وقطعا الطريق الى البيت بسرعه تثير الاعصاب وقد سيطر عليهما صمت متوتر, وشعرت تشارلى بالضيق الذى سبق واستولى عليها, شعرت به يعود اليها بكامل قوته مما جعلها تتصلب فى مقعدها طوال القوت شاعره بما يشبه الغثيان فى معدتها.
وعليها ان تواجه تواجدهما بعد قليل, فى البيت بمفردهما. وزاد ضيقها وهى تفكر فى ذلك, متسائله ايه شخصيه من شخصيات بول المتعدده التى راته عليها هذه الليله, ستراه بها عندما يضمهما البيت, هل ستكون تلك الشخصيه العدائيه المتهجمه التى راتها فى اول لقاء بينهما. ام ذاتالوجهه البارد التى كرهتها, ام تلك الشخصيه الخطره , وهو يتحدث, دون ندم . عن كسره انف ابن خالته, لم تلك الشخصيه التى يبدو فيها فتى خالى البال كما بدا عند البحيره. اما شخصيته تلك , تمثله رجلا محموم العواطف والذى ايقظ الرغبه فى اعماقها فهذا ما لم تشا ان تتذكره. ان من الخطر الشديد , حقا ان يضمهما منزل واحد بمفردهما.
واخيره عندما وقفت السياره امام منزلها , قررت ان الحل الوحيد هو تاخد هى المبادره. فاذا هى تكلمت بلهجه جاده بقيت ذلك المساء. فان بول سيفهم حتما معنى ذلك, والافضل, لها ان تعود الى شخصيه المؤجره لتعامله كمستاجر عندها لا اكثر, فتكون العلاقه بينهما علاقه عمل فقط, وهكذا كانت تنزل من السياره حال توقفها, ومفتاح المنزل فى يدها, لتجتاز الممر بخفه الى داخل المنزل وهى تنير الاضواء فى طريقها الى المطبخ, لتسمك بابريق الشاى.
وتمتم بول وهو يقف خلفها عند الباب:
" انها النهايه المعتاده لكل موعد غرامى"
وقالت بجفاء:
" كلا, ليس الامر كذلك. اننى اقدم اليك شرابا ساخنا بصفتك مستأجر عندى وهى ليست دعوه من هذا النوع ثم لم يكن بيننا اى موعد غرامى"
فقال ببطء ساخر جعل تشارلى تصر باسنانها:
" ما هو بالضبط نوع الدعوه التى ظننت انت اننى افكر فيه يا ترى؟"
وازداد اشتداد قبضتها على الابريق.
وبقيت هى موليه ظهرها له لكى لا يرى تاثير كلماته على وجهها, مع ان الطريق التى دفعت فيها الابريق تحت صنبور الماء, كشفت عما تشعر به من ضيق بالغ.
وقالت, غير راغبه فى ان ترد على استفزازه لها:
" والان, هل تريد قهوه ام لا؟"
قال:
"لا"
وادهشها ان ينطق بهذه الكلمه المفرده لخاليه من سخريته السابقه , فاستدارت تواجهه بدهشه لكنه قال:
" اظننى ساصعد مباشره الى فراشى فقد تعبت اليوم بما فيه كفايه"
وفكرت تشارلى فى انها ادركت شعوره جيد. ولاول مره, نظرت اليه فى النور لتعترف, بينها وبين نفسها, انه يبدو حقا متعبا, وفى الحقيقه, لم تكن كلمه متعب لتعبر عن حالته تمام. ذلك ان بدا متهالكا على قدميه, مان الامتقاع الخفيف على وجهه, والظلال تحت عينيه, كل هذا ذكرها بالول ويم جاء فيه الى منزلهم.
