ولم تعرف تشارلى كيف مضغت نصيبها من الساندوتشات وفى الحقيقه. , بقد فتتت قسما كبيرا منها بين الاعشاب لكى تأكلها الطيور او ربما الاغنام. فيما بعد, لتكمل بعد ذلك طريقها, غارقه فى افكارها المؤلمه, الى قريه هاوورث. ولكن, لم يبد على بول انه اهتم بصمتها ذاك, اذ انه لم يعلق عليه, بل بدا عليه الاستغراق فى التفكير. كان من الواضح ان عقله فى مكان اخر.
استمرت بينهما مسافه تبعدهما عن بعضهما البعض, بشكل ضايقها, طوال الطريق نحو البيت, وخلال زيارتها للعمه اميلى حيث لم يظهر بينها وبينه حس بالمشاركه رغم انهما كانا يتحدثان معا الى السيده العجوز. لقدد كانا يتحدثان عما صادفاه معا وليس عما اشتركا فيه.
واخيرا, عند صولهما الى المنزل, وجدت تشارلى عذرا بالارهاق والعرق السابح فيه جسمها , لتصعد للاغتسال فى الحمام, تختفى , بذلك, عن ناظريه, وبقيت تحت الدوش قدر امكانها. راجيه ان تستطيع المياه تخفيف توترها وضيقها ومشاعرها الخائبه بنفس السهوله التى ازال بها العرق من فوق جسدها. وخرجت اخيرا الى غرفتها لترتدى سروالا نظيفا وقمصيا ازرق باهتا, ومن الصوت الذى سمعته فى الحمام. ادركت ان بول قد دخل هو ايضا ليغتسل. وشعرت بشئ من الارتياح وهى تفكر فى انها اراحت اعصابها من الحديث معه, على الاقل, ثم نزلت الى المطبخ لتحضر لنفسها شرابا ساخنا هى فى اشد الحاجه اليه.
وفى المطبخ, كانت مخلفات النزهة, قد اخليت من المكان, لتبقى لفافه واحده, مازالت فى كيس ورقى اسمر, قد وقعت على الطاوله. وتناولتها تشارلى بفضلول, لتزداد حيرتها وهى ترى اسمها مكتوبا على الكيس. وسألت الهر تشيكوو الذى كان يدور حول قدميها متمسحا يطلب طعاما, سألته:
" ما هذه؟"
لابد انها من بول, ولكن ما الذى اراد ان يعطيها اياه؟
وبيدين غير ثابتتين, فكت الخيط الذى يربط الكيس, لتنساب من بين شفتيها صرخه سرور وهى ترى بين يديها نسخه رائعه لاشعار اميلى برونتى.
ولكن كيف, ومتى اشتراه دون ان تلحظ هى ذلك؟
واغرورقت عيناها بالدمع وهى تتذكر كيف انه, اثناء رجوعهما الى قريه هارورث قد دخل كشك يبيع التذكارات عن قمه ويذنغس قائلا:
انه يريد ان يشترى واحدا لعمته. لا بد انه اشترى, عند ذلك, هذا الكتاب. ولمحت تشارلى كلمات مكتوبه فى الصفحه الداخليه بعد الغلاف.
وكانت عيناها غائمتين بالدموع فمسحتها لكى تستطيع قراءه تلك الكلمات التى تقول:
" الى شارلوت... اشكرك لمشاركتك لى هذا النهار غي العادى"
وبعد لحظه, وقبل ان تدرك ما هى بسبيله, قفزت صاعده السلم والكتاب فى يدها. ودون تفكير, دفعت باب غرفه بول وقد دفعها سرورها العظيم الى الدخول دون انتظار الاذن بالدخول, وهى تهتف:
" اشكرك يا بول... اشكرك كثيرا لهذه الهديه الرائعه... اننى..."
وماتت الكلمات على شفتيها ورفعت يدها الى فمها وقد هرب الدم من وجهها عندما استدار بول يواجهها.
كان واضحا انه قد خرج لتوه من المام وكان شعره مازال مبللا وملتصقا بجمجمته البديعه التكوين. وكان قد ارتدى سروال جينز لا غير, وكان على صدره العارى, والذى تركزت عليه انظار تشارلى بذهول, وقد اتسعت عيناها العسليتان برعب. اثار جراح حديثه حمراء من الجلى انها شفيت حديثا جدا. وكانت تشوه منظر صدره البرونزى الجميل.
همست بصوت مرتجف:
" بول... ما هذا؟"
اجاب يمطئنها بسرعه:
" لا بأس بذلك. انه يبدو اسوأ من الشعور به"
فقالت:
" لوكن. كيف حدث ذلك؟ ومتى؟"
قال بأيجاز:
" فى غواتيمالا. فى تحطم طائره مروحيه. لقد كنت فى طريقه الى احدى القرى النائيه, عندما صادفتنا عاصفه رهيبه"
والتوى فمه بمراره وهو يتابع.
" لقد كنت احد المحظوظين الذين نجوا. لقد مات الطيار. وحدث..."
