى أن ذكر إسمه , ليون ، وطلب منها الأنتظار لحظة ثم نادى ستيوارت ، وسمعت أصوات عديدة في الغرفة وصوت موسيقى صاخبة ، لا بد أنهم يحتفلون بالزواج .
" نعم ، الخبر صحيح ، وها نحن نحتفل مسبقا قبل توجهنا الى مكتب الزواج غدا ، هل أخبرك جوردان ؟ طلبت منه أن يجلبك معه الليلة إذا لم تخططي شيئا آخر لكنه إعتذر قائلا أنه مشغول جدا ، هل تريدين التحدث الى سوزان ؟ إنها في مكان ما هنا ، إنتظري ".
وسمعته يصرخ طالبا من أحدهم التخلص من الموسيقى.
" أما زلت هناك؟".
" نعم".
كان ستيوارت جذلا ولا بد أن الإحتفال جميل فقالت بسرعة:
" لن أعيقك فترة اطول عن مواصلة حفلتك ، كل ما اردته هو تمني السعادة لك ولسوزان".
" نعم ، نعم ، اين هي ؟ أنا متأكد بانها تريد محادثتك ، بل اخبرتني بانكما تصارحتما بالكثير من الأشياء ، فإفترضت بأن هذا سبب عدم إتصالك بي ، إلا أنها مسرورة الآن ولا تشعر بالغيرة منك ، أعترفت لها في الليلة الماضية بكل ما في الأمر ، حين استعيد الماضي الان تنتابني الرغبة في الضحك ، تمنيت لو أنني لم أخبرها ، ولكن ما كان عليّ فعله غير ذلك؟ وكنت انت الوحيدة المتفهّمة لظروفي ، وشعرت بانني انتهيت منه الان ، وبإستثناء جوردان لن يتذكره أحد ، أعني ، لم تؤلمك المسالة أليس كذلك؟".
ثم توقف بإنتظار موافقتها المضمونة ، وفجاة قال كما لوخطرت على باله فكرة رائعة:
" لم لا تأتين غدا لمرافقتنا ؟ لن يحضر الكثيرون بل سأكون انا وسوزان ، جوردان وليون فقط ، وسنشرب نخب الأيام القديمة".
" كلا , لا أستطيع ، سارحل غدا الى مكان آخر لقضاء عطلة نهاية الأسبوع ، ولكن شكرا للدعوة ,واتمنى لكما السعادة وسأصلي لك كي تستطيع المشي على قدميك قريبا ، مع السلامة وحظا سعيدا".
وقبل أن يجيبها وضعت سماعة الهاتف جانبا ، هكذا إذن إنتهى كل شيء....وسألها إذا آلمها الأمر ؟ ....... إسترخت في كرسيها ..... نعم عليها الإبتعاد عن المنزل ..... اين تذهب ؟ ليس الى البحر ولا الى الريف الجنوبي ...... بل الى مكان تنسى فيه...
منتديات ليلاس
وصلت الى مدينة اكسفورد ، عند ظهيرة يوم السبت وتجولت في شوارعها المزدحمة بالمتسوقين ، ثم إبتعدت بعد ذلك الى ريف المنطقة الهادىء ، وكان الجو جميلا ، الشمس مشرقة والخضرة في كل مكان ، حجزت لها مكانا لقضاء الليلة في فندق قديم منعزل قريب من منطقة محاطة بالأشجار.
بقيت هناك حتى مساء الحد ، مؤجلة عودتها مع عودة آخر قطار حتى لو كان بعد منتصف الليل ، وهذا ما حدث إذ عادت في وقت متأخر الى شقتها ، وتساءلت عن عدد المرات التي رنّ فيها الهاتف أوقرع فيها جرس الباب.
وهكذا مضت 48 ساعة قبل أن تسمع الأخبار المخيفة : توفي هوارد دوريل في صبيحة يوم السبت ، إذ تخلّى القلب المتعب عن صراعه من اجل الحياة واستسلم للموت أثناء نومه ولم تصدّق الخبر ، غلا أن ذلك حدث فعلا.
وإذ تخلّصت من التأثير الأولي للصدمة ، لم تحاول إخفاء حزنها بل بكت لساعات طويلة مدركة حتميّة الموت متناسية مشاكلها امام المصيبة الكبرى , رغم انها لم تنس تحطم قلبها.
|