وقالت بتحفظ وهى تلقى نظره على ساعتها ادركت منها انهما امضيا, عند البحيره,وقتا اثر مما تصورت .قالت:
" الوقت متاخر"
وشمعت صوتا يقول فى اعماقها,
" لقد انتهى الوقت الذى كنت تمتعين به نفسك"
واقفلت صنبور الماء وهى تقول:
" اذا فانت لا تريد قهوه"
فاجاب:
" كلا, شكرا"
ونظرت اليه وهو يخرج من المطبخ صاعدا الى غرفته, وقد تملكها احساس بالفراغ, كبالون وخز بدبوس فتهالك بعد ان تلل منه الهواء لقد كانت اعدت نفسها لمواجهه معه دون تفكير فى ما عسى ان تكون رده الفعل عنده. ولكنها لم تتوقع هذا, واعترفت بحماقه, وخبيه املها.
لقد تعبت اليوم بما فيه كفايه" هذا كانت كلمات بول, فهل كان يعنى كفايه من كل شئ بوجه عام؟ ام انه كان يعنيها هى, تشارلى, بالتحديد ولكنها عندما تذكرت كل تلك الليالى التى اثار استغرابها فيها بصعود الى فراشه ساعه مبركه, عاجت تنظر الى ما قال على ضوء مختلف, فاسرعت خلفه الى القاعهه, وهى تساله:
" هل انت على ما يرام؟"
وتوقف هو بينما يده على حاجز السلم وقدمه على اول درجه منه, وهو يجيبها قائلا:
" انننى بخير"
وعاد يصعد السلم. ولكنه توقف ثانيه وكان خطرت بباله, واستدار ينظر فى اعماق عينى تشارلى ثم قال:
" انك لم تجيبى ابدا عن سؤالى"
ردت:
" اى سؤال هو؟"
فقال:
" سالتك ان كنت تفضلين حياه المدينه على بلده بارفورد هذه"
قالت:
" اه ذلك السؤال"
وجعلتها ذكرى الجو الذى دار فيه هذا السؤال, فى ذلك المعطم, تنتقل فى وقفتها, بقلق, من ذاق الى اخرى وهى تستطرج دون تفيكر:
" ليس ثمه مجال للمقارنه, فى الحقيقه, اننى لم احب قد حياه المدينه ان الشئ الوحيد الذى افتقده هو, كما سبق وقلت, الخروج والطواف فى الانحاء"
فقال:
" كذلك انا لقد قررت ان الوقت قد حان لكى اقوم باكتشاف المناطق الريفيه فى هذه الانحاء, فهذا هى المره الاولى منذ سنوات, التى اجد فيها فرصه تزيد عن عده ايام قليله, وهكذا قررت ان استفيد منها فى اكتشاف المكام حولى"
وتردد برهه وكأنه يفكر فى شئ خاص, ثك عاد يقول:
" ربما تحبين ان تاتى معى؟"
اجابت وقد خافت من ان يظن انها تلمح الى الخروج معه ليله اخرى:
" اوه, اننى لم اقصد..."
فقاطعها:
" اعرف ذلك, اسمعى اننى اعرف انك لا ترغبين فى الخروج معى فى موعد غرامى مره اخرى.."
وشدد على كلمه" معى" وهو يتابع:
" ولكننى لم اكن افكر فى هذا, اذ اننى كمل قلت, اريد ان اقوم باكتشاف المناطق الريفيه حولنا, ويبدو لى ان من الخساره ان استعمل السياره لنفسى فقد فى الوقت الذى تحبين انت ان تقومى بمثل هذا العمل, وهكذا, انا اقدم لك هذه الدعوه, فهل تريدين المجئ معى ان لا؟ ان الامر, فى هذا, يعود اليك"
لم تكن هذه دعوه شاعريه, ولكنها, بالنسبه الىتشارلى. كان القبول بها اسهل عليها. ذلك ان ايه دعوه اقل ارتجالا ما كانت وهى فى حالتها هذه, الا لتلقى الرفض منها على الفور دون اى تفكير مسبق ولكن مثل هذه الدعوه العاديه البسيطه, فهى تقبلها طبعا. وبعد, فانها تتمنى فعلا, الخروج اكثر مما تفعل الان, فهى قد امضت فى هذه البلده قرابه العشره اشهر دون ان تخرج منها, ما عدا رحلات الى ليدز فى المناسبات. وربما لم تكن تريد ان تعود الى المدينه لتعيش فيها مره اخرى, ولكنها كانت فقط فى الرابعه والعشرين من عمرها, فهى فى حالجه الى شئ من المتعه فى حياتها.