ولم تشأ تشارلى ان تسمع البقيه بعد ان وجدت جواب جزء من سؤالها, وتذكرت غضبها وكيف احتقرته وازدرته لعدم اجابته على رسائلها, ولعدم اسراعه الى جانب سرير عمته المريضه كما فعل برايان, وذلك لعدم اهتمامه. كما ظنت هى, وسألته وقد غمرها شعور بالعار والحرج:
" هل كان ذلك حوالى الوقت الذى سقطت فيه الانسه ماكنزى صريعه المرض؟"
اوما بول رأسه ببطء وقد تعلقت عيناه الرماديتان بعينيها العسليتين المنزعجتين.
وقال:
"لقد سقطت بنا الطائره فى مكانا مما اخذ العثور علينا وقتا طويلا كنت اثناءه مريضا جدا"
وسرت فى بدنها رجفه وهى تفكر فى ما يكمن خلف هذا الكلام الموجز عن حالته فى تلك الاثناء"
وتابع قائلا:
" لم ادرك اين انا لمده عده اسابيع, ثم بعد ذلك. مضى بعض الوقت حتى استطعت القيام باى شئ. وكان المصور الذى كتن معه. واشاركه نفس الشقه, قد اصيب معنا فى نفس الطائره. وهكذا لم يذهب احد الى شقتنا تلك لاحضار البريد لنا الى ان خرج هو من المستشفى فأحضر لى الرسائل. وما ان قرأتها, حتى خرجت من المستشفى على مسؤوليتى الخاصه, ثم جئت بالطائره"
لقد جاء مباشره من المستشفى دون ايه نقاهة, وهى لامته لانه لم يحضر قبل ذلك. وعضت على شفتها بأسى عميق, وهى تعود بذهنها الى الاسابيع الماضيه, فتتذكر الظلال تحت عينيه, وتلك الليالى التى كان يأوى فيها الى فراشه مبكرا, كم كان يبدو متعبا.
همست قائله:
" اننى اسفه"
اجاب :
" ولكنك لم تكونى تعلمين"
ولكنها لم تفكر فى السؤال. لقد استرسلت فى الغضب الاعمى دون تفكير... ولم تفكر سوى فى اظهار ازدرائها نحوه وتعيير بأفضليه برايان عليه وقد اعماها اهتمام ابن خالته الاستعارضى.... كما ابتدأت ترى برايان الان. انها لم تحاول ان تبحث فى امر برايان كما يجب لتعلم السبب فى عدم قدومه لرؤيه عمته.
وقالت متسرعه:
" بول ... بالنسبه الى برايان..."
وعرفت من تجهم وجهه وتلك النظره الجافه فى عينيه انه ما كان لها ان تاتى على ذكر ابن خالته.
وردد هو كلمتها:
" برايان؟"
وحملت هى نفسها على متابعه كلامها قائله: بالنسبه الى وصيه عمتك عن المنزل النهرى, يجب ان تصدقنى... اننى لم اكن اعلم"
فقال:
" اعرف ذلك"
وكان هذا اخر شئ تتوقعه, وبقيت لحظه تحدق فيه مشوشه الذهن, وتابع هو :
" لقد رأيتك مع عمتى اميلى, وكان واضحا لمن له عينان انك شديده الاهتمام بها... وكذلك بالنسبه الى الهرره... والازهار... والطريقه التى تعتنين بها بالبيت.. وهذه الليله, اثناء وجودك فى غرفه الانتظار, اخبرتنى بقصه لقائها بك لاول مره, كامله, وكيف انها هى التى طلبت منك العمل عندها لانها كانت ف حاجه الى مرافقه. ولكنك رفضت اخذ راتب على عمل كنت تريدين ان تقومى به لاجلها مجانا, ومن نا, لم اعد فى حاجه الى ان تخبرينى شيئا اخر عنك"
وهز رأسه ببطء وقد بان فى نظراته نو من لااسف وكأنه يلوم نفسه وهو يتابع:
" ولقد اخطأت انا فى تقييم الوضع بشكل هائل"
وابتسم وقد بدا عليه الخجل والاشمئزاز من نفسه وهو يتابع:
" اننى لا احسن عاده كتبه الرسائل, ولكن العمه اميلى اسوأ منى فى هذا, اذ انها اخبرتنى فقط بنصف , بل ربع القصه. كنت هناك فى غواتيمالا على بعد الاف الاميال. وبدا وكأن هنا من تدبرت اجتماعا مع عمتى لتدخل حياتها لمجرد ان تبتز منها ما تستطيع من نقود"
وفكرت تشارلى فى ان هذا ما بدا من الامر فى الحقيقه. الم تجادل هى نفسها الانسه اميلى بنفس الشئ, عندما قدمت لها هذه الوظيفتها تلك, قائله لها ان الناس سيظنون بها الظنون؟ فلماذا تلو بول, اذا, اذا هو ظن نفس ما حسبت هى حسابه وفجأه.اهتزت وهى تفكر فى ان هذا ما قد يكون فكر فيه برايانعو ايضا. اليس من المحتمل انه, حين فكر فى ان يلجأ اليها لخداع عمته, شجعه لطلب معونتها فى ذلك معتقدا انها هى ايضا تستعمل مذل هذا الخداع للتحايل على عمته لاسباب مديه. وشعرت, وهى تفكر فى هذا بالغثيان.