والقى عليها نظره من عينيه الرماديتين اللامعتين كالفضه وهو يقول:
" انظرى الى الشلال هناك"
وكانما فهم شيئا مما يجول فى ذهنها وتعكسه مللامحها, فقال باسما:
" يبدو ان شيئا من خيبه الامل, يراودك, اليس كذلك؟"
تمتمت هى بما يعنى الموافقه, محاوله ان تعيد نفسها الى الواقع لكى تنسى السهوله التى خدعت بها تصرفات برايان.
وقال بول وهو يرمقها, مره اخرى, بنظره متفحصه:
" كل شئ هنا منظم ومصطنع, ونرجو ان تكون قمه ويذينس طبيعيه اكثر من هنا. اتريدين ان نمكث هنا فتره؟"
فأجابت وهى تهز رأسها لكى تتخلص من افكارها:
" كلا. ثمه اناس كثيرون هنا, والافضل ان نذهب الى مكان اكثر هدوءا"
قال:
"اذن حاذرى, لان الطريف هنا وعر"
وفعلا. غابت معالم الطريق المسلوكه مما صار من الطبيعى ان يمد بول يد المساعده اليها كى يجنبها التعثر وهى تتسلق التل تشابكت اصابعها. مما ارسل فى جسدها موجه من الحراره ليست لها علاقه بالشمس المحرقه فوقهما.
وهكذا. عند وصولها الى القمه. كانت تلهث ليس فقط مما بذلته من جهد فى التسلق. وانما ايضا من التفاعلات التى تعتمل فى اعماقها.
وقال بول وهو يراها تلهث بهذا الشكل:
" هل تحبين ان تستريحى لحظه؟"
حسنا. انه يظن سبب لهاثها هذا هو التعب الجسدى . وربما لو سمع خفقات قلبها العاليه. كان ارجع ذلك الى مرض قلبى... وكادت تنفجر بضحكه هستيريه. وعاد هو يقول:
" او ربما تحبين ان تشربى شيئا؟"
ودمت يدها تتناول منه بلهفه زجاجه المياه المعدنيه التى مد بها يده اليها وقد احست فجأه . بجفاف شديد فى فمها. تبعا لاحاسيسها الملتهبه. كان لمنظر شعره الاشعس المبلل بالعرق والذى نزل على جبينه. مما اخفى بعض خشونه ملامحه. من الجاذبيه بحيث كادت تغص بالماء الذى كانت تشربه. ثم اعادت الرجاجه الى بول الذى اخذها شاكرا ببساطه وهو يرفعها الى شفتيه.
واخذت هى تراقبه وهو يشرب , وقال هو فجأه وهو ينزل الزجاجه:
"ان الجو شديد الحراره فعلا. لقد كان الظن انه اكثر بروده على القمه هنا. ولكن ليس ثمه نسمه هواء هنا. كما ترين"
قالت له:
" لماذا لا تخلع قميصك؟"
لم تصدق تشارلى نفسها وهى تقول ذلك. واضطرب ذهنها لهذا الكلمات العشوائيه التى تلفظت بها. هل تراها فقدت سيطرتها على عقلها لتتصرف بهذا الشكل الذى لم تعهده فى نفسها من قبل؟ واذا كان هذا الشعور نحو يتملكها الان. فماذا سيكون امرها لو انه خلع قميصه فعلا؟
وهبط قلبها وهى تتصور ما هو محتمل ان يحدث عند ذاك . واجابها هو:
" كلا. هكذا افضل"
وشعرت تشارل. فى البدايه. بالراحه وهى تشعر من هدوء لهجه بول انه لم ياخذ لكلامها هذا معنى اخر. ولكنها, فى اللحظه التاليه شعرت بالجفاء يحتل عينيه. ونظراته كذلك. وهو يقول:
" هل انت جاهزه لمتابعه السير؟"
استدار مبيتعدا عنها وهو يقول ذلك. وانتهت هى الى انه يبذل جهدا فى ان يظهر بمظهر طبيعى وهو يتابع قائلا متعمدا عدم ملاحظه قصدها:
" اننى متاكد من ان فى استطاعت تصور اميلى برونتى فوق تلك القمه هنا"
وادركت تشارلى انه يريد ان يصرف اهتمها عن موضوع لا يريدها ان تسترسل فى التفكير فيه. ولهذا حاولت جهدها. ان تجعل جوابها له يبدو طبيعيا وكذلك بقيه الحديث الذى دار بينهما وهما يستمران فى السير. ومضت حوالى النصف الساعه قبل ان يصلا الى قمه ويذينس نفسها. حيث كان منزل"اليزابيث" المتاعى يقف منعزلا مشرفا على تلك المراعى, وقد تداعى سقفه فى الداخل كما ان بعض جدرانهه ساقطت احجاا متكومه فوق العشب. ولقد جلس فى داخله بعض الاغنام القويه. وعندما توقفا عن السير. جذبت تشارلى نفسا عميقا وهى تقول بغبطه:
" هذا المكان بعطى فكره اكثر صحه عن حياتها"
قا هو مبتسما:
" اهو المكان الملائم الذى فى امكانه ان يتغير مجرى الافكار؟"
ولكنها احست ان وراء محاولته اغاظتها. يكمن تفهم عميق لما تعنيه هذهاللحظه بالنيه اليها. وذلك من الطريقه التى تركها فيها تجول حيثما تشاء. دون ان يزعجها بايه اسئله او تعليقات.