واخيرا قالت بتحفظ:
" لا باس اظننى ساحب ذلك"
كان ذهنها مازال غير مستوعب الفكره تماما.
وقال لها متهكما مما جعلها تجفل:
" انما لا تفرط فى الحماس اكثر مما يجب"
فقالت:
" اننى احب ان اتى معك"
وسرعان ما ادركت كيف ان وخز كلماته جعلها تسارع فى التاكيد, رغم عدم تاكدها من شعورها الحقيقى.
قال:
" حسنا, ساراك اذا فى الصباح"
هل كان حقا متعبا الى هذا الحد؟ تساءلت تشارلى وهو تعود الى المطبخ, ام لعله كان يقصد انه سئم ونال كفايه من مرافقتها؟
وغيرت رأيها فلم تصنع لنفسها فنجان قهوه مفضله على ذلك كوبا من الحليب قد يساعدها على النوم, اذ شعرت بان انفعالها, والارتعاش الذى تشعر به لن يمكناها من النوم بهدوء دون ان تبدأ فى استعاده ما حدث فى ذلك المساء مره بعد مره.
لماذا كان احتضانه لها؟ ربما لم يكن ذلك يعنى شيئا, بالنسبه الى بول على الاقل. واخذت ترشف الحليب ببطء حتى ينتهى بول من استحمامه, ثم يدخل غرفته, كانت تفكر فى تصرفاتها تلك... ان الطريقه التى احتضنته فيها, طالبه منه معانقتها, جعلت رفضه لها فى غايه الاحراج, ومن الواضح ان ذلك كان السبب فى اسراعه فى العده , ثم ادعاءه برغبته فى الصعود الى غرفته حال وصوله, اما عناقه لها فلا بد انه كان بالنسبه اليه, شيئا عاديا لا يحمل اى شعور خاص, بعكسها هى.
لم يسبق لها قط ان تصرفت مع رجل من قبل بهذه الطريقه. حتى ولا مع تيرى عندما كانت تظن نفسها مغرمه به . ومن يدرى ما عسى ان تكون فكره بول عمها الان.
لم تفكر تشارلى . الا بعد ان استقرت فى فراشها, فى ان احداث تل الليله لو كانت قد سارت فى طبيعتها المقرره و لما ذهبت هى الى ذلك المطعم مع بول, بدلا انيت, هذا المساء. ولو كان هو قج ذهب مع تلك الفتاه, هل كان قج تصرف معها بشكل مختلف. وهل كان سياخذها الى البحيره وهل كان سيعانقها فى ضوؤ القمر؟ ثم هل كان سيوصلها الى بيتها ويعود, ام انه سيدخل معها الى بيتها؟
وانتابتها, لكل هذه الافكار, وخزه مؤلمه ادركت تشارلى منها انها اللغيره, لتتسمر, هل هى, تحب بول؟
نعم. لقد كانت تحبه, رغم انكارها الدائم, ومحاوله تجنبها الاجابه. كان جوابها نعم وان ذلك ما كانت تشعر به حقيقه. واعترافها بذلك لنفسها جعلها تواجه حقيقه انه لا يبادلها هو حبا بحب. فهو لم يخرج معها هذا المساء الا بعد خذلان انيت له, فى المقام الاول. فهى لم تكن الا بديله لها. بديله تسد الحاجه مؤقتا لهذا المساء. وانحدرت دمعه ساخنه من عينى تشارلى وهى تشعر . فى ظلام غرفتها ذاك, باقسى ما يمكن ان سشعر به محب واشده ايلاما.