كان هذا هو المكان, بالضبط, الذى يمكنها فيه ان تتصور هيثكليف بطل روايه اميلى برونتى وتذكرت تشارلى كيف وقعت فى غرام ذلك البطل ذى الافكار السوداويه التى لا تنقطع. وذلك منذ اول مره قرات فيها روايه "مرتفعات ويذرينغ" عندما كانت فى الثالثه عشره من عمرها وكانت تقيس به كل اصدقاء عهد مراهقتها من الفتيان.. زطبعا لم يكن ليشبه واحدا منهم.. ولاحت على شفتيها ابتسامه خيبه امل وهى تتذكر ذلك.
ربما لم يكن يوجد له شبيه... ذلك ان هيثكليف كان مجدر شخصيه خياليه... وهنا, انتقلت انظارها نحو بول وهو يقف بقامته الطويله ولونه الاسمر بجانب حجاره ذلك المنزل القديم التى غيرها الزمن, لتشعر بقلبها يقفز فى جوفها, وقد تملكتها الاثاره. وهو يحدثها بأنها, ربما اقتربت من ان تجد بطلها هيثكليف. ذاك, ممثلا فى شخص بول
بعد ذلك بمده قصيره, جلست وقد تملكها الضى, على حجر عريض شكل مقعدا طبيعيا, واخذت تسرح النظر فى تلك المراعى وفى الوادى اسفل, عند ذلك فقط, جلس بول بجانبها على العشب, مادا ساقيه امامه ومتكئا على مرفقه. وسألها:
" اتريدين ان تأكلى الان؟"
اجابت باسمه:
" يسرنى ذلك, فانا اكاد اموت جوعا"
وشكرته ابتسامتها على صبره وحساسيته الى جعلته يعطيها الفرصه للاستيعاب والتفكير كما تشاء دون ايه مقاطعه من جانبه.
وقال يجيبها:
" لا يدهشنى هذا والساعه تجاوزت الثانيه وقد مضى على تناولنا القهوه والكعك اكثر من ثلاث ساعات"
وقالت تشارلى ببساطه:
" اشعر وكأننا امضينا وقتا اطول"
وفى الحقيقه بدالها الوقت الذى امضياه فى القريه هاوورث. وقبل ذلك فى بارفورد وكأنه كان فى حياه اخرى, وعالم اخر. فهنا, فى هذه المراعى, بدا وكأن العداوه بينهما قد تبخرت فى شمس الصيف الدافئه, وكأنها لم تكن قط.
وهتفت:
" اه, انظر ال الاغنام, انها اليفه تماما... ما احلاها!"
وصرخت بعد لحظه, عندما فتحت كيس السندوتشات لترى انف واحده منها تنس فى يدها واخذت قطعه صغيره منها تناولتها بلذه كبيره
وقال بول بجفاء وهو يشير الى بقيه القطيع التى رفعت رؤوسها بهتمام:
" ما الذى فعلت؟انظرى اليها جميعا تتجه نحوك"
وسرعان ما كنت نزهتها الهادئه قد غزتها مجموعه متراصه من الاجسام الصوفيه تتدافع نحوها كل يريد ان يفوز بالطعام
وصرخت اذ نطحها واحد قوى منها:
" ها... انها ليست اغنام. هذه..."
وسمعت صوات خلفها, فالتفتت لترى بول يحاول جاهدا ان يكبت نوبه قويه من الضحك.
وقالت ساخطه:
"هذا ليس مضحكت. الا ترى كيف تحيط بى؟ اه..."
اندفعت منها هذا الصرخه فجأه بعد ان تلقت نطحه اخرى قويه فى فخدها.
فقال وهو يمد يده يوقفها على قدميها ياخذ منها كيس السندوتشات:
" تعالى"
والقت هى ببقيه السندوتش بين مجموعه الاغنام تلهيها بها, ثم ركضت معه نحو المنحدر وثغاء الاغنام تلاحقها محتجه ع انقطاع الطعام.
وزاد فى سرعتها فى الركض, حيويتها المتدفقه وانحدار الطريق, فجعلا يركضان عده دقائق الى ان تعثرا وتهالكا معا على العشب وهما يلهثان.
عندما استطاعت تشارلى الكلام قالت:
" ما اسوأ ما مر بنا"
فأجابها وصته يهتز بالضحك:
" لقد احاطت بك القتله"
فقالت وهى تدفه بكوعها:
" انك مسرور لهذا. انها لم تهتم بك"
فقال:
" حسنا, انك انت من اطعمها." وقلد قولها السابق يغيظها( ما احلاها)"
فأمسكت بذراعه بعنف مازحه وهى تقول:
" ايها الوحش كان فى امكانك ان تساعدنى"
وزاد فى سخطها استماراه فى الضحك, فاخذت تضربه بقبضتها على كتفه.
" بت تشبه هيثكليف. كانت الاغنام ستأكلنى حيه"
وخمد صوتها وجف حلقها اذ استدار اليها بول فجأه يمسك بمعصميها فى يده فيمنعها من الرحكه. ووجدت نفسها تحدق فى عينيه المتألقتين المتسعتين وهو يقول:
" اهذا ما تظنينه بى, يا شارلوت؟ هل انا عيثكليف؟ واذا كنت انا هو, فهل انت حبيبتى كاتى"